المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


الجعفرية





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله ربّ العالمين، وبارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمّد المصطفى، وآله الطيبّين الطاهرين.

وبعد،

هذه هي الرسالة الجعفريّة، التي لا يختلف اثنان في نسبتها للمحقّق الكركي وهي رسالة مختصرة في بيان الصلاة الواجبة والمندوبة على المكلّف، ومقدّماتها من الطهارة وغيرها.

ألّفها (رحمه الله) للأمير جعفر النيسابوري ـ لذلك سمّاها بالجعفريّة ـ اجابة لطلبه، وذلك عندما عيّن الكركي في كلّ بلد وقرية في ايران إماماً يُعلّم الناس شرائع الإسلام ويؤمّهم في الصلاة، وأخذ على نفسه تعليم كبار رجال الدولة والوزراء.

انتهى من تأليفها في مدينة مشهد المقدّسة في ايران، نهار يوم الخميس، العاشر من شهر جمادى الآخرة سنة 917 هـ.

وقد لاقت هذه الرسالة شهرة عظيمة ورواجاً كبيراً بين العلماء، فشرحها وعلّق عليها عدد منهم، وت ترجمها آخرون، ونظمها الشيخ عبد الحسين بن عبدالرضا الكاظمي، وطبعت عدّة طبعات، ولها نُسخ خطيّة كثيرة في مختلف مكتبات العالم.

ولمعرفة المزيد عن هذه الرسالة انظر ما كتبناه عنها عند حديثنا عن مؤلّفاته.


الصفحة 9
اعتمدتُ في تحقيقها على خمس نسخ خطيّة، هي:

(1) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة، ضمن المجموعة المرقّمة 680، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 2: 273، كتبها بخطّ النسخ علي جان سلطان سنة 939 هـ. وتقع هذه النسخة في إحدى وستين ورقة بحجم 30 / 18 × 17 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش ".

(2) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة الرضويّة في مدينة مشهد المقدّسة تحت رقم 2319، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة: 164، وهي بخطّ نستعليق، مجهولة الكاتب، كُتبت سنة 917 هـ. وتقع هذه النسخة في ثلاث وخمسين ورقة بحجم 19 × 12 / 5 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ض1 ".

(3) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة الرضويّة في مدينة مشهد المقدّسة، تحت رقم 2317، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة: 164، وهي بخط النسخ، مجهولة الكاتب، كُتبت سنة 917 هـ. وتقع هذه النسخة في خمس وأربعين ورقة بحجم 20 / 8 × 15سم، وكلّ ورقة تحتوي على عشرة أسطر، وقد رمزنا لها بالحرف " ض2 ".

(4) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة الرضويّة في مدينة مشهد المقدّسة، تحت رقم 2321، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة: 164، كتبها بخطّ النسخ عبد العلي بن نور الدين في سنة 918 هـ. وتقع هذه النسخة في خمسين ورقة بحجم 19 × 13 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ض3 ".


الصفحة 10
(5) النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري في مدينة خوانسار تحت رقم 17، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 1: 18 ناقصة من آخرها عدّة أوراق. وهي بخطّ النسخ، كُتبت في حياة المؤلّف وقُرئت عليه، وفي حاشيتها عدّة عبارات بخطّ الكركي تدلّ على أنّ الذي قرأها عليه يدعى باختيار:

منها: بلغ الشيخ العالم الفاضل العلاّمة مهاد القضاة والفضلاء قراءة على كاتبه الفقير علي بن عبد العالي.

ومنها: بلغ الشيخ العالم الفهّامة المختار المدعو باختيار أدام الله تعالى توفيقه وتأييده وأجزل من العوائد حظّه ومزيده، قراءة على كاتبه علي بن عبد العالي.

وتقع هذه النسخة في سبع وأربعين ورقة بحجم 13 × 5 / 18 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " خ ".

والحمد لله ربّ العالمين


الصفحة 11


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش"

الصفحة 12

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش"

الصفحة 13

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة "ض1"

الصفحة 14

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة "ض1"

الصفحة 15

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة "ض 2"

الصفحة 16

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة "ض 2"

الصفحة 17

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة "ض 3"

الصفحة 18

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة "ض 3"

الصفحة 19

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري "خ"

الصفحة 20

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري "خ"

الصفحة 21

الصفحة 22

الصفحة 23
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعّال لما يريد، الذي شرع لعباده الصلاة وسيلة إلى الفوز بجزيل الثواب، وفضّلها على جميع الأعمال البدنيّة، فأمر بالمحافظة عليها في محكم الكتاب، والصلاة والسّلام على أفضل السابقين والمصلين من المرسلين والنبيّين محمّد وآله اُمناء الدين، وحفظة الشرع المبين.

وبعد، فإنّ التماس مَن إجابته من أفضل الطاعات، وإسعافه بقضاء حاجته من أقرب القربات، أن أكتب رسالة موجزة تشتمل على واجبات الصلوات المفروضات ـ وما عساه يسنح ـ من المندوبات، جدير بالمسارعة إلى اسعاده بتحقيق مراده، وإمداده(1) بابراز سؤله وفعل مأموله.

فاستخرتُ الله تعالى وكتبتُ ما تيسّر، على حسب ضيق المجال، وتشتّت البال بمداومة الحلّ والترحال، وأرجو أن ينفع الله بها الجناب(2)السيّد الأعظم والسند المعظم اُسوة الأكابر والأعالي ملجأ الأفاضل و الأهالي فريد الزمان ووحيد الأوان: السيد الحسيب النسيب الأجل الأقدس الأطهر السيد فريد الملّة والدين جعفر الحسيني النيشابوري ادام الله تعالى ظلال

____________

1- وامداه: لم ترد في " ض1 ".

2- من كلمة (الجناب) إلى (بمحمد وذويه) وردت فقط في نسخة " خ "، وبما أنّها مقروءة على المصنّف لذلك اثبتنا هذه العبارة في المتن.


الصفحة 24
نقابته بمحمّد وذويه، ويثبت لي بها قدم صدق يوم الدين، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

وهي مرتبة على: مقدّمة، وأبواب، وخاتمة.

أمّا المقدّمة

فالصلاة لغة: الدعاء(1).

وشرعاً: قيل: هي أفعال مفتتحة بالتكبير، مشترطة بالقبلة للقربة. اُورد على طرده: الذِكر المنذور على حال الاستقبال مفتتحاً بالتكبير، وأبعاض الصلاة.

فزدنا فيه: مختتمة بالتسليم.

واُورد على عكسه: صلاة المضطّر في القبلة.

فحذفنا منه: مشترطة بالقبلة، فاستقام.

وهي: واجبة، ومندوبة.

فالواجبة أقسام:

منها اليوميّة، ووجوبها ثابت بالنصّ(2) والإجماع، بل هو من

____________

1- الصحاح 6: 2402 " صلا ".

2- انظر وسائل الشيعة 3: 5 باب وجوب الصلوات الخمس وعدم وجوب صلاة سادسة في كلّ يوم.


الصفحة 25
ضروريات الدين، حتّى أنّ مستحلّ تركها كافر إن لم يدّع شبهة محتملة.

ولا ريب أنّها أفضل الأعمال البدنيّة، والأخبار مملوءة بذلك(1)، والأذان والاقامة صريحان في الدلالة، ولا استبعاد بعد ورود النصّ.

وخفاء الحكمة لا يقتضي نفيها، ويرشد إليه: أنّ الحجّ فيه شائبة الماليّة(2)، والزكاة ماليّة محضة، ومن ثمّ قبل النيابة حال الحياة مع الضرورة، والزكاة اختياراً، والصوم ليس فعلاً محضاً، وما يوجد في بعض الأخبار من تفضيل غير الصلاة، متأوّل.

وشرط وجوبها: البلوغ، والعقل، والطهارة من الحيض والنفاس على تفصيل(3)، لا الإسلام، فتجب على الكافر وإن لم تصح منه.

ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى، وصفاته الثبوتيّة والسلبيّة، وعدله، وحكمته، ونُبوّة نبيّنا محمَّد (صلى الله عليه وآله)، وإمامة الأئمة (عليهم السلام)، والاقرار بكل ما جاء به النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أحوال المعاد بالدليل لا بالتقليد.

وطريق معرفة أحكامها لمن كان بعيداً عن الإمام (عليه السلام): الأخذ بالأدلّة التفصيليّة في أعيان المسائل إن كان مجتهداً، والرجوع إلى المجتهد ولو بواسطة وإن تعدّدت إن كان مقلّداً. واشترط الأكثر كونه حيّاً، ومع التعدد

____________

1- انظر وسائل الشيعة 3: 25 باب استحباب اختيار الصلاة على غيرها من العبادات المندوبة.

2- في " ض1 ": ماليّة.

3- في " ض2 ": تفصيل يأتي.


الصفحة 26
يرجع إلى الأعلم ثمّ الأورع، ثمّ يتخيّر ولو في آحاد المسائل، بل في المسألة الواحدة في واقعتين، نعم يشترط عدالة الجميع.

ويثبت الاجتهاد بالممارسة المُطلِعة على الحال للعالم بطريقه، أو بإذعان العلماء مطلقاً.

والعدالة بالمعاشرة الباطنة، أو بشهادة عدلين، أو الشياع.


الصفحة 27

وأمّا الأبواب فأربعة:

الأوّل
في الطهارة

وفيه فصول:

الأوّل: في أقسامها وأسبابها

الطهارة: هي الوضوء أو الغسل أو التيمّم، على وجه له تأثير في استباحة الصلاة.

وكلّ منها: واجب، وندب.

فالواجب من الوضوء: ما كان لواجب الصلاة، والطواف، ومسّ كتابة القرآن.

والمندوب ما عداه.

والواجب من الغسل: ما كان لأحد الاُمور الثلاثة، أو لدخول المساجد مع اللبث في غير المسجدين، أو لقراءة(1) العزائم إن وجبا، إلاّ غسل المسّ(2)، ولصوم الجنب مع تضيّق الليل(3) إلاّ لفعله، وكذا الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر بمقدار فعله، والمستحاضة الكثيرة الدم

____________

1- في " ش " و" ض1 ": أو قراءة.

2- في " ش " و" ض1 ": غسل مسّ الميت.

3- في هامش " ض2 ": الوقت (خ ل).


الصفحة 28
على تفصيل.

والمندوب ما عداه.

والواجب من التيمّم: ما كان لأحد الاُمور المذكورة، ولخروج الجنب والحائض والنفساء من المسجدين.

والمندوب ما عداه.

وإنّما يجب الوضوء لما ذكر بخروج البول والغائط منفصلاً، والريح من الطبيعي وغيره إذا صار معتاداً أو انسد الطبيعي، والنوم المبطل للحسّ ولو تقديراً، وكلّ مزيل للعقل، والاستحاضة على وجه، والغسل بالجنابة، والحيض، والاستحاضة غير القليلة، والنفاس، ومسّ الميّت نجساً، وموت المسلم ومَن بحكمه، والتيمّم بموجباتهما والتمكن من فعل مبدله، وقد تجب الثلاثة بالنذر وشبهه.

ومتى اجتمعت أسباب كفى في رفعها قصد الاستباحة، أو الرفع مطلقاً، أو مضافاً إلى أحدها. وفي إجزاء غير الجنابة عنها قولان(1)، والإجزاء قويّ.

ويجب على المتخلّي ستر العورة عن ناظر محترم، وتجنب استقبال القبلة واستدبارها ولو في الأبنية، والاستنجاء من البول بالماء خاصة، والمشهور اعتبار المثلين فيعتبر الفصل، وكذا في الغائط المتعدّي والمعتبر فيه الانقاء، ويتخيّر في غيره بينه وبين مسحات ثلاثة بطاهر جاف قالع ولو بأطراف حجر، أو محترم وإن حرم، فإن لم ينق بها وجبت الزيادة، ولو

____________

1- ذهب إلى الإجزاء المحقّق في المعتبر 1: 361، والشهيد في الذكرى: 25. وذهب إلى عدم الإجزاء العلاّمة في القواعد: 3.


الصفحة 29
نقى بما دونها اعتبر الاكمال، ولا فرق في ذلك بين الطبيعي وغيره مع اعتياده.

الثاني: في المياه

وهي: مطلق، ومضاف، وأسآر:

فالمطلق: هو ما يستحق اطلاق اسم الماء عليه من غير قيد، ولا يصح سلبه عنه.

وهو في أصل خلقته طهور، فإن لاقاه طاهر فهو على حكمه وإن تغيّر به ما لم يفتقر اطلاق الاسم(1) عليه إلى قيد.

وإن لاقته النجاسة: فإن كان جارياً ـ وهو النابع ـ لم ينجس بها وإن نقص عن الكر، ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه فينجس المتغيّر، وما بعده إن نقص عن الكر واستوعب التغيّر عمود الماء، ويطهر بزوال التغيير ولو من نفسه.

وماء الحمّام بالمادة المشتملة على الكثرة، وماء الغيث متقاطراً كالجاري، وإن كان راكداً نجس بها إن نقص عن الكر، وفي طهره بالاتمام قولان(2).

____________

1- في " ض1 ": اسم الماء.

2- الأوّل: عدم التطهير، وذهب إليه الشيخ في الخلاف 1: 194 مسألة 149 كتاب الطهارة، والمحقّق في المعتبر 1: 51 وشرائع الإسلام 1: 12، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء 1: 4.

الثاني: التطهير، وذهب إليه ابن البرّاج في المهذّب 1: 23، والسيّد المرتضى في جوابات المسائل الرسيّة الاُولى (ضمن رسائله، المجموعة الثانية): 361، وابن إدريس في السرائر: 1: 63، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 18.


الصفحة 30
وإن كان كراً فصاعداً ـ وهو ما بلغ تكسيره بأشبار مستوي الخلقة اثنين وأربعين وسبعة أثمان، أو كان وزنه ألفاً ومائتي رطل بالعراقي ـ لم ينجس إلاّ بالتغيّر.

ويطهران بإلقاء كر دفعة واحدة، فإن لم يزل التغيّر فآخر حتى يزول(1).

وإن كان بئراً نجست بالتغيّر اجماعاً، لا بالملاقاة على الأصح، ويطهر بالنزح حتى يزول التغيّر، وعلى القول بالنجاسة بالملاقاة ينزح للتغيّر بها عند جماعة(2).

ولموت البعير والثور، ووقوع المسكر المائع والفقّاع، والمني، وأحد الدماء الثلاثة جميع الماء.

ولموت الحمار، والبغل، والدابة، والبقرة كر.

ولموت الإنسان وإن كان كافراً عند الأكثر سبعون دلواً معتادة.

وخمسون: للعذرة الذائبة.

وأربعون: لموت الكلب، ونحوه، والدم الكثير كدم ذبح الشاة، ولبول الرجل.

وثلاثون: لماء المطر فيه(3) البول والعذرة، وخرء الكلاب.

وعشر: للعذرة اليابسة، والدم القليل كدم ذبح الطير.

____________

1- في " ض1 ": يزول التغيّر.

2- منهم الصدوق في المقنع: 11، والشيخ في المبسوط 1: 11، وابن البرّاج في المهذّب 1: 21، والمحقّق في شرائع الإسلام 1: 13.

3- في " ض2 " و" ض3 ": الذي فيه.


الصفحة 31
وسبع: لموته، ولخروج الكلب حيّاً، وللفأرة مع التفسّخ والانتفاخ، ولبول الصبي، واغتسال الجنب على اشكال.

وخمس: لذرق جلال الدجاج.

وثلاث: لموت الحيّة، والفأرة مع عدم الأمرين.

ودلو: لبول الرضيع، وموت العصفور، وشبهه.

وعلى ما اخترناه فكلّ ذلك مستحبّ.

ويستحبّ تباعد البئر والبالوعة بخمس أذرع إن كانت الأرض صلبة، أو كانت البئر أعلى ولو بالجهة، وإلاّ فسبع.

والمضاف: ما لا يتناوله الاسم باطلاقه ويصح سلبه عنه، كماء الورد، والممتزج بما يسلبه الاطلاق.

وهو في الأصل طاهر، لكن لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً، وإن اضطر إلى الطهارة معه تيمّم، وينجس بالملاقاة وإن كثر، ويطهر بصيرورته مطلقاً وإن بقي التغيّر، لا باختلاطه بالكثير مع بقاء الاضافة.

ولو مزج طاهره مسلوب الأوصاف بالمطلق قُدّر مخالفاً وسطاً، والشيخ يحكم للأكثر(1).

ولو اشتبه المطلق بالمضاف تطهّر بكلّ منهما مع فقد ما ليس بمشتبه، أمّا المشتبه بالنجس والمغصوب فيجب اجتنابه.

ولو قصر المطلق عن الطهارة وأمكن مزجه بالمضاف مع بقاء الاطلاق وجب المزج على الأصح إن لم يجد غيره، وإلاّ تخيّر.

____________

1- المبسوط 1: 8.


الصفحة 32
والسؤر: ما باشره جسم حيوان، وهو تابع له في الطهارة والنجاسة والكراهة.

ويكره سؤر الدجاج، والدواب، والبغال، والحمير، والحائض المتهمة، وما لا يؤكل لحمه كالجلاّل وآكل الجيف مع الخلو عن النجاسة، والفأرة، والوزغة، والحيّة، والثعلب، والأرنب، والمسوخ.

وفي سؤر ولد الزنا قول بالنجاسة ضعيف(1).

ولا يستعمل النجس في الطهارة مطلقاً، فإن فعل فالحدث بحاله فيعيد مطلقاً، وكذا الخبث على تفصيل يأتي، ولا في الأكل والشرب إلاّ عند الضرورة، فيقتصر على القدر الضروري.

والمنفصل عن الأعضاء في الطهارتين طاهر إجماعاً، ومطهّر على الأصح في مستعمل الكبرى وإن كره. وعن محل الخبث نجس، تغيّر أو لا على الأشهر إذا كان له مدخل في التطهير، عدا ماء الاستنجاء من الحدثين خاصّة فإنّه طاهر ما لم يتغيّر بالنجاسة، أو تلاقه نجاسة غير المحل، ولو زاد الوزن فوجهان.

ويكره استعمال المشمّس في الإناء وإن لم ينطبع(2)، والمسخّن بالنار في غسل الأموات.

____________

1- حكاه المصنف في جامع المقاصد 1: 125.

2- الأواني المنطبعة: هي المصنوعة من الفلزّات كالحديد والرصاص والنحاس وغيرها، عدا الذهب والفضة.

وغير المنطبعة: هي المصنوعة من الخزف أو الخشب وغيرهما.