الصفحة 26
ومنه أن يسلفه دَيناً له عليه في شيء ممّا يجوز السَلم فيه على أصح القولين، كما لو أسلفه العشرة التي في ذمّته في تغار حنطة موصوف بصفاته، مؤجّل إلى كذا، مُسلّم في موضع كذا.

ولو دعت الحاجة إلى مثل ذلك أسلفه عشرة مضمومة غير مقيّدة بكونها دَينه، ثمّ بعد تمام العقد وثبوت العشرة في ذمّة المشتري يُقاصه بها.ولو باع الدين بمضمون حال جاز، إذ لا يُعدّ ديناً، والظاهر أنّه يصح ذلك وإن كان الدين مؤجّلاً لم يحل.

فصل: المرابحة

هي البيع برأس المال مع زيادة، فلا بُدّ فيه من الإخبار برأس المال إن لم يكن المشتري عالماً به.

وتحقيقه: أنّه إن جرى على ما وقع به الشراء للبائع فصيغته أن يقول بعد الإخبار بالثمن: بعتكَ كذا بما اشتريته به وربح عشرة، أو بعتكَ كذا بما بذلتُ من الثمن فيه، إلى آخر صيغ البيع السالفة، وهي: شريتك، وملّكتك.

وللمرابحة صيغتان اُخريان:

إحداهما: أن يقول: بعتكَ بما قام عليّ وربح كذا، أو بما هو عليّ وربح كذا.

الثانية: بعتك برأس المال وربح كذا.

والفرق بين هذه الصيغ الثلاث: أنّ الاُولى لا تتناول إلاّ الثمن خاصّة، فلو بذل مالاً في عمل فيه، أو عمل بنفسه فيه ما يبذل في مقابله مال، أو لحقه مؤنة دلالة ونحوها، لم يتناول شيئاً من ذلك اللفظ وإن أخبر به قبل

الصفحة 27
الصيغة، وكذا الثالثة على أظهر القولين.

وأمّا الثانية فإنّه يندرج فيها جميع ما لحق من المؤن التي يقصد بالتزامها الاسترباح، مثل اُجرة الدلاّل والكيّال والحمّال والحارس والقصّار والخياطّ، وقيمة الصبغ، واُجرة ختان المملوك وتطيين الدار، ونحو ذلك، إذا بذل اُجرة ذلك كلّه.

ولا بُدّ أن يكون تطيين الدار لا لكونها قد تجدّد فيها عندما يقتضي التطيين، وكذا اُجرة الرفّاء لو بذلها لو كان القماش مقطوعاً ولم يتجدّد عنده، ومن ذلك اُجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع فإنّه من المؤن اللازمة للاسترباح، بخلاف المؤن التي بها بقاء الملك كنفقة العبد التي بها بقاؤه عادة، ومن جملتها اُجرة مسكنه الذي لا بُدّ منه، وكذا كسوته الضروريّة، ومثل علف الدابة، واُجرة الاصطبل، وجُلُّ الدابة(1)، ونحو ذلك.

والفرق بين اُجرة البيت الذي يحفظ فيه المتاع واُجرة مسكن العبد واصطبل الدابة لا يكاد يتحقّق، خصوصاً إذا كان استبقاء العبد والدابة ليس إلاّ للتجارة.

ولو زاد في العلف على المعتاد للتسمين فهو ممّا يدخل، وكذا اُجرة الطبيب إذا زال المرض ولم يكن حادثاً في يده.

ولو عمل شيئاً من هذه الأعمال بنفسه، أو تبرّع له بها متبرّع، فأراد إدخالها في البيع قال: اشتريته بكذا وعملت فيه ما يساوي كذا، ثمّ يبيعه بذلك وربح كذا.

واعلم أنّ بين الصيغ الثلاث السالفة فرقاً آخراً وهو: أنّ الاُولى لا

____________

1- جُلُّ الدابة، معروف: وهو كثوب الإنسان الذي يُلبس. انظر الصحاح 4: 1658، مجمع البحرين 5: 340 " جلل ".


الصفحة 28
تصح إلاّ حيث يكون المتاع قد انتقل إلى بائعه بالشراء، فلو انتقل إليه بالصلح، أو بالهبة المشروطة بالعوض، ونحو ذلك، لم يصح البيع مرابحة بالصيغة الاُولى، بخلاف الثانية.

وينبّه على ذلك أنّ المبذول عوض العمل اُجرة، مع انّه يندرج في قوله: تقوّم عليّ، ولا يبعد في الثالثة الجواز لو انتقل بالصلح، وفي القرض والهبة المشروطة بالعوض نظر.

ولا يخفى أنّه لا يصدق رأس المال والثمن وما تقوّم به المتاع إلاّ فيما قوبل به استقلالاً، فما أصاب المتاع بالتقسيط ـ إذا جرى البيع على عدّة أمتعة ـ لا يُعدّ واحداً منهما.

والمعاطاة كالعقد في ذلك كلّه.

فصل: التولية

هي البيع برأس المال من غير زيادة ولا نقصان، فلا بُدّ من الإخبار برأس المال، إلاّ مع العلم به.

والصيغة: بعتكَ بما اشتريتُ، أو ولّيتك هذا العقد ولو قال: ولّيتك العقد، جاز. قال في (الدروس): لو قال وليتك السلعة أحتمل الجواز(1).

والقبول: أن يقول: قبلتُ، أو تولّيت.ويلزمه مثل الثمن الأوّل جنساً وقدراً ووصفاً.

ويشترط في التولية كون الثمن مثليّاً، ليأخذ المُولّى مثل ما بذل، فلو اشتراه بعرض لم تجز التولية.

____________

1- الدروس 3: 221.


الصفحة 29
واستثنى من ذلك بعض ما إذا انتقل العرض من البائع إلى إنسان فوّلاه المشتري العقد، وحكاه في (التذكرة) عن بعض الشافعيّة.

وحكى أيضاً ما لو اشترى بعرض وقال: قام عليّ بكذا وقد ولّيتك العقد بما قام عليّ، أو أرادت المرأة عقد التولية على صداقها بلفظ القيام، أو أراد الرجل التولية على ما أخذ من عوض الخلع، ثم قال: إنّ في ذلك وجهين للشافعيّة، وعندنا لا تجوز التولية في مثل هذه الأشياء(1)ويجوز البيع لبعض المبيع تولية بلفظ: بعتُ وولّيتُ، بشرط تعيين البعض، ويلزم قسطه في الثمن.

فصل: المواضعة

وهي المحاطة، مأخوذة من الوضع.

والمراد هنا: أن يبيع برأس المال ووضيعة معلومة.

وهي كالمرابحة في الأحكام والصيغة، إلاّ أنّه يضيف: وضيعة كذا، فيقول: بعتكَ هذا بما اشتريته ووضيعة كذا.

ويكره في المرابحة والمواضعة نسبة الربح والوضيعه إلى المال، بأن يقول: بعتكَ برأس المال وربح كلّ عشرة درهماً، أو وضيعة درهم من كلّ عشرة.

فرع:

لو قال: الثمن مائة، بعتكَ برأس المال ووضيعة درهم من كلّ عشرة، فالثمن تسعون.

____________

1- تذكرة الفقهاء 1: 545.


الصفحة 30
ولو قال: ووضيعة درهم لكلّ عشرة، فالحط تسعة دراهم وجزء من أحد عشر جزءاً من درهم. فيكون الثمن تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزء من درهم.

ولو قال: بوضيعة العشرة درهماً، احتمل كلاً من الأمرين ; لاحتمال أن تكون الاضافة بمعنى (من) أو بمعنى اللام، على أن يكون المراد: بوضيعة من العشرة درهماً، أو للعشرة درهماً.

وتخيّل أنّ الاحتمال الثاني لا يأتي ; لأنّ العبارة لا تحتمله، حيث إنّ وضيعة العشرة درهماً لا يكون إلاّ في العشرة الدراهم دون ما سواها من أجزاء الدرهم. مدفوع بأنّ اللفظ لا بُدّ فيه من تقدير، هو: إمّا بوضيعة كلّ عشرة درهماً، أو بقياس وضيعة العشرة درهماً، أو ما جرى هذا المجرى، وكلّ من التقديرين مُحتمل، ولا أرجحيّة لأحدهما على الآخر.

فصل: بيع المساومة

هو البيع من غير تعرّض إلى ذكر رأس المال، وصيغته معلومة ممّا سبق، وهو أجود من باقي الأقسام ; لما فيه من السلامة من وقوع الكذب تعمّداً أو غلطاً.

وأمّا بيع الربوي فلا ينفرد بصيغة،إنّما يجب فيه التحرّز من الزيادة مع اتّحاد الجنس، وانتفاء ما تجوز معه الزيادة كالأبوّة والزوجيّة.

وكذا القول في الصرف، فإنّه لا يختص بصيغة عن باقي أقسام البيع، نعم يشترط التقابض قبل التفرّق، والسلامة من الربا إن اتّحد الجنس من الجانبين.

وكذا بيع الثمار والحيوان.


الصفحة 31
وبيع المزابنة: وهو بيع ثمرة النخل بعد خرصها بقدر خرصها تمراً، وإن لم يشترط كون الثمن منها، ويلحق بها في ذلك ثمرة باقي الأشجار المثمرة.

وبيع المحاقلة: بيع الزرع بحبٍّ من جنسه وإن خرص وبيع بقدر خرصه، سواء شرط الثمن من الزرع، أو باع بحبٍّ آخر على الأصح.

فصل:

تصح القبالة بين الشريكين في الثمرة والزروع، بأن يخرص حصّة أحدهما جافة ثم يقبّلها شريكه بخرصها فيقبل. وهي عقد صحيح ; لورود النصّ عليها، ولازم ; لانّ الأصل في العقود اللزوم إلاّ ما أخرجه دليل، وذلك قضية كلام الأصحاب.

وصيغتها: قَبّلتُكَ نصيبي في هذه الثمرة بكذا، فيقول: قبلتُ أو تقبّلتُ.

وحكمها وجوب العوض مع سلامتها من الآفة، ولو تلفت فلا شيء، ولو تلف البعض: فإن وفي الباقي بمال القبالة، وإلاّ سقط عنه قدر ما نقص. ومتى زاد المخروص عن قدر مال القبالة فالزائد للمتقبّل إباحة، ولو نقص أكمله.

وهل هذه عقد برأسه، أم ضرب من الصلح؟

قال في (الدروس) بالثاني، فيصح بلفظ الصلح(1).

وللنظر في ذلك مجال ; لأنّ الربا يعمّ الصلح على الأصح، ولأنّه لا يبطل بتلف المعوّض بعد القبض، وليس ببعيد أن يكون ذلك عقداً برأسه.

____________

1- الدروس 3: 334.


الصفحة 32

فصل:

بيع الغرر فاسد كبيع الملاقحة: وهو بيع ما في بطون الاُمّهات.

وبيع المضامين: وهو بيع ما في أصلاب الفحول.

وبيع الحصاة: وهو أن يقول: إرم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهي لك بكذا.

وبيع الملامسة: وهو أن يبيعه غير مشاهد على أنّه متى لمسه وقع البيع.

وبيع المنابذة: وهو أن يقول: إن نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا.

والبيع المعلّق على شرط، وهو ممكن الحصول عادة، مثل: بعتكَ إن دخل زيدٌ الدار. وعلى صفة وهو معلوم الحصول عادةً، مثل: بعتكَ إن طلعت الشمس.

تنبيهات:

الأوّل: المقبوض بالبيع الفاسد لا يجوز التصرّف فيه للقابض، وهو مضمون عليه، بمعنى أنّه لو تلف أو نقص بحال من الأحوال كان عليه ضمانه. ويضمن القيمي بقيمته يوم التلف، وكذا زوائده.

الثاني: الشرط الواقع في العقد اللازم يجب أن يكون لازماً، فلو امتنع المشترط من فعل الشرط كان للآخر رفع الأمر إلى الحاكم ليجبره عليه ; لعموم قوله تعالى: {أوفوا بالعقود}(1)، والشرط من جملة المعقود عليه.

____________

1- المائدة: 1.


الصفحة 33
ولقوله عليه السّلام: " المؤمنون عند شروطهم، إلاّ مَن عصى الله "(1)، والأكثر على العدم، وفائدة الشرط عندهم تسلّط الآخر على الفسخ.

الثالث: لا يصح اشتراط شيء من الثمن على غير المشتري، فلو قال: بع عبدك من فلان على أنّ عليَّ خمسمائة مثلاً، فباعه على ذلك لم يصح ; لأنّه خلاف مقتضى البيع، بخلاف ما لو قال: اعتق عبدكَ وعليّ كذا، وطلّق زوّجتك وعليّ كذا، فإنّه إذا أعتق أو طلّق لزمه العوض، فإنّ ذلك لمّا كان فكّاً ولم يكن معاوضة كان المبذول ضرباً من الجعالة.

ولو قال في الصورة الاُولى ما قاله على طريق الضمان، فباع البائع العبد لزيد بشرط أن يضمن عمرو القدّر المذكور من ثمنه، صح البيع والشرط، وكان بيعاً بشرط.

فصل:

الإقاله فسخ وليست بيعاً في حقّ المتبايعين وغيرهما، فلا يثبت بها خيار المجلس، ولا شفعة لو كان المبيع شقصاً مشفوعاً، ويصح في المبيع والبعض مع بقاء السلعة وتلفها، فيجب المثل أو القيمة، ولا تصح بزيادة في الثمن ولا المثمن، ولا نقص في أحدهما.

وصيغتها أن يقولا: تقايلنا في بيع كذا، أو تفاسخنا، أو أقلتك. فيقبل الآخر.

____________

1- الكافي 5: 169 حديث1، الفقيه 3: 127 حديث 553، التهذيب 7: 22 حديث 93 و94، صحيح البخاري 3: 120، مستدرك الصحيحين 2: 49، المعجم الكبير للطبراني 4: 275 حديث 4404، كنزالعمال 4: 363 حديث 10918. وفيها جميعاً " المسلمون عند شروطهم ".


الصفحة 34
ولو التمس أحدهما الإقالة، فقال الآخر: أقلتك، ففي الاكتفاء بالاستدعاء عن قبول الملتمس تردّد، ولا ريب أنّ القبول أولى.

القرض

عقد جائز من الطرفين، ثمرته تمليك العين مع ردّ العِوض، ففي المثلي المثل، وفي القيمي القيمة، ولا بدّ فيه من إيجاب وقبول.

فأمّا الإيجاب: فلا بدّ أن يكون بالقول، فلا يكفي الدفع على وجه القرض من غير لفظ في حصول الملك، نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع، فيثمر إباحة التصرّف، فإذا تلف العين وجب العوض.

والذي ينساق إليه النظر أنّ المعاطاة في البيع تُثمر ملكاً متزلزلاً، ويستقر بذهاب أحد العينين أو بعضها. ومقتضى هذا أنّ النماء الحاصل من المبيع قبل تلف شيء من العينين يجب أن يكون للمشتري، بخلاف الدفع للقرض هنا فإنّه لا يثمر إلاّ محض الإذن في التصرّف وإباحة الإتلاف، فيجب أن يكون نماء العين للمقرض ; لبقائها على الملك، إذ لا معاوضة هنا ولا تمليك، بخلاف الأوّل.

وصيغة الإيجاب: أقرضتكَ كذا، أو ملّكتكَ كذا وعليكَ ردّ عوضه. ولا بُدّ من هذا القيد في الثاني دون الأوّل ; لأنّ ردّ العوض جزء ومفهوم القرض، بخلاف التمليك.

ومثله: أسلفتكَ كذا، أو خذهُ واصرفه وردّ عوضه، أو تصرّف فيه وردّ عوضه، أو انتفع به وردّ عوضه، ونحو ذلك.

ولا بُدّ من قبول: إمّا قولاً كقبلتُ أو اقترضتُ ونحوهما، أو فعلاً كالأخذ على وجه الرضى ولو بوكيله.


الصفحة 35
ويصح في عقد القرض اشتراط ما لا ينافي مقتضاه، كما لو شرط رهناً، أو ضميناً به أو بمال آخر، على الأصح في الثاني، بخلاف ما لو شرط زيادةً في العين أوالصفة.

وزيادة الصفة مثل ما لو شرط الدراهم الصحيحة عوض المكسّرة، ولو عكس فشرط المكسّرة عوض الصحيحة لغا الشرط وصح القرض.

أمّا الأوّل ; فلأنّ الزيادة في القرض والنقيصة على حدٍّ سواء.

وأمّا الثاني، فلأنّ الرضى بالمكسّرة يقتضي الرضى بالصحيح بطريق أولى.

ويصح اشتراط فرض آخر في عقد القرض للمقرض أو للمُقترض، ولا يعدّ ذلك زيادة ; لانحصار الزيادة في زيادة العين والصفة.

ويصح اشتراط إيفاء القرض في بلد آخر، وإذا طالب المُقرض في غير بلد الشرط، أو في غير بلد القرض مع عدم الشرط، وجب على المُقترض الوفاء مع عدم الضرر ويتحقّق الضرر بأن تكون قيمة المثلي في موضع المطالبة أزيد.

وصيغة الشرط مع ما سبق من صيغة القرض ظاهرة.

الرهن

عقد لازم من طرف الراهن خاصّة، فائدته التوثّق للدَين ليستوفى منه.

والإيجاب فيه: رهنتكَ هذا على الدَين الفلاني وعلى كلّ جزء منه، وشرطتُ لك أنّ ما يتجدّد من نمائه يكون رهناً، وأن يوضع على يد العدل الفلاني أو أن يكون بيدك، وأن يكون وكيلاً في بيعه بعد شهر ونحو ذلك.


الصفحة 36
والقبول: قبلتُ، أو أرهنتُ، وما جرى مجراه.

ويجزئ في الإيجاب: هذا وثيقة عندك، أو هذا رهن عندك، وكلّ ما أدى هذا المعنى.

ويشترط وقوعه باللفظ العربي الصحيح الصريح مع القدرة، والتطابق بين الإيجاب والقبول، وعدم تأخّر القبول بما يعتدّ به في العادة، وكونهما بلفظ الماضي الذي هو صريح في الإنشاء. ولا يقدح في ذلك صحته بـ: هذا وثقية عندك ; لأنّ اسم الإشارة مع ما بعده مُفيد لهذا المعنى، وقد أطبقوا على الاكتفاء به هنا.

ولا يكفي شرط الرهن في عقد البيع عن القبول لو أوجب الراهن الرهن عقيبه بغير فصل، ولو شرط فيه أن لا يباع إلاّ بإذن فلان مثلاً، أو أن لا يباع إلاّ بكذا، ففيه تردّد، وفي البطلان قوّة.

ولو شرط عليه الرهن في بيع فاسد فظنّ لزومه فرهن فله الفسخ، ومثله ما لو أبرأتْ ذمة الزوج فظنّ صحة الطلاق فتبيّن الفساد، أو وهب من واهبه بظنّ صحة الهبة الاُولى، ونحو ذلك.

وعقد الرهن قابل للشروط إذا لم تكن منافية لمقصود العقد، ولم يثبت في الكتاب أو السُنّة ما يقتضي منعها. فلو شرط أن لا يباع أصلاً لم يصح ; لمنافاته مقصود الرهن، وكذا لو شرط بيع العبد المسلم من كافر.

ولو شرط دخول النماء المتجدّد في الرهن صح، ولا يدخل بدونه على الأصح، كما لا يدخل الموجود.

ولو رهنه إلى مدّة معيّنة على أنّه إن لم يقضه في الأجل كان مبيعاً، فكلّ من الرهن والبيع فاسد، وليس مضموناً في المدّة ; لأنّه رهن فاسد فيها، بخلاف ما بعدها فإنّه حينئذ مبيع فاسد.


الصفحة 37
ومن الاُصول المقرّرة أنّ كلّ عقد يترتّب على صحيحه ضمان العين المقبوضة به على القابض، على معنى أنّها لو تلفت كان تلفها منه، يُضمن بفاسده، وكلّ عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

وينبغي إذا رهن على الدين أن يرهن على كل جزء منه ; حذراً من تطرّق احتمال الانفكاك بأداء شيء منه، ولا يشترط لصحة الرهن قبض المرتهن العين المرهونة على أصح القولين.

الصلح

عقد لازم من الطرفين، شرّع لقطع تنازع المختلفين.

وهو على أنواع: صلح بين المسلمين وأهل الحرب على ترك الحرب إلى امد تقتضيه المصلحة، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما يتولاّه الحكمان من أهلهما، وصلح بين المختلفين في المال.

وقد يجري بين المتعاملين لنقل عين أو منفعة، من غير أن تسبق خصومة.

والصيغة في الجميع متقاربة، فالإيجاب: صالحتكَ على ما أستحقهُ في ذمّتكَ من جميع الحقوق الشرعيّة بكذا، ولو قال الآخذ: صالحتكَ على ما تستحقهُ في ذمّتي من جميع الحقوق الشرعيّة بكذا صح.

ولو أراد الصلح لقطع المنازعة ظاهراً خاصّة قال: صالحتكَ على قطع المنازعة بيني وبينكَ من جهة كذا بكذا.

ويجوزالصلح على الإقرار والإنكار.

والصلح أصل في نفسه، وليس فرعاً على شيء من العقود على

الصفحة 38
الأصح، إلاّ أنه يُفيد فائدة عقود خمسة:

الأوّل: البيع

وذلك في ما إذا كان بيد الإنسان عين فادّعاها آخر، أو ادّعى ديناً في ذمّته، فأقرَّ، فصالحه على العين أو الدين بما يتّفقان عليه، فإنّ الصلح هنا بمنزلة البيع في نقل الملك. ومثله ما إذا صالحه على عين أو دين ابتداءً، من غير سبق خصومة، بما يتفقان عليه عندنا.

الثاني: الإجارة

وذلك في ما إذا كان المصالح عليه منفعة، كما لو كان لأحدهما عند الآخر دين أو عين أو منفعة، فصالحه على منفعة، فإنّ الصلح هنا يُفيد فائدة الإجارة.

الثالث: الإبراء والحطيطة

وذلك في ما إذا كان له في ذمّته دين، فيقرّ به ثم يصالحه على إسقاط بعضه واعطاء بعض، وهو هنا يُفيد فائدة الإبراء.

الرابع: الهبة

وذلك في ما إذا ادّعى عليه عبدين أو دارين مثلاً، فأقر له بهما وصالحه منهما على أحدهما، فإنّه هنا يُفيد فائدة الهبة.

الخامس: العارية

وذلك في ما إذا ادّعى عليه داراً مثلاً، فأقرّ له بها، فصالحه على سكناها سنة، فإنّ الصلح هنا يُفيد فائدة العارية، وأصح القولين اللزوم، فليس لصاحب الدار الرجوع خلافاً للشيخ(1).

____________

1- المبسوط 2: 294.


الصفحة 39
ويجب في الصلح التخلّص من الربا، كما يجب التخلّص منه في البيع على الأصح. فلو أتلف ثوباً قيمته ديناراً، ثمّ صالح مالكه على دينارين، لم يصح إن كان النقد الغالب هو جنس ما صالح به، بخلاف ما إذا تعدّد الجنس واستويا بأنّ كان دراهم ودنانير.

ويصح الصلح على مثل حقّ الشفعة لإسقاطه، وعلى حقّ التحجّير، وأوليّة سكن المدرسة ونحوها، وعلى إسقاط اليمين والخيار، وعلى إجراء الماء المعيّن على سطوح الغير مدّة معلومة. ويجوز الاشتراط في عقد الصلح، كما يجوز في البيع.

الضمان

عقد ثمرته نقل المال من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن.

وصيغته: ضمنتُ لك ما تستحقّه في ذمّة زيد، أو تحمّلتُ لكَ، أو تكفّلتُ، أو التزمّتُ، أو أنا ضامن، أو ضمين، أو زعيم، وما أدّى هذا المعنى.

والقبول: قبلتُ، أو ضمنتُ، أو كفلتُ، ونحو ذلك.

ولو قال: أؤدّي، أو أحضر، لم يكن ضامناً.

ولا تكفي الكتابة، ولا الإشارة مع القدرة على النطق، ولا التلفّظ بالصيغة بغير العربيّة مع القدرة عليها، إلى آخر ما سبق بيانه ممّا يُعتبر في العقود اللازمة.

ويجوز الضمان حالاً ومؤجلاً، فإن شرط أجلاً وجب كونه مضبوطاً، لا كنحو إدراك الغلاّت وقدوم الحاج، ولو شرط ما لا ينافي مقتضى العقد ولم يمنع منه شرعاً صح ولزم، كاشتراط الخيار مع تعيين المدّة، وكاشتراط

الصفحة 40
الأداء من مال بعينه، فيبطل لو تلف بغير تفريط في وجه.

وصيغة الضمان المؤجّل والمشروط فيه الخيار ما سبق، مع اضافة التأجيل واشتراط الخيار، كقوله: ضمنتُ لكّ إلى كذا وشرطتُ لنفسي الخيار شهراً مثلاً، أو لكَ وشرطتُ الأداء من المال الفلاني، ونحو ذلك.

وضمان العهدة قد يكون للبائع عن المشتري، بأن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه، وضمان عهدته إن ظهر عيب بالنسبة إلى الأرش، أو استحق، أو نقص الصَنْجَة(1) فيه.

وقد يكون للمشتري عن البائع، بأن يضمن الثمن بعد قبضه متى خرج المبيع مُستحقاً، وكذا أرش عيب المبيع ونقص الصنجة فيه.

الحوالة

عقد ثمرته تحويل المال من ذمّة إلى اُخرى.

وصيغة العقد كلّ لفظ يدل على النقل والتحويل، مثل أحلتكّ على فلان بكذا، وفيقول: قبلتُ واحتلتُ، ومثله: قَبّلتُكَ. وذكر في (التذكرة): اتبعتك إلى آخر الصيغة(2).

ويشترط فيه كلّ ما يشترط في العقود اللازمة من الإيجاب والقبول، وكونهما بالعربيّة، وغير ذلك ممّا يشترط في باقي العقود.

____________

1- صَنْجَةُ الميزان، معرّب، معروف، قال ابن السكيت: ولا تقل سَنْجَة. الصحاح 1: 326 " صنج ".

2- تذكرة الفقهاء 2: 105.


الصفحة 41

الكفالة

عقد ثمرته التعهّد بنفس مَن عليه حقّ وإن كان ذلك الحقّ الحضور إلى مجلس الحكم.

وصيغته قريبة من صيغة الضمان، فإنّه تعهّد بالمال، والكفالة بالنفس. فيقول: ضمنتُ لكَ إحضاره، إمّا مطلقاً، أو إلى شهر، أو في الوقت الفلاني. أو تكفّلت أو التزمتُ بإحضاره، أو أنا كفيل حالاً، أو مؤجلاً لكن مع ضبط الأجل.

وأطبق الأصحاب على أنّه إذا قال: أنا كفيل به على أنّي إن لم اُحضره كان عليّ كذا، لزمه الإحضار خاصّة. ولو قال: أنا كفيل به على أنّ عليّ كذا إلى كذا إن لم اُحضره، لزمه المال خاصّة.

ولا يخفى أنّه لا بُدّ من القبول، والشروط الواقعة في هذا العقد تلزم إذا كانت جائزة كغيره من العقود اللازمة.

الوديعة

من العقود الجائزة من الطرفين، ثمرته الاستنابة في الحفظ.

ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ دلّ على الاستنابة في ذلك، ولا يتعيّن له لفظ ولا عبارة مخصوصة.

ويكفي في القبول ما دلّ على الرضى من قول وفعل.

ولا يشترط فوريته، ومتى شرط الحفظ على وجه مخصوص فقبل، لم يكن له الحفظ إلاّ على ذلك الوجه.


الصفحة 42

العارية

عقد جائز من الطرفين، ثمرته تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها، إمّا مطلقاً، أو مدّة معيّنة.

ولا يتعيّن له لفظ، بل كلّ ما دلّ على هذا المعنى كاف في ذلك، ويكفي القبول الفعلي به(1) وكلّ ما يشترط فيها من الشروط الجائزة نافذ، ومنها اشتراط الزمان على المستعير.

الجعالة

عقد جائز من الطرفين، ثمرته استحقاق المال المجعول أو المقدّر شرعاً أو عرفاً في مقابل عمل مقصود محلّل.

ولا بدّ من صيغة، ويكفي في إيجابها ما دلّ على العمل المخصوص بعوض، مثل: مَن ردّ عبدي، أو دخلَ داري، أو بنى جداري. أو مَن ردّ عبدي من بلد كذا أو في يوم كذا فله كذا، أو فله عوض.

والقبول يكفي فيه الفعل.

ولكلّ منهما الفسخ قبل الشروع في العمل، وكذا بعده، إلاّ بالنسبة إلى ما مضى من العمل، فإنّ فسخ الجاعل لا يسقط استحقاقه من الجعل.

الإجارة

عقد ثمرته نقل المنفعة خاصّة بعوض معلوم متموّل.

____________

1- به: لم ترد في " س ".


الصفحة 43
والإيجاب: آجرتك، أو أكريتك الدار الفلانيّة شهراً بكذا، أو ملّكتك سكنى هذا الدار شهراً بكذا.

ولا ينعقد بلفظ العارية ولا البيع، بل يكون إجارة فاسدة.

ولا بدّ من القبول، وهو اللفظ الدال على الرضى، كقَبلتُ واستأجرتُ ونحوه.

ولمّا كان هذا من العقود اللازمة من الطرفين اعتبر فيه ما اشتركت فيه العقود اللازمة، مثل فوريّة القبول، وكونهما بالعربيّة. ويصح اشتراط ما لا ينافي مقتضى العقد من الشروط السائغة المعلومة حتى الخيار، ويلزم الشرط.

المزارعة

معاملة على الأرض بحصّة من نماء زرعها.

والإيجاب: زارعتك أو عاملتك على هذه الأرض، أو سلّمتها إليك للزرع، وما أشبه ذلك، مدّة نصف سنة، على أنّ لكلّ منّا نصف حاصلها مثلاً.

والقبول: قبلتُ، ونحوه.

وهو عقد لازم من الطرفين، يبطل بالتقايل. ويعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة. ويصح اشتراط السائغ الذي لا ينافي مقتضى العقد، ولا يقتضي جهالة، ولو شرط مع الحصة شيئاً من ذهب أو فضّة جاز على كراهة.