المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


العدالة





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وبعد،

بين يديك عزيزي القارىء رسالة (العدالة)، والتي سمّاها البعض (الغِيبة) أو (تحقيق الكبيرة).

وهي رسالة وجيزة، ذكر فيها مصنّفها(رحمه الله) تعريف العدالة، وبيّن أنّ العدالة تستلزم ثبوت التقوى والمروءة، والتقوى إنّما تتحقّق باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر. ثمّ شرع ببيان الكبائر بشكل مختصر، وتطرّق للغِيبة بشئ من التفصيل، وختم رسالته بفائدة تتعلّق بالغِيبة أيضاً.

اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على خمس نُسخ خطيّة، هي:

(1) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة ضمن المجموعة المرقمة 1409، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 4: 186، تأريخها سنة 1128 هـ. تقع هذه النسخة في ثلاث أوراق بحجم 24× 12 سم، وكلّ ورقة تحتوي على ثلاثة وعشرين سطراً، وقد رمزت لها بالحرف " ش1 ".

(2) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدسة أيضاً ضمن المجموعة المرقّمة 4933، والمذكورة في فهرس

الصفحة 9
مخطوطات المكتبة 13:128، تأريخها سنة 964 هـ. تقع هذه النسخة في ثلاث أوراق بحجم 5/18× 13 سم، وكلّ ورقة تحتوي على ستة عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش2 ".

(3) النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران، ضمن المجموعة المرقّمة 2144، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 9:829، تقع هذه النسخة في ثلاث أوراق بحجم 22 × 9 سم، وكلّ، ورقة تحتوي على خمسة وعشرين سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ط ".

(4) النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة جامع گوهر شاد في مدينة مشهد المقدّسة ضمن المجموعة المرقمة 1109، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 3: 1534 تأريخها سنة 1031 هـ. تقع هذه النسخة في ثلاث أوراق بحجم 5/7 ×10 سم، وكلّ ورقة تحتوي على سبعة عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ك ".

(5) النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري في مدينة خوانسار ضمن المجموعة المرقمة 239، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 1: 199، ادّعى المفهرس أنها بخط مصنفها. تقع هذه النسخة في أربع أوراق بحجم 5/12× 5/18 سم، وكلّ ورقة تحتوي على عشرين سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " س ".


والحمدُ لله ربّ العالمين


الصفحة 10


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّه "ش1"

الصفحة 11

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّه "ش1"

الصفحة 12

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّه "ش2"

الصفحة 13

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّه "ش2"

الصفحة 14

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران "ط"

الصفحة 15

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران "ط"

الصفحة 16

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة جامع گوهرشاد "ك"

الصفحة 17

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة جامع گوهرشاد "ك"

الصفحة 18

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري "س"

الصفحة 19

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في مكتبة الفاضل الخوانساري "س"

الصفحة 20
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله أجمعين.

لمّا كانت العدالة تستلزم ثبوت التقوى والمروءة، والتقوى إنّما تتحقّق باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، لزم معرفة الكبائر على المكلّفين.

وقد اختلف فقهاء الإسلام فيها، والأصح في المذهب الحقّ أنّ الكبيرة: هي الذنب الذي توعّد الشرع عليه(1) بخصوصه، وبذلك وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم(2).

قال شيخنا الشهيد في قواعده: وقد ضبط ذلك بعضهم فقال: هي الشرك بالله، والقتل بغير حق، واللواط، والزنا، والفرار من الزحف، والسحر، والربا، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والغِيبة بغير حقّ، واليمين الغموس(3)، وشهادة الزور، وشرب الخمر، واستحلال الكعبة، والسرقة، ونكث الصفقة، والتعرّب بعد الهجرة، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وعقوق الوالدين.

قال: وكلّ هذا ورد في الحديث منصوصاً عليه بأنّه كبيرة، وورد أيضاً النميمة، وترك السنّة، ومنع ابن السبيل فضل الماء، وعدم التنّزه من البول،

____________

1- في " ك ": عليه الشرع.

2- انظر الكافي 2: 211ـ 218 باب الكبائر من كتاب الإيمان والكفر.

3- اليمينُ الغَموسُ: التي تَغْمِسُ صاحبها في الإثم. الصحاح 3: 956 " غمس ".


الصفحة 21
والتسبب إلى شتم الوالدين، والإضرار في الوصّية(1).

فأمّا الغِيبة: فهي ذكُر الغير بما يكرهه، روي أنّه (صلى الله عليه وآله) قال: " الغِيبة أن تذكر في المرء ما يكره أن يسمع "، قيل: يا رسول الله وإن كان حقّاً؟ قال: " إن قلت باطلاً فذلك البهتان "(2).

ولا ريب أنّ الغِيبة غير مقصورة على القول باللسان، والقول باللسان غير مقصور على الصريح، فأنّ الإشارة باليد والرأس والعين وما جرى مجراها إذا أفاد عيب الغير وتنقّصه(3) عُدّ من الغِيبة.

وكذا حكاية حركاته ومشيتة(4)، وما جرى هذا المجرى.

وكذا التعريض به مثل: أنا لا أحضر مجلس الحُكام، أنا لا آكل مال الأيتام، مشيراً بذلك إلى أنّ زيداً مثلاً يفعل هذا.

ومثل ذلك أن يقول: الحمدُ لله الذي نزّهنا عن كذا، مُريداً مثل ذلك،

____________

1- القواعد والفوائد 1: 224 قاعدة 68.

وانظر: الكافي 2:211ـ 218 باب الكبائر، الفقيه 3: 366ـ 376 باب معرفة الكبائر التي أوعد الله عزّ وجل عليهابالنار، التهذيب 4:149ـ 150 حديث 417، وسائل الشيعة 15: 318ـ 332 باب 46 من أبواب جهاد النفس (تعيين الكبائر التي يجب اجتنابها)، صحيح البخاري 8: 171 باب اليمين الغموس و 9: 4 باب قول الله: {ومن أحياها}، مسند أحمد 2:411 حديث 6845، سنن الترمذي 5: 236 حديث 3021، سنن النسائي 7: 88 ـ 89 باب ذكر الكبائر و8: 63 باب تأويل قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً معتمداً}، سنن الدارمي 2: 191 باب التشديد في قتل النفس المسلمة، كنز العمال 3: 540 ـ 544 باب الكبائر.

2- الكافي 2:266ـ 267 حديث 6و7، وسائل الشيعة 12:288 باب 154 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر، كتاب الحج. وانظر سنن أبي داود 4: 269 حديث 4874 باب الغيبة، كتاب الأدب.

3- في " ش1 ": ونقصه.

4- في " ش1 " و" ط ": ومشيه.


الصفحة 22
فهو غِيبة وإن كانت صورته صورة الشكر.

ومن ذلك قول القائل عن غيره: لو فعل كذا كان(1) خيراً، ولو لم يفعل كذا كان حسناً.

ومنه تنقّصُ مستحق الغِيبة لينبّه به على عيوب شخص آخر غير مستحق لها.

وكذا لو ذمّ نفسه بطرائق غير محمودة فيه، أو ليس مُتصفاً بها، لينبّه على عورات غيره.

وضابط الغِيبة المحرّمة: ما يكون الغرض منه(2) التفكّه بعرض الغير، وليس مقصوداً به غرض صحيح، فلذلك استثنى العلماء مواضع ستة، وألحق بها بعضهم(3) سابعاً:

الأوّل: أن يكون المَقول فيه مُستحقاً لذلك، لا حُرمة له ; لتظاهره بالمحرّم، كالفاسق المُتظاهر بفسقه، مثل شارب الخمر المُتظاهر به، والظالم المُتهتّك بظلمه، فيجوز ذكره بذلك الذي هو فيه، لا بغيره ; لما روي من أنّه: " لا غِيبة لفاسق "(4).

ومنع بعض الناس من هذا القسم، وأوجب التعزير بغيبة الفاسق

____________

1- في " ش2 ": لكان.

2- في " ش2 ": منها.

3- في " ش1 " و" ش2 ": بعضهم بها.

4- ورد نصّ الحديث في موسوعة أطراف الحديث النبوي 7: 276 نقلاً عن الأسرار المرفوعة: 383 لعلي القارئ طبع مؤسّسة الرسالة، وكشف الخفاء للعجلوني 2: 51، نشر مكتبة دار التراث، والدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة: 176 للسيوطي طبعة الحلبي.

وفي أمالي الصدوق: 34 " إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غِيبة ".

وفي كنز العمال 3: 595 حديث 8071 " ليس للفاسق غِيبة ".


الصفحة 23
أيضاً. وظنّ بعض العامّة في حديث: " لا غِيبة لفاسق " بأنّه لا أصل له، وربما حُمل على إرادة النهي به وإن كانت صورته صورة الخبر.

والقول بالجواز أوجه خصوصاً مَن يتبجّح بفسقه، وربما أمكن جعل الطعن عليه واللعن له من جملة القرب.

الثاني: شكاية المُتظلّم، فلا تُعد غِيبة، وقد وقع ذلك بحضرته (صلى الله عليه وآله)، مثل قول المرأة عن زوجها: هو رجل شحيح(1).

الثالث: نصيحة المُستشير في نكاح، أو معاملة، أو مجاورة، أو غيرها ; لما روي انّه (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة بنت قيس حين استشارته في خطّابها: " أمّا فلان فرجل صعلوك لا مال له، وأمّا فلان فلا يضع العصا عن عاتقه "(2)، ولأنّه مّما تعمّ به البلوى.

____________

1- روت عائشة أنّ هنداً قالت للنبيّ (صلى الله عليه وآله): إنّ أبا سفيان رجل شحيح لا يعطينيي ما يكفيني وولدي إلاّ ما أخذت من ماله وهو لا يعلم، فقال (صلى الله عليه وآله): " خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف ".

انظر: صحيح البخاري 7: 85 باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه، كتاب النفقات، سنن ابن ماجة 2:769 حديث 2293 باب ما للمرأة من مال زوجها، كتاب التجارات، مسند أحمد 7: 75 حديث 23711، سنن البيهقي 7:466 باب وجوب النفقة للزوجة و 477 باب النفقة على الأولاد، عوالي الآلي 1: 402 حديث 59، مستدرك الوسائل 9: 129 حديث 4 باب 134 من أبواب أحكام العشرة كتاب الحج.

2- روى مسلم في صحيحه 2: 1114 باب المطلّقة ثلاثاً لا نفقة لها حديث 1، بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عمّ فاطمة بنت قيس: أنّ أبا عمرو بن حفص طلّقها البتّة وهو غائب، فأرسل إليها وكيلهُ بشعير، فسخطته، فقال: والله مالكِ علينا من شيء فجاءت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكرتْ ذلك له،، فقال: "ليس لكِ عليه نفقة "، فأمرها أن تعتدّ في بيت أم شريك، ثم قال: " تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكثوم، فأنّه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللتِ فآذنيني "، قالت: فلمّا حللتُ ذكرت له أنّ معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أمّا أبو جهم فلا يضعُ عصاه عن عاتقه، وأمّا معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي اُسامة بن زيد "، فكرهتُهُ، ثم قال: " أنكحي اُسامة "، فنكحْتُه، فجعل الله فيه خيراً، واغتَبَطتُ.

وروى ابن ماجة في سننه 1: 601 باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حديث 1869، بسنده عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صُخير العدوىّ، قال: سمعتُ فاطمة بنت قيس تقول: قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): " إذا حَلَلتِ فآذنيني "، فآذنته، فخطبها معاوية وأبو الجهم بن صُخير واُسامة بن زيد، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): " أمّا معاوية فرجل تَرِبٌ لا مال له، وأمّا أبو الجهم فرجل ضرّاب للنساء، ولكن اُسامة "، فقالت بيدها هكذا: اُسامة اُسامة، فقال لها رسول الله(صلى الله عليه وآله): " طاعة الله وطاعة رسوله خيرُ لكِ "، قالت: فتزوّجتُهُ فاغتَبَطتُ به.


الصفحة 24
ويجب الاقتصار على موضع الحاجة.

ولو اقتضت المصلحة التحذير والنصيحة ابتداءً ولم يستدع الغير ذلك بالاستشارة، فلا فرق بينه وبين الأوّل، وربّما يجب ذلك إذا كان الضرر متوقّعاً.

الرابع: الجَرح والتعديل للشاهد والراوي، ولذلك وضعَ العلماء كتب الرجال، وقسّموهم الى الثقات والمجروحين، وذكروا أسباب الجرح في كثير من المواضع.

ويجب رعاية الإخلاص في ذلك، بأن يقصد به حفظ أموال المسلمين، وصيانة الفروج، وضبط السُنّة المُطهّرة وحمايتها عن الكذب، ولا يكون الباعث على ذلك العداوة والتعصّب.

ويجب الاقتصار على ما يحصل به الغرض من القدح فيه بما يمنع قبول(1) الشهادة والرواية منه دونَ ما زاد على ذلك.

الخامس: ذِكْرُ المبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم المُضلّة،

____________

1- في " ش2 ": من قبول.


الصفحة 25
وليقتصرعلى ما يحصل به المطلوب في ذلك شرعاً.

ومَن كان منهم عدوّاً لأهل البيت (عليهم السلام)، فلا حرج في ذكر معايبهم وقبائحهم، والقدح في أنسابهم وأعراضهم بما هو صحيح مطابق للواقع تصريحاً وتعريضاً، كما وقع من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما صدر من الإمام أبي محمّد الحسن صلوات الله عليه في مجلس معاوية لعنه الله في ذكره لمعايبه ومعايب عمرو بن العاص والوليد بن المغيرة وأمثالهم، عليهم أجمعين من اللعن ما لا يحصى إلى يوم الدين.

ولا حرج في تكرار ذلك والإكثار منه في المجالس ; لتنفير الناس منهم، وتطهير قلوب الخلق من الاعتقاد فيهم، والموالاة لهم بحيث يبرأون منهم.

وكذا لعنهم والطعن فيهم على مرور الأوقات مع مجانبة الكذب.

ومَن تأمّل كلام سيّدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في (نهج البلاغة) وجده مشحوناً بذلك(1).

وأمّا ما يصدر عن أهل الحقّ وعلماء الدين في المسائل الباطلة والآراء الفاسدة، فيجوز ذكره والقدح في صحّته وبيان دلائل بطلانه، ولو استدعى المقام التشنيع على قائله والخشونة في ردّه لفطم النفوس من الاعتقاد به جاز.

ويجب في ذلك تخليص النيّة عمّا عدا قصد وجه الله تعالى، وإظهار الحقّ، وصيانتها عن مخالطة سبب العداوة والحسد.

ولو كان ثمّ مقالة متروكة وقد انقرض القائل بها ولا قائل بها الآن، ولا

____________

1- انظر نهج البلاغة: 110،130،148،176،200،334.


الصفحة 26
يتوقّع ذهاب أحد إليها، ولا حصول مفسدة بسببها، فإنّ ترك التعرّض إلى ذكر قائلها أولى وأحرى، فإنّ الستر بستر الله تعالى من الاُمور المطلوبة شرعاً.

السادس: القذف بما يوجب الحدّ والتعزير من الشهود الّذين يثبت بشهادتهم أحد الأمرين، وكذا القذف من الزوج الموجب للّعان. كلّ ذلك في مجلس الحاكم ; لما في ذلك من فائدة دفع هذا النوع من المفاسد، ولوقوع ذلك في مجلس النبي(صلى الله عليه وآله) ولم ينكره(1).

وأمّا السابع: فقد قيل: إنّه إذا علم اثنان من شخص معصية بمشاهدة ونحوها فتذاكراها فيما بينهما جاز ; لأن ذلك لا يؤثّر عند كلّ منهما شيئاً زائداً على ما هو معلوم لهما، ولا زيادة هتك لعرضه. والأولى التنزّه عن ذلك ; لأنّهما مأموران بالستر، وربما وقع ذلك بعد عروض النسيان لأحدهما، أو كان سبباً لاشتهاره.

فائدة(2):

ينبغي أن يُعتبر في الغيبة كون المذكور عنه(3) محصوراً، فلو ذكر أهل بلدة كبيرة أهلها غير محصورين كبغداد، أو طائفة غير محصورين كبني

____________

1- انظر الكافي 6: 163 حديث 4، الفقيه 3: 349 حديث 1671،التهذيب 8: 184 حديث 644،الاستبصار 3: 370 حديث 1322، وسائل الشعية 22: 407 باب 1 من أبواب اللعان حديث 1، عيون أخبار الإمام الرضا (عليه السلام) 2:39 حديث 117، وسائل الشيعة 27: 365 باب 24 من أبواب الشهادات حديث 49.

2- في " ط ": تنبيه.

3- في النسخ الخطيّة المتوفرّة لدينا: غيبة. وما أثبتناه من هامش " س " وعليها علامة تصحيح.


الصفحة 27
تميم، بمكروه، لم يعدّ ذلك، غِيبة شرعاً ; لانتفاء تشخّص مَن تعلّقت به، وانتفاء هتك العرض بذلك من حيث عدم انضباطهم بحيث يلزم تعلّق القول بأحد منهم على التعيين، ولذلك لا تقبل الشهادة على غير المحصور بنجاسة ونحوها من الآدميين وغيرهم، كالثياب والجلود ونحوها، ولو كانت الشهادة على النفي لم تُسمع ; لعدم ضبطه فلا يتعيّن أحد الأفراد لتعلّق الشهادة به.

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

ورد في آخر نسخة " ط ": كتبه علي بن عبد العالي حامداً مصلّياً.

نُقل من خطّ مولانا وسيّدنا لا زال ظلّه العالي متعالياً. هذه صورة ما كتب في ذيل ما نقل هذا منه في المشهد المقدّس الرضوي عليه الصلاة والسلام والتحيّة.

وورد في آخر نسخة " ك ": والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله المعصومين، من مصنّفات خاتم المجتهدين علي بن عبد العالي قدّس سرّه العزيز.

وفي آخر نسخة " س " ورد: والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على محمّد وآله. كتبه علي بن عبد العالي حامداً مصلّياً.