الصفحة 22
غروبها(1) في جملة أشياء تزيد عن عدد القطار(2).

وأي عاقل يعتقد تقديم ابن أبي قحافة وابن الخطّاب وابن عفّان الأدنياء(3) في النسب، والصعاب، الّذين لا يعرف لهم تقدّم ولا سبق في

____________

1- قال ابن حجر في الصواعق المحرقة: 128: ومن كراماته الباهرة أنّ الشمس رُدّت عليه لمّا كان رأس النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) في حجره والوحي ينزل عليه وعلي ـ (عليه السلام) ـ لم يصلّ العصر، فما سرى عنه إلاّ وقد غربت الشمس، فقال النبيّ ((صلى الله عليه وآله)): " اللهم انّه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس "، فطلعت بعد ما غربت.

وحديث ردّها صحّحه الطحاوي والقاضي في الشفا، وحسنّه شيخ الإسلام أبو زرعة، وتبعه غيره.

2- انظر شرح نهج البلاغة 2: 197 ـ 203 و286 ـ 297.

3- الدني: الحقير. العين 1: 598 " دنأ ".


الصفحة 23
علم ولا جهاد، وقد عبدوا الأصنام مدّة طويلة(1)، وفرّوا من الزحف في اُحد(2)

____________

1- من المتّفق عليه فى الكتب التأريخية أنّهم عبدوا الأصنام مدّة طويلة، ولم يكونوا من أوائل الّذين أسلموا، بل عارضوا الدعوة الإسلامية وصاحبها ومن اعتقد بها في أوائل أيامها.

قال ابن الأثير في الكامل في التأريخ 2: 69: ومنهم ـ أي ومن الذين سبقوا إلى الاسلام ولا عشائر لهم تمنعهم ولا قوّة لهم يمنعون بها ـ لبيبة جارية بني مؤمل بن حبيب بن عديّ بن كعب، أسلمت قبل إسلام عمر بن الخطّاب، وكان عمر يعذّبها حتّى تُفتن، ثمّ يدعها ويقول: لم أدعك إلاّ سآمةً، فتقول: كذلك يفعل الله بك.

ثمّ قال: ومنهم زِنِّيرة، وكانت لبني عديّ،وكان عمر يُعذبها.

2- فرار أبي بكر وعثمان في أحد مسلّم لا ينكره أحد، وفرار عمر أيضاً مسلم لا ينكره إلاّ مَن شذّ كمحمّد بن اسحاق والبلاذري.

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عند ذكره غزوة أحد: قال الواقدي: بينا عمر بن الخطاب يومئذ في رهط من المسلمين قعوداً، إذ مرّ بهم أنس بن النضر بن ضمضم عمّ أنس بن مالك، فقال: ما يقعدكم؟ قالوا: قتل رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم قام فجالد بسيفه حتى قتل.

وروى السيوطي في الدر المنثور 2: 334 في تفسير قوله تعالى: (وما محمّد إلاّ رسول) ـ آل عمران: 144 ـ عن عمر أنّه قال: إنّها اُحُدِيِّة. ثم قال: عمر: فتفرقنا عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فصعدتُ الجبل.

واستدل ابن أبي الحديد على فرار عمر بكلام الواقدي حيث قال: كان ممّن ولّى: عمر وعثمان والحارث بن حاطب وثعلبة بن حاطب وسواد بن غزية وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان وخارجة بن عمر بلغ مَلَل [موضع على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلاً من المدينة. معجم البلدان 5: 194] وأوس بن قيظي في نفر من بني حارثة بلغوا الشقْرة [موضع معروف في طريق مكّة لبني سليم. معجم البلدان 3: 355] ولقيتهم أم أيمن تُحثي في وجوههم التراب وتقول لبعضهم: هاك المغزل فاغزل وهلمّ سيفك.

وبكلامه حيث قال: إنّ عمر كان يُحدّث فيقول: لمّا صاح الشيطان قُتل محمّد، أقبلتُ أرقى في الجبل كأنّي اُرْوِيةٌ [وهي الشاة الواحدة من شياه الجبل، وقيل: هو اُنثى الوُعُول، وهي تُيوس الجبل. النهاية 2: 28 " روى "].


الصفحة 24
وحنين(1)، وأحجموا يوم الأحزاب، ونكّست رؤوسهم الرايةُ(2) وبراءة(3)،

____________

1- وفرارهم يوم حُنين مسلّم أيضاً، ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب (المطبوع بهامش الاصابة) 3: 96 عن العباس بن عبد المطلب فرار المسلمين جميعاً إلاّ سبعة نفر من أهل بيته. وعن ابن إسحاق: السبعة: علي والعباس والفضل بن العباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه جعفر وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد والثامن أيمن بن عبيد. وجعل غير ابن إسحاق في موضع أبي سفيان عمر بن الخطاب، والصحيح أنّ أبا سفيان ابن الحارث كان يومئذ معه لم يختلف فيه واختلف في عمر.

وأخرج ابن الأثير في جامع الاُصول 8: 400 نقلاً عن أبي قتادة قوله: وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله. ثمّ تراجع الناس إلى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)).

وروى البخاري في صحيحه 5: 18 بسنده عن عثمان بن وهب قال: جاء رجل من أهل مصر حجّ البيت فرأى قوماً جلوساً فقال: مَن هؤلاء القوم؟ قالوا:

هؤلاء قريش، قال: مَن الشيخ فيهم؟ قالوا: ابن عمر، فأتاه فقال له: إنّي سائلك عن شيء فحدّثني. قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أنّ عثمان فرّ يوم اُحد؟ قال: نعم. قال: فتعلمه تغيّب عن بدر فلم يشهدها؟ قال:

نعم.

2- وذلك في معركة خيبر، وتقدّم الكلام عنها في الصفحة 14.

3- أخرج أحمد بن حنبل عن زيد بن يُثيع عن أبي بكر: أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بعثه ببراءة إلى أهل مكة: " لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عرياناً، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) مدّة فأجله إلى مدّته، والله بريء من المشركين ورسوله ".

قال: فسار بها ثلاثاً، ثمّ قال النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) لعلي: " إلحقه، فردّ عليَّ أبا بكر وبلّغها أنت ".

قال: ففعل، فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) القصوى، فخرج أبو بكر فزعاً، فظنّ أنّه رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، فإذا هو علي، فدفع إليه كتاب رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وأخذها منه، وسار، ورجع أبو بكر.

فلما قدم على النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) بكى وقال: يا رسول الله أحَدَثَ فيّ شيء؟ قال: " لا، ولكن اُمرتُ أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو رجل منّي ".

مسند أحمد 1: 3 و3: 212. وانظر سنن الترمذي 5: 636 حديث 3719، جامع الاُصول 9: 475، الصواعق المحرقة: 122، الجامع الصغير 2: 177 حديث 5595، مستدرك الصحيحين 3: 132 ـ 134.


الصفحة 25
وظلموا الزهراء بمنع إرثها ونحلتها، وألبسوا أشياء أقلّها يوجب الكفر، فعليهم وعلى محبيّهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

ثمّ من بعد أمير المؤمنين ولده الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين زين العابدين، ثمّ محمّد باقر علوم الدين، ثمّ جعفر الصادق الأمين، ثمّ موسى كاظم الغيظ سيّد العارفين، ثمّ علي الرضا، ثمّ محمّد الجواد، ثمّ علي الهادي، ثمّ الحسن العسكري، ثمّ الخلف الحجّة القائم المنتظر محمّد بن الحسن المهدي، المُستتر خوفاً من الأعداء، الموعود بظهوره بعد اليأس، لتكشف به الغماء، فتملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فصل

والمعاد:

هو العلم بأنّ الله تعالى يُعيد الخَلق بعد فنائهم ويجعلهم في عرصة القيامة، فيجزئ المُطيع بالثواب والعاصي بالعقاب، ويعوّض كلَّ ذي ألم من المكلّفين وغيرهم. وقد نطق القرآن به في آيات كثيرة، وتواترت به الأخبار من الصادقين، وأجمع عليه أهل الإسلام، فيجب الإقرار به.

وكذا ما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من سؤال القبر، والحساب، والصراط،

الصفحة 26
والميزان، وانطاق الجوارح، وتطاير الكتب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، وتفاصيلها.

ويجب على كلّ مكلّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ مع العلم بما يأمر به، وتجويز التأثير، والأمن من الضرر ـ باللسان ثمّ باليد وبالقلب، على جميع المكلّفين.

فهذه جملة الاُصول الخمسة التي بها يحصل أدنى مراتب الايمان، والله أعلم.

ويجب على كلّ مكلّف أن يعرف ما كلّف به من العبادات، وأعظمها الصلاة.

والصلوات الواجبة سبع: اليوميّة، والجمعة، والعيدان، والآيات، والطواف، والأموات، والملتزم بالنذر وشبهه.

فاليوميّة: هي الصلوات الخمس، أعني: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.

وهي سبع عشرة ركعة في الحضر: الصبح اثنان، والمغرب ثلاث، والباقي أربع أربع.

وإحدى عشرة ركعة في السفر بتنصيف الرباعيّات.

والسفر الموجب للقصر هو سير يوم، أعني ثمانية فراسخ، إذا كان غير معصية، ويبقى على حكم القصر حتّى يرجع إلى بلده، أو ينوي إقامة عشرة أيام.


الصفحة 27

ومقدّمات الصلاة سبع:

الاُولى: الطهارة

وهي: الوضوء، والغسل، والتيمم.

وموجبات الوضوء ستة أشياء:

خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد، والنوم الغالب على السمع والبصر، وكلّ ما أزال العقل من اغماء وجنون وسكر، والاستحاضة القليلة.

وواجباته خمسة:(1)

الأوّل: النيّة:

وصفتها: أتوضّأ لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله تعالى. ويجب أن يقارن بها أوّل غسل الوجه، ويبقى على حكمها إلى آخر الوضوء.

الثاني:

غسل الوجه من الأعلى، فلو نكس بطل. وحدّه طولاً من منابت الشعر من مقدّم الرأس إلى محادر شعر الذقن(2)، وعرضاً ما حوى الابهام والوسطى. كلّ ذلك من مستوي الخلقة، وغيره ـ كالأنزع(3)، والأغمّ(4)، وقصير الأصابع وطويلها ـ يغسل ما يغسله مستوي

____________

1- المذكور هنا ستة.

2- محادر شعر الذقن، بالدال المهملة: أوّل انحدار الشعر عن الذقن، وهو طرفه. مجمع البحرين 3: 261 " حدر ".

3- رجل أنزع: وهو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته. الصحاح 3: 1289 " نزع ".

4- الغمم: أن يسيل الشعر حتّى تضيق الجبهة أو القفا. الصحاح 5: 1998 " غمم ".


الصفحة 28
الخلقة.

ويجب غسل ما بين الشعر، ويُستحب غسل ما تحته، والخفيف آكد.

الثالث:

غسل اليدين من المرفقين مبتدئاً بهما إلى رؤوس الأصابع، ولو نكس بطل، ويجب البدأة باليمين، وتخليل الشعر والظفر وكلّ حائل.

الرابع:

مسح مقدّم شعر الرأس أو بشرته ببقيّة بلل الوضوء، فلا يجوز استئناف ماء جديد، ويكفي مسمّاه، ويجوز النكس على كراهية.

الخامس:

مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى العظمين اللذين في وسط القدم بماء الوضوء، فلا يجوز الاستئناف، ولو غسل بدل المسح بطل الوضوء. ويكفي فيه المسمّى، ويكره نكسه، ويجب تقديم اليسرى على اليمنى.

السادس:

الترتيب كما ذكر، والموالاة بمعنى أن يغسل كل عضو قبل جفاف ما قبله، فيبطل لو جفّ.

ولا يجوز أن يوضّئه غيره اختياراً، وغسل الاذنين ومسحهما بدعة يُعزّر فاعله، كذا التطوّق، فإن تاب وإلاّ قتل في الرابعة.

وموجبات الغسل ستة أشياء:

الجنابة، والحيض، والاستحاضة غير القليلة، والنفاس، ومسّ الميّت من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل حيث يجب تغسيله، وموت الإنسان المسلم.

وواجباته أربعة:

الأوّل:

النيّة، وصفتها: أغتسل لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله

الصفحة 29
تعالى، ويجب أن يقارن بها غسل رأسه إن كان مُرتّباً، وإن كان مُرتمساً كفى مقارنتها لجزء من بدنه واتباعه الباقي بغير تراخ، واستدامتها حكماً إلى آخر الغسل.

الثاني:

غسل الرأس والرقبة وما ظهر من صماخ الأذنين(1)، وتخليل الشعر.

الثالث:

غسل الجانب الأيمن، وتخليل الشعر والمعاطف والسّوار(2)والدّملج(3) للمرأة، والخاتم والأظفار، وكلّ مانع.

الرابع:

غسل الأيسر كذلك، ويتخيّر في غسل العورتين والسرّة مع أي جانب شاء.

ويجب الترتيب كما ذكر، أو الارتماس على ما تقدّم، والمباشرة بنفسه، ولا تجب الموالاة.

ويكفي غسل الجنابة عن الوضوء، أمّا غيرها فلابدّ معها من الوضوء، ويزيد في الاستحاضة الوضوء لكلّ صلاة، وتغيير القطنة، وغسل الفرج.

موجبات التيمم:

وموجبات التيمم جميع موجبات الوضوء والغسل ; لأنّه بدل منهما، ويزيد عدم وجود الماء مع التمكن من استعماله.

____________

1- الصماخ: خرق الاذن، ويقال هو الاذن نفسها. الصحاح 1: 426 " صمخ ".

2- السّوار: حليّ من ذهب تلبسه المرأة في الذراع، فإن كان من فضة فهو قُلب، وإن كان من قرون أو عاج فهو مسكة. النهاية في غريب الحديث، والأثر 2: 420، مجمع البحرين 3: 338 " سور ".

3- الدّملج: المِعضد من الحلّي، تلبسه المرأة في عضدها. النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 134، مجمع البحرين 2: 301 " دملج ".


الصفحة 30

وواجباته أربعة:

الأوّل:

النيّة وصفتها: أتيمّم بدلاً من الوضوء أو الغسل، لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله. ويجب مقارنتها للضرب على الأرض لا لمسح الجبهة، واستدامتها إلى الفراغ.

الثاني:

مسح الجبهة مع الجبينين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف مما يلي آخر الجبهة، بادئاً بالجبهة، فلو نكس بطل.

الثالث:

مسح كفّه اليمنى من الزند مُبتدئاً به إلى رؤوس الأصابع، غير ناكس.

الرابع:

مسح اليسرى كذلك.

ويجب الترتيب كما ذكر، والموالاة بحيث يأتي بكلّ فعل بعد الفراغ مما قبله، والمباشرة بنفسه.

ويجب الضرب بباطن اليد بغير حائل على تراب أو حجر طاهرين، ويكفي في الوضوء ضربة، وفي الغسل ضربتان، ويكفي في الجنابة تيمّم واحد، ويجب في غيرها تيمّمات، وللميت ثلاث، ويراعى فعله آخر الوقت.

الثانية: تطهير النجاسات

وهي عشر: البول والغائط من كلّ حيوان غير مأكول اللحم إذا كان له نفس سائلة، والدم من ذي النفس وإن كان مأكولاً، والمني منه، والميتة، والكلب، والخنزير، والكافر، والمسكر المائع، والفقاع.

ويجب غسل النجاسة بماء طهور، ويكفي في الاستنجاء من الغائط غير المتعدّي ثلاث مسحات ولو بأطراف حجر طاهر ونحوه. ولابدّ في

الصفحة 31
الغسل بالماء القليل ـ أعني دون الكر ـ من التعدّد مرّتين في الثوب والبدن مع العصر، إلاّ في بول الرضيع فيكفي صبّ الماء عليه، ويتعيّن العصر، والتحفّظ من الغسالة فإنّها نجسة.

وفي الاناء يجب غسله ثلاث مرّات، أولاهن بالتراب في ولوغ الكلب، وفي نجاسة الخنزير والخمر سبع مرات.

ويعفى عن قدر سعة الدرهم البغلي من الدم المغلّظ نجاسة ما لا تتمّ الصلاة فيه وحده، كالخف ونحوه.

الثالثة: ستر العورة للمصلّي

وهي: القبل والانثيان والدبر وما بينهما للرجل، وجميع البدن والشعر عدا الوجه والكفين والقدمين للمرأة والخنثى، ولا يجب على الأمة المحضة والصبية ستر رأسهما.

ويعتبر في الساتر طهارته، وكونه غير ذهب ولا ممّوه به، ولا جلد غير مأكول اللحم، ولا صوفه أو شعره أو وبره أو عظمه، إلاّ الخزّ والسنجاب.

الرابعة: الوقت

ويجب إيقاع الظهر بعد زوال الشمس المعلوم بزيادة الظلّ بعد نقصه، والعصر بعدها. ولونسي الظهر وصلّى العصر، فإن كان قد مضى من الوقت يكفي للظهر مخفّفة أجزأت وصلّى الظهر، وإلاّ أعادها، ولو بقي من آخر الوقت مقدار أربع اختصت بالعصر.


الصفحة 32
والمغرب بعد ذهاب الحمرة التي من جانب المشرق، والعشاء بعد الفراغ منها أو مضي مقدار فعلها، وينبغي تأخيرها إلى ذهاب الحمرة المغربيّة، ويخرج وقتها بانتصاف الليل، ولو بقي من آخر الوقت مقدار أربع اختصت بها العشاء.

والصبح بعد طلوع الفجر الثاني، وهو الصادق، ويبقى إلى طلوع الشمس.

الخامسة: المكان

ويشترط كونه غير مغصوب، وطهارته، ولو كان نجساً صح بشرط أن لا تتعدّى إلى المصلّي أو محموله، وذلك في ما عدا مسجد الجبهة، فلا يعفى عن نجاسته وإن لم تتعدّ.

السادسة: ما يصح السجود عليه

ويُعتبر كونه أرضاً، أو نباتاً غير مأكول ولا ملبوس عادةً، فلا يجوز على المعادن والقطن والكتان ونحوها.

السابعة: القبلة

ويُعتبر توجّه المصلّي إلى عين الكعبة إن كان قريباً يمكنه ذلك، وإن بَعُدَ ففرضه الجهة علماً إن أمكن، وإلاّ ظنّاً، ومع الاشتباه يعوّل على الأمارات، ومع فقدها يصلّي إلى الأربع جهات.

والعامّي يقلّد العدل المُخبِر عن اجتهاد أو يقين.


الصفحة 33

وأفعال الصلاة ثمانية:

الأوّل: النيّة

وهي ركن، وصفتها: اُصلّي فرض الظهر ـ مثلاً ـ أداءً لوجوبه قربة إلى الله. ولو كان يصلّيها في غير الوقت نوى القضاء.

ويجب مقارنتها لتكبيرة الاحرام فتبطل لو تخلّل زمان وإن قلّ، واستدامتها حكماً إلى الفراغ.

الثاني: تكبيرة الاحرام

وهي ركن، وصورتها، الله أكبر.

ويُعتبر كونها بالعربيّة مع الامكان بهذا اللفظ، مرتبة، مقطوع الهمزتين غير الممدودتين، ويجب في " أكبر " كونها بوزن " أفعل " من غير اشباع لفتحه الباء.

الثالث: القراءة

ويتعيّن الحمد وسورة كاملة في الثنائيّة واُولي الثلاثيّة والرباعيّة، ولا يجوز الاقتصار على الحمد، ولا التبعيض اختياراً.

ويجب كونها بالعربيّة فلا تُجزئ الترجمة اختياراً، ومراعاة صفات الإعراب كلّها، والمحافظة على التشديدات، والمحافظة في الوقت على عدم الاخلال بالنظم.


الصفحة 34
والترتيب بين الحمد والسورة، وكلماتهما وآياتهما على المتواتر، والقراءة بالسبع أو العشر(1) دون ما عداها، والبسملة أوّل الحمد والسورة، والقصد بها إلى سورة معيّنة بعد الحمد، وكون السورة ليست واحدة من العزائم الأربع ـ وهي: سجدة ألم تنزيل، وفصلت، والنجم، واقرأ باسم ربك ـ ولا طويلة يفوت الوقت بقراءتها.

والجهر بالقراءة للرجل في الصبح واُوليي العشاءين، والاخفات في البواقي، وعدم الانتقال من السورة إلى غيرها إن بلغ نصفها، إلاّ التوحيد والحمد، فلا يجوز مطلقاً إلاّ إلى الجمعة والمنافقين في الجمعة وظهرها.

وتجب الموالاة في القراءة، بمعنى أن لا يفصل بين أجزائها بسكوت طويل ولا بقراءة أجنبيّة، فلو فعل عمداً بطلت صلاته. ويجزئ في غير الاُوليين: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، مرّة واحدة، يعتبر

____________

1- القرّاء السبعة هم:

(1) عبدالله بن عامر الدمشقي، ت 118 هـ.

(2) عبدالله بن كثير المكّيّ، المشهور بأبي معبد، ت 120هـ.

(3) زَبّان بن علاء، المشهور بأبي عمرو البصري، ت 154 هـ.

(4) نافع بن عبد الرحمن المدنيّ، المشهور بأبي رويم، ت 169 هـ.

(5) عاصم بن أبي النجود الكوفي، المشهور بأبي بكر، ت 127 هـ أو 128 هـ.

(6) حمزة بن حبيب الكوفي، المشهور بأبي عمارة، ت 156 هـ.

(7) علي بن حمزة الكسائي الكوفي، المشهور بأبي الحسن، ت 189 هـ.

والعشرة باضافة:

(8) يزيد بن قعقاع المخزومي المدني، ت 130 هـ.

(9) يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، ت 205 هـ.

(10) خلف بن هشام الكوفي، ت 229 هـ.

انظر النشر في القراآت العشر 1: 99 ـ 173.


الصفحة 35
فيه الترتيب والموالاة، وكونه بالعربيّة مع الإمكان، وعدم الجهرية.

الرابع: القيام من أوّل النيّة

وهو ركن أيضاً، ويجب فيه الانتصاب على المتعارف مستقلاً غير معتمد على شيء ويجب الاستقرار. ولو وقف على ما يضطرب كالثلج الذائب، والرمل المنهال، أوالراحلة ولو معقولة، أو ماشياً، لم يجزئ إلاّ مع الضرورة. ولو عجز عن الصلاة قائماً صلّى جالساً، فإن عجز صلّى مُضطجعاً، فإن عجز صلّى مُستلقياً.

الخامس: الركوع

وهو ركن، ويجب فيه الانحناء إلى أن تصل كفاه الركبتين. ويجب فيه الذكر وهو: سبحان ربّي العظيم وبحمده، متوالياً، مطمئناً، بالعربيّة.

السادس: السجود

ويجب في كلّ ركعة سجدتان، وهما ركن معاً، ويجب فيها السجود على سبعة أعظم: الجبهة، والكفين، والركبتين، وابهامي الرجلين. والذِكرُ، وهو: سبحان ربّي الأعلى وبحمده، ويجب الجلوس بينهما مطمئناً.

السابع: التشهّد

ويجب في كلّ ثنائيّة مرّة، وفي كلّ ثلاثيّة ورباعيّة مرّتان. ويجب

الصفحة 36
الجلوس له، والطمأنينة فيه، وكونه بالعربيّة. وصورته: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهم صلّ على محمّد وآله محمّد.

الثامن: التسليم

وهو واجب في كلّ فريضة مرّة آخرها بعد التشهّد، وصورته: السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


*  *  *

ويحرم في الصلاة الفريضة الكلام بحرفين غير قرآن ولا دعاء، والاستدبار، والحدث، والفعل الكثير الخارج عن الصلاة، ووضع إحدى اليدين على الاُخرى ويسمّى التكتّف، ويعزّر فاعله.

وكلّ مَن شكّ في عدد الاُوليين من ركعات الصلاة بطلت صلاته، وكذا مَن شكّ بين الاثنتين والصلاة قبل اكمال السجدتين، وإن كان بعدهما بنى على الثلاث وصلّى ركعة اُخرى وتشهّد وسلّم، وصلّى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس احتياطاً، ومثله لو شكّ بين الثلاث والأربع.

ولو شكّ بين الاثنتين والأربع بعد اكمال السجدتين تشهّد وسلّم واحتاط بركعتين من قيام، ولو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد الاكمال احتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس.

والنيّة: اُصلّي ركعةً احتياطاً، أو ركعتين من قيام أو من جلوس، في

الصفحة 37
فرض كذا أداءً لوجوبه قربة إلى الله.

ولو تكلّم ساهياً، أو زاد أو نقص ما ليس بركن، سجدَ للسهو سجدتين، ونيتهما: أسجد سجدتي السهو في فرض كذا أداءً لوجوبهما قربة إلى الله، ويسجد ويقول في الاُولى: بسم الله وبالله اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وفي الثانية: بسم الله وبالله السّلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، ويتشهّد خفيفاً ويسلّم.

والجمعة: ركعتان بدل الظهر قبلهما خطبتان، ونيّتها: اُصلّي فرض الجمعة مأموماً أداءً لوجوبه قربة إلى الله. ويشترط كون الإمام عدلاً، والعدد سبعة فصاعداً.

وكذا العيدان ركعتان، يكبّر بعد القراءة في الاُولى خمس تكبيرات، ويقنت بينهما وفي الثانية أربع. وأنّهما يجبان مع وجود الإمام المعصوم، ونيتّها: اُصلّي صلاة العيد أداء لندبها قربة إلى الله.

وصلاة الآيات ـ وهي: الكسوف، والخسوف، والزلزلة، وكلّ مخوّف سماوي ـ ركعتان، في كلّ ركعة خمس ركوعات وسجدتان، يقرأ في كلّ ركوع الحمد وسورة ويركع، ونيّتها: اُصلّي فرض الكسوف أداءً لوجوبه قربه إلى الله.

وصلاة الطواف ركعتان كالصبح، لكن لا يتعيّن فيهما جهر، ولابدّ من كونهما قبل السعي حيث يجب، ونيّتهما: اُصلّي صلاة الطواف لوجوبها قربة إلى الله.

وصلاة الأموات خمس تكبيرات احداها تكبيرة الاحرام، يتشهّد عقيب الاُولى، ويصلّي على النبيّ وآله عقيب الثانية، ويدعو للمؤمنين

الصفحة 38
والمؤمنات عقيب الثالثة، وللميّت المؤمن عقيب الرابعة. ولا ركوع فيها ولا تشهّد ولا تسليم، ولا تشترط فيها الطهارة ; لأنّها دعاء، ونيّتها: اُصلّي على هذا الميّت لوجوبه قربة إلى الله.

وصلاة النذر وشبهه بحسب الهيئة المنذورة وعدد الركعات، ويتعيّن الزمان وعدمه. والنية: اُصلّي ركعتين ـ مثلاً ـ لوجوبهما بالنذر قربة إلى الله.

وكلّ مكلّف فاتته فريضة من الفرائض قضاها عند تذكّرها، ويراعي الترتيب، فيقضي الفائت أوّلاً ثمّ ما بعده، ونيّتها: أصلّي فرض كذا قضاءً لوجوبه قربة إلى الله.

فهذا أيسر ما يجب على المكلّفين، ومَن أخلّ بشيء منه استحقّ العقاب في الدارين، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله أجمعين.