الصفحة 26
مقالتهما، وليس لنا في بيان ذلك كثير فائدة، نعم بمقتضى الروايتين المتّجه ما ذهب إليه.

وثالثها: أرض الصلح، وهي كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية.

فيلزمهم ما يُصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع، أو غير ذلك. وليس عليهم شيء سواه، فإذا أسلم أربابها كان حكم أرضهم حكم أرض مَن أسلم طوعاً ابتداءً، ويسقط عنهم الصلح ; لأنه جزيّة.

ويصح لأربابها التصرّف فيها بالبيع والشراء والهبة، وغير ذلك، وللإمام أن يزيد وينقص ما يصالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها، ولو باعها المالك من مسلم صحّ وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع، وهذا إذا صولحوا على أنّ الأرض لهم.

أمّا لو صولحوا على أنّ الأرض للمسلمين، وعلى أعناقهم الجزية، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة، عامرها للمسلمين ومواتها للإمام (عليه السلام).

ورابعها: أرض الأنفال، وهي كلّ أرض انجلى أهلها عنها وتركوها، أو كانت مواتاً لغير ذلك فاُحييت، أو كانت آجاماً(1) وغيرها ممّا لا يُزرع فاستحدثت مزارع.

فإنّها كلّها للإمام خاصّة، لا نصيب لأحد معه فيها، وله التصرّف فيها بالبيع والشراء والهبة والقبض حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع.

____________

1- الآجام، جمع الأجمة: وهي الشجر المُلتف. الصحاح 5: 1858، مجمع البحرين 6: 6 " أجم ".


الصفحة 27
ويجوز له نزعها من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة القبالة(1)، إلاّ ما اُحييت بعد موتها، فإنّ مَن أحياها أولى بالتصرّف فيها إذا تقبّلها بما يتقبّلها غيره، فإن أبى كان للإمام نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه، وعلى المتقبّل بعد إخراج مال القبالة في ما يحصل العشر أو نصفه.

مسائل:

الاُولى: تقسيم الأرض إلى هذه الأقسام الأربعة بعينه موجود في كلام الشيخ (رحمه الله) في (المبسوط)(2) و(النهاية)(3)، بل تكاد عبارته تُطابق العبارة المذكورة هنا.

والظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في ذلك، فقد ذكره كذلك جماعة المتأخّرين كابن ادريس(4)، والمحقّق ابن سعيد(5)، والعلاّمة في مطولاته كـ (المنتهى)(6) و(التذكرة)(7)، ومتوسطاته كـ (التحرير)(8)، ومختصراته كـ (القواعد)(9) و(الإرشاد)(10)، وكذا شيخنا الشهيد في (الدروس)(11).

____________

1- في " ش3 " و" ش4 ": الضمان.

2- المبسوط 2: 29.

3- النهاية: 194.

4- السرائر 1: 476 ـ 477.

5- شرائع الإسلام 1: 322 ـ 323.

6- منتهى المطلب 2: 935.

7- تذكرة الفقهاء 1: 427.

8- تحرير الأحكام 1: 142.

9- قواعد الأحكام 1: 106.

10- إرشاد الأذهان 1: 347 ـ 348.

11- الدروس 2: 40 ـ 41. وفي " ش3 " و" ش4 ": دروسه.


الصفحة 28
الثانية: قال الشيخ: كلّ موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين، إذا أخرج الإنسان مؤمنته ومؤنة عياله لسنة، وجب عليه في ما يبقى بعد ذلك الخمس لأهله(1)، وهو متّجه.

الثالثة: ما يُؤخذ من هذه الأراضي إمّا مقاسمة بالحصة أو ضريبة تسمّى الخراج، يُصرف لمن له رقبة تلك الأرض، فما كان من المفتوح عنوة فمصرفه للمسلمين قاطبة، وكذا ما يُؤخذ من أرض الصلح، أعني الجزية. وما يؤخذ ممّا أسلم أهلها عليها إذا تركوا عمارتها على ما سبق، وما كان من أرض الأنفال فهو للإمام (عليه السلام)، وسيأتي تفصيل بعض(2) ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

____________

1- المبسوط 1: 236.

2- بعض: لم ترد في " ش1 " و" ش2 ".


الصفحة 29

المقدّمة الثانية
في حكم المفتوح عنوة

أعني المأخوذة بالسيف قهراً ; لأنّ فيه معنى الإذلال، ومنه قوله تعالى: {وعنت الوجوه للحيّ القيوم}(1) أي ذلّت.

وفيه مسائل:

الاُولى: قد قدّمنا أنّ هذه الأرض للمسلمين قاطبة، لا يختصّ بها المُقاتلة(2)، لكن إذا كانت مُحياة وقت الفتح.

ولا يصح بيعها والحالة هذه، ولا وقفها ولا هبتها، بل يصرف الإمام حاصلها في مصالح المسلمين: مثل سدّ الثغور، ومعونة الغزاة، وبناء القناطر. ويخرج منها أرزاق القضاة، والولاة، وصاحب الديوان، وغير ذلك من مصالح المسلمين، ذهب إلى ذلك أصحابنا كافّة.

قال الشيخ في (المبسوط) عندما ذكر هذا القسم من الأرضين: ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء، ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينوبهم من سدّ الثغور، ومعونة المجاهدين، وبناء القناطر، وغير ذلك من المصالح.

وليس للغانمين في هذه الأرض خصوصاً شيء، بل هم والمسلمون فيه سواء.

ولا يصحّ بيع شيء من هذه الأرض، ولا هبته، ولا معاوضته،

____________

1- طه: 111.

2- تقدّم في الصفحة: 239.


الصفحة 30
ولا تمليكه، ولا وقفه، ولا رهنه، ولا إجارته، ولا إرثه.

ولا يصحّ أن يُبنى دوراً ومنازل ومساجد وسقايات، ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك.

ومتى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلاً، وهو باق على الأصل(1).

هذا كلامه (رحمه الله) بحروفه، وكلامه في (النهاية) قريب من ذلك(2)، وكذا كلام ابن إدريس في (السرائر)(3).

والذي وقفنا عليه من كلام المتأخّرين عن زمان الشيخ غير مخالف لشيء من ذلك:

فهذا العلاّمة في كتاب (منتهى المطلب) و(تذكرة الفقهاء) و(التحرير) مصرّح بذلك:

قال في (المنتهى): قد بيّنا أنّ الأرض المأخوذة عنوة لا يختص بها الغانمون، بل هي للمسلمين قاطبة إن كانت مُحياة وقت الفتح، ولا يصح بيعها ولا هبتها ولا وقفها، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح، مثل سدّ الثغور، ومعونة الغزاة، وبناء القناطر. ويخرج منها أرزاق القضاة والولاة وصاحب الديوان، وغير ذلك من مصالح المسلمين(4).

وقد تكرّر في كلامه نحو هذا قبل(5) وبعدُ(6).

____________

1- المبسوط 2: 34.

2- النهاية: 195.

3- السرائر 1: 477.

4- منتهى المطلب 2: 936.

5- منتهى المطلب 2: 935.

6- منتهى المطلب 2: 936.


الصفحة 31
وكذا قال في (التذكرة)(1) و(التحرير)(2)، فلا حاجة إلى التطويل بإيراد عبارته فيهما.

وقد روى الشيخ في (التهذيب) عن حمّاد بن عيسى قال: رواه لي بعض أصحابنا، ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) في حديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة، قال: " وليس لمن قاتل شيء من الأرضين وما غلبوا عليه، إلاّ ما احتوى العسكر ـ إلى أن قال ـ: والأرض التي أُخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة، متروكة في يد مَن يعمّرها ويُحييها، ويقوم عليها، على صلح ما يصالحهم الوالي، على قدر طاقتهم من الخراج، النصف أوالثلث أو الثلثان، وعلى قدر ما يكون لهم صالحاً ولا يضرّ بهم.

فإذا خرج منها نماء بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحاً، ونصف العشر ممّا سقي بالدوالي والنواضح. فأخذه الوالي فوجّهه في الوجه الذي وجهه الله تعالى له ـ إلى أن قال ـ: ويؤخذ بعد ما يبقى من العشر، فيقسّم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمّال الأرض وأكرتها، فيدفع إليهم أنصبائهم على قدر ما صالحهم عليه، ويأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله، وفي مصلحة ما ينويه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد، وغير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير، وله بعد الخمس الأنفال.

والأنفال: كلّ أرض خربة قد باد أهلها، وكلّ أرض لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن صُولحوا عليها وأعطوا بأيديهم على غير قتال.

____________

1- تذكرة الفقهاء 1: 427.

2- تحرير الأحكام 1: 142.


الصفحة 32
وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام، وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها وله صوافي المملوك ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب ; لأنّ المغصوب كلّه مردود، وهو وارث مَن لا وارث له "(1). الحديث بتمامه.

وهذا الحديث وإن كان من المراسيل، إلاّ أنّ الأصحاب تلقوّه بالقبول، ولم نجد له رادّاً، وقد عملوا بمضمونه، واحتجّ به على ما تضمّن من مسائل هذا الباب العلاّمة في (المنتهى)(2)، وما هذا شأنه فهو حجّة بين الأصحاب، فإنّ ما فيه من الضعف ينجبر بهذا القدر من الشهرة.

بقي شيء، وهو أنّه تضمّن وجوب الزكاة قبل حقّ الأرض، وبعد ذلك يؤخذ حقّ الأرض، والمشهور بين الأصحاب أنّ الزكاة بعد المؤن، نعم هو قول الشيخ (رحمه الله)(3).

وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: " ما اُخذ بالسيف فذلك للإمام (عليه السلام) يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر، قبّل أرضها ونخلها، والناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد، وقد قبّل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر، وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر "(4).

____________

1- التهذيب 4: 129 ـ 130 حديث 366. ورواه في الاستبصار أيضاً 2: 56 حديث 185، ورواه بتفاوت بسيط الكليني في الكافي 1: 453 حديث 4، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 9: 513 ـ 514 الباب 1 من أبواب قسمة الخمس حديث 8.

2- منتهى المطلب 2: 934.

3- المبسوط 1: 236.

4- التهذيب 4: 119 حديث 342، وسائل الشيعة 15: 158 ـ 159 الباب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 2.


الصفحة 33
وفي معناه ما رواه أيضاً مقطوعاً عن صفوان بن يحيى وأحمد بن أبي نصر(1).

الثانية: موات هذه الأرض ـ أعني المفتوحة عنوة، وهو ما كان في وقت الفتح مواتاً ـ للإمام (عليه السلام) خاصّة، لا يجوز لأحد احياؤه إلاّ بإذنه إن كان ظاهراً، ولو تصرّف فيها متصرّف بغير إذنه كان عليه طسقها، وحال الغيبة يملكها المحيي بغير(2) إذن.

ويُرشد إلى بعض هذه الأحكام ما أوردناه في الحديث السابق عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام)(3).

وأدلّ منه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد: أنّه سمع رجلاً يسأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمّرها، وأكرى أنهارها، وبنى فيها بيوتاً، وغرس فيها نخلاً وشجراً. قال: فقال أبو عبدالله (عليه السلام): " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: مَن أحيى أرضاً من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤدّية إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم (عليه السلام)فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه "(4).

وروى الشيخ عن محمّد بن مسلم قال: سألتُ أبا عبدالله (عليه السلام)عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: " ليس به بأس ـ إلى أن قال ـ: وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحقّ بها وهي لهم "(5).

____________

1- التهذيب 4: 118 حديث 341، ورواه الشيخ الكليني في الكافي 3: 512 حديث 2، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 15: 157 ـ 158، الباب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 1.

2- في " ش3 ": من غير.

3- تقدّم في الصفحة 245 ـ 246.

4- التهذيب 4: 145 حديث 404.

5- التهذيب 4: 146 حديث 407 ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه 3: 151 حديث 664، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 15: 156 الباب 17 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 2.


الصفحة 34
الثالثة: قال الشيخ (رحمه الله) في (النهاية)(1) و(المبسوط)(2)، وكافة الأصحاب: لا يجوز بيع هذه، ولا هبتها، ولا وقفها ـ كما حكيناه سابقاً عنهم ـ لأنّها أرض المسلمين قاطبة، فلا يختص بها أحد على وجه التملّك لرقبة الأرض، إنّما يجوز له التصرّف فيها، ويؤدّي حقّ القبالة إلى الإمام، ويخرج الزكاة مع اجتماع الشرائط. وإذا تصرّف فيها أحدٌ بالبناء والغرس صحّ له بيعها، على معنى أنّه يبيع ماله فيها من الآثار وحقّ الاختصاص بالتصرّف، لا الرقبة ; لأنّها ملك المسلمين قاطبة.

روى الشيخ عن صفوان بن يحيى، عن أبي بُردة بن رجاء قال: قلتُ لأبي عبدالله (عليه السلام): كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: " ومَن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين " قال: قلتُ: يبيعها الذي هي في يده، قال: " ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ " ثم قال: " لا بأس، اشترى حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه، ولعلّه يكون أقوى عليها وأملأ بخراجهم منه "(3).

وهذا صريح في جواز بيع حقّه ـ أعني آثار التصرّف ـ ومنع بيع رقبة الأرض، ولا نعرف أحداً من الأصحاب يخالف ما في مضمون الحديث.

وعن محمّد بن مسلم قال: سألتُ أبا عبدالله (عليه السلام) عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: " ليس به بأس، قد ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

____________

1- النهاية: 196.

2- المبسوط 1: 235.

3- التهذيب 4: 146 حديث 406، الاستبصار 3: 109 حديث 387، وسائل الشيعة 15: 155 ـ 156 الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 1.


الصفحة 35
على أهل خيبر، فخارجهم على أن يترك الأرض بأيديهم يعملونها ويعمرّونها، فلا أرى بأساً لو أنّك اشتريت منها "(1) الحديث.

وهذا يراد به ما اُريد بالأوّل من بيع حقّه منها، إذ قد صرّح أوّلاً بأنّها ليست ملكاً لهم، وإنّما خارجهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يتصوّر منهم بيع الرقبة والحالة هذه؟!

وقريب من ذلك ما روي حسناً عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: " رُفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) رجل مسلم اشترى أرضاً من أراضي الخراج، فقال (عليه السلام): له ما لنا وعليه ما علينا، مسلماً كان أو كافراً، له ما لأهل الله، وعليه ما عليهم "(2) الحديث.

وهذا في الدلالة كالأوّل.

وعن حريز عن محمّد بن مسلم وعمر بن حنظلة عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: سألته عن ذلك فقال: " لا بأس بشرائها، فإنّها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم تؤدّي عنها كما يؤدّي عنها "(3).

وأدلّ من ذلك ما رواه محمّد الحلبي في الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام)وقد سأله عن السواد ما منزلته؟ فقال: " هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن يُخلق بعد ". فقلنا: الشراء

____________

1- التهذيب 4: 146 حديث 407، ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه 3: 151 حديث 664، وأخرجه الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 15: 156 الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 2.

2- التهذيب 4: 147 حديث 411، وسائل الشيعة 15: 157 الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 6.

3- التهذيب 4: 147، حديث 408، وسائل الشيعة 15: 156 الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 3.


الصفحة 36
من الدهاقين؟ قال: " لا يصلح، إلاّ أن يشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخدها ". قلنا: فإنّ أخذها منه؟ قال: " يردّ إليه رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما عمل "(1).

وفي (التذكرة) رواه هكذا: قال: " يؤدّ "(2) بالواو بدل الراء، من الأداء، مجزوماً بأنّه أمر للغائب محذوف اللام، وما أوردناه أولى.

فإن قلت: إذا جوّزتم البيع ونحوه تبعاً لآثار التصرّف، فكيف يجوز لوليّ الأمر أخذها من المشتري؟ وكيف يسترد رأس ماله مع أنّه قد أخذ عوضه، أعني تلك الآثار؟

قلت: لا ريب أنّ وليّ الأمر له أن ينتزع أرض الخراج من يد متقبّلها إذا انقضت مدّة القبالة وإن كان له فيها(3) شيء من الآثار، فانتزاعها من يد المشتري أولى بالجواز، وحينئذ فله الرجوع برأس ماله ; لئلاّ يفوت الثمن والمثمن، ولكنّ الذي يردّ الثمن يحتمل أن يكون هو الإمام (عليه السلام) ; لانتزاعه ذلك، ويُحتمل أن يكون البائع ; لما في الردّ من الإشعار بسبق الأخذ، وقوله: " وله ما أكل... إلى آخره " الظاهر أنّه يريد به المشتري.

وفي معنى هذه الأخبار أخبار اُخر كثيرة أعرضنا عنها ايثاراً للاختصار.

____________

1- التهذيب 7: 147 حديث 652، الاستبصار 3: 109 حديث 384، وسائل الشيعة 25: 435 الباب 18 من أبواب إحياء الموات حديث 1.

2- تذكرة الفقهاء 1: 428.

3- في " ش1 ": بها.


الصفحة 37

تنبيهات:

الأوّل: قد عرفتَ أنّ المفتوحة عنوة لا يصح بيع شيء منها، ولا وقفه، ولا هبته.

قال في (المبسوط): ولا أنّ يُبنى دوراً ومنازل ومساجد وسقايات، ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك. ومتى فعل شىء من ذلك كان التصرّف باطلاً، وهو باق على الأصل، وقد حكينا عبارته قبل ذلك(1).

وقال ابن ادريس: فإن قيل: نراكم تبيعون وتشترون وتقفون أرض العراق وقد أخذت عنوة.

قلنا: إنّما نبيع ونقف تصرّفنا فيها وتحجيرنا وبناءنا، فأمّا نفس الأرض فلا يجوز ذلك فيها(2).

قال العلاّمة في (المختلف) بعد حكاية كلام ابن ادريس هذا: وهو يشعر بجواز البناء والتصرّف. قال: وهو أقرب(3).

قلت: هذا واضح لا غبار عليه، يدلّ عليه ما تقدّم في قول الصادق (عليه السلام): " اشترى حقّه منها "(4)، وأنّه أثر محترم مملوك لم يخرج عن ملك مالكه بشيء من الأسباب الناقلة، فيكون قابلاً لتعلّق التصرفات به.

____________

1- المبسوط 2: 34. وتقدّمت العبارة في الصفحة 245.

2- السرائر 1: 478.

3- مختلف الشيعة 4: 441 مسألة 55.

4- التهذيب 4: 146 حديث 406، الاستبصار 3: 109 حديث 387، وسائل الشيعة 15: 155 ـ 156 الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 1، وتقدّم الحديث في الصفحة 248.


الصفحة 38
ونحو ذلك قال في كتاب (التذكرة) في كتاب البيع، فإنّه قال: لا يصح بيع الأرض الخراجيّة ; لأنّها ملك المسلمين قاطبة لا يختص بها أحد، نعم يصح بيعها تبعاً لآثار المتصرّف(1).

وكذا قال في (القواعد)(2) و(التحرير)(3).

ثم نعود إلى كلامه في (المختلف) فإنّه قال فيه في آخر المسألة في كتاب البيع: ويُحمل قول الشيخ على الأرض المُحياة دون الموات(4).

قلت: هذا مشكل ; لأنّ المُحياة هي التي تتعلّق بها هذه الأحكام المذكورة، وأمّا الموات فإنّها في حال الغيبة مملوكة للمحيي، ومع وجود الإمام لا يجوز التصرّف فيها إلاّ بإذنه، مع أنّ الحمل لا ينافي ما قرّبه من مختار ابن ادريس ; لأنّ مراده بأرض العراق المعمورة المحياة التي يقال فيها: لا يجوز بيعها ولا هبتها ; لأنّها أرض الخراج.

نعم، يمكن حمل كلام الشيخ (رحمه الله) على حال وجود الإمام وظهوره، لا مطلقاً.

الثاني: نفوذ هذه التصرّفات التي ذكرناها إنّما هو في غيبة الإمام، أمّا في حال ظهوره فلا ; لأنّه إنّما يجوز التصرّف فيها بإذنه، وعلى هذا فلا ينفذ شيء من تصرّفات المتصرّف فيها استقلالاً.

وقد أرشد إلى هذا الحكم كلام الشيخ في (التهذيب)، فإنّه أورد على نفسه سؤالا وجواباً، محصلهما مع رعاية ألفاظه بحسب الإمكان، أنّه:

____________

1- تذكرة الفقهاء 1: 465.

2- قواعد الأحكام 1: 126.

3- تحرير الأحكام 1: 165.

4- مختلف الشيعة 4: 441 مسألة 55.


الصفحة 39
إن قال قائل: إذا كان الأمر في أموال الناس ما ذكرتم من لزوم الخمس فيها، وكذا الغنائم، وكان أحكام الأرضين ما بيّنتم من وجوب اختصاص التصرّف فيها بالأئمة (عليهم السلام)، إمّا لاختصاصهم بها كالأنفال، أو للزوم التصرّف فيها بالتقبيل والتضمين لهم مثل أرض الخراج، فيجب أن لا يحلّ لكم مَنكح، ولا يخلص لكم مَتجر، ولا يسوغ لكم مَطعم على وجه من الوجوه.

قيل له: الأمر وإن كان كما ذكرت من اختصاص الأئمّة (عليهم السلام)بالتصرّف في هذه الأشياء، فإنّ لنا طريقاً إلى الخلاص.

ثم أورد الأحاديث التي وردت بالأذن للشيعة ; لاختصاصهم(1) في حقوقهم (عليهم السلام) حال الغَيبة.

ثم قال: إن قال قائل: إنّ ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين، ولا يدلّ على صحة تملّكها بالشراء والبيع، ومع عدم صحتها لا يصح ما يتفرّع عليها.

قيل له: قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام:

أرض يسلم أهلها عليها، فهي ملك لهم يتصرّفون فيها.

وأرض تُؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها، فقد أبحنا شراءها وبيعها ; لأنّ لنا في ذلك قسماً، لأنّها أراضي المسلمين، وهذا القسم أيضاً يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه.

وأمّا الأنفال وما يجري مجراها فليس يصح تملّكها بالشراء، وإنّما اُبيح لنا التصرّف حسب.

____________

1- لاختصاصهم: لم ترد في " ش3 ".


الصفحة 40
ثم استدلّ على حكم أراضي الخراج برواية أبي بردة بن رجاء السالفة(1)، الدالة على جواز بيع آثار التصرّف دون رقبة الأرض(2).

وهذا كلام واضح السبيل، ووجهه من حيث المعنى: أنّ التصرّف في المفتوحة عنوة إنّما يكون بإذن الإمام، وقد حصل منهم الإذن لشيعتهم حال الغيَيبة، فتكون آثار تصرّفهم محترمة بحيث يمكن ترتّب البيع ونحوه عليها.

وعبارة شيخنا في (الدروس) أيضاً تُرشد إلى ذلك، حيث قال: ولا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلاّ بإذن الإمام (عليه السلام)، سواء كان بالبيع أو بالوقف أو غيرهما، نعم في حال الغَيبة ينفذ ذلك. وأطلق في (المبسوط) أنّ التصرّف فيها لا ينفذ(3)، أي لم يقيّده بحال ظهور الإمام أو عدمه.

ثم قال: وقال ابن ادريس: إنّما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرّفنا، لا نفس الأرض(4).

ومراده بذلك أنّ ابن ادريس أيضاً أطلق جواز التصرّف في مقابل إطلاق الشيخ (رحمه الله) عدم جوازه.

والصواب التقييد بحال الغَيبة لينفذ، وعدمه لعدمه، وهذا ظاهر بحمد الله تعالى.

____________

1- التهذيب 4: 146 حديث 406، الإستبصار 3: 109 حديث 387، وسائل الشيعة 15: 155 ـ 156 الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث 1. وتقدّمت هذه الرواية في الصفحة: 248 والصفحة: 251.

2- التهذيب 4: 142 ـ 146.

3- المبسوط 2: 34.

4- السرائر 1: 478، الدروس 2: 41.


الصفحة 41

المقدّمة الثالثة
في بيان أرض الأنفال وحكمها

الأنفال، جمع نفل، بسكون الفاء وفتحها: وهو الزيادة، ومنها النافلة.

والمراد به هنا: كلّ ما يخصّ الإمام (عليه السلام).

وقد كانت الأنفال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته، وهي بعده للإمام القائم مقامه (عليه السلام).

وضابطها: كلّ أرض فُتحت من غير أن يُوجف عليها بخيل ولا ركاب، والأرضون الموات، وتركات مَن لا وارث له من الأهل والقرابات، والآجام، والمفاوز، وبطون الأودية، ورؤس الجبال، وقطائع الملوك.

وقد تقدّم في الحديث الطويل عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) ذكر ذلك كلّه(1).

وقد روى الشيخ عن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلتُ له: ما تقول في قول الله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله}(2)؟ قال: " الأنفال لله والرسول، وهي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يُحمل عليها بخيل ولا رجال ولا ركاب، فهي نفل لله وللرسول "(3).

وعن سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال فقال: " كلّ أرض

____________

1- تقدّم في الصفحة: 245 ـ 246.

2- الأنفال: 1.

3- التهذيب 4: 132 حديث 368، وسائل الشيعة 9: 526 الباب 1 من أبواب الأنفال حديث 9.


الصفحة 42
جزية أو شيء كان للملوك، فهو خالص للإمام، ليس للناس فيها سهم "، قال: " ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب "(1).

وفي مرسلة العباس الورّاق، عن رجل سمّاه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: " إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس "(2).

ومضمون هذه الرواية مشهور بين الأصحاب مع كونها مرسلة، وجهالة بعض رجال إسنادها، وعدم إمكان التمسّك بظاهرها، إذ مَن غزا بإذن الإمام لا يكون خمس غنيمته كلّها للإمام (عليه السلام).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأرض المعدودة من الأنفال: إمّا أن تكون مُحياة، أو مواتاً.

وعلى التقديرين: فإمّا أن يكون الواضع يده عليها من الشيعة، أو لا. فهذه أقسام أربعة.

وحكمها أنّ كلّ ما كان بيد الشيعة من ذلك فهو حلال عليهم، مع اختصاص كلّ من المحياة والموات بحكمه ; لأنّ الأئمّة (عليهم السلام) أحلّوا ذلك لشيعتهم حال الغَيبة.

وأمّا غيرهم فإنّه عليهم حرام وإن كان لا يُنتزع منهم في الحال على الظاهر، حيث إنّ المُستحق لانتزاعه هو الإمام (عليه السلام) فيتوقف(3) على أمره.

وروى الشيخ (رحمه الله) عن عمر بن يزيد قال: رأيتُ أبا سيّار مسمع ابن

____________

1- التهذيب 4: 133 حديث 373، وسائل الشيعة 9: 526 الباب 1 من أبواب الأنفال حديث 8.

2- التهذيب 4: 135 حديث 378، وسائل الشيعة 9: 529 الباب 1 من أبواب الأنفال حديث 16.

3- في " ش1 " و" ش2 ": فيوقف.


الصفحة 43
عبد الملك بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبدالله (عليه السلام) مالاً في تلك السنة، فردّه عليه، فقلتُ: لِمَ ردَّ عليك أبو عبدالله (عليه السلام) المال الذي حملته إليه؟

فقال: إنّي قلتُ له حين حملتُ إليه المال: إنّي كنتُ وليت الغوص فأصبت منه أربعمائة ألف درهم، وقد جئتُ بخمسها ثمانين ألف درهم ـ إلى أن قال ـ: " يا أبا سيّار قد طيّبناه لك، فضمّ إليك مالك، وكلّ ما كان في أيدي شيعتا من الأرض فهم فيه محلّلون، محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم، ويخرجهم عنها صغرة "(1).

قال في (الصحاح): الطسق: الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرّب(2).

وعن الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلتُ على أبي جعفر (عليه السلام) فجلستُ عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال: جعلتُ فداك إنّي أريدُ أن أسألك عن مسألة، والله ما أريدُ بها إلاّ فكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً فقال:

" يا نجيّة سلني، فلا تسألني اليوم عن شيء إلاّ أخبرتك به ".

قال: جعلتُ فداك ما تقول في فلان وفلان؟

قال: " يا نجيّة لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو

____________

1- التهذيب 4: 144 حديث 403، ورواه الشيخ الكليني في الكافي 1: 337 حديث3، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 9: 548 الباب 4 من أبواب الأنفال حديث 12.

2- الصحاح 4: 1517 " طسق ".