الصفحة 62
رزق الحكّام، وولاية الأحداث، والصِلات(1)، وغير ذلك من وجوه الولايات، فإنّهم يعطون من المصالح، والمصالح تخرج من ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة(2).

وكذا قال العلاّمة حاكياً عن الشيخ كلامه(3)، فلا حاجة إلى التطويل به، وهذا واضح جليّ، وليس المقصود بالنظر.

وأمّا في حال الغَيبة، فهو موضع الكلام ومطمح النظر، ولو تأمّل المُنصف لوجد الأمر فيه أيضاً بيّناً جلّياً، فإنّ هذا النوع من المال مصرفه ما ذكر، ليس للإمام (عليه السلام) قليل ولا كثير، وهذه المصارف التي عدّدناها لم تتعطّل كلّها في حال الغَيبة وإن تعطّل بعضها.

وكون ضرب الخراج وتقبيل الأرضين وأخذه وصرفه موكولاً إلى نظره (عليه السلام)، لا يقتضي تحريمه حال الغَيبة ; لبقاء الحق ووجود المستحق. مع تظافر الأخبار عن الأئمة الأطهار، وتطابق كلام أجلّة الأصحاب، ومتقدّمي السلف ومتأخّريهم، بالترخيص لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في تناول ذلك حال الغَيبة بأمر الجائر.

فإذا انضمّ إلى هذا كلّه أمر مَن له النيابة حال الغَيبة، كان حقيقاً باندفاع الأوهام واضمحلال الشكوك، ولنا في الدلالة على ما قلناه مسلكان:

____________

1- في المبسوط والمنتهى المطبوعين والنسخة الخطيّة للمنتهى المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهدالمقدّسة برقم 12683 ورقة 56 ب: والصلاة.

2- المبسوط 2: 75.

3- منتهى المطلب 2: 959.


الصفحة 63

الأوّل:

في الأخبار الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك، وهي كثيرة:

فمنها: ما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي قال: دخلتُ على أبي عبدالله (عليه السلام) وعنده إسماعيل ابنه، فقال: " ما يمنع ابن أبي السمّاك(1) أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس، ويُعطيهم ما يعطي الناس "؟، ثم قال لي: " لِمَ تركت عطاءك "؟ قال: قلتُ: مخافة على ديني، قال: " ما منع ابن أبي السمّاك(2) أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أنّ لك في بيت المال نصيباً "؟(3).

قلت: هذا نصّ في الباب، فإنّه (عليه السلام) بيّن للسائل حيث قال: إنّه ترك أخذ العطاء للخوف على دينه، بأنّه لا خوف عليه، فإنّه إنّما يأخذ حقّه حيث إنّه يستحق في بيت المال نصيباً، وقد تقرّر في الاُصول تعدّي الحكم بالعلّة المنصوصة.

ومنها: ما رواه أيضاً في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: قال لي أبوالحسن (عليه السلام): " مالكَ لا تدخل مع علي في شراء الطعام، إنّي أظنّك ضيّقاً " قال: قلتُ: نعم، فإن شئتَ وسّعتَ عليَّ، قال: " اشتره "(4).

وقد احتجّ بها العلاّمة في (التذكرة) على تناول ما يأخذه الجائر باسم

____________

1 و 2- في " ش3 ": شمال.

3- التهذيب 6: 336 حديث 933، وسائل الشيعة 17: 214 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به حديث 6.

4- التهذيب 6: 336 حديث 932، وسائل الشيعة 17: 218 الباب 52 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.


الصفحة 64
الخراج والمقاسمة(1).

ومنها: ما رواه أيضاً في الصحيح(2) عن أبي المغرا قال: سأل رجلٌ أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده، فقال: أصلحكَ الله أمرُّ بالعامل فيجيزني بالدراهم، آخذها؟ قال: " نعم "، قلتُ: " وأحجُّ بها؟ "، قال: " نعم "(3).

ومثل هذا من عدّة طرق اُخرى.

ومنها: ما رواه أيضاً في الصحيح عن جميل بن صالح، قال: أرادوا بيع تمر عين أبي زياد، فأردتُ أن أشتريه، فقلتُ: حتى أستأذن أبا عبدالله (عليه السلام)، فأمرتُ مصادفَ فسأله، قال: فقال: " قل له يشتريه، فإن لم يشتره اشتراه غيره "(4).

قلت: قد احتجّ بهذا الحديث لحلّ ذلك العلاّمة في (المنتهى)، وصحّحه(5).

لكن قد يسأل عن قوله: " فإن لم يشتره اشتراه غيره "، فإنّ شراء الناس للشيء لا مدخل له في صيرورته حلالاً، على تقدير أن يكون حراماً، فأيّ مناسبة له ليعلّل به؟

ولا يبعد أن يكون ذلك إشارة منه (عليه السلام) إلى معنى لطيف، وهو أنّ كلّ

____________

1- تذكرة الفقهاء 1: 583.

2- في الصحيح: لم ترد في " ش3 ".

3- التهذيب 6: 338 حديث 942. ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه 3: 108 حديث 450، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 17: 213 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به حديث 2.

4- التهذيب 6: 375 حديث 1092. ورواه أيضاً الشيخ الكليني في الكافي 5: 229 حديث 5، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 17: 220 ـ 221 الباب 53 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.

5- منتهى المطلب 2: 959.


الصفحة 65
مَن له دخل في قيام دولة الجور ونفوذ أوامرها وقوّة شوكتها، وضعف دولة العدل، يحرم عليه هذا النوع ونحوه بشراء وغيره، بخلاف مَن لم يكن كذلك، فإنّ عدم دخوله في شراء هذا كدخوله في أنّه لا يتعطّل أمر دولة الجور ولا يتناقض، بل رواجها بحاله.

فأشار (عليه السلام) بقوله: " إن لم يشتره اشتراه غيره " إلى أنّه لا مانع له من الشراء، إذ لا دخل له في دولة الجور بتقوية ولا غيرها، فإن لم يشتره لم يتفاوت الحال بل يشتريه غيره.

ومنها: ما رواه أيضاً إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم، قال: " يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظَلَمَ فيه أحد "(1).

وهذا الحديث نقلته هكذا من (المنتهى)(2)، وظنّي أنّه نقله من (التهذيب)، وبمعناه أحاديث كثيرة(3).

ومنها: ما رواه أيضاً في الصحيح عن هشام بن سالم، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها، وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم، قال: " ما الإبل والغنم إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه ".

قيل له: فما ترى في مُصدّق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا نقول: بعناها، فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ قال: " إن كان أخذها وعزلها

____________

1- الكافي 5: 228 حديث 3، التهذيب 6: 375 حديث 1093 و7: 131 حديث 577، وسائل الشيعة 17: 221 الباب 53 من أبواب ما يكتسب به حديث 2.

2- منتهى المطلب 2: 959.

3- انظر وسائل الشيعة 17: 220 ـ 221 الباب 53 من أبواب ما يكتسب به.


الصفحة 66
فلا بأس ".

قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسّم لنا حظّنا فيأخذ حظّه فيعزل بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: " إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل "(1).

ومنها: ما رواه الشيخ أيضاً بإسناده عن يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) عن أبيه: " إنّ الحسن والحسين كانا يقبلان جوائز معاوية "(2).

قلت: قد عُلم أنّ موضع الشبهة حقيق بالاجتناب، والإمام (عليه السلام) لا يواقعها، وما كان قبولهما عليهما السلام لجوائزه إلاّ لِما لهما من الحقّ في بيت المال، مع أنّ تصرّفه ـ عليه غضب الله وسخطه ـ كان بغير رضىً منهم (عليهم السلام)، فتناولهما حقّهما عليهما السلام المترتّب على تصرّفه دليل على جواز ذلك لذوي الحقوق في بيت المال من المؤمنين ; نظراً إلى ثبوت التأسّي.

وقد نبّه شيخنا في (الدروس) على هذا المعنى، وفرّق بين الجائزة من الظالم، وبين أخذ الحقّ الثابت في بيت المال أصالة، فإنّ ترك قبول الأوّل أفضل، بخلاف الثاني(3).

ومثل هذه الأخبار كثيرة لمن تتبّع حصره، ولسنا بصدد ذلك، فإنّ في هذه غنية في الدلائل على المطلوب عن السعي في تتبّع ما سواها.

وكون بعضها قد يعتري بعض رجال إسناده طعن أو جهالة، غيرُ

____________

1- التهذيب 6: 375 حديث 1094. ورواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 228 حديث 2، وأخرجه عنهما الحرّ العاملي في وسائل الشيعة 17: 219 ـ 220 الباب 52 من أبواب ما يكتسب به حديث 5.

2- التهذيب 6: 337 حديث 935، وسائل الشيعة 17: 214 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به حديث 4.

3- الدروس 3: 170.


الصفحة 67
قادح في شيء منها بوجه من الوجوه، على أنّ أسانيد كثير منها صحيحة كما قدّمناه.

ومع ذلك فإنّ الأصحاب كلّهم أو جلّهم قد أفتوا بمضمونها في كتبهم، وعملوا به فيما بلغنا عنهم، والخبر الضعيف الإسناد إذا انجبر بقول الأصحاب وعملهم ارتقى إلى مرتبة الصحيح، وانتظم في سلك الحجج، واُلحق بالمشهور.

فإن قيل: هنا سؤالان:

الأوّل: هذه الأخبار إنّما تضمّنت حلّ الشراء خاصّة، فمن أين ثبت حلّ التناول مُطلقاً؟

الثاني: هذه الأخبار إنّما دلّت على جواز التناول من الجائر بعد استيلائه وأخذه، فمن أين ثبت حلّ الاستيلاء والأخذ كما يفعل الجائر؟

قلنا: الجواب عن الأوّل: أنّ حلّ الشراء كاف في ثبوت المطلوب ; لأنّ حلّ الشراء يستلزم حلّ جميع أسباب النقل، كالصلح والهبة ; لعدم الفرق، بل الحكم بجواز غير الشراء على ذلك التقدير بطريق أولى ; لأنّ شروط صحة الشراء أكثر، وقد صرّح الأصحاب بذلك، بل يستلزم قبول جواز هبته وهو في يد ذي المال، والحوالة به ; لما عرفتَ من أنّ ذلك غير مملوك له، بل إنّما هو حقّ تسلّط على التصرّف فيه غير من له أهلية التصرّف.

وقد سوّغ أئمّتنا (عليهم السلام) ابتناء تملّكنا على ذلك التصرّف الغير السائغ ; لأنّ تحريمه إنّما كان من جهتهم (عليهم السلام)، فاغفروا لشيعتهم ذلك ; طلباً لزوال المشقّة عنهم، فعليهم من الله التحيّة والسّلام، وقد صرّح بذلك بعض

الصفحة 68
الأصحاب، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأمّا الجواب عن الثاني: فلأنّ الأخذ من الجائر والأخذ بأمره سواء، على أنّه إذا لوحظ أنّ المأخوذ حقّ ثبت شرعاً، ليس فيه وجه تحريم ولا جهة غصب ولا قبح، حيث إنّ هذا حقّ مفروض على هذه الأراضي المحدّث عنها، وكونه منوطاً بنظر الإمام انتفى الحظر اللازم بسببه بترخيص(1) الإمام في تناوله من الجائر، سقط السؤال بالكليّة أصلاً ورأساً.

المسلك الثاني:

اتّفاق الأصحاب على ذلك، وهذه عباراتهم نحكيها شيئاً فشيئاً من كلامهم بعينه من غير تغيير، على حسب ما وقع إلينا من مصنّفاتهم في وقت كتابة هذه الرسالة:

فمن ذلك كلام شيخ الطائفة ورئيسها وفقيهها ومعتمدها محمّد بن الحسن الطوسي في كتاب المكاسب من كتاب (النهاية) وهذا لفظه: ولا بأس بشراء الأطعمة وسائر الحبوب والغلاّت على اختلاف أجناسها من سلاطين الجور وإن علمَ من أحوالهم أنّهم يأخذون ما لا يستحقون ويغصبون ما ليس لهم، ما لم يعلم في ذلك شيئاً بعينه غصباً، فإن علمه كذلك فلا يتعرّض لذلك، فامّا ما يأخذونه من الخراج والصدقات ـ وإن كانوا غير مستحقين لها ـ جاز شراؤها منهم(2). هذا كلامه.

وقال المحقّق نجم الدين في (الشرائع) ما هذا لفظه: ما يأخذه

____________

1- في " ش1 ": ترخّص.

2- النهاية: 358.


الصفحة 69
السلطان الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة، والأموال باسم الخراج من حّق الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة، يجوز ابتياعه وقبول هبته، ولا يجب اعادته على أربابه وإن عرف بعينه(1).

وقال العلاّمة في (المنتهى): يجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه سلطان الجور بشبهة الزكوات من الإبل والبقر والغنم، وما يأخذه عن حقّ الأرض من الخراج، وما يأخذه بشبهة المقاسمة من الغلاّت وإن كان غير مستحقّ لأخذ شيء من ذلك. إلاّ أن يتعيّن له شيء بانفراده أنّه غصب، فلا يجوز له أن يبتاعه.

ثمّ احتج له برواية جميل بن صالح واسحاق بن عمّار وأبي عبيدة السالفات(2)، إلى أن قال: إذا ثبت هذا فإنّه يجوز ابتياع ما يأخذه من الغلاّت باسم المقاسمة، أو الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة، وقبول هبته، ولا تجب اعادته على أربابه وإن عرف بعينه دفعاً لضرورته(3).

قلت: هذا بعينه هو ما أسلفناه سابقاً.

وقال في (التذكرة) ما هذا لفظه: ما يأخذه الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة، يجوز شراؤه واتّهابه، ولا تجب اعادته على أصحابه وإن عُرفوا ; لأنّ هذا مال لا يملكه الزرّاع وصاحب الأنعام والأرض، فإنّه حقّ الله آخذه غير

____________

1- شرائع الإسلام 2: 13.

2- تقدّمت في 3- منتهى المطلب 2: 1027.


الصفحة 70
مستحقه، فبرئت ذمته وجاز شراؤه(1). ثمّ احتج لذلك بخبر أبي عبيدة وعبد الرحمن السالفين.

وقال في (التحرير): ما يأخذه ظالم بشبهة الزكاة من الإبل والبقر والغنم، وما يأخذه عن حقّ الأرض بشبهة الخراج، وما يأخذه من الغلاّت باسم المقاسمة، حلال وإن لم يستحقّ أخذ ذلك، ولا تجب اعادته على أربابه وإن عرفهم، إلاّ أن يعلمه بعينه في شيء منه أنّه غصب، فلا يجوز تناوله ولا شراؤه(2).

وقال في (القواعد): والذي يأخذه الجائر من الغلاّت باسم المقاسمة، ومن الأموال باسم الخراج عن حقّ الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة، يجوز شراؤه واتّهابه، ولا تجب اعادته على أصحابه وإن عُرفوا(3).

وفي حواشي شيخنا الشهيد قدّس سرّه على القواعد ما صورته: وإن لم يقبضها الجائر، وكذا ثمرة الكرم والبستان.

وقال في (الإرشاد) عطفاً على أشياء ممّا يصح بيعها وتناولها: وما يأخذه الجائر باسم المقاسمة من الغلاّت، والخراج عن الأرض، والزكاة من الأنعام وإن عُرف المالك(4).

وقال شيخنا في (الدروس) كلاماً في هذا الباب من أجود كلام المحقّقين، إذا تأمّله المُنصف الفطن علم أنّه يعتقد في الخراج أنّه من جملة الأموال الخالية من الشبهة، البعيدة عن الأوهام، حيث ذكر الجوائز وجعل

____________

1- تذكرة الفقهاء 1: 583.

2- تحرير الأحكام 1: 163.

3- قواعد الأحكام 1: 122.

4- إرشاد الأذهان 1: 358.


الصفحة 71
ترك قبولها أفضل، وبالغ في أحكام الخراج بما سنحكيه مفصّلاً، وصورة كلامه:

يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج والزكاة والمقاسمة وإن لم يكن مُستحقاً له.

ثم قال: ولا يجب ردّ المقاسمة وشبهها على المالك، ولا يُعتبر رضاه، ولا يمنع تظلّمه من الشراء. وكذا لو علم أنّ العامل يظلم، إلاّ أن يعلم الظلم بعينه. نعم تكره معاملة الظلمة ولا تحرم ; لقول الصادق (عليه السلام): "كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه"(1). ولا فرق بين قبض الجائر إيّاها ووكيله، وبين عدم القبض، فلو أحاله بها وقبل الثلاثة، أو وكلّه في قبضها، أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمته، جاز التناول، ويحرم على المالك المنع. وكما يجوز الشراء تجوز سائر المعاوضات، والهبة، والصدقة، والوقف، ولا يحلّ تناولها بغير ذلك(2).

والمقداد (رحمه الله) في (التنقيح شرح النافع) أخذ حاصل هذا الكلام وأورده بصورة الشرح مطوّلاً(3).

ولم يحضرني في وقت نقل كلام الأصحاب سوى هذا المقدار من الكتب، فأنقل كلام الباقين، لكن فيما أوردناه غنية وبلاغ لأولي الألباب. فإنّ كلام الباقين لا يخرج عن كلام مَن حكينا كلامهم ; إذ لو كان فيهم

____________

1- الكافي 5: 313 حديث 39، الفقيه 3: 216 حديث 1002، التهذيب 7: 226 حديث 988، و9: 79 حديث 337، وسائل الشيعة 17: 87 ـ 88 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.

2- الدروس 3: 169 ـ 170.

3- التنقيح الرائع 2: 18.


الصفحة 72
مُخالف لحكاه مَن عثرنا على مُصنّفاتهم واطّلعنا على مذاهبهم، لما علمنا من شدّة حرصهم على إيراد خلاف الفقهاء وإن كان ضعيفاً، والإشارة إلى القول الشاذّ وإن كان واهياً، فيكون الحكم ذلك إجماعيّاً.

على أنّه لو كان فيهم مخالف، مع وجود فتوى كبراء المتقدّمين والمتأخّرين، واستفاضة الأخبار عن أئمة الهدى ومصابيح الدُجى، وصحّة طُرق كثير منها واشتهار مضمونها، لم يكن خلافه قادحاً، فكيف والحال كما قد علمت.

فها نحن قد قرّرنا لك في هذه المسألة، وأوضحنا لك من مشكلها، ما يجلي صدى القلوب، ويزيل أذى الصدور، ويرغم اُنوف ذوي الجهل، ويشوه وجوه اُولي الحسد، الذين يعضّون الأنامل غيظاً وحنقاً، ويلتجئون في تنفيس كربهم إلى التفكّه في الأعراض(1)، والتنبيه على ما يعدّونه بزعمهم من العورات، ويطعنون بما لا يُعدّ طعناً في الدين. يمهّدون بذلك لأنفسهم في قلوب دهماء(2) العامّة وضعفاء العقول وسفهاء الأحلام محلاًّ، ولا يعلمون أنّهم قد هدموا من دينهم، وأسخطوا الله مولاهم، وهم يحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً.

فإنّ ما أوردناه من الأخبار عن الأئمة الأطهار، وحكيناه عن فقهاء العترة النبويّة، المبرّأين من الزيغ والزلل، إن كان حقّاً يجب اتباعه والانقياد إليه، فناهيك به، وكانوا أحقّ بها وبأهلها، وأي ملامة على مَن اتّبعَ الحقّ وتمسّك بهدى قادة الخلق، لولا العَمَه(3) عن صوب الصواب، والغشاء عن

____________

1- في "ش1": كربتهم إلى التفكير في الاعتراض.

2- دهماء الناس: جماعتهم. الصحاح 5: 1924 "دهم".

3- في "ش1" و"ش2": العمى.

والعَمَهُ: التحيُّرُ والتردُّد. الصحاح 6: 2242 "عَمَه".


الصفحة 73
نور اليقين.

وإن كان باطلاً ـ مع ما أثبتناه من الأخبار الكثيرة والأقوال الشهيرة ـ فلا سبيل لنا إلى مخالفتهم وسلوك غير جادّتهم، والحال أنّهم قدوتنا في اُصول ديننا وعُمدتنا في أركان مذهبنا، وكيف نتّبعهم حيناً ونُفارقهم حيناً {يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً}(1).


وَمَا(2) أَنَا إلاّ مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْغَوَيْتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ(3)

على أنّ الحاسد لا يرضى وإن قرعت سمعه الآيات، والمُغمّض لا يبصر وإن اُتي بالحجج البيّنات. ولو راجع عقله وتفكّر لم يجد فرقاً بين حلّ الغنائم وحلّ ما نحن فيه، بل هذا إنّما هو شعبة من ذلك، فإنّه إذا كان المبُيح له والإذن في تناوله واحداً، فأيّ مجال للشكّ، وأيّ موضع للطعن، لولا عين البغضاء وطوية الشحناء.

____________

1- التوبة: 37.

2- أول هذا البيت روي على صورتين:

الاُولى: "وما"، كما في كافة نسخنا الخطيّة، والعقد الفريد 3: 305، وحكاه البغدادي في خزانة الأدب.

الثانية: "وهل"، كما في الأغاني 10: 3، وشرح شواهد المغني للسيوطي 2: 938، وخزانة الأدب.

3- بيتٌ من قصيدة لدُرَيْدِ بن الصَّمة، يرثي أخاه عبدالله، وقد قُتل في يوم اللوى، أوّلها:


أَرَثَّ جَدِيدُ الحَبْلِ مِنْ اُمِّ مَعْبَدِبِعَاقِبَة وَأَخْلَف كُلَّ مَوْعِدِ
أَعَاذِلُ مَهْلاً بَعْضَ لَوْمِكِ وَاقْصِديوَإنْ كانَ عِلْمُ الغَيْبِ عِنْدَكِ فَارْشُدِي

ودُرَيْدُ بن الصَّمة اسمه معاوية بن الحارث بن بكر بن علقمة، فارس شجاع فحل، أدرك الإسلام ولم يُسلم، وحضر حُنين مظاهراً للمشركين فقُتل على شركه.

انظر: شرح شواهد المغني للسيوطي 2: 938 ـ 939 رقم 832، جامع الشواهد لمحمد باقر الشريف 3: 277 ـ 278.


الصفحة 74
وجدير بمن علم كيف كان طعن الحاسدين، وإنكار المغمضين عن سيّد الكونين وإمام الثقلين، ونسبتهم إليه الأباطيل وندائهم عليه في الأندية بالأفاعيل، ممّا يُذيب المرائر(1)، ويفتّت قلوب ذي البصائر، أن يهون عليه مثل هذه الأقوال السخيفة والإنكارات الفاسدة.


فما في حريم بعدها من تحرّجولا هتك ستر بعدها بمحرم

وما زلنا نسمع خلال المذاكرة في مجالس التحصيل من أخبار علمائنا الماضين وسلفنا الصالحين، ما هو من جملة الشواهد على ما ندّعيه، والدلائل الدالة على حقيقة ما ننتحيه.

فمن ذلك ما تكرّر سماعنا له من أحوال الشريف المرتضى علم الهدى ذي المجدين، أعظم العلماء في زمانه، الفائز بعلوّ المرتبتين في أوانه، علي بن الحسين الموسوي قدّس الله روحه، فإنّه مع ما أشتهر من جلالة قدره في العلوم، وأنّه في المرتبة التي تنقطع أنفاس العلماء على أثرها، وقد اقتدى به كلّ مَن تأخّر عنه من علماء أصحابنا، بلغنا أنّه كان في بعض دول الجور ذا حشمة عظيمة وثروة جسيمة وصورة معجبة، وأنّه قد كان له ثمانون قرية، وقد وجدنا في بعض كتب الآثار ذكر بعضها.

وهذا أخوه ذو الفضل الشهير، والعلم الغزير، والعفّة الهاشميّة، والنخوة القرشيّة، السيّد الشريف الرضيّ المرضيّ روّحَ الله روحه، كان له ثلاث ولايات.

ولم يبلغنا عن أحد من صلحاء ذلك العصر الإنكار عليهما، ولا الغض منهما، ولا نسبتهما إلى فعل حرام أو مكروه أو خلاف الأولى، مع

____________

1- المرائر، جمع المرارة: وهي كيس أصفر معلّق مع الكبد، فيه ماء أخضر يكون لكلّ ذي روح إلاّ البعير فإنّه لا مرارة له. انظر: ترتيب كتاب العين 3: 1692، مجمع البحرين 3: 481 "مرر".


الصفحة 75
أنّ الّذين في هذا العصر ممّن يزاحم بدعواه الصلحاء، لا يبلغون درجات أتباع أولئك والمقتدين بهم.

ومتى خفي شيء، فلا يخفى حال اُستاذ العلماء والمحقّقين، والسابق في الفضل على المتقدّمين والمتأخّرين، العلاّمة نصيرالملّة والحقّ والدين، محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي، قدّس الله نفسه وطهّر رمسه، وأنّه كان المتولّي لأحوال الملك والقائم بأعباء السلطنة، وهذا وأمثاله إنّما يصدر عن أوامره ونواهيه.

ثم انظر إلى ما اشتهر من أحوال آية الله في المتأخّرين، بحر العلوم، مفتي الفرق، جمال الملّة والدين أبي منصور الحسن المطهّر قدّس الله روحه، وكيف كان ملازمته للسلطان المقدّس المبرور محمّد خدابنده، وأنّه كان له عدّة قُرى، وكانت نفقات السلطان وجوائزه واصلة إليه، وغير ذلك ممّا لو عدّد لطال.

ولو شئتُ أن أحكي من أحوال عبدالله بن عباس، وعبدالله بن جعفر، وكيف كانت أحوالهما في دول زمانهما، لحكيت شيئاً عظيماً.

بل لو تأمّل المتأمّل الخالي من المرض قلبه، لَوَجَدَ المربّي للعلماء والمروّج لأحوالهم إنّما هم الملوك وأركان دولهم.

ولهذا لمّا قلّت العناية بهم، وانقطع توجّههم بالتربية إليهم، ضعفت أحوالهم، وتضعضعت أركانهم، وخلت أندية العلم ومحافله في جميع الأرض.

وليس لأحد من المتعنّتين أن يقول: إنّ هؤلاء أحيوا هذه البلاد وكانت قبل مواتاً ; لأنّ هذا معلوم البطلان ببديهة العقل:

أمّا أوّلاً: فلأنّ بلاد العراق ـ على ما حكيناه ـ كانت بتمامها معمورة، لم يكن لأحد مجال أن يعمّر في وسط البلاد قرى متعدّدة، وما كان بين القريتين والبلدين في البعد قدر فرسخ إلاّ نادراً، كيف ومجموع معمورها من الموصل إلى عبادان ستة وثلاثون ألف ألف جريب.


الصفحة 76
وأمّا ثانياً: فلأنّ عمارة القرى أمر عظيم، يحتاج إلى زمان طويل، وصرف مال جزيل، وهم كانوا بعيدين عن هذا الاستعداد.

مع أنّ هذه التمحّلات ـ بعد ما تلوناه من كلامهم في أحكام هذه الأرضين وأحوال خراجها وحلّ ذلك ـ من التكلّفات الباردة، والاُمور السامجة(1). نعوذ بالله من القول بالهوى، ومجانبة سبيل الهدى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الخاتمة
في التوابع واللواحق

وفيها مسائل:

الاُولى:

في أنّ الخراج ليس من جملة مواضع الشبهات ; لما قرّرنا فيما قبل أنّه من جملة الغنائم، إذ هو حقّ الأرض المفتوحة، فحلّه تابع لحلّها بغير تفاوت. وقد أقمنا الدلائل على ذلك، وحكينا ما صدر عن الأصحاب رحمهم الله فيه.

وليس له ما ينافي ذلك إلاّ أخذه بأمر سلطان الجور، وهو موقوف على أمر الإمام ونظره.

وهذا لا يصلح للمنافاة ; لأنّ الأئمّة (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم ذلك في حال الغيبة، وأزالوا المانع من جهتهم، فلم يكن فيه شيء يقتضي التنفير، ولا يُبعدّ من رضى الله سبحانه ورضاهم، لا سيما إذا انضم إلى ذلك نظر نائب الغيبة.

وأيّ فارق بينه وبين ما أحلّوه لشيعتهم حال الغيبة ممّا فيه

____________

1- أي القبيحة. مجمع البحرين 2: 310 "سمج".


الصفحة 77
حقوقهم؟!

وهؤلاء الذين يزرون على هذا النوع لا يتجنّبون ما فيه حقّهم عليهم السلام، بل ولا يستطيعون. فإنّ هذه الجواري والعبيد، ومتفرّقات الغنائم، وما يحصل من البحر بالغوص وغيره، لا يستطيع أحد الانفكاك منه، وهم لا يتحرّجون من هذا القسم ولا ينفرون منه، ويبالغون في التشنيع على القسم الأوّل ; لما يلحقه من المحرّمات ومواقع الشبهات، ويجعلون أنفسهم في ذلك مُقتدى للعامّة، يقتفون آثارهم، ولا يخافون الله سبحانه حيث إنّهم قد حرّموا بعض ما أحلّه الله، وأنكروا بعض ما عُلم ثبوته من الدين، وينالون من الأعراض المحترمة بما هو حرام عليهم.

ولا فرق في استحقاق المقت من الله سبحانه بين استحلال الحرام، وبين تحريم الحلال. فإن عُمر لمّا أنكر حلّ المتعة، ما زال الأئمّة عليهم السّلام ينكرون عليه، ويتوجّعون من فعله وافترائه، وحثّوا على فعلها، ووعدوا عليها بمضاعفة الثواب ; فطماً للنفوس عن متابعته على ضلاله.

والشبهة إنّما سُمّيت شبهة ; لأنّها موضع للاشتباه. وليس هذا النوع موضعاً للاشتباه، كما نقول في أموال الظلمة والعشّارين، فإنّها مواقع الشبهة ومظانّ المحرّمات، فإنّ الحل والحرمة حكمان شرعيّان إنّما يثبتان وينتفيان بقول الشارع، فما كان أمرُ الشارع فيه الحلّ فهو الحلال، وما كان أمره فيه الحرمة فهو الحرام، والشبهة هو الحلال بحسب الظاهر ولكنّه مظنّة الحرام في نفس الأمر، كما مثّلناه في أموال الظلمة.

الثانية:

قد عرفت أنّ الخراج والمقاسمة والزكاة المأخوذة بأمر الجائر أو نائبه حلال تناولها، فهل تكون حلالاً للآخذ مُطلقاً، حتى لو لم يكن مُستحقاً للزكاة، ولا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام (عليه السلام)؟


الصفحة 78
أوإنّما تكون حلالاً بشرط الاستحقاق، حتّى أنّ غير المُستحق يجب عليه صرف ذلك إلى مستحقيه؟

إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي الأوّل، وتعليلهم بأنّ للآخذ نصيباً في بيت المال، وأنّ هذا حقّ لله، يُشعر بالثاني.

وللتوقّف فيه مجال، وإن كان ظاهر كلامهم هو الأوّل ; لأنّ دفع الضرورة لا يكون إلاّ بالحلّ مطلقاً.

الثالثة:

قال في (التحرير): روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه سُئل عن النزول على أهل الخراج، فقال: "ثلاثة أيام"(1)، وعن السخرة في القرى وما يؤخذ من العلوج والأكراد إذا نزلوا في القرى، قال: "يشترط عليهم ذلك، فما شرطت عليهم من الدراهم والسخرة وما سوى ذلك فيجوز لك، وليس لك أن تأخذ منهم شيئاً حتى تشارطهم، وإن كان كالمتيقّن أنّ مَن نزل تلك الأرض أو القرية اُخذ منه ذلك"(2)(3).

قلت: الرواية في (التهذيب) وفيها بدل الأكراد: والاُكرة، كأنّه جمع أكار.

وفي معناها ما رواه عن اسماعيل بن الفضل قال: سألتُ أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل اشترى أرضاً من أرض الخراج، إلى أن قال: إنّ اناساً من أهل الذمة نزلوها، أله أن يأخذ منهم اُجرة البيوت إذا أدّوا جزية رؤوسهم؟ قال: "يُشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال"(4).

____________

1- الكافي5: 284 ـ 285 حديث 4 ـ 5، الفقيه 3: 152 حديث 670، التهذيب 7: 153 حديث 676.

2- الكافي 5: 283 ـ 284 حديث 1، التهذيب 7: 153 حديث 678.

3- تحرير الأحكام 1: 142.

4- الكافي 5: 282 حديث 1، التهذيب 7: 154 حديث 679.


الصفحة 79
ولكن روي عن علي الأزرق قال: سمعتُ أبا عبدالله (عليه السلام)يقول: "أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً عند موته فقال: يا علي لا يُظلم الفلاحون بحضرتك، ولا يُزاد على أرض وضعت عليها، ولا سخرة على مسلم"(1).

وفي معنى ذلك ما رواه أيضاً عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام)(2).

الرابعة:

روى الشيخ (رحمه الله) في (التهذيب) عن علي بن يقطين قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: "إن كنتَ لا بدّ فاعلاً فاتّق أموال الشيعة"، قال: فأخبرني علي أنّه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ(3).

وفي معناها ما رواه الحسن بن الحسين الأنباري عن الرضا (عليه السلام) قال: كتبتُ إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أني أخاف على خيط عنقي وأنّ السلطان يقول: رافضي ولسنا نَشك في أنّك تركت عمل السلطان للرفض، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام): "فهمتُ كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك، فإن كنت تعلم أنّك إذا وليتَ عملتَ في عملك بما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم تصيّر أعوانك وكتابك أهل ملّتك، وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين، حتى تكون واحداً منهم، كان ذا بذا، وإلاّ فلا"(4).

قلت: في معنى هذين الحديثين أحاديث اُخرى، وليس هذا ممّا نحن فيه بشيء ; لأنّ موضوع هذا تولّي أعمال سلطان الجور وأخذ الجائزة

____________

1- الكافي 5: 284 حديث 2، التهذيب 7: 154 حديث 680.

2- الكافي 5: 284 حديث3، التهذيب 7: 154 حديث 681.

3- التهذيب 6: 335 حديث 927، ورواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 110 حديث 3.

4- الكافي 5: 111 حديث 4، التهذيب 6: 335 حديث 928.


الصفحة 80
على ذلك، وهذا خارج من بحثنا بالكليّة.

وما ورد في الحديث الأوّل أنّه كان يجبي أموال الشيعة علانية ويردّها عليهم سرّاً، يمكن أن يكون المراد به: ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرّمة، ويمكن أن يراد به: وجوه الخراج والزكاة والمقاسمات ; لأنّها وإن كانت حقّاً عليهم، فليست حقّاً للجائر، فلا يجوز جمعها لأجله إلاّ عند الضرورة.

وما زلنا نسمع من كثير ممّن عاصرناهم، لا سيّما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال قدّس الله روحه، وغالب ظنّي أنّه بغير واسطة بل بالمشافهة: أنّه لا يجوز لمن عليه الخراج والمقاسمة سرقته ولا جحوده ولا منعه ولا شيئاً منه ; لأنّ ذلك حقّ عليه، والله أعلم بحقائق الاُمور.

وحيث انتهى الكلام إلى هذا المقام، فلنحمد الله الذي وفّقنا للتمسّك بعروة عترة النبيّ المصطفى، وخلاصة خاصّة الوصي المرتضى، أحد السببين، وثاني الثقلين، وضياء الكونين، وعصمة الخلق في الدارين، وسلوك محجّتهم، والاستضاءة بأنوار حجّتهم.

ونسأل الله جلّ اسمه أن يُصلّي ويسلّم عليهم أجمعين، صلاة يُظهر بها شرف مقامهم يوم الدين، وأن يحشرنا في زمرتهم وتحت ألويتهم، ويتوفانا على حبّهم، مقتفين هداهم في صدرهم ووردِهم، وأن يصفح عن ذنوبنا ويتجاوز عن سيئاتنا، ولله الحمد والمنّة أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

فرغ من تسويدها مؤلّفها العبد المعترف بذنوبه علي بن عبد العالي بوّأه الله محلاًّ سنيّاً في حياته، وكساه الله بفضله حلل رضوانه، وسط نهار الاثنين تقريباً حادي عشر شهر ربيع الثاني سنة ست عشر وتسعمائة، حامداً مصلّياً على محمد وآله الطيبين الطاهرين.