الصفحة 44

المساقاة

معاملة على اُصول أشجار نابتة(1) بحصة من ثمرها، وما جرى مجرى الثمر.

وهي عقد لازم من الطرفين، تبطل بالتقايل.

والإيجاب: ساقيتكَ، أو عاملتكَ، أو سلّمتُ إليكَ هذا البستان لتعمل فيه مدّة كذا، على أنّ لكَ نصف ثمرته مثلاً، وما جرى هذا المجرى.

ولا بدّ من القبول لفظاً، ويصح الاشتراط فيه كما سبق.

الشركة

عقد جائز من الطرفين، ثمرته جواز الإذن في التصرّف لمن امتزج مالهما بحيث لا يتميّز.

والصيغة: قولهما: اشتركنا، وما جرى مجراه.

فيجوز لكلّ منهما التصرّف بما فيه الغبطة، ولو اختصّ أحدهما بالإذن جاز له التصرّف خاصة، ومع إطلاق الإذن يتصرّف مع الغبطة كيف شاء متى شاء. ولو قيدّ بوقت، أو موضع، أو وجه، لم يجز تجاوزه.

ويجوز اشتراط السائغ، ولو شرطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين، أو التساوي فيه مع تفاوتهما، فالأصح البطلان، إلاّ أن يختص ذو الزيادة بالعمل أو بالزيادة فيه.

____________

1- في " س ": ثابتة.


الصفحة 45

القِراض

عقد جائز من الطرفين، ثمرته جواز التجارة بالنقد بحصة من ربحه.

والإبجاب: قارضتكَ، أو ضاربتكَ، أو عاملتكَ على هذا المال، أو المال الفلاني، على أنّ الربح بيننا نصفين مثلاً.

والقبول: ما دلّ على الرضى.

ومهما شرط فيه من الشروط الجائزة من البيع على وجه مخصوص، أو في جهة معيّنة، أو على شخص معيّن، أو إلى أمد معيّن، لم يجز للعامل تجاوزه.

الوكالة

عقد جائز من الطرفين، ثمرته الاستنابة في التصرّف.

والإيجاب: كلّ لفظ دلّ على الاستنابة في التصرّف(1)، مثل: استنبتكَ، أو وكّلتكَ، أو فوّضتُ إليكَ، أو بعْ، أو اشترِ كذا بكذا مثلاً، أو اعتق عبدي، أو زوجّني من فلانة، أو طلّقها، ونحو ذلك.

ولو قال الوكيل: وكّلتني أن أفعل كذا؟ فقال: نعم، أو أشار بما يدلّ على ذلك، كفى في الإيجاب، والظاهر أنّ سائر العقود الجائزة كذلك.

ويكفي في القبول كلّ ما يدلّ على الرضى من قول أو فعل، ولا تشترط فوريّته.

وينفسخ بفسخ كلّ منهما، فإذا فسخ الموكل اشترط علم الوكيل،

____________

1- في التصرّف: لم ترد في " ش1 ".


الصفحة 46
وكذا يشترط علم الموكل لو ردَّ الوكيل، وبدونه يبقى جواز التصرّف بالاذن بحاله وإن لم يكن وكيلاً.

ويجب اتّباع ما يشترط الموكل من الشروط الجائزة دون غيرها، ويلزم الجعل لو شرطه فأتى الوكيل بالعمل الذي بذل الجعل في مقابله.

السبق والرمي

عقد لازم من الطرفين على أصح القولين، ويشترط فيه ما اشتركت فيه العقود اللازمة.

والإيجاب: عاملتك على المسابقة على هذين الفرسين، ويعيّن ما يركبه كلّ منهما في مسافة كذا ـ فيعيّن ابتداؤها وانتهاؤها ـ على أنّ مَن سبق منّا كان له هذه العشرة المبذولة من بيت المال أو من أجنبي، أو العشرة التي بذلها الآخر إذا كان كلّ منهما قد أخرج عشرة. ولو كان بينهما محلّل قال: على أنّ مَن سبق منّا ومِن المحلّل كان له ذلك.

والقبول: ما دلّ على الرضى لفظاً.

ولو كان رمياً قال: عاملتكَ على المراماة من موضع كذا إلى الغرض الفلاني عشرين رمية عن قوس كذا، ويعيّن جنسه بحيث يتساويان فيه، وكذا السهم، على أنّ من بادر مثلاً إلى إصابة خمس من عشرين كان له كذا، فيقول: قبلتُ.

ولو أطلق العقد ولم يُقيّد بمبادرة أو محاطة، حُمل إطلاقه على المحاطة، فلا يتحقّق نضل(1) أحدهما الآخر إلاّ بعد الإكمال إن رجا به فائدة.

____________

1- أي غلبة. انظر الصحاح 5: 1831 " نضل ".


الصفحة 47

الوقف

عقد يُفيد تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.

ولفظه الصريح: وقفتُ. وفي (حبّست) و(سبّلت) قول، والأولى اعتبار ما يدلّ على الوقف إليهما مثل: لا يباع ولا يوهب ولا يورث. وأمّا (حرّمت) و(تصدّقت) و(أبّدت)، فلا بدّ من اقترانها بما يدلّ صريحاً على الوقف.

ويشترط القبول إذا تشخّص الموقوف عليه، أمّا إذا وقف على جهة عامّة، ففي اعتبار القبول ممّن له أمرها قول، واعتباره أولى.

ولا بُدّ من القبض ممّن يُعتبر قبوله في صحة الوقف بإذن الواقف ولا يشترط فوريّته، إنّما يشترط فوريّة القبول، كما يشترط في العقد ما تشترك فيه العقود اللازمة.

ويكفي في المسجد أن يقول: جعلتُ هذه البقعة مسجداً، إذا صلّى فيه شخص صلاة صحيحة على قصد القبض بإذن الواقف. وتكفي صلاة الواقف بهذا القصد، أو قبضه الحاكم بالتخلية المعتبرة في قبض أمثاله.

ويصح اشتراط ما لا ينافي مقتضى العقد إذا كان سائغاً، وإذا تمّ الوقف بشرائطه لم تبطل بالتقابل والتفاسخ بحال من الأحوال.

السكنى والرقبى والعمرى

عقد لازم ثمرته تسليط الساكن على استيفاء المنفعة المدّة المشروطة، فإن كانت مقرونة بالعمر فهي عمرى، أو بالإسكان فهي سكنى، أو بمدّة معيّنه فهي رقبى، عبارات شتى والمقصود واحد.


الصفحة 48
ولا بُدّ من الإيجاب: أسكنتكَ، أو أعمرتكَ، أو أرقبتكَ هذه الدار مثلاً مدّة عمرك، أو عمري، أو شهراً.

وقبول: وهو ما دلّ على الرضى من الألفاظ التى؟ سبقت غير مرّة.

وتعتبر فوريّته، وكونهما بالعربيّة، إلى غير ذلك من الشروط.

وصيغة الحبس: حبّست عليك كذا حياتك، فيقول: قبلتُ.

وصيغة الصدقة: تصدّقت عليك، أو على موكّلك بكذا، فيقول: قبلتُ.

وهما لازمان من الطرفين، فيشترط فيهما ما سبق.

الهبة

عقد يفيد انتقال الملك، ويقع على بعض الوجوه لازماً أو آئلاً إلى اللزوم.

والإيجاب: وهبتكَ وملّكتكَ وأهديُت إليك هذا، وكذا أعطيتكَ، وهذا لكَ.

والقبول: قبلتُ، ونحوه.

الوصيّة

عقد ثمرته تمليك العين أو المنفعة بعد الموت.

فالإيجاب: أوصيتُ بكذا، أو افعلوا كذا، أو أعطوا فلاناً بعد وفاتي، أو لفلان كذا بعد وفاتي، أو جعلتُ له كذا. ولو قال: عيّنت له كذا، فهو كناية، إنّما تنفذ(1) مع النيّة.

____________

1- في " ش1 ": تنعقد.


الصفحة 49
والقبول إنّما يكون بعد الموت، ولا يشترط القبول لفظاً، بل يكفي الفعل الدالّ عليه.

النكاح

عقد لازم من الطرفين، وهو دائم ومتعة.

وصيغة العقد الدائم: زوّجتكَ، أو أنكحتكَ، أو متّعتكَ نفسي بألف درهم مثلاً.

ولو كان العاقد وكيلاً قال: زوّجتك موكّلتي إلى آخر ما ذكر.

ولو كان العقد مع وكيل الزوج قالت: زوّجتُ نفسي من موكلكَ، ولا تقول: زوّجتكَ نفسي، بخلاف غير النكاح من العقود فإنّه يصح أن يقال للوكيل: بعتكَ. والفرق: أنّ الأمر في النكاح مبني على الاحتياط التام، وحلّ الفروج لا يقبل النقل.

ولو كان العاقد الوكيلين قال وكيلها: زوّجتُ موكّلتي من موكلكَ.

والقبول: قبلتُ التزويج، ويصح قبلتُ وحده، وكذا كلّ لفظ يدلّ على الرضى بالإيجاب.

ولو كان العقد مع وكيل الزوج قال: قبلتُ لموكّلي، ومتى كان العاقد وكيل أحد الزوجين أو وليه فلا بُدّ من تعينه بما يرفع الجهالة: إمّا بالإشارة، أو بالاسم المميّز، أو بالوصف الرافع للاشتراك.

وصيغة المتعة: زوّجتكَ، أو أنكحتكَ، أو متّعتكَ نفسي، أو موكّلتي فلانة بقيّة هذا اليوم، أو هذا الشهر مثلاً، بعشرة دراهم، فيقول: قبلتُ إلى آخر ما سبق.

ولو قيل للولي: زوّجتَ بنتكَ من فلان بكذا؟ فقال الولي: نعم، على

الصفحة 50
قصد الإنشاء إيجاباً، فقال الزوج: قبلتُ، فالأصح عدم الانعقاد، ولو قدّم القبول على الإيجاب فالأكثر على جوازه.

ولا بُدَّ من إيقاعه بالعربيّة، إلاّ مع التعذّر، وكونه بلفظ الماضي كسائر العقود اللازمة، ولو لم يذكر المهر في العقد صح في غير المتعة، ولا ينعقد النكاح بغير الألفاظ الثلاثة.

وصيغة التحليل: أحللتُ لكَ وطء فلانة، أو هذه، أو جعلتكَ في حلٍّ من وطئها.

ولو أراد تحليل مقدمّات الوطء خاصّة كالنظر واللمس والتقبيل قال: أحللتُ لكَ النظر إلى بدن فلانة، أو لمسها، أو تقبيلها، والأصح الاقتصار على لفظ التحليل، فلا يتعدّى إلى الإباحة. ولو كانت لشريكين وكّلا في التحليل واحداً، أو قال كلّ واحد منهما: أحللتُ لك وطأها، ولا يكفي أن يقول: أحللتُ لكَ وطء حصتي.

ولا بُدّ من القبول، ولفظه مثل ما سبق، ويُعتبر مع إحلال الشريكين قبولان لتحليل كلّ قبول، ولا يشترط تعيين مدّة، بل يكفي الإطلاق ويُستصحب حكمه، إلاّ أن يمنع.

وإذا أحلّ الوطء حلّت المقدّمات، دون العكس.

ويجوز أن يجعل عتق أمته صداقها، فيعتقها ويتزوّجها، ويجعل العتق مهراً لها، ولا فرق بين تقديم العتق والتزويج.

وصيغته: أعتقتكِ وتزوّجتكِ وجعلتُ عتقكِ مهركِ. وفي اشتراط قبولها تردّد، واشتراطه أحوط. وفي قول قوي أنّه يكفي في الإيجاب: تزوّجتكِ وجعلتُ مهركِ عتقك، من دون أن يقول: وأعتقتك.

وصيغة الفسخ في النكاح بالعيب وبالعتق ونحوهما: فسختُ النكاح

الصفحة 51
الذي بيني وبين فلان أو فلانة، وما أدّى هذا المعنى.

وفي نكاح العبد لأمةِ مولاه: فسختُ عقدكما، أو أمر كلّ واحد منهما باعتزال الآخر.

وعقد النكاح بأقسامه قابل للشروط السائغة التي لا تنافي مقتضى العقد، وإنّما يجب الوفاء منها بما وقع في متن العقد. ومتى أراد اشتراط شيء من الأجناس غير النقود، وَصَفَ ما يشترط بصفات السَلم، وهي ما بها ترتفع الجهالة. ولو اعتبر قدر قيمته من النقد فاشترطه في العقد، فهو حسن.

الطلاق

لا بُدَّ فيه من اللفظ الصريح فهو: أنتِ، أو هذهِ، أو فلانة، أو زوجتي طالق. ولا يقع بغير هذا اللفظ مثل: أنتِ طلاق أو الطلاق، أو من المطلّقات، أو طلّقت فلانة.

ولو قيل للزوج: طلّقت فلانة؟ فقال: نعم، لم يقع وإن قصد الإنشاء.

وكذا لا يقع بالكنايات وإن قارنتها النيّة مثل: أنتِ خليّة، أو بريّة، أو حرام، أو اعتدي.

ولا يقع بالإشارة، إلاّ مع العجز عن النطق كالأخرس، ولا بالكتابة مع القدرة على النطق، نعم لو كتبَ العاجز مع النيّة وقع.

ولو قال: أنتِ طالق لرضى فلان، فإن قصد الوصف صح ; لاقتضائه التعليل، وإن قصد التعليق بطل.

ولو قال: أنتِ طالق إن كان الطلاق يقع بك، فإن جهل حالها لم يقع

الصفحة 52
وإن كانت طاهراً ; لأنّ الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط فكان تعليقاً، بخلاف ما إذا علم طهرها فإنّه يقع.

ولو عقّب الصيغة بالمبطل، كأنْ قال للطاهر المدخول بها: أنتِ طالق للبدعة، لم يقع.

وتصح الرجعة في الرجعي باللفظ مثل: راجعتكِ، ورجعتكِ، وارتجعتكِ.

ولو قال: رددّتِك إلى النكاح، أو أمسكتكِ، كان رجعة مع النيّة. ولا بُدَّ من تجريدالصيغة عن الشرط.

وبالفعل كالوطء، والتقبيل، واللمس بشهوة إذا وقع عن قصد، لا من نحو النائم والساهي.

ورجعة الأخرس بالإشارة، وكذا العاجز عن النطق.

الخلع

ولا بُدّ فيه من سؤال الخلع، أو الطلاق بعوض يصح تملّكه من الزوجة أو وكيلها أو وليّها، لا الأجنبي، مثل: طلّقني على ألف مثلاً واخلعني على ذلك وعلى مالي في ذمّتك إذا كان معلوماً متموّلاً، وكذا يشترط في كلّ فدية.

ولا بُدَّ من كون الجواب على الفور، وصورته: خلعتكِ على كذا، أو أنتِ مختلعة على ذلك، أو أنتِ طالق على ذلك.

ويشترط سماع شاهدين عدلين لفظه كالطلاق، وتجريده من شرط لا يقتضيه الخلع بخلاف ما يقتضيه، مثل: إن رجعتِ في البذل رجعتُ في الطلاق.


الصفحة 53
ولو كان السؤال من وكيلها أو وليّها قال: بذلتُ لكَ كذا على أن تُطلّق فلانة به، أو طلّق فلانة على كذا، فيقول الزوج: هي طالق على ما بذلتَ عنها، أو على ذلك.

ولو طلبت طلاقاً بعوض فخعلها مُجرّداً عن لفظ الطلاق لم يقع، وبالعكس يقع، ويلزم البذل إن قلنا: إنّ الخلع طلاقاً، وهو الأصح.

المباراة

مثل الخلع في الصيغة والشروط، ويزيد كون الكراهيّة من كلّ من الزوجين لصاحبه، وفي الخلع تُعتبر كراهيتها إياه، وكون الفدية بقدر المهر أو أقل لا أزيد، بخلاف الخلع، إلاّ أنّه لا يقع بمجرّده، بل لا بُدَّ من إتباعه بلفظ الطلاق.

وصورة السؤال: بارئني على كذا، فيقول: بارئتكِ على ذلك فأنتِ طالق.

الظهار

صيغته: أنتِ عليّ كظهر أمّي، أو زوجتي، أو هذه، أو فلانة.

ولا ينحصر في هذه العبارات، بل كلّ لفظ وإشارة تدل على تمييزها.

ولو قال: أنت مني، أو عندي، أو معي كظهر أمّي، وقع. وكذا لو اقتصر على قوله: أنتِ كظهر أمّي.

ولو قال: أنتِ عليّ كامّي، لم يقع وإن قصد الظهار في قوله، وكذا قوله: أنتِ أمّي، أو زوجتي أمّي.

ولو قال: جملتكِ، أو ذاتِك، أو بدنكِ، أو جسمكِ عليّ كظهر اُمّي،

الصفحة 54
وقع بخلاف ما لو قال: اُمّي امرأتي، أو مثل امرأتي. وكذا لو قال: يدكِ عليّ كظهر أُمّي، أو فرجكِ، أو بطنكِ، أو رأسكِ، أو جلدكِ. وكذا لو عكس فقال: أنتِ عليَّ كيدِ اُمّي، أو شعرها، أو بطنها، أو فرجها. وكذا لو قال: أنتِ كزوج اُمّي أو نفسها، فإنّ الزوج ليست محلّ الاستمتاع.

ولو قال: أنتِ عليّ حرام، لم يقع وإن نوى به الظهار.

وفي أنتِ علي حرام كظهر اُمّي تردّد، بخلاف ما لو قال: أنتِ عليّ كظهر اُمّي حرام، أو أنتِ حرام أنت عليّ كظهر اُمّي، أو أنتِ طالق كظهر اُمّي للرجعة، أو أنتِ كظهر اُمّي طالق.

ولو قال: أنتِ طالق كظهر اُمّي، قيل: وقع الطلاق خاصّة وإن قصدهما وكان الطلاق رجعياً. ولو قال: على الظهار أو الظهار يلزمني، لم يقع.

الإيلاء

هو الحلف على ترك وطء الزوجة بلفظة الوطء، أو تغييب الحشفة في الفرج، وكذا الإيلاج والنيك.

أمّا الجماع والوطء، والمباضعة، والملامسة، والمباشرة، فيقع بها مع النيّة لا بدونها.

ولا ينعقد إلاّ بأسماء الله تعالى الخاصة.

وصيغته: والله لا وطأتك أبداً، أو خمسة أشهر مثلاً، أو حتّى أذهب إلى الصين وأعود وهو بالعراق.

والضابط في المدّة أن تزيد على أربعة أشهر علماً أو ظناً، بخلاف ما لو حلف على الامتناع أربعة أشهر فما دون، أو قال: حتى أعود من

الصفحة 55
الموصل وهو ببغداد مثلاً، فإنّه لا يُعدّ إيلاءً.

وضابط هذا ما يحصل في الأربعة علماً أو ظنّاً، أو احتمل الحصول وعدمه على السواء. ولو كرّر اليمين كذلك، كما لو حلف على الامتناع أربعة أشهر، وقبل خروجها حلف كذلك لم يكن مولياً.

ولو حلف بغير الله تعالى وأسمائه كالعتاق والظهار، والصدقة، والكعبة، والنبيّ، والأئمه عليهم السّلام، أو التزام صوم أو صلاة أو غير ذلك، لم ينعقد. وكذا لو قال: إن وطأتك فلله عليّ صلاة أو صوم.

ويشترط تجريده عن الشروط.

ولو قال لأربع: لاوطأتكن، لم يكن مولياً في الحال، وله وطء ثلاث، فإذا فعل كان حكم الإيلاء ثابتاً في الأربعة.

ولو قال: لاوطأتُ واحدة منكن، فإن أراد تعلّق اليمين بكلّ واحدة، فالإيلاء من الجميع، فإن وطأ واحدة حنث وانحلّت، وإن أراد واحدة معيّنة قبل قوله، ولو أراد مبهمة، ففي وقوع الإيلاء وتعلّقه بواحدة منهن يتعيّن بتعيّنه نظر. وإن أطلق اللفظ ولم يرد واحداً من الاُمور الثلاثة، لم يبعد كونه مولياً من الجميع.

اللعان

وصيغته ـ بعد القذف بالزنا قبلاً أو دبراً للزوجة المحصنة، الدائمة، البالغة، الرشيدة، السليمة من الصمم والخرس، وإن لم يكن مدخولاً بها، إلاّ أن يكون سبب اللعان نفي الولد، فيشترط كونه لا حقاً به ظاهراً، وذلك يستلزم الدخول ـ أنّ يقول الزوج أربعة مرّات بتلقين الحاكم: أشهد بالله أنّي لمن الصادقين فيما رميتُ فلانة، أو هذه زوجتي بحيث يتميّز.


الصفحة 56
ثم يعظه الحاكم ويخوّفه، فإن رجع أو نكل عن إكمال اليمين حدّه وسقط اللعان، وإن أصرّ أَمَرَهُ أن يقول مرّة: إنّ لعنة الله عليّ إن كنتُ من الكاذبين، فإذا قال ذلك ترتّب على المرأة الحدّ.

ولها أن تُسقطه بأن تقول أربع مرّات: أشهد بالله أنّه لمن الكاذبين فيما رماني به، فإذا قالت ذلك وعّظها الحاكم وخوّفها وقال لها: إنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن رجعتْ أونكلت عن إكمال اليمين رجمها، وإن أصرّت أمرها أن تقول: إنّ غضب الله عليّ إن كان من الصادقين.

ويشترط أن يكون ذلك عند الحاكم أو منصوبه، ولا بُدّ من النطق بالعربيّة مع الإمكان، واعتماد هذا الترتيب، ورعاية لفظ الشهادة على الوجه المذكور، وكذا لفظ الجلالة، ولفظ اللعن والغَضب، ولفظ الصدق والكذب مع لام الابتداء، والموالاة بين الكلمات، وسبق لعان الرجل، وقيامهما عند لعان كلّ منهما.

العتق

وصيغته من جائز التصرّف: أنتَ، أو هذا، أو عبدي فلان حرُّ، أو عتيق، أو مُعتق.

ولا بُدَّ من وقوع اللفظ على قصد الإنشاء، فلو قال لمن اسمها حرّة: أنتِ حرّة على قصد الإخبار، لم تُعتق، بخلاف ما لو قصد الإنشاء للعتق، ولو جهل قصده وأمكن استعلامه رُجِعَ إليه وقُيل قوله، وإن تعذّر لم يحكم بالعتق بمجرّد الاحتمال.

ولو قال: يا حرّة، أو يا معتق، لم يقع وإن قصد الإنشاء.


الصفحة 57
ولا بدَّ من كونه على وجه القربة، وإن صرّح بها في الصيغة كان أكمل.

ولا يقع بغير التحرير والإعتاق، سواء كان صريحاً نحو: فكّ الرقبة، وازالة قيد الملك، أو كناية نحو: أنتِ سائبة، أو لا سبيل عليك. وكذا لا يقع بالإشارة والكتابة إلاّ مع العجز عن النُطق، ولا بغير العربيّة مع القدرة عليها، ويجب فيها مراعاة مادّة اللفظ وصورته.

ويشترط تنجيزه، فلا يقع مُعلّقاً على شرط أو صفة، مثل: إن دخلت الدار، أو إذا طلعت الشمس. ولو قرنه بشرط لم يضر مثل: أنتَ حرّ على أن عليك خدمة سنة مثلاً، أو مائة درهم.

ويشترط قبول العبد في الثاني، فيبطل العتق إن لم يقبل، بخلاف الأوّل.

ولا بُدَّ من إيقاع العتق على الجملة، أو على جزء شائع مثل نصفكِ أو ثلثكِ، بخلاف ما لو قال: يدكِ ورجلك. ولو قال: بدنكِ أو جسدكِ، فالوقوع قوي.

التدبير

صيغة تقتضي عتق المملوك بعد وفاة مولاه ومَن جرى مجراه، كمن جعلت له الخدمة.

وصيغته: أنتَ حرُّ بعد وفاتي، أو إذا متُّ فأنتَ حرّ أو مُعتقٌ، أو عتيق.

ولو قال: أنتَ مُدبّرٌ، ففي وقوعه نظر، ولو عقّبه بقوله: فإذا مُتُّ فأنتَ حرُّ، صح إجماعاً.


الصفحة 58
ولا يفرّق في أدوات الشرط بين أن يقول: إن مُتُّ، أو إذا مُتُّ، أو أي وقت مُتُّ. وكذا ألفاظ التدبير مثل: أنتَ حُرّ أو فلان، ويُميّزه، أو هذا.

والتدبير ينقسم إلى مُطلق كما سبق، ومقيّد مثل: إذا متّ في سفري هذا، أو سنتي هذه، أو في مرضي، أو شهري، أو بلدي فأنتَ حر.

ولا يقع مُعلّقاً بشرط أو صفة مثل: إن قدم زيد، أو إذا أهلّ شوال فأنتَ حُرُّ بعد وفاتي.

وقد يُسأل عن الفرق بين هذا وبين المقيّد.

ولو قال الشريكان: إذا متنا فأنتَ حُرُّ، انصرف قول كلّ منهما إلى نصيبه، وصح التدبير، ولم يكن ذلك تعليقاً على شرط. ولو وفى ثلث أحدهما بنصيبه خاصة اختص بالانعتاق، بخلاف ما لو قصد عتقه بعد موتهما فإنّه يبطل التدبير.

الكتابة

وهي معاملة مستقلة غير البيع، وهي عقد لازم من الطرفين، سواء كانت مطلقة أو مشروطة على الأصح، فإنّه يجب على العبد السعي فيها أيضاً، ويجبر عليه لو أمتنع. وتبطل بالتقايل، والإبراء من مال الكتابة فينعتق، وبالاعتاق، وبالعجز في المشروطة.

فالإيجاب أن يقول: كاتبتكَ على ألف مثلاً وأجّلتك فيها إلى شهر على أن تؤدّي جميعها عند آخر الشهر، أو في نجمين مثلاً، أو ثلاثة. ولا بُدّ من تعيين النجوم، كرأس عشرة أيام أو خمسة عشر.

والقبول: قبلتُ، وكلّ ما جرى مجراه من الألفاظ الدالة على الرضى، هذا إذا كانت مطلقة.


الصفحة 59
ولو كانت مشروطة أضاف إلى ذلك قوله: فإن عجزتَ فأنت ردّ في الرق. ومهما اشترط المولى على المكاتب في العقد لزم إذا لم يخالف المشروع.وهل يجب في كلّ من الصيغتين إلى قوله: فإن أديتَ فأنتَ حُرّ؟ فيه احتمال، فإن لم نوجبه فلا بدَّ من نيّته.

اليمين

وإنّما ينعقد باللفظ الدال على الذات المقدّسة مع النيّة مثل: والله، وبالله، وتالله، وهالله، وأيمنُ الله، وأيم الله، وم الله، ومن الله، والذي نفسي بيده، ومقلّب القلوب والأبصار، والأوّل الذي ليس كمثله شيء، والذي فلق الحَبَّةَ وبرأ النَسمة.

أو بأسمائه المختصة به مثل: الرحمن، والقديم، والأزلي.

أو بأسمائه التي ينصرف إطلاقها إليه وإن اُطلقت على غيره مجازاً مثل: الربّ، والخالق، والرازق، بشرط القصد في الجميع لا بدونه.

ولا ينعقد بما لا ينصرف إطلاقه إليه كالموجود، والحي، والسميع، والبصير وإن نوى بها الحلف. ولا بقدرة الله وعلمه إذا قصد المعاني، بخلاف ما إذا قصد كونه ذا قدرة وذا علم.

ولو قال: وجلال الله، وعظمة الله، وكبرياء الله، ولعمر الله، وأقسم بالله، وأحلف بالله، وأقسمتُ بالله، وحلفت بالله وحقّ الله إن قصد به الله الحقّ أو المستحق للإلاهية في قول، لا إن قصد به ما يجب لله على عباده.

وكذا لا تنعقد لو حلف بالطلاق والعتاق، أو المخلوقات المشرّفة كالنبيّ والأئمة عليه وعليهم السّلام، أوالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام على قول، ونحو ذلك.


الصفحة 60
والاستثناء بمشيئة الله تعالى يوقف اليمين مع الاتصال عادة، فلا يضرّ التنفس والسعال ونحوهما والنطق به، فلا أثر لنيّته من دون نطق.

النذر

التزام المكلّف المسلم القاصد طاعة مقدورة ناوياً القربة بقوله: إن عافاني الله مثلاً فلله عليّ صدقة، أو صوم، أو غيرهما ممّا يُعد طاعة. ومثله: إن وفقّني الله للحج، أو أعطاني مالاً مثلاً، أو أعانني على منع النفس بالمعصية فلله عليّ صدقة، وهذا نذر البرّ والطاعة.

ولو قال: إن عصيتُ الله فلله عليّ صلاة، على قصد منع النفس من المعصيّة(1) انعقد، وهو: نذر اللجاج والغضب، ومنه ما لو قال: إن لم أحج مثلاً فلله علي صلاةً، قصد الحث على الفعل.

ويصح النذر بغير شرط على أصح القولين، وهو التبرّع.

ولا بُدَّ من التلفّظ بالصيغة، فلو نواها لم ينعقد على الأصح، نعم يُستحب الوفاء به.

ويشترط في المنذور أن يكون طاعة مقدوراً، بخلاف اليمين فإنّها تنعقد على المباح إذا تساوى فعله وتركه في الدين والدنيا.

العهد

كالنذر في ذلك، وصيغته: عاهدتُ الله، أو على عهد الله أنّه متى كان كذا فعليّ كذا.

____________

1- من المعصية: لم ترد في " ش1 ".


الصفحة 61
ولو جرّده عن الشرط، مثل: على عهد الله أن أفعل كذا، جاز.

ويشترط فيه ما يشترط في النذر، والخلاف في انعقاده بالنيّة كالنذر.

الأخذ بالشفعة

وقد يكون فعلاً، بأن يأخذه الشفيع ويدفع الثمن، أو يرضى المشتري بالصبر فيملكه حينئذ.

وقد يكون لفظاً كقوله: أخذتهُ، أو تملكتهُ، أوأخذتُ بالشفعة، وما أشبه ذلك.

ويشترط علم الشفيع بالثمن والمثمن معاً، ويجب تسليم الثمن أوّلاً، فلا يجب على المشتري الدفع قبله.

عقد تضمين الجريرة

أن يقول أحد المتعاقدين: عاقدتكَ على أن تنصرني وأنصرك، وتدفع عني وأدفع عنك، وتعقل عني وأعقل عنك، وترثني وأرثك. فيقول الآخر: قبلته.

وهو من العقود اللازمة، فيلزم فيه ما يلزم فيها.

صورة حكم الحاكم الذي لا ينقض

أن يقول الحاكم بعد استيفاء المقدّمات: حكمتُ بكذا، أو أنفذتُ، أو أمضيتُ، أو ألزمتُ، أو ادفع إليه ماله، أو أخرج من حقّه، أو يأمره بالبيع، ونحو ذلك.

ولو قال: ثبتَ عندي حقّكَ، أو أنتَ قد أقمتَ بالحجّة، أو دعواكَ

الصفحة 62
ثابته شرعاً، لم يُعدّ ذلك حكماً.

والفرق بينه وبين الفتوى: أنّ متعلّقه لا يكون إلاّ شخصيّاً، ومتعلّق الفتوي كلّي.

والحكم بالحجر والسفه والفلس قسم من الحكم، وأخذ المال في الدين ونحوه مقاصّة في موضع الجواز لا يشترط فيه اللفظ، بل يكفي الفعل المقترن بما يدلّ على إرادة ذلك، وإن أتى بصيغة تدلّ على ذلك كان أولى، وكذا التملّك للعبد الجاني عمداً أو خطأ.

وأمّا الإقرار

فليس من العقود والإيقاعات في شيء ; لأنّه ليس بإنشاء، وإنّما هو إخبار جازم عن حقّ لازم للمخبر.

وضابطه: كلّ لفظ دالّ على اشتغال ذمّة المُقرّ بحقّ، كقوله: له عليّ، أو عندي، أو في ذمّتي، أو قِبلي كذا. بالعربيّة وغيرها، بشرط علمه بمدلول ما تلفّظ به.

ولو قال: نعم أو أجل، عقب قول المدّعى: لي عليكَ كذا، فهو إقرار. ومثله قوله عقيبه: صدقَت، أو بررت، أو أنا مقرّ لك به، أو بدعواك.

وكذا لو قال: قبضتكَ إياه، أو بعتنيه، أو وهبتنيه، أو بعته، ونحوه. وكذا لو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى.

ولو قال: نعم ففي كونه إقراراً قولان، أصحهما المساواة، بخلاف ما لو قال: أتزنه، أو زنهُ، أو خُذهُ، أو عُدَّهُ، أو علّق الإقرار بشرط، مثل: له عليّ كذا إن دخل الدار وإذا طلعت الشمس وإن كان التعليق بمشيئة الله

الصفحة 63
تعالى على الأصح، إلاّ أن يصرّح بأنّه قصد التبرّك.

وكذا لو قال: إذا جاء رأس الشهر، إلاّ أن يعتبر إرادة التأجيل. ومثله ما لو قال: إن شهد فلان فهو صادق، وإن شهد فإنّه لا يكون مقرّاً في شيء من ذلك.

ولو قال: له في داري، أو في ميراثي من أبي كذا، فإن قال: بحقّ واجب، أو بسبب صحيح ونحوه لزم. وإن أطلق ففي كونه إقراراً قولان، أصحهما نعم.

ولو أبهم الإقرار في شيئين طولب بالبيان، ولو أقرّ بلفظ مبهم فهو أنواع، ولو استثنى من المقرّ به فله أقسام وأحكام، وجميع ذلك مذكور في معادنه من كتب الأصحاب رحمهم الله فليطلب من هناك.

وليكن هذا آخر الرسالة، والحمد الله ربّ العالمين، والصلاة على رسوله محمّد وآله الطاهرين المعصومين.