المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


فوائد وسنن المسافر





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ للهِ، والحمدُ حقّهُ كما يستحقه، والصلاة والسّلام على خير الكائنات أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيرا.

وبعد،

هذه رسالة (فوائد وسنن المسافر) التي كتبها المحقّق الكركي، وهي حاوية على ما يُستحب أن يفعله المسافر قبل سفره وأثنائه، فيبحث المصنّف الأوقاتَ ـ من الأيام والشهور ـ التي يُستحب فيها السفر ويكره، والدعاء الذي يُستحبُ قراءته عند بدء السفر وفي أثناء المسير وعند النزول في المنازل، والأشياء التي يستحبُ للمسافر أن يصطحبها عند سفره، والهيئة التي يُستحبُ للمسافر أن يكون عليها، وغيرها من السُنن المتعلّقة بالمسافر.

اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران ضمن المجموعة المرقمة 2144، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 9: 806، وتقع هذه النسخة في ست أوراق بحجم 22 × 9 سم، وكلّ ورقة تحتوي على عشرين سطراً.

والحمدُ لله ربّ العالمين.


الصفحة 9


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران

الصفحة 10

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران

الصفحة 11

الصفحة 12
بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد وسنن تتعلّق بالمسافر، من كلام أفضل المتأخّرين علي بن عبد العالي (رحمه الله) تعالى.

الأوّل: في اختيار أوقات الخروج.

أمّا في الأُسبوع فالسبت، أو الثلاثاء، أوالخميس:

أمّا السبت: فلما روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "مَن أراد أن يسافر فليسافر يوم السبت، فلو أنّ حجراً زال عن مكانه يوم السبت لردّه الله تعالى إلى مكانه"(1).

وأمّا يوم الثلاثاء: فإنّه روي عنه (عليه السلام) أنّه قال: "سافروا في يوم الثلاثاء، واطلبوا الحوائج فيه، فإنّه اليوم الذي آلان اللهُ عزّ وجلّ الحديدَ لداود (عليه السلام)"(2).

وأمّا يوم الخميس: فإنّه روي: أنّه (عليه السلام) كان يسافر بأصحابه يوم الخميس فيظفر، فمن أراد سفراً فليسافر في يوم الخميس(3).

واحذر الخروج يوم الاثنين، فإنّه اليوم الذي قُبض فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،

____________

1- الكافي 8: 143 حديث 109، الفقيه 2: 173 حديث 766، الخصال: 386 حديث 69، المحاسن: 345 حديث 6، وسائل الشيعة 11: 349 باب 3 من أبواب آداب السفر حديث 3.

2- تفسير القمّي 2: 199، وسائل الشيعة 11: 353 باب 4 من أبواب آداب السفر حديث 5.

3- انظر وسائل الشيعة 11: 358 ـ 361 باب 7 من أبواب آداب السفر.


الصفحة 13
وانقطع الوحي، وابتزُ أهل بيته الأمر، وقتل الحسين (عليه السلام)، وهو يوم نحس(1).

واحذر الخروج يوم الأربعاء ; فإنّه اليوم الذي خُلقت فيه أركان النار، واُهلكت فيه الاُمم الطاغية(2).

واتّق الخروج يوم الجمعة قبل الصلاة ; فإنّه روي عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "ما يؤمن مَن سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله تعالى في سفره، ولا يخلفه في أهله، ولا يرزقه من فضله"(3).

فأمّا في الشهر: فاتّق الخروج يوم الثالث من الشهر ; فإنّه يوم نحس، وهو اليوم الذي سلب فيه آدم وحواء لباسهما.

واتّق الخروج يوم الرابع ; فإنّه يخاف فيه على المسافر نزول البلاء، ومَن سافر فيه تنكّب.

واليوم الخامس ولد فيه قابيل الشقي.

واليوم الثالث عشر نحس تُنفى(4) فيه جميع الأعمال والحوائج.

واليوم السادس عشر ردئ منحوس، مَن سافر فيه هلك، وَتَرْكُ طلب الحوائج فيه أصلح.

واليوم الحادي والعشروين نحس، نُفي فيه آدم، ومَن سافر فيه لم يرجع، وهو اليوم الذي ضرب الله تعالى أهل مصر مع فرعون بالآيات.

واليوم الرابع والعشرون منه يوم منحوس ميشوم، ولد فيه فرعون.

____________

1- انظر وسائل الشيعة 11: 351 ـ 353 باب 4 من أبواب آداب السفر.

2- وسائل الشيعة 11: 354 باب 5 من أبواب آداب السفر حديث 1.

3- المصباح للكفعمي: 184، وسائل الشيعة 7: 406 باب 52 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 5.

4- المصد: فاتّقوا.


الصفحة 14
واليوم الخامس والعشرون ردىء مذموم، وهو اليوم الذي أصاب آل فرعون ضروب البلاء(1).

وقد نهى الصادق (عليه السلام) عن الحركة في اثني عشر يوماً في السنة، في كلّ شهر يوم، وهي: "الرابع والعشرون من شهر رمضان، والثاني من شوال، والثامن والعشرون من ذي القعدة، والثامن من ذي الحجّة ; والثاني والعشرون من المحرم، والعاشر من صفر، والرابع من ربيع الأوّل، والثامن والعشرون من ربيع الآخر، والثامن والعشرون من جمادى الاُولى، ومن جمادى الآخرة ورجب الثاني عشر، والسادس والعشرون من شعبان"(2).

فإن اضطررت إلى الخروج في أحد هذه الأيام فاستخر الله تعالى وأسأله العافية والسلامة وتصدّق بشيء، فقد روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "كان علي بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السّلامة من الله تعالى بما تيسّر له، ثم يقول: اللهم إنّي اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل"(3).

ويُستحب السير طرفي النهار دون وسطه، وفي آخر الليل دون أوّله، فقد روي عن الصادق (عليه السلام): "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتّق الخروج بعد نومة، فإنّ لله دوّاراً يبثها في الأرض يفعلون ما يؤمرون"(4).

____________

1- انظر وسائل الشيعة 11: 399 ـ 405 باب 27 من أبواب آداب السفر.

2- بحار الأنوار 59: 54 حديث 2، وعنه في مستدرك الوسائل 11: 205 باب 21 من أبواب آداب السفر. وفيه عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام)، مع تقديم وتأخير.

3- الفقيه 2: 176 حديث 785، وسائل الشيعة 11: 376 باب 15 من أبواب آداب السفر حديث 5. وفيه قطعة من الحديث.

4- المحاسن: 347 حديث 19، وسائل الشيعة 11: 366 باب 10 من أبواب آداب السفر حديث 7.


الصفحة 15

الثاني: في ما يُستحب للمسافر فعله عند الخروج

إذا أردتَ الخروج فتوضّأ وضوء الصلاة، واجمع أهلك بين يديك، وصلّ ركعتين، فقد روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر، ويقول:

اللهمّ إنّي أستودعك اليوم نفسي وأهلي ومالي وولدي ومَن كان مني بسبيل، الشاهد منهم والغائب، اللهمّ احفظنا بحفظ الإيمان واحفظ علينا، اللهمّ اجمعنا في رحمتك ولا تسلبنا فضلك إنّا إليك راغبون، اللهمّ إنّا نعوذ بك من عناء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في النفس والأهل والمال والولد في الدنيا والآخرة، اللهمّ إني أتوجّه إليك هذا التوجّه طلباً لمرضاتك وتقرباً إليك، اللهمّ تُبلّغني ما آمله وأرجوه فيك وفي أوليائك يا أرحم الراحمين"(1).

ومن أدعية السفر قال الله تعالى: "يا محمّد، ومَن أراد الخروج من أهله لحاجة أو سفر، فأحبّ أن اُودّيه سالماً، مع قضائي له الحاجة، فليقل حين يخرج من بيته:

بسم الله مخرجي، وبإذنه خرجت، وقد علم قبل أن أخرج خروجي، وقد أحصى بعلمه ما في مخرجي ورجعتي، توكّلتُ على الإله الأكبر، توكّل مقوِّض إليه أمره، ومستعين به على شؤونه، مستزيد من فضله، مبرّىء نفسه من كلّ حول أو من كلِّ قوّة إلاّ به، خروج ضرير خرج بضرِّه إلى مَن يكشفه وخروج فقير خرج بفقره إلى من يسدّه،

____________

1- الكافي 4: 283 حديث1، وسائل الشيعة 11: 379 باب 18 من أبواب آداب السفر حديث 1. وفيه قطعة من الحديث.


الصفحة 16
وخروج عائل خرج بعيلته إلى مَن يغنيها، وخروج من ربّه أكثر ثقته واعظم رجائه وأفضل اُمنيته، الله ثقتي في جميع اُموري كلّها، به فيها جميعاً استعين، ولا شيء إلاّ ما شاء الله في علمه، أسأل الله خير المخرج والمدخل، لا إله إلاّ هو إليه المصير.

فإنّه إذا قال ذلك وَجّهتُ له في مدخله ومخرجه السرور، وأدّيته سالماً".

فإذا وضعتَ رجلك على باب دارك للخروج فقل: باسم الله، أمنت بالله، توكلّت على الله، ما شاء الله، لا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

وإذا وقفتَ على الباب فاستقبل الوجه الذي تريده واقرأ فاتحة الكتاب أمامك وعن يمينك وعن شمالك، وكذا آية الكرسي، ثم قل: اللهمّ احفظني واحفظ ما معي، وسلّمني وسلّم ما معي، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل يا أرحم الراحمين"(1).

الثالث: في حال المسافر

يُستحب أن يكون مُعتّماً ; لقول الصادق (عليه السلام): "ضمنتُ لمن يخرج من بيته مُعتمّاً أن يرجع إليهم سالماً"(2).

ويستحب أن يعتمّ محّنكاً، فقد روي عن الكاظم (عليه السلام) أنّه قال: "أنا ضامن لمن خرج يريد سفراً مُعتّماً تحت حنكه ألاّ يُصيبه السرق والحرق والغرق"(3).

____________

1- البلد الأمين: 513.

2- ثواب الأعمال: 222 حديث1، وسائل الشيعة 11: 453 باب 11 من أبواب آداب السفر حديث 2.

3- الفقيه 2: 197 حديث 898، ثواب الأعمال: 222 حديث 2، وسائل الشيعة 11: 452 باب 59 من أبواب آداب السفر حديث 1.


الصفحة 17
ويستحب أن يستصحب عصاً ; لما روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "مَن حمل العصا نفي عنه الفقر، ولا يجاوره الشيطان"(1).

ويستحب أن تكون لوز مُرّ ; لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: "مَن خرج بسفره ومعه عصا لوز مُرّ ـ وتلا { ولمّا توجّه تلقاء مَدين قالَ عسى ربّي أن يهديني سواء السبيل. ولما ورد ماء مَدين وجدَ عليه اُمَّةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا: لا نسقي حتّى يُصدِرَ الرّعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثُمَّ تولّى إلى الظِلّ فقال ربّ إنّي لِما أنزلت إليّ من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوتَ من القوم الظالمين. قالت إحداهما يا أبت استأجره إنّ خيرَ من استأجرت القوي الأمين. قال إنّي اُريد أن أُنكحك احدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك وما اُريدُ أن أشقَّ عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين. قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيتُ لا عدوان عليّ والله على ما نقول وكيل}(2) ـ أمّنه الله من كلّ سبع ضارّ ولصّ عاد، ومن كلّ ذات حمة، حتى يرجع إلى أهله ومنزله، وكان معه سبع وسبعون من المعقّبات يستغفرون له حتى يرجع ويضعها"(3).

____________

1- ثواب الأعمال: 222 حديث1، وسائل الشيعة 11: 378 باب 16 من أباب آداب السفر حديث 3.

2- القصص 22 ـ 28.

3- الفقيه 2: 176 حديث 786، وسائل الشيعة 11: 377 باب 16 من أبواب آداب السفر حديث 1.


الصفحة 18

الرابع: في ما يُستحب للمسافر في السفر

إذا ركبت راحتلكَ فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله والله أكبر. واقرأ سورة القدر.

فإذا استويت على الراحلة فقل: {سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كُنَّا له مُقرنين}(1)، ثم سبّح الله واحمده وهلّله سبعاً سبعا، ثم اقرأ آية السُخرة(2) ثم قل: استغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحي القيّوم وأتوب إليه، اللهمّ اغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. فقد روي: أنّه من قال ذلك غفر الله ذنوبه(3).

ويستحب إذا علا جبلاً أن يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله والله أكبر، والحمد لله ربّ العالمين، اللهمّ لكَ الشرف عليّ كلّ الشرف.

وإذا أشرفتَ على قرية أو بلدة فقل: اللهمّ ربّ السموات السبع وما أظلّت، وربّ الأرضين السبع وما أقلّت، وربّ الرياح وما ذرت، وربّ الأنهار وما جرت، صلّ على محمّد وآل محمّد، وعرّفنا خير هذه القرية وخير أهلها، وأعذنا من شرها وشر أهلها، إنّك على كلّ شيء قدير. اللهمّ يسرّ لي ما كان فيها من خير، ووفّق لي منها ما كان من يسير، وأعنّي على قضاء حاجتي، يا قاضي الحاجات، يا رب الدعوات، أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، وأجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً.

وإذا نزلت منزلاً فقل: اللهمّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين،

____________

1- الزخرف: 13.

2- الأعراف: 43.

3- انظر وسائل الشيعة 11: 387 ـ 391 باب 20 من أبواب آداب السفر.


الصفحة 19
قال الصادق (عليه السلام): "من قال هذا رزق خيره وكفى شره"(1).

وإذا أردت الرحيل من المنزل فصلّ ركعتين وقل: السّلام على ملائكة الله الحافظين، وعلى عباد الله الصالحين، ورحمة الله وبركاته. ثمّ سلّم على المنزل وودّعه، فإنّ لكلّ منزل أو بقعة أهلاً(2).

وإن خفت شيئاً من الهوام فقل: "يا ذارئ ما في الأرض كلّها بعلمه، بعلمك يكون ما يكون مما ذرأت، لك السلطان على ما ذرأت، ولك السلطان القاهر على كلّ شيء دونك يا عزيز يا منيع، إنّي أعوذ بك وبقدرتك على كلّ شيء من كلّ شيء يضرّ في بدني، من سبع أو هامة أو عارض من سائر الدواب، يا خالقها بفطرته صلّ على محمّد وآل محمّد وأدرئها عني وأحجزها ولا تسلّطها عليّ، وعافني من شرّها وبأسها، يا الله يا ذا العلم العظيم احفظني بحفضك وآجرني بسترك الواقي من مخاوفي يا كريم"(3).

وإذا أردت التعريس ـ وهو النزول آخر الليل ـ فتَوَوق ممّا حذّر منه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، روي أنّه قال: "إياكم والتعريس على ظهر الطريق وبطون الأودية، فإنّها مدارج السباع ومأوى الحيّات"(4).

فمن خاف إذا نزل منزلاً في ذلك فليقل: " أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شيء قدير، اللهمّ انّي أعوذ بك من شرّ كلّ سبع. فما قاله أحد إلاّ آمن ذلك

____________

1- انظر وسائل الشيعة 11: 444 ـ 445 باب 54 من أبواب آداب السفر.

2- انظر وسائل الشيعة 11: 442 باب 52 من أبواب آداب السفر.

3- مستدرك الوسائل 8: 141 باب 20 من أبواب آداب السفر حديث 1.

4- الفقيه 2: 193 حديث 878، وسائل الشيعة 11: 431 باب 48 من أبواب آداب السفر حديث 1.


الصفحة 20
السبع حتى يرحل من ذلك المكان إن شاء الله تعالى".

وفي (مكارم الأخلاق): عن الصادق (عليه السلام) قال: "من قرأ آية الكرسي في السفر في كلّ ليلة سلم، وسلم ما معه، ويقول: اللهمّ اجعل مسيري عبراً، وصمتي فكراً، وكلامي ذكراً"(1).

عنه (عليه السلام) قال: "أتى أخوان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالا: يا رسولَ الله إنّا نريد الشام في تجارة، فعلّمنا ما نقول؟

قال: بعد إذ آويتما إلى منزل فصلّيا العشاء الآخرة، فإذا وضع أحدكما جنبه على فراشه بعد الصلاة فليسبّح تسبيح فاطمة عليها السّلام، ثم ليقرأ آية الكرسي، فإنّه محفوظ من كلّ شيء.

وانّ لصوصاً تبعوهم حتى نزلوا، فبعثوا غلاماً لهم ينظر كيف حالهم، ناموا أم مستيقظون، فانتهى الغلام إليهم وقد وضع أحدهما جنبه على فراشه وقرأ آية الكرسي وسبّح تسبيح الزهراء عليها السّلام.

قال: فإذا عليهما حائطان مبنيان، فجاء الغلام فطاف بهما، فكلّما دار لم ير إلاّ حائطين، فرجع إلى أصحابه فقال: لا والله ما رأيتُ إلاّ حائطين مبنين.

فقالوا: أخزاك الله لقد كذبت، بل ضعفت وجبنت، فقاموا فنظروا فلم يجدوا إلاّ حائطين مبنيين، فداروا بالحائطين فلم يَروا انساناً، فانصرفوا إلى موضعهم، فلمّا كان من الغد جاءوا إليهم فقالوا: أين كنتم؟

فقالوا: ما كُنا إلاّ هنا، ما برحنا.

فقالوا: لقد جئنا ما رأينا إلاّ حائطين مبنيين، فحدِّثا ما قضيتكما؟

____________

1- المحاسن: 368 حديث 120، وسائل الشيعة 11: 395 باب 23 من أبواب آداب السفر حديث 3.


الصفحة 21
فقالا: أتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعلّمنا آية الكرسي وتسبيح فاطمة عليها السّلام، ففعلنا.

فقالوا: انطلقوا فوالله ما نتبعكم أبداً، ولا يقدر عليكم لصّ بعد هذا الكلام"(1).

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطيبيّن الطاهرين آمين آمين آمين.

____________

1- المحاسن: 368 حديث 120، وسائل الشيعة 11: 395 باب 23 من أبواب آداب السفر حديث 3.