المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


صِيغ العقود والإيقاعات





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله الذي فطر السماوات والأرض فاستوتا، ولو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا. وصلّى الله على نور الأنوار، وحبيب الجبّار، محمّد وآله الأطهار.

وبعد،

هذه رسالة (صِيغ العقود والإيقاعات) والتي تُسمّى أيضاً بـ (جواهر الكلمات).

وهي رسالة وجيزة تبيّن ما يجب التلفّظ به في العقود والإيقاعات، فتبيّن أوّلاً العقود بمختلف أنواعها ثم الإيقاعات.

قدّم لها مصنّفها المحقّق الكركي مقدّمة صغيرة، ثم بدأ ببيان أنواع العقود والإيقاعات، فقسّمها إلى لازمة وغير لازمة، ثم قسّم عقد البيع إلى عدّة أنواع كبيع النقد والنسيئة والمرابحة والتولية والمواضعة والمساومة وبيع الكالي بالكالي وغيرها.

ثم بدأ ببيان بقية العقود كالقرض والرهن والصلح والضمان والحوالة والكفالة وغيرها.ثم شرع ببيان الإيقاعات بأنواعها كالطلاق والظهار والعتق وغيرها.

اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على أربع نُسخ خطيّة، ثلاث منها موجودة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة، وواحدة في مكتبة الفاضل الخوانساري في مدينة خوانسار.


الصفحة 9
الاُولى: ضمن المجموعة المرقمة 22 والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 1: 34، تأريخ كتابتها في القرن العاشر. وتقع هذه النسخة في اثنتين وعشرين ورقة بحجم 15 × 10 سم، وكلّ ورقة تحتوي على ثلاثة عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف "ش1".

الثانية: ضمن المجموعة المرقّمة 133 والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 1: 153، تأريخ كتابتها سنة 962 هـ. وتقع هذه النسخة في أربع وعشرين ورقة بحجم 5 / 20 × 5 / 15 سم، وكلّ ورقة تحتوي سبعة عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف "ش2".

الثالثة: ضمن المجموعة المرقمة 680 والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 2: 273، تأريخ كتابتها سنة 939 هـ. وتقع هذه النسخة في تسع وثلاثين ورقة بحجم 5 / 18 × 17 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، ورمزنا لها بالحرف "ش3".

الرابعة: النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري ضمن المجموعة المرّقمة 239، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 1: 200. كتبها علي الحسيني، وانتهى من كتابتها في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 962 هـ. وتقع هذه النسخة في ثلاثين ورقة بحجم 5 / 12 × 5/18 سم، وكلّ ورقة تحتوي على عشرين سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف "س".

والحمدُ لله ربّ العالمين.


الصفحة 10


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش1"

الصفحة 11

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش1"

الصفحة 12

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش2"

الصفحة 13

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش2"

الصفحة 14

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش3"

الصفحة 15

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش3"

الصفحة 16

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري "س"

الصفحة 17

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري "س"

الصفحة 18
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله حمداً كثيراً كما هو أهله، والصلاة والسّلام على رسوله محمّد وآله.

أمّا بعد(1)، فهذه جملة كافلة ببيان صيغ العقود والإيقاعات، إذ كان لا بُدّ من معرفتها لمن احتاج إلى شيء منها من المكلّفين ; لتوقّف حصول الاُمور المطلوبة منها شرعاً على الإتيان بها على الوجه المعتبر، الذي ثبت كونه مثمراً لحصولها دون غيره من الوجوه.

فإنّ نقل الملك من عين أو منفعة، وإباحة الفرج، وقطع سلطنة النكاح، وإلزام(2) الذمّة البريئة بشيء من الحقوق، وإسقاط ما في الذمّة، إنّما يكون بالطريق المعيّن لذلك شرعاً، دون مجرّد القصد والتراضي من المتعاملين والمتناكحين.

ألا ترى أنّ المرأة لو رضيت بالوطء لم يحلّ ذلك وإن كانت خليّة من الموانع(3)، وصاحب المال لو قصد نقله إلى غيره لم يكفِ ذلك ولم يُنتقل المال عن ملك المالك، وكذا لو أتى كلّ منهما بغير اللفظ المعتبر(4) لذلك شرعاً، {تلك حدود الله فلا تعتدوها}(5).

____________

1- في "ش2" و"س": وبعد.

2- في "ش1": والتزام.

3- في "ش3": موانع النكاح.

4- في "ش3": المعيّن.

5- البقرة: 229.


الصفحة 19
واعلم أنّ العقد: صيغة شرعيّة لا بُدّ لها من متخاطبين ولو بالقوة، يترتّب عليها نقل ملك، أو سقوط حقٍّ، أو حلّ فرج، أو تسلّط على تصرّف.

والعقود:

عقد البيع، والقرض، والرهن، والصلح، والضمان، والحوالة، والكفالة، والوديعة، والعارية، والوكالة، والسبق، والرمي، والجعالة، والشركة، والمضاربة، والإجارة، والمزارعة، والمساقاة، والهبة، والصدقة، والعمرى، والتحبيس، والوقف، والوصيّة، والنكاح، والكتابة، وفي حكم ذلك الخلع والمباراة.

والعقد على ثلاثة أصناف:

لازم من الطرفين باعتبار أصله: وهو الذي لا يتسلّط على فسخه إلاّ بسبب أجنبي، وذلك: البيع، والصلح، والضمان، الحوالة، والكفالة، والإجارة، والسبق والرماية(1)، والمزارعة، والمساقاة، والصدقة، والعمرى، والتحبيس، والوقف، والنكاح.

ولازم من أحدهما خاصة: وهو الذي لا يتسلّط على فسخه من طرف اللزوم إلاّ بسبب أجنبي، وذلك: الرهن، فإنّه لازم من طرف الراهن جائز من طرف(2) المرتهن، ويُلامِحُه الخلع والمباراة، فإنّ الزوجة لمّا كان لها الرجوع في البذل، وكان للزوج الرجوع معه فهو في قوّة الفسخ، فهو لازم من طرفه جائز من طرفها.

____________

1- والسبق والرماية: لم ترد في "ش1".

2- في "ش1": جهة.


الصفحة 20
وغير لازم من أحدهما: وهو الجائز في أصله، وحكمه تسلّط كلّ منهما على الفسخ، وقد يعرض له اللزوم بنذر وما جرى مجراه، وهو باقي العقود.

والإيقاع:

صيغة شرعيّة يكفي فيها الواحد، يترتّب عليها قطع وصلة، أو نقل ملك، أو استحقاق حقّ أو عقوبة، أو سقوط ذلك.

والإيقاعات:

الطلاق، والرجعة، والظهار، والإيلاء، واللعان، والعتق، والتدبير، والإيمان، والنذور، والعهود، والحجر، والشفعة، والحكم.

ومعلوم أنّ الحجر للسفه والفلس وغيرهما ضرب من الحكم، وليس الإقرار من الإيقاعات ; لأنّه إخبار، والمفهوم من الإيقاعات كونها إنشاءات.

أمّا البيع

فأقسامه باعتبار النقد والنسيئة في الثمن والمثمن أربعة، وباعتبار الإخبار برأس المال وعدمه أربعة، وباعتبار وجوب مساواة الثمن للمثمن وعدمه قسمان.

فهذه عشرة أقسام، بعد التأمّل لها يعلم أنّ فيها تداخلاً، وهذه هي: النقد، والنسيئة، والسلف، وبيع الكالىء بالكالىء، وبيع المرابحة، والمواضعة والتولية، والمساومة، وبيع الربوي، وغيره، ومن ذلك الصرف.

وينقسم البيع باعتبارات اُخر إلى أقسام منها: بيع الغرر، ومنه بيع

الصفحة 21
الملاقيح والمضامين، وبيع الحصاة، والمنابذة، والملامسة، وغير ذلك.

والبيع المعلّق على شرط أو صفة، وبيع الشرط، ومنه بيع خيار الشرط الذي منه: بيع المؤامرة، والبيع المشتمل على اشتراط ردّ الثمن أو مثله في مدّة معلومة واسترجاع المبيع.

وبيع البراءة من عيب معيّن، أو عيوب معيّنة، أو سائر العيوب.

ومن أقسام البيع البيع مع الشرط، وبيع الثمرة قبل ظهورها عاماً أو أزيد مع الضميمة وبدونها، وبيعها بعد الظهور قبل بدو الصلاح، وبيع المزابنة، والمحاقلة، وبيع العرية، وبيع الرطبة، والتقبيل للشريك.

واعلم أنّة لا بُدّ في كلّ عقد لازم ـ ولو من أحد الطرفين ـ من وقوعه باللفظ الصحيح الشرعي(1) العربي، فلا يقع بغيره، إلاّ إذا لم يعلم المتعاقدان أو أحدهما ذلك، ويشقّ تعلّمه عادة.

ولا بُدّ من وقوع الإيجاب والقبول بلفظ الماضي، وتقديم الإيجاب على أصح القولين، وفوريّة القبول بحيث لا يتخلّل كلام أجنبي، ولا سكوت طويل في العادة. ولا يضرّ التنفس والسعال، ونحو ذلك، بخلاف العقود الجائزة.

ويشترط أيضاً إيقاعها بالألفاظ الصريحة في بابها، فلا يقع البيع بلفظ الإجارة والنكاح، وبالعكس، فإنّ صراحة كلّ من هذه الألفاظ في غير بابها منتفية.

ويشترط في الإيقاعات أيضاً وقوعها باللفظ الصحيح العربي مع الإمكان، ويشترط صراحته في بابه أيضاً.

____________

1- الشرعي: لم ترد في " س ".


الصفحة 22
فلو أوقع البيع بغير ما قلناه، وعلم التراضي منهما، كان معاطاة، لا يلزم إلاّ بذهاب إحدى العينين، وكذا القول في الإجارة ونحوها، بخلاف النكاح والطلاق ونحوهما فلا يقع أصلاً.

فائدة:

تكفي إشارة الأخرس الدالة على إرادة صيغ العقود والإيقاعات، ويترتّب عليها أثرها، وكذا العاجز عن النطق لمرض أو نحوه.

فصل: النقد

هو بيع الحال بالحال، سواء كان معه شرط أم لا، وسواء كان الشرط خياراً أو سقوط خيار.

وصيغته: بعتُكَ، أو شريْتُكَ، أو ملّكتكَ هذا المتاع المعيّن الموصوف الفلاني بعشرة دراهم، أو بهذه العشرة دراهم، أو بهذا الثوب، أو بثوب صفته كذا. فيقول: قبلتُ، أو ابتعتُ، أو شريتُ، أو اشتريتُ، أو تملّكتُ، ونحو ذلك.

ولا بدّ في الموصوف ثمناً أو مثمناً من وصفه بصفات السَلم، ولو كان عيناً غائبة، كالدابة الفلانيّة ولم يكن رآها الآخر، فلا بدّ من ذكر أوصافها الموجبة لرفع الجهالة عنها.

ومتى كان أحد المتعاقدين وكيلاً جاز التصريح في الإيجاب والقبول بذلك، فيقول: بعتكَ بالوكالة عن فلان، ويقول الآخر في القبول لموكّله: قبلتُ لموكّلي فلان.

ولو لم يصرّح أحدهما بالوكالة كفى القصد، لكن لا يعلم ظاهراً

الصفحة 23
وقوعه عن الموكّل أوله إلاّ بإخبار القاصد، ولا يفيد ذلك تحمّل الشاهد إلاّ على إقرار المقرّ.

ولو أراد شرط شيء، كتأجيل دين حال، أو رهن بدين، أو ضمين، قال: بعتكَ هذا بكذا وشرطتُ عليكَ تأجيل دينك الفلاني إلى سنة، أو شرطت رهن كذا بدين كذا، أو تضمين فلان كذا، أو وشرطت سقوط خيار المجلس من الجانبين مثلاً، أو سقوط خيار الغبن أو خيار الرؤية كذلك، أو شرطت لنفسي الخيار مدّة سنة، أو لك، أولي ولك، أو بعتك بشرط استئمار زيد إلى سنة مثلاً، أو بشرط انّي متى ردّدت الثمن أو مثله إلى سنة استرجعتُ المبيع، ونحو ذلك.

أو بشرط البراءة من عيب كذا وكذا، أو بالبراءة من جميع العيوب على أصح القولين.

أو بعتك ثمرة البستان الفلاني الموجودة بكذا، أو منضمة إلى ثمرة سنتين مثلاً، أو منضمة إلى الشيء الفلاني، أو بعتك بهذه الأشجار وثمرتها، فإنّه يصح في هذه وإن لم تكن قد ظهرت، كما لو باع حاملاً وضم إليها الحمل.

ولو خرصَ العَرِيَّة(1) بتغار(2) مثلاً قال: بعتكَ ثمرة هذه النخلة بتغار تمر موصوف بصفات كذا، وذكر صفات السلم إن كان التمر مضموماً، وإلاّ أشار إلى معيّن.

____________

1- العَرِيَّةُ: النخلةُ يُعْريها صاحبها رجلاً محتاجاً فيجعل له ثمرتها عاماً. الصحاح 6: 2423 " عرا ".

2- التغار: كلمة فارسيّة، وهي مكيال معيّن يُصنع من الطين. لغت نامه دهخدا 13: 785.


الصفحة 24

فصل: بيع النسيئة

هو بيع عين، أو مضمون في الذمة، حالاً، بثمن مؤجّل.

وصيغته: بعتكَ هذا المتاع بعشرة دراهم، وأجّلتك في الثمن إلى شهر.

وكلّ ما سبق من الشروط والأصالة والوكالة آت هنا، ولا ريب أنّه يشترط في الأجل هنا ـ وفي كلّ موضع يذكر ـ كونه محروساً عن احتمال الزيادة والنقصان ; لكونه معيّن في حدّ ذاته. فلا يصح التأجيل بإدراك الغلاّت، وقدوم المسافرين، ونحو ذلك.

فصل: بيع السلف

هو بيع موصوف في الذمة إلى أجل، بثمن حال، معيّن أو مضمون، وهو مقابل النسيئة.

ويشرط ذكر الصفات التي لها دخل في تفاوت القيمة بسبب تفاوت الرغبات، وقد ذكر الفقهاء لكلّ نوع من الأنواع التي يكثر دورانها ويجوز فيها السلم صفاتاً مخصوصة على طريق التدريب للمكلّف، ليستعلم منها ما يجب ذكره في العقد من صفات ما لم يتعرّضوا إليه.

ويجب أيضاً أن يذكر موضع التسليم إن كان المتعاقدان بصدد مفارقة موضوع العقد قبل الحلول، كما لو كانا غريبين مجتازين، وكذا أحدهما، والأحوط ذكره مطلقاً.

ويعتبر في أجل السّلم ما سبق من كونه محروساً عن الزيادة والنقصان، وتسليم الثمن قبل التفرّق.


الصفحة 25
والإيجاب للسَلم يقع بأسلفتكَ، أو أسلمتُ إليك من المشتري، وبعتكَ، وملّكتكَ، وما جرى مجراه من البائع.

فلو كان المُسْلَم فيه حنطة قال: أسلمتُ إليك كذا في تغار حنطة يوسفيّة، عراقيّة، حمراء، كبيرة الحبّ، جديدة، جيّدة، صربية إلى شهرين، مُسلّمة في موضع كذا. فيقول البائع: قبلتُ.

ولو ابتدأ البائع بالإيجاب فقال: بعتك تغار حنطة يوسفيّة إلى آخرها، بكذا مؤجّلة إلى كذا، مُسلّمة في موضع كذا، فقال المشتري: قبلتُ، صح.

والمرجع في ذكر الأوصاف إلى العرف، فكلّ وصف تختلف الأغراض بسببه، وتزيد القيمة وتنقص باعتباره زيادة يعتدّ بها، يجب التعرّض إليه، وغيره لا يجب ذكره، وجميع ما سبق ذكره من الشروط والخيار آت هنا.

والظاهر أنّه لا يجيء في المُسلم فيه اشتراط البراءة من العيوب ; لأنّه لا بُدّ من اشتراط ذكر الأوصاف التي لها مدخل في تفاوت القيمة والسلامة من العيوب في المُسلم فيه، أو كونه معيباً ممّا تتفاوت به القيمة تفاوتاً ظاهراً.

فصل: بيع الكالئ بالكالئ

هو بيع الدين بالدين ـ يجوز بهمزة وترك الهمزة ـ، وقد ثبت في السنّة المطهرّة النهي عنه، وكونه محرّماً(1).

وصيغته أن يقول: بعتكَ ديني الفلاني بدَينكَ الفلاني، أو بعتكَ دَيني الفلاني بعشرة دراهم مؤجّلة إلى شهر. فيقول: قبلت.

____________

1- التهذيب 7: 48 حديث 207.