المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


منـاسك الـحجّ





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله الذي فطر السماوات والأرض فاستوتا، ولو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا. وصلّى الله على نور الأنوار، وحبيب إله الجبّار، محمد وآله الأطهار.

وبعد،

بين يديك عزيزي القارئ رسالة (مناسك الحجّ)، والتي يُعبّر عنها بـ (الحجّ) أيضاً.

وهي رسالة صغيرة بحث فيها مصنّفها المحقّق العلائي الكركي مناسك الحجّ، وما يتعلّق بها من واجبات ومستحبات، وزيارة النبيّ وآله عليهم السّلام. جعلها المؤلّف في مقدّمة وفصلين وخاتمة، علماً بأنّ النسخة المرعشية (ش) تحتوي على زيادة في آخرها، وهي بحث كفّارات الاحرام.

وقد شرحها تلميذه شرف الدين يحيى بن حسين البحرانيّ اليزدي المعروف بالمفتي، وسمّى شرحه هذا بـ " هداية الناج في شرح مناسك الحاج ".

اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على نسختين خطيّتين، هما:

(1) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة ضمن المجموعة المرقمة 4933، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 13: 132، تأريخ كتابتها سنة 964 هـ. تقع هذه

الصفحة 9
النسخة في عشر أوراق بحجم 5/18 × 13 سم، وكلّ ورقة تحتوي على ستة عشر سطراً، رمزنا لها بالحرف " ش ".

(2) النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة فخر الدين النصيري في طهران، هيّأها لي مشكوراً أخي المحقّق سماحة حجّة الإسلام الشيخ رضا المختاري حفظه الله تعالى ورعاه. وتأريخ هذه النسخة سنة 1006 هـ، كتبها محمّد بن فتح الله البسطامي.

وهي تقع في إحدى عشرة ورقة بحجم 15 × 17 سم، وكلّ ورقة تحتوي على سبعة عشر سطراً، رمزنا لها بالحرف " ن ".

والحمد لله ربّ العالمين


الصفحة 10


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش"

الصفحة 11

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش"

الصفحة 12

الورقة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة فخر الدين النصيري "ن"

الصفحة 13

الورقة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة فخر الدين النصيري "ن"

الصفحة 14
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله على سوابغ نعمه الغزار، والصلاة والسّلام على نبيّه محمّد وآله الأطهار.

وبعد، فهذه جملة تشتمل على ما لا بدّ منه في بيان مناسك حجّ بيت الله الحرام، وزيارة رسوله وآله عليه وعليهم السّلام، وضعتها على سبيل الاختصار، بالتماس خلاصة بعض(1) الاخوان الأخيار، نفعه الله وإيانا بها، وأجزل لنا جميعاً ثوابها، إنّه ولي ذلك، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وهي موضوعة على مقدّمة وفصلين وخاتمة(2).

أمّا المقدّمة

فالحجّ لغة: القصد المُتكرر(3).

وشرعاً: القصد إلى مكّة ومشاعرها لأداء المناسك المخصوصة.

وهو أولى مِن جعله اسماً لجميع المناسك المؤدّاة في الميقات ومكّة ومشاعرها(4) ; لأنّ التخصيص خير من النقل، لأنّ ذلك حيث لم يثبت النقل، بل لأنّ النقل لمناسبة أولى.

وعلى الأوّل فبين معنى الحجّ شرعاً ولغةً مناسبة العموم والخصوص،

____________

1- بعض: لم ترد " ن ".

2- وخاتمة: لم ترد في " ش ".

3- الصحاح 1: 303 " حجج ".

4- كما فعلهُ المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 1: 223.


الصفحة 15
بخلاف الثاني.

ثم إنّ جعله اسماً للمناسك يقتضي كون التعريف لفظيّاً لا صناعيّاً.

ووجوبه في العمر مرّة بالنصّ(1) والإجماع، وهو على الفور، حتى أن تأخيره كبيرة موبقة.

وثوابه عظيم، فإنّه جمعَ بين كثير من العبادات، مع ما فيه من المشاقّ العظيمة والأخطار الجسيمة.

وأخبار فضله، وما يترتّب عليه من المغفرة، ومضاعفة الحسنات، ومحو السيّئات، ورفع الدرجات بطريق أهل البيت عليهم أطايب الصلوات كثيرة لا تكاد تحصى(2).

وشرط وجوبه: البلوغ، والعقل، والاستطاعة التي هي الزاد والراحلة في المفتقر إلى قطع المسافة، والتمكّن من الركوب والمسير، ووجود المحرم في المرأة مع الحاجة لا مطلقاً، ونفقته وما يتبعها حينئذ، ونفقة واجب النفقة ذهاباً وعوداً.

ويشترط في صحّته الإسلام، فلا يقع من الكافر ولا عنه، ولمباشرة أفعاله التمييز، فلا يقع من غير المميّز استقلالاً، بل بفعل الولي.

وأنواعه ثلاثة: تمتّع، وقران، وإفراد.

فالتمتّع فرض مَن نأى عن مكّة بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب، وأفعاله الواجبة مرتّبة خمسة وعشرون: النيّة، والاحرام بالعمرة، والتلبية،

____________

1- آل عمران: 97، وسائل الشيعة 11: 19 ـ 20 الباب 3 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.

2- انظر وسائل الشيعة 11: 93 ـ 108 الباب 38 من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.


الصفحة 16
ولبس ثوبي الإحرام، والطواف، وركعتاه، والسعي، والتقصير، والنيّة، والإحرام بالحجّ، والتلبية، ولبس الثوبين، والوقوف بعرفة، والمبيت بالمشعر، والكون به، ورمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، وطواف الحج، وركعتاه، والسعي، وطواف النساء، وركعتاه، والمبيت بمنى ليال التشريق، ورمي الجمرات الثلاث.

والأركان ثلاثة عشر: النيّة، والإحرام بالعمرة، والتلبية، وطوافها، وسعيها، والنيّة، والإحرام بالحجّ، والتلبية، والوقوف بعرفة، والكون بالمشعر، وطواف الحجّ، وسعيه، والترتيب.

والمراد بالركن هنا: ما يبطل الحجّ بالإخلال به عمداً لا سهواً، فيتحقّق البطلان بفوات شيء ممّا عُدّ(1) ركناً عمداً خاصة، ولو كان الفائت الموقفين بطل مُطلقاً، ولا تبطل باقي الأفعال وإن كان عمداً.

وأفعال القران والافراد هذه، إلاّ أنّ العمرة فيها متأخّرة، ويُزاد فيها طواف النساء وركعتاه بعد الحلق أو التقصير، وكذا في كلّ عمرة مُفردة.

الفصل الأوّل: في عمرة التمتّع

وفيه مباحث:

الأوّل: الإحرام.

ومعناه كفّ النفس عن اُمور مخصوصة إلى أن يأتي بالمُحلّل من الأفعال، ففي عمرة التمتّع إلى التقصير، وفي غيرها آخره طواف النساء مع النيّة، وصفتها في العمرة: اُحرام بالعمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام حجّ

____________

1- في " ش ": لفوات شيء عُدَّ.


الصفحة 17
التمتّع، واُلبّي التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام لوجوب الجميع قربة إلى الله، مقارناً بها أوّل التلبية.

ولمّا كان القصد إلى الاُمور المذكورة ـ الذي هو النيّة ـ موقوفاً على فهمها، احتيج إلى كشف ما لا بدّ من بيان المُراد منه فيها.

فالعمرة لغةً: الزيارة(1).

وشرعاً: زيارة البيت لأداء المناسك المخصوصة عنده.

والمتمتّع بها اسم مفعول من التمتّع، وهو التلذّذ والانتفاع.

وإنّما اختصّت بهذا الاسم لِما يتخلّل بينها وبين الحجّ من الإحلال ممّا وقع الإحرام منه مستمراً إلى إحرام الحجّ مع كونها معدودة من أفعال الحجّ، أو لِما يحصل بها من الانتفاع بالثواب مضافاً إلى الحجّ أو مستمراً إليه. وبنسبتها إلى حجّ الإسلام تتميّز عن العمرة المتمتّع بها إلى حجّ النذر وشبهه.

والمراد بالقربة: وقوع الفعل على وجه الإخلاص، بحيث يُثمر القرب إلى رضاه سبحانه، ويحظى لديه، مجازاً عن القرب المكاني.

وإطلاق القربات على الطاعات والعبادات في كلامه سبحانه وكلامهم عليهم السّلام، يؤذن بايثار هذه الكلمة على غيرها، ويشعر بمزيّة لها.

وتجب التلبيات الأربع مقارنة للنيّة بالعربية على الوجه المنقول، وصورتها: لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك إنّ الحمد والنعمة والملك لك، لا شريك لك لبّيك.

ومعنى لبّيك: إجابةً بعد إجابة لك يا ربّ، أو إخلاصاً بعد إخلاص،

____________

1- الصحاح 2: 757 " عمر ".


الصفحة 18
أو إقامة على طاعتك بعد إقامة ; لأنّه إمّا من لبّى: إذا أجاب الدعاء(1)، أو من اللبّ: وهو الخالص من كلّ شيء(2)، أو من لبّ بالمكان: إذا أقام به(3).

وأصل اللهمّ: يا الله.

ويجوز في (إن) الكسر على الاستئناف، وتفتح فتقدّر اللام محذوفة على أنّ جملتها تعليل لما قبلها، فيقتضي الفتح تخصّص التلبية بخلاف الكسر، فإنّ عدم التقييد بعلّة يقتضي العموم. وهذا هو المراد من قول أبي العباس المبرّد: مَن فتح فقد خصّ، ومَن كسر فقد عمّ.

ويُستحب الإكثار من التلبيات الواجبة ومن المستحبات أيضاً، وخصوصاً: لبّيك ذا المعارج لبّيك. والباقي لبّيك لبّيك داعياً إلى دار السّلام، لبّيك لبّيك غفّار الذنوب، لبّيك لبّيك أهل التلبية، لبّيك لبّيك ذا الجلال والاكرام، لبّيك لبّيك تبدئ والمعاد إليك، لبّيك لبّيك تُغني ونفتقر إليك، لبّيك لبّيك مرهوباً ومرغوباً إليك، لبّيك لبّيكِ إله الحقّ، لبّيك لبّيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل، لبّيك لبّيك كشّاف الكُرب العظام، لبّيك لبّيك عبدك وابن عبدك، لبّيك لبّيك أتقرّب إليك بمحمّد وآل محمّد، لبّيك لبّيك يا كريم، لبّيك لبّيك بالعمرة المُتمتع بها إلى الحجّ لبّيك.

والإخلال بمقارنة النيّة للتلبية مُبطل كتكبير الصلاة، وكذا إبدال بعض كلماتها التي لا بدّ منها بمرادفها،كما لو قال: إجابةً بعد إجابة لك، بدل لبّيك ونحوه.

ويجب استدامة النيّة حكماً إلى آخره، فلو أخلّ بها أثم ولم يبطل

____________

1- المعجم الوسيط 811.

2- الصحاح 1: 216 " لبب ".

3- الصحاح 6: 2479 " لبى ".


الصفحة 19
احرامه.

ويجب لبس الثوبين، ويشترط كونهما من جنس ما يُصلّى فيه، خاليين من نجاسة، غير مخيطين. فيأتز بأحدهما ويتوشّح بالآخر، يغطّي به أحد المنكبين، أو يرتدي به فيغطيهما ولا يعقده.

ولا يجوز النقص اختياراً، وتجوز الزيادة والابدال، لكن يُستحب الطواف في الأولين.

ويجوز للنساء الاحرام في المخيط والحرير اختياراً.

وهل يوصف لبس الثوبين بكونه شرطاً للاحرام، أو جزء له، أو واجب لا غير؟ أوجه، والاشتراط أحوط.

أمّا النيّة فالتردّد فيها بين الشرط والجزء كسائر نيّات العبادات، والأصح أنّ التلبية جزء وركن وهي الاحرام كالتحريمة للصلاة، ونسيان التلبية غير مخلّ بصحة الإحرام، بخلاف نسيان النيّة.

وفي كون الاحرام تركاً يجيء به نحو الأفعال أو بالعكس تردّد، وللأوّل رجحان. أمّا عدّه فعلاً محضاً ; بناءً على تفسيره بتوطين النفس على الكفّ عن الاُمور المخصوصة، فلا يخلو من شيء ; لأنّ المعروف في كلامهم أنّ الاحرام عبارة عن اجتناب الاُمور المخصوصة، والاختراع في التعريفات غير مقبول، وكذا الصوم.

وأمّا ما يحرم بالاحرام:.

فالصيد: ـ وهو الحيوان المُمتنع بالأصالة ـ اصطياداً، وأكلاً، واشارةً، ودلالةً، واغلاقاً، وذبحاً، فيكون ميتة. والفرخ والبيض كالأصل، والجراد صيد، والمتولّد بين الصيد وغيره يتبع الاسم.

والنساء وطءً، ولمساً بشهوة لا بدونها، وعقداً له ولغيره.


الصفحة 20
والطيب على العموم أكلاً ولمساً وتطيّباً وإن كان المُحرم ميّتاً. ولا بأس بخلوق الكعبة، والاكتحال بالسواد، وبما فيه طيب.

واخراج الدم اختياراً، وقصّ الأظفار، وإزالة الشعر وإن قلّ اختياراً، والنظر في المرآة، والإدهان اختياراً وإن لم يكن الدهن مُطيّباً، وبالمطيّب قبل الاحرام إذا كانت رائحته تبقى.

وقطع الشجر والحشيش الأخضرين النابتين في الحرم، إلاّ في مكة، وإلاّ الإذخر(1) والمحالة(2) وعوديها، وشجر الفواكه.

والكذب على الله.

والجدال، وهو قول: لا والله وبلى والله.

وقتل هوام الجسد كالقمل، وكذا إلقاؤه.

ولبس المخيط للرجل، والخفّين وما يستر ظهر القدم له، فإن اضطر شقّه. والخاتم للزينة، والحليّ للمرأة، إلاّ أن تكون معتادة له(3) فيحرم اظهاره للزوج.

والحنّاء للزينة، وتغطية الرأس للرجل ولو بالارتماس، والوجه للمرأة، والتظليل للرجل سائراً اختياراً على الأصح.

وكذا لبس السلاح، وشمّ الرياحين.

الثاني:

الطواف حول الكعبة الشريفة سبعة أشواط، وهو صلاة إلاّ في تحريم الكلام، كما ورد به النقل(4)، ويجب فيه أمور:

____________

1- الاذخُر: نبتٌ، الواحدة إذخَرةٌ. الصحاح 2: 663 " ذخر ".

2- المحالة: البكرة العظيمة التي تَسْتَقي بها الإبل الصحاح 5: 1817 " مَحَلَ ".

3- له: لم ترد في " ش ".

4- الكافي 4: 420 حديث3، الفقيه 2: 250 حديث 1202 ـ 1204، التهذيب 5: 116 حديث 380.


الصفحة 21
الأوّل: الطهارة من الحدث ولو اضطراريّة، ومن الخبث بأنواعه، وهل يُعفى عمّا يُعفى عنه في الصلاة؟ قولان، أظهرهما العفو، ولو طاف جاهلاً بالنجاسة أجزأ.

الثاني: ستر العورة الواجب سترها في الصلاة، ويختلف باختلاف الطائف.

الثالث: الختان في الرجل المتمكّن خاصّة، وكذا الخنثى.

الرابع: النيّة: أطوف سبعة أشواط في العمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

الخامس: مقارنتها لأوّل الشروع فيه، وإنّما يتحقّق بمحاذاة أوّل جزء من مقاديم البدن ـ كطرف الأنف أو البطن لمن كان كبيره ـ لأوّل الحجر، علماً أو ظنّاً، ليمرّ عليه كلّه. ولا يشترط استقباله ثمّ الانحراف، بل يجوز جعله على اليسار ابتداءً.

السادس: الحركة الذاتيّة أو العرضيّة مقارنةً للنيّة.

السابع: استدامتها حكماً، بمعنى أن لا يحدث نيّة تنافي الاُولى.

الثامن: جعل البيت على اليسار.

التاسع: إدخال الحجر.

العاشر: جعل المقام على اليمين، ويجب أن يُراعي مقدار ذلك في كلّ جانب، والدنو من البيت أفضل.

الحادي عشر: خروج جميع البدن عن البيت، فلو مشى على الشاذروان ـ وهو أساس البيت قديماً ـ أو كان يمسّ الجدار بيده من جانب الشاذروان، لم يصح.

الثاني عشر: إكمال العدد.


الصفحة 22
الثالث عشر: حفظه، فلو لم يحصل العدد أصلاً، أو شكّ في النقيصة مطلقاً، أو في الزيادة قبل بلوغ الركن، بطل.

الرابع عشر: الختم بموضع البدءة من الحجر، فلو زاد عليه متعمّداً بطل، وناسياً يتخيّر بين الإكمال سبعاً والقطع إن بلغ في الشوط الزائد الحجر، وإلاّ قطع وجوباً، فإن أكمله فالثاني نقل.

الخامس عشر: الموالاة، وتتحقّق بإكمال أربعة أشواط، فإن قطعه قبلها استأنف وإن كان لضرورة، وإلاّ أتمّ. ولا يجوز القطع مطلقاً، إلاّ لحاجة ونحوها.

ويحرم الطواف للعمرة وعليه بُرْطُلة(1)، وكذا كلّ طواف يحرم ستر الرأس فيه.

ويجوز الاخلاد إلى الغير في العدد بشرط كونه بالغاً ذكراً، وفي اشتراط العدالة نظر.

ولو حاضت قبل إتمام أربعة أشواط من طواف العمرة انتظرت الوقوف، فإن ضاق الوقت بطلت متعتها ووقفت وصارت حجّتها مفردة، وتعتمر بعد ذلك.

وتجب ركعتا الطواف، ومحلّهما المقام في البناء المعدّ لذلك الآن، فإنّ منعه زحام صلّى خلفه أو إلى جانبيه. ووقتهما عند الفراغ منه، وهما كاليوميّة، ولا جهر فيهما ولا اخفات حتماً، ولا أداء فيهما ولا قضاء.

ولو نسيهما رجع فأتى بهما في المقام، فإن تعذّر فحيث شاء في الحرم، فإن تعذّر فحيث أمكن من البقاع، فإن مات قضاهما الولي.

____________

1- البُرْطُلُ والبُرْطُلَةُ: القلنسُوةُ. الصحاح 4: 1633، مجمع البحرين 5: 320 " برطل ".


الصفحة 23
ونيّتهما: أُصلّي ركعتي طواف العمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبهما قربة إلى الله.

الثالث: السعي.

وهو لغةً: السرعة في المشي(1).

وشرعاً: الحركات المعهودة من الصفا إلى المروة، وبالعكس، للقربة.

ويعتبر فيه أمور:

الأوّل: النيّة: أسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة للعمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

الثاني: مقارنتها للصفا، إمّا بأن يصعد عليه في أي جزء منه، أو بأن يلصق عقبه به، وإذا عاد ألصق أصابعه، وكذا يصنع في المروة.

الثالث: الاستدامة حكماً، وقد مرّ تفسيرها.

الرابع: الحركة مقارنة للنيّة.

الخامس: الذهاب في الطريق المعهود، والختم بالمروة كما قدّمناه.

السادس: إتمام السبعة من الصفا إليه شوطاً.

السابع: استقبال المطلوب فلا يمشي القهقرى.

الثامن: إيقاعه بعد الطواف والركعتين.

التاسع: عدم الزيادة عمداً فيبطل بها حينئذ، لا سهواً، ولو لم يحصل العدد أو شكّ في المبدأ وكان في المزدوج على المروة، أو في الفرد على الصفا، أعاد دون العكس فيهما.

____________

1- الصحاح 6: 2377 " سعى ".


الصفحة 24
العاشر: الموالاة كالطواف احتياطاً، والمعتمد جواز البناء ولو على شرط.

الحادي عشر: إيقاعه في يوم الطواف وجوباً على المشهور، وليس شرطاً في الصحة.

الرابع: التقصير.

وهو إبانة مسمّى الشعر أو الظفر، وبه يتحقّق الإحلال من إحرام العمرة المتمتّع بها. أمّا المنفردة فلا يتحقّق فيها الإحلال التامّ إلاّ بالطواف للنساء وركعتيه بعده، وواجبه ثلاثة:

الأوّل: النيّة: اُقصّر للاحلال من إحرام العمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

ويجب فيها المقارنة للفعل، والاستدامة حكماً إلى الفراغ.

الثاني: كونه بمكّة، ولا يجب كونه على المروة وإن استحب.

الثالث: تقديمه على إحرام الحجّ، فلو أهلّ قبله عامداً انقلبت عمرته حجّة مفردة على الأصح ; لرواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)(1)، وساهياً يقع ولا شيء عليه، وجبره بشاة أفضل.

وأمّا الجاهل ففيه وجهان، أوجههما إلحاقه بالعامد.

ويتعيّن التقصير في عمرة التمتّع، فلا يجزئ الحلق عنه بخلاف المفردة. والواجب إزالة(2) الشعر بحديد، أو نورة، أو نتف، أو قرض بالسن.

____________

1- التهذيب 5: 159 حديث 529، الاستبصار 2: 243 حديث 846.

2- في " ن ": إبانة.


الصفحة 25

الفصل الثاني: في أفعال الحجّ

وفيه مباحث:

الأوّل: الإحرام.

ولا فرق بين إحرام العمرة والحجّ إلاّ بالنيّة، فينوي: اُحرم بحجّ الإسلام حجّ التمتّع، واُلبيّ التلبيات الأربع لعقد هذا الإحرام لوجوب الجميع قربة إلى الله، لبّيك، إلى آخرها.

ومحلّه للتمتّع مكّة، وأفضله المسجد، وخلاصته المقام أو تحت الميزاب، ولو تعذّر أحرم حيث أمكن ولو بعرفة.

وإحرام القارن والمفرد من ميقات عمرة التمتّع، أو من دويرة أهله إن كانت اُقرب. ولا يبطل بزوال الشمس يوم التروية أو يوم عرفة قبله، بل ولا بغروبها لا عامداً إذا أدرك المشعر اختياريّاً أو اضطراريّاً مع اضطراريّ عرفة على الأصح، لكن يستحب إيقاعه بعد ظهر التروية.

ولا يجوز له الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من منى، فإن طاف ساهياً لم ينتقض إحرامه، وقال الشيخ: يجدّد التلبية ليعقد بها الإحرام(1). أمّا القارن والمفرد فيجوز لهما الطواف.

الثاني: الوقوف بعرفة.

ومعناه الكون بها يوم التاسع، ووقته من زوال الشمس إلى غروبها، ناوياً فيه: أقف بعرفة إلى غروب الشمس في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله. ويجب استدامتها إلى آخره، ويجزئ مسمّى الكون

____________

1- المبسوط 1: 368.


الصفحة 26
وهو الركن وإن أثم بالافاضة قبل الغروب.

ولا يقف بنَمِرة وثويّة وذي المجاز والأراك فإنّها حدود.

ويستحب ضرب الخباء بنمرة.

ويشترط السلامة من الجنون والاغماء والسكر، والنوم في جزء من الوقت.

ولو أفاض قبل الغروب عامداً عالماً لم يبطل حجّه، ووجب عليه بدنة. ولو تعذّر الوقوف نهاراً أجزأ ليلاً. والواجب فيه مسمّى الكون، وهو صالح للمشعر أيضاً.

الثالث: الوقوف بالمشعر.

ويجب المبيت به ليلة العاشر ناوياً أوّل المبيت: أبيتُ هذه الليلة بالمشعر في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

وهذا الوقوف فيه شائبة الاضطراري، أمّا الاختياري المحض فمن طلوع فجر النحر إلى طلوع الشمس، والواجب الكلّ.

والركن هو مسمّى الكون في هذا الوقت إن كان قد وقف ليلاً، لكن لو أفاض قبل الفجر عامداً عالماً وجب عليه شاة.

والاضطراري المحض من طلوع الشمس إلى زوالها، والواجب فيه المسمّى.

ولو أفاض قبل طلوع الشمس فلا يجاوز إلى وادي مُحَسّر(1) إلاّ بعد طلوعها، فإن فعل أثم ولا كفارة.

وتجب فيه النيّة مقارنة لأوّل الفجر: أقف بالمشعر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

____________

1- وادي مُحَسّر: موضع بين مكّة وعرفة، وقيل: بين منى وعرفة، وقيل: بين منى والمزدلفة. معم البلدان 5: 62.


الصفحة 27

الرابع: نزول منى يوم النحر للرمي والذبح والحلق.

وتجب رعاية هذا الترتيب، فإن خالف أثم ولم يبطل فعله.

والواجب في يوم النحر هو رمي جمرة العقبة بسبع حصيّات من الحرم إلاّ المساجد، ويجب أن تكون أبكاراً. ويستحب أن تكون بُرشاً، منقّطة، مُلتقطة، رخوة، كحليّة، بما يُسمّى رمياً. ويشترط الاصابة بفعله مباشرة بيده، فلا تجزئ الاستنابة إلاّ مع الضرورة.

ووقته ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، وفضيلته من الطلوع إلى الزوال. ويقضي لو فات مقدّماً على الحاضر، ويخرج وقته بخروج أيام التشريق إلى قابل.

ونيّته: أرمي هذه الجمرة بسبع حصيّات في حجّ الإسلام حجّ التمتّع أداءً لوجوبه قربة إلى الله.

وكذا يصنع في رمي الجمرات الثلاث في كلّ يوم من أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، مرتّباً، يبدأ بالاُولى، ثمّ بالوسطى، ثم بجمرة العقبة، فلو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب.

ويحصل بأربع إذا لم يكن عامداً فيتمّ ما بقي، ولو تعمّد أو لم يبلغ الأربع أعاد، إلاّ أنّه يُعيد مطلقاً مع عدم بلوغها، ويُعيد على ما بقي من الجمرات دون التي رماها أربعاً، فيقتصر على إتمام رميها.

ويجب ذبح الثني من النعم الثلاثة، ويجزئ من الضأن الجذع لسنته، وهو ما كمل له بسبعة أشهر، والثني من الابل هو ما دخل في السادسة، وفي غيرها ما دخل في الثانية.

ويشترط فيه إتمام الخلقة، والصحة، وأن يكون على كليتيه شحم،

الصفحة 28
ويكفي الظنّ وإن ظهر بعد الذبح خلافه، ولا يجزئ المعيب. وتجب الصدقة بثلثه، واهداء ثلثه، والأكل. ناوياً عند ذبحه: أذبح هذا الهدي في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

ويُستحب مباشرة الذبح إن أحسنه، وإلاّ جعل يده مع يد الذابح.

وينوي في الصدقة والاهداء والأكل: أتصدّق، أو اُهدي ثلث هدي حجّ الإسلام، أو آكل من هدي حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

ويشترط في المُهدى إليه الإيمان، وفي محلّ الصدقة الفقر معه. ولا ترتيب في الأقسام.

ويجب حلق الرأس أو التقصير كما سبق مقارناً للنيّة: أحلق أو اُقصّر إحلال من إحرام حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله، واستدامتها حكماً إلى آخر الفعل.

ويتعيّن على المرأة والخنثى التقصير، ومَن ليس على رأسه شعر يُجزئه امرار الموسى على رأسه.

ولا يخرج عن منى حتّى يأتي بالثلاثة في ذي الحجّة، فإن أحلّ رجع للذبح والحلق بها طوله، فإن تعذّر استناب في ذبح الهدي، وحَلَقَ مكانه واجباً وبعث بالشعر ليدفن بها ندباً.

فأمّا الرمي فيفوت وقته بخروج الثالث عشر كما سبق.

وبالحلق يتحلّل من المحرّمات إلاّ الطيب والنساء والصيد، ثم يتحلّل من الطيب بطواف الزيارة والسعي على الأقوى، فإذا طاف للنساء حللن له، وبطوافهن يحلّ الصيد الذي حرم بالإحرام.


الصفحة 29

الخامس: العود إلى مكّة للطوافين والسعي.

ويسمّى الأوّل طواف الحجّ، وطواف العود، وطواف الزيارة، وطواف الركن، وطواف الصدر.

وكيفيّة الجميع كما سبق، إلاّ في النيّة، فينوي هنا: أطوف سبعة أشواط طواف حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله، اُصلّي ركعتي طواف حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبهما قربة إلى الله، أسعي سبعة أشواط سعي حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله، أطوف سبعة أشواط طواف النساء في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله، اُصلّي ركعتي طواف النساء في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبهما قربة الى الله.

السادس: العود إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق الثلاث.

ويجوز لمن اتّقى الصيد والنساء النفر في الثاني عشر، فيسقط المبيت ليلة الثالث عشر ورميه، إلاّ أن تغرب الشمس وهو بمنى.

ويجزئ في المبيت الكون بها إلى نصف الليل، ولو بات بغيرها فعن كلّ ليلة شاة، إلاّ أن يبيت بمكّة مشتغلاً بالعبادة، واجبة كانت أو مستحبة، فلا شيء، ولا فرق بين خروجه حينئذ من منى قبل غروب الشمس أو بعده.

ويجب استيعاب الليلة بالعبادة، إلاّ ما يضطر إليه من أكل أو شرب، أو نوم يغلب عليه.

وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر.

ويجب في المبيت النيّة مقارنة لأوّل الليلة مستدامة الحكم: أبيت هذه الليلة بمنى في حجّ الإسلام حجّ التمتّع لوجوبه قربة إلى الله.

والمفرد والقارن يحرمان من الميقات بالحجّ، وبأتيان بأفعال الحجّ إلى آخرها، وبعد الفراغ بأتيان بعمرة مفردة.


الصفحة 30
والفرق بينهما أنّ المفرد لا يقرن باحرامه هدياً بخلاف القارن، وحينئذ فيذبحه أو ينحره بمنى إذا قرن به إحرام الحجّ، ويقسمه أثلاثاً كهدي التمتّع.

ولو كان نائباً أضاف إلى نيّته في كلّ فعل: نيابة عن فلان، ولو قال: لوجوبه عليه بالأصالة وعليّ بالنيابة، كان أكمل، فينوي في إحرامه: اُحرم بالعمرة المتمتّع بها إلى حجّ الإسلام حجّ التمتّع، واُلبّي التلبيات الأربع إلى آخره نيابة عن فلان لوجوب الجميع عليه بالأصالة وعليّ بالنيابة قربة إلى الله، لبيك، إلى آخره.

وكذا يفعل(1) في باقي المناسك.

خاتمة

يُستحب للحاجّ زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالمدينة استحباباً مؤكّداً، وكذا يُستحب لغيره. ويجبر الإمامُ الناسَ على ذلك لو تركوه ; لما فيه من الجفاء المحرّم، كما يجبرون على الأذان. وقد روي أنّه صلّى الله عليه وآله قال: " مَن أتى مكّة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة "(2).

ويُستحب زيارة فاطمة الزهراء عليها السّلام في بيتها والروضة والبقيع، قالت عليها السّلام: " أخبرني أبي أنه من سلّم عليه وعليّ ثلاثة أيام أوجب الله له الجنّة " قلت لها: في حياتكما؟ قالت: " نعم، وبعد

____________

1- في " ش ": الفعل.

2- الكافي 4: 548 حديث 5، الفقيه 2: 338 حديث 1571، التهذيب 6: 4 حديث 5، وسائل الشيعة 14: 333 ـ 334 الباب 3 من أبواب المزار حديث 3.


الصفحة 31
موتنا "(1).

ويُستحب زيارة الأئمة الطاهرين عليهم السّلام، عن الباقر (عليه السلام) أنّه قال: " ابدأوا بمكّة واختموا بنا "(2).

وعنه (عليه السلام) أنّه قال: " إنّما اُمر الناس أن يأتوا هذا الأحجار، فيطوفوا بها، ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم، ويعرضوا علينا نصرهم "(3).

وعن أبي عبدالله (عليه السلام): " مَن زار إماماً مُفترض الطاعة كان له ثواب حجّة مبرورة "(4).

وعن الإمام الرضا صلوات الله عليه: " إنّ لكلّ إمام عهداً في أعناق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمّن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كانت أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة "(5).

في آخر " ن ": تمّت الرسالة في يوم الاثنين الثالث عشر شهر رمضان

____________

1- التهذيب 6: 9 حديث 19، وسائل الشيعة 14: 367 الباب 18 من أبواب المزار حديث 1.

2- الكافي 4: 550 حديث 1، الفقيه 2: 344 حديث 1552، وسائل الشيعة 14: 321 الباب 2 من أبواب المزار حديث 2.

3- الكافي 4: 549 حديث 1، الفقيه 2: 334 حديث 1553، علل الشرائع: 459 حديث4، عيون أخبار الامام الرضا (عليه السلام) 2: 262 حديث 30، وسائل الشيعة 14: 320 ـ 331 الباب 2 من أبواب المزار حديث 1.

4- التهذيب 6: 79 حديث 156، وسائل الشيعة 14: 330 الباب 2 من أبواب المزار حديث 20.

5- الكافي 4: 567 حديث 2، الفقيه 2: 345 حديث 1577، عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام) 2: 261 حديث 24، علل الشرائع: 459 حديث 2، التهذيب 6: 78 حديث 155 و93 حديث 175، وسائل الشيعة 14: 322 الباب 2 من أبواب المزار حديث 5.


الصفحة 32
المبارك سنة 1006 هـ ألف وست على يد أقل عباد الله الغني محمد بن فتح الله البسطامي عفي عنهما.

وفي آخر نسخة " ش ": وليكن هذا آخر الرسالة، والحمد لله وحده، والصلاة على خير خلقه محمّد وآله.

من تتمّة منشآت المصنّف تغمده الله برضوانه:

البحث الثاني:

في بيان شيء من كفّارات الإحرام: فأمّا الصيد فمنه ما لكفارته بدل على الخصوص، كالنعامة فإنّ فيها بدنه، فإن عجز عنها فضّ قيمتها على البرّ وأطعم كلّ مسكين نصف صاع، فإن زادت عن ستين مسكيناً اقتصر على الستين، وإن نقصت اقتصر على قدر القيمة.

ومنه ما لا بدل له، كالحمامة فإن فيها شاة على المحرم في الحلّ، ودرهماً على المحلّ في الحرم، ويجتمعان على المحرم في الحرم.

وفي الجرادة والقملة إذا ألقاها أو قتلها كفّ من طعام.

وفي لبس المخيط عمداً دم شاة وإن كان مُضطرّاً، لكن في الضرورة ينتفي الإثم خاصّة. وكذا في لبس الخفّين ونحوهما، والظاهر أنّه لا فرق في لزوم الكفّارة بين أن يشقهما أو لا.

وفي قلم كلّ ظفر مدّ من طعام، وفي أظفار يديه أو رجليه أو هما في مجلس واحد دم، ولو تعدّد المجلس فدمان.

وفي إزالة مُسمّى الشعر بهنّ وغيره شاة، أو إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، أو صيام ثلاثة أيام.

ولو اضطر إلى حلق الرأس لأذى انتفى الإثم دون الكفّارة، ولو وقع

الصفحة 33
شيء من شعر رأسه أو لحيته بلمسه في غير الوضوء، وكذا الغسل على الأقرب ـ ولايبعد إلحاقه إزالة النجاسة بهما ـ وجب التصدّق بكف من طعام، وفي الوضوء وما اُلحق به لا شيء.

وفي تغطية الرأس ولو بالارتماس بالماء أو حمل ساتر شاة، وكذا في التظليل سائراً.

وفي الجدال ثلاث مرّات صادقاً شاة، ولا شيء في ما دونها، وكاذباً بدنة، وفي الاثنين بقرة، وفي الواحدة شاة.

وفي قلع الشجرة الكبيرة في الحرم بقرة وان كان مُحلاًّ، وفي الصغيرة شاة، وفي الأبعاض والحشيش القيمة.

ولا كفّارة على الجاهل والناسي والمجنون في شيء من ذلك، إلاّ الصيد فإنّ الكفّارة فيه على الناسي والجاهل.

وتتعدّد بتعدد الأسباب، اتّحد الوقت أو اختلف، كفّر عن السابق أو لا. ويتحقّق التكرّر في الحلف بتغاير الوقت، كأن يحلق بعض رأسه غدوة وبعض عشية.

وكذا اللبس والتطيّب وأكل ما لا يحلّ، وفي رواية محمّد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): " إنّ لكل صنف من الثياب فداء "(1) وليس يبعد، وهو مقتضى كلام (المنتهى)(2).

فعلى هذا يُعتبر تغاير الوقت في الصنف الواحد دون المتعدّد، وهل يفرّق بين ذوي الضرورة وغيره في ذلك؟ فيه تردد.

____________

1- الكافي 4: 348 حديث 2 وفيه: " لكلّ صنف منها فداء "، التهذيب 5: 384 حديث 1340 وفيه: " عليه لكلّ صنف منها فداء ".

2- منتهى المطلب 2: 845.


الصفحة 34
ومحلّ الذبح والنحر والصدقة مكّة إن كانت الجنابة في إحرام العمرة وإن كانت متعة، ومنى إن كانت في إحرام الحجّ.

والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمد وأهل بيته الطاهرين.