المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


تعيين المُخالفين
لأمير المؤمنين (عليه السلام)





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله الذي هدانا لولاية أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (عليهم السلام)، وجعلنا من المتمسّكين بحبّهم والسائرين على نهجهم القويم.

والصلاة والسّلام على خير الأنام أبي القاسم محمّد وآله الطاهرين.

وبعد،

هذه رسالة ظريفة في موضوعها، عيّن فيها المحقّق الكركي (رحمه الله)المخالفين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمنحرفين عنه، وبيّن سبب عداوتهم وما يدلّ عليها من السنّة والوقائع والأحداث. وسكت عن بعض حيث لم يعدّهم ممّن خالفوه (عليه السلام) أو أيدوه، كبلال الحبشي وعمر بن عبد العزيز.

ويظهر من المقدّمة أنّه ألّفها بطلب من الشاه اسماعيل الصفوي.

اعتمدتُ في تحقيق هذه الرسالة على النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة الرضويّة ـ مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) ـ في مدينة مشهد المقدّسة، تحت رقم 2021، والمذكورة في الفهرس الجديد لمخطوطات المكتبة (فهرست الفباني كتب خطي): 132، تأريخ كتابتها سنة 1281 هـ. وتقع هذه النسخة في اثني عشرة ورقة بحجم 13 × 8 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثنتي عشر سطراً.


والحمد لله ربّ العالمين


الصفحة 9


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة

الصفحة 10

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة الرضويّة

الصفحة 11

الصفحة 12
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حقّ حمده، والصلاة على رسوله محمّد وآله الطاهرين.

أمّا بعد، قد برز الأمر العالي المُطاع ـ أعلاه الله تعالى وأنفذه في الأقطار ـ بتعيين المُخالفين لأمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليه من الله تعالى أفضل الصلوات وأكمل التحيّات، والإشارة إلى شيء من أحوال مُخالفيهم، الموجبة لاستحقاقهم الطعن واللعن من المؤمنين، والخلود في العذاب المقيم يوم يقوم الناس لربّ العالمين.

فقابله هذا الفقير بالإجابة والقبول، وكتبتُ ما لا بُدّ منه في تحقيق المأمول ; ابتغاءً لوجه الله الكريم، وطمعاً في الفوز بالثواب الجسيم والأجر العظيم، وتقرّباً لسيّد المُرسلين، وإلى أهل بيته الّذين افترض الله سبحانه مودّتهم وعداوة أعدائهم على الخلق.

فنقول وبالله التوفيق: إنّ المُنحرفين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والمُخالفين والمظاهرين على عداوته خلق كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم مِنْ بعدهم، وقد تعرّض العلماء لذِكْرِ كثير منهم في كُتب التأريخ والحديث، وكتب أسماء الرجال وغيرها(1).

وروى المُحدّثون من أهل السنّة أنّ معاوية بن أبي سفيان ـ لعنهما الله لعناً لا يحصى ـ كان يختلق الأحاديث الشنيعة في حقّ أمير المؤمنين

____________

1- ذكر بعضهم ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 4: 7 ـ 11 باب بيعة علي ـ عليه السلام ـ وأمر المتخلّفين عنها، وفي 4: 74 ـ 110 في فصل ذِكْر المنحرفين عن علي ـ عليه السّلام ـ.


الصفحة 13
صلوات الله عليه وينسبها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ويستشهد عليها قوماً من الصحابة، حتى أنّه في مرّة من المرّات شهد له على بعض مفترياته أربعمائة رجل من الصحابة(1)، فيستحقّون اللعن بذلك ; لأنّه مروي بالأسانيد

____________

1- حكى ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة 4: 63 عن أبي جعفر الإسكافي قوله: إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعلَ لهم على ذلك جُعلاً يُرْغَبُ في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.

وفي 4: 73 نقل عنه قوله: وقد روى أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتّى يروي أنّ هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السّلام): {ومن الناس مَن يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام * وإذا تولّى سعى في الأرض ليُفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يُحبَّ الفساد} ـ البقرة: 204 ـ 205 ـ وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله} ـ البقرة: 207 ـ فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك.

وفي 11: 44 ـ 45 قال: وروى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علياً، ويبرأون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته. وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة ; لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنّه كان منهم أيام علي (عليه السلام). فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم. إلى أن قال:

ثم كتب معاوية إلى عمّاله: إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرُّ لعيني، وأدحض الحجّة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.


الصفحة 14
المُعتبرة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): " من آذى شعرةً منك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى "(1)، وقد قال الله تعالى: {إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة}(2).

والذين ينبغي أن نذكرهم ها هنا هم الرؤساء والرؤوس من أعدائه، دون الأتباع والأذناب.

فنقول: لا ريب في عداوة أبي بكر بن أبي قحافة التيمي لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وبقدمه وعداوته لكافة أهل البيت (عليهم السلام)، وكُتبُ الحديث والتأريخ مشحونة بذلك من طُرق المؤمنين والمخالفين(3).

____________

1- انظر صحيح مسلم 4: 1873، مسند أحمد بن حنبل 4: 114، سنن الترمذي 5: 635، مستدرك الصحيحين 3: 122، مصابيح السنّة 4: 171، جامع الاُصول 8: 662، الصواعق المحرقة: 122، الاستيعاب (المطبوع بهامش الإصابة) 2: 529 و3: 37.

2- الأحزاب: 57.

3- ذكره الإمام علي عليه السّلام بقوله في الخطبة الشقشقية: " أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرَّحا، ينحدر عنّي السيل ولا يدقى إليَّ الطير.. " نهج البلاغة 1: 25، شرح نهج البلاغة 1: 151.

وقصة أقتحام دار فاطمة عليها السّلام من قبل القوم، وغضبها عليهم، وهجرانها لأبي بكر، من الاُمور المتسالم عليها عند كافة المسلمين. حتّى أنّ ابن أبي الحديد عقد باباً خاصّاً في شرحه 6: 46 باسم " ذكر أمر فاطمة عليها السلام مع أبي بكر، وقال: والصحيح عندي أنّها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر، وأنّها أوصت ألاّ يُصلّيا عليها. وروى عن أحمد بن عبد العزيز بسنده عن أبي بكر أنّه قال: ليتني لم أكشف بيت فاطمة.

وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 13 ـ 14: استأذنا على فاطمة صلوات الله عليها، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فأدخلهما، فلمّا قعدا حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها فلم تردّ الجواب. ثم قالت عليها السّلام لأبي بكر وعمر: " نشدتكما بالله ألم تسمعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: رضى فاطمة من رضاي ـ إلى قوله ـ من أسخط فاطمة فقد أسخطني "؟

قالا: نعم.

قالت: " فإنّي اُشهد الله وملائكته إنّكما أسخطتماني، وإن لقيت النبي (صلى الله عليه وآله)لأشكونكما إليه ".

ثم ذكر قولها عليها السّلام لأبي بكر: " والله لأدعونّ عليك في كلّ صلاة ".


الصفحة 15
وكذا ابن عمّه طلحة بن عبيد الله التيّمي(1)، وهو ممّن ظاهر عثمان على أمير (عليه السلام) يوم الشورى(2). وقد قال بعض المحقّقين: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عناه بقوله في الخطبة الشقشقيّة: " فَصَغا رجلٌ منهم لِضِغنِهِ "(3) فجعله صاحب ضغن وحقد وعداوة لأمير المؤمنين (عليه السلام)(4)، وقد كمل ذلك بمحاربته إياه يوم الجمل مع عائشة، لا يلوي(5) ولا يرعوي(6).

ومن رؤوس أعدائه عمر بن الخطاب العدوي القرشي، وهو الفظّ(7)الغليظ الجأش(8)، الجاني، وأمر عداوته وايذائه لعلي وفاطمة وأهل البيت (عليهم السلام) أشهر من الشمس(9).

____________

1- عداوة طلحة والزبير للإمام علي عليه السّلام واضحة للجميع، وقد تجسّدت في محاربتهما له عليه السّلام في واقعة الجمل.

2- حيث وهب حقّه من الشورى لعثمان بن عفّان.

3- نهج البلاغة 1: 26.

4- ذكر ذلك مفصّلاً ابن أبي الحديد في شرحه للنهج 1: 189.

5- أي لا يلتفت. النهاية في غريب الحديث والأثر 5: 279 " لوا ".

6- أي لا ينكف ولا ينزجر. النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 236، الصحاح 6: 2359 "رعى ".

7- الفظّ: الرجل الغليظ. الصحاح 3: 1176 "فظظ".

8- الجأش: جأش القلب: وهو رواعه إذا اضطرب عند الفزع. الصحاح 3: 997 "جأش ".

9- انظر ما قلناه في الهامش المتعلّق بأبي بكر.

وقال أحمد بن عبد العزيز: قال أبو بكر: وحدّثني أبو زيد عمر بن شبّة عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجَنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم ـ إلى أن قال ـ ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهنّ، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت: "يا أبا بكر ما أسرع ما أغرْتُم على أهل رسول الله!!! والله لا اُكلّم عمر حتّى القى الله ". انظر شرح نهج البلاغة 6: 47.

وذكرَ الشهرستاني في الملل والنحل: 32 أنّ النظّام بن إبراهيم بن سيار قال: إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم السقيفة حتى ألقت المحسن من بطنها، وكان يصيح: أحرقوها بمن فيها. وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين.

وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 12 ـ 13: إنّ عمر بن الخطّاب أرسل قنفذاً إلى علي يدعوه إلى الخلافة ـ إلى أن قال ـ نادت الزهراء بأعلى صوتها: "يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ".

وقال: فدعا عمر بالحطب فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجّن أو لأحرقنّها عليك على ما فيها. فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة، فقال: وإن. فخرجوا وبايعوا إلاّ علي.


الصفحة 16
ومن تابعيه على ذلك ابنه عبيدالله، وكذا ابنه عبدالله وإن ستر عداوته ببعض الستر.

ومن رؤوس أعدائه عثمان بن عفّان الأموي(1)، وعمّه الحكم بن أبي

____________

1- قال الإمام علي عليه السّلام في خطبته الشقشقيّة: "إلى أن قام ثالثُ القوم نافجاً حضنيه، بين نَثيلهِ ومُعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضموُن مال الله خضم الإبل نبتَةَ الرَّبيع، إلى أن انتكث فتلُهُ، وأجهز عليه عملُهُ، وكَبَتْ به بطنتُهُ " نهج البلاغة 1: 27، وشرحه لابن أبي الحديد 1: 197.

وقال الشهرستاني في الملل والنحل: 32: وأخذوا عليه أحداثاً:

منها: ردّه الحكم بن اُميّة إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان يُسمّى طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه عمر عن مقامه باليمن أربعين فرسخاً.

ومنها: نفيه أبا ذر إلى الربذة، وتزويجه مروان بن الحكم ابنته، وتسليم خُمس غنائم أفريقيا إليه، وقد بلغت مائتين ألف دينار.

ومنها: ايواؤه عبدالله بن سعد بن أبي سرح، بعد أن هدر النبي (صلى الله عليه وآله) دمه، وتوليته إياه مصر بأعماله، وتولية عبدالله بن عامر البصرة حتّى أحدث فيها ما أحدث، إلى غير ذلك ممّن نقموا عليه.

وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب (المطبوع بهامش الإصابة) 2: 414 عند ذكر عبد الرحمن بن حنبل: وهو القائل في عثمان بن عفّان.


أَخْلفُ باللهِ جهد اليمينما تركَ الله أمراً سُدى
ولكن جُعلت لنا فتنةلكي نبتلي بها أو نُبتلى
دعوت الطريد فأدنيتهخلافاً لما سنّه المصطفى
وولّيت قرباكَ أمرَ العبادخلافاً لسنّة من قد مضى
وأعطيتَ مروان خمس الغنيــمة آثرته وحميتَ الحمى
ومالاً أتاك به الأشعريمن الفيء أعطيته من دنا

وعقد ابن أبي الحديد في شرحه للنهج 9: 3 باباً خاصّاً بعنوان "ذكر أطراف ممّا شجر بين علي وعثمان في أثناء خلافته "، جاء فيه:

قال عثمان في علي (عليه السلام) معاتباً ابن عباس حينما اعترض عليه بعض المسملين: وهذا والله كلّه من نكده وشؤمه!!!


الصفحة 17
العاص طريد رسول وعدّوه ورأس المنافقين(1)، وولده مروان، وبنوه عبدالملك واخوته، وذرّيتهم عليهم جميعاً لعنة الله.

نعم نسكت عن عمر بن عبد العزيز، ونكلّ أمره إلى الله تعالى وإلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لأنّه تظاهر في أيام ولايته بمحبّة أمير المؤمنين، والاعتراف بتفضيله وتقديمه، فلا نقول فيه خيراً ولا شراً.

ومن رؤوس المنافقين أبو سفيان بن حرب الأموي لعنه الله، وابنه معاوية، وولده يزيد، وذريتهم.

ويُنقل عن معاوية بن يزيد ميله إلى أهل البيت وانكاره الشديد على أبيه، وتبرؤه من فعله، ولهذا يُلقّب بالراجع إلى الله، فنسكت عنه لذلك.

والحاصل أنّ بني اُميّة قاطبة ملعونون مطرودون، وبذلك وردت النصوص عن أهل البيت (عليهم السلام). وقد ذكر المفسّرون أنّ قوله تعالى:

____________

1- تقدّمت الاشارة إليه وإلى المخالفين الذين ذكرهم الكركي في هذه الرسالة، في البحث الخاص الذي أفردناه عن آراء الكركي الكلاميّة.


الصفحة 18
{والشجرة الملعونة}(1) في القرآن المراد بها شجرة بني اُميّة(2).

ومن رؤوس المنافقين عمرو بن العاص القرشي الهاشمي، وهو الذي ظاهر معاوية على حرب أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمانية عشر شهراً، وتظاهر بعداوته وهو من مشاهير أولاد الزنا(3).

ومنهم الوليد بن عُقبة أبي مُعيط، والمغيرة بن شعبة، وفحش عداوتهما لأمير المؤمنين (عليه السلام) قد نطقت به كُتب السير والأخبار، واشتهر فبلغ في الوضوح إلى مرتبة وجود النهار.

ومن رؤوس المنافقين سعد بن أبي وقاص القرشي من بني زهرة، وعداوته لأمير المؤمنين وانحرافه عنه ووقوفه بايذائه (عليه السلام) يوم الشورى، وميله إلى عبد الرحمن بن عوف، وهبته إياه نصيبه من المنازعة على الخلافة، ومظاهرته لعثمان، أشهر من الشمس. وقد ذكر جمع من المحقّقين أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عناه بقوله في الخطبة الشقشقيّة: "فَصَغا رجلٌ منهم لِضِغْنِهِ "(4) فنسب إليه الضغن والعداوة(5).

____________

1- الاسراء: 60.

2- انظر بحار الأنوار 31: 507 وما بعدها، وربيع الأبرار 4: 400، جامع الاُصول 11: 774، الاستيعاب (المطبوع بهامش الإصابة) 3: 397.

3- امّه نابغة بنت حرملة، مشهورة بالزنا، وكانت صاحبة راية في مكّة. ذكرت ذلك أروى بنت الحارث في مجلس معاوية، ولم يردّ عليها أحد. وفي مجمع البحرين 5: 17 "نبغ ": ومنه ابن النابغة لعمرو بن العاص ; لظهورها وشهرتها في البغي.

4- نهج البلاغة 1: 26.

5- منهم القطب الراوندي، كما حكاه عنه ابن أبي الحديد في شرحه 1: 189.

وعدّه في نفس الكتاب 4: 9 من الّذين تخلفوا عن بيعة علي عليه السّلام، فأرسل عليه السّلام وراءه وقال له: "بايع "، فقال: يا أبا الحسن خلّني، فإذا لم يبق غيري بايعتك، فوالله لا يأتيك من قِبلي أمر تكرهه أبداً. قال عليه السّلام: "صدق، خلّو سبيله ".


الصفحة 19
وذكروا أنّه ورث قسطاً كبيراً من عداوة أهل البيت (عليهم السلام) من أخواله بني اُمّية، ودان بها وظهرت عنه حتى ارتفع عنها جلباب اللبس والشكّ، فلعنة الله عليه وعلى مَن لا يلعنه.

ومن رؤوس المنافقين وأعلامهم وأساطينهم عبد الرحمن بن عوف القرشي، من بني زهرة بن كلاب، وعداوته لأهل البيت (عليهم السلام) ممّا لا يخفى على الأجانب والأقارب، وبذل جهده واستفراغ وسعه يوم الشورى في صرف الأمر عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتدفية نظره في سلوك طرق العداوة ولأدنى أمر لا يدفع حتى كاشفه أمير المؤمنين بما فعل وما أراد، ودعا عليه وعلى عثمان.

ومن رؤسائهم أبو عبيدة الجرّاح، وهو أوّل من حزن وَهَمَّ حين أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بولاية علي (عليه السلام) بغدير خمّ، وحضَّضَ(1) الأوّل والثاني على أخذ الخلافة من أهل البيت (عليهم السلام).

ومن رؤساء أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) الزبير بن العوّام القرشي من بني أسد، وقد كان في أوّل أمره مُحباً لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ثم انتقل على عداوته ونكث بيعته. ومحاربته يوم الجمل مع عائشة بنت أبي بكر أخت زوجته أسماء بنت أبي بكر، وتحريض الناس من أهل البصرة وغيرهم على حربه، وقتله، شيء لا يمكن اخفاؤه ولا استاره.

ووافقه في ذلك راعى ابنه الرجس النجس الخبيث اللعين عبدالله، وفي الحقيقة هو عدوّ الله وعدّو رسوله وعدّو أهل بيته (عليهم السلام)، ولا يستحي من ذلك ولا يستره ولا يداحي فيه ولا يُداهن به، ولم يزل مُجدّاً في ذلك

____________

1- التَحاضُّ: التحاثُ، وحَضَّضَ: أي حَرَّضَ. الصحاح 3: 1071 "حضض ".


الصفحة 20
إلى أن قُتل في أيام بني مروان، فلعنة الله على القاتل والمقتول.

وأمّا خالد بن الوليد عليه من الله تعالى لعنات تتوالى وتتوارد وتترادف إلى يوم العرض على الله تعالى، فإنّ هذا الجلف(1) الجاني والعلج(2) الغسوم(3) لا تأخذه في عداوة أمير المؤمنين (عليه السلام) لومة لائم، ولا يضيق من سكره، حنقة على أهل البيت (عليهم السلام)، آناً من آناء الدهر.

وهذا اللعين الفاجر هو الذي تظاهر بعداوة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أيام حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فلمّا علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بذلك غضب عليه غضباً شديداً، وقال خالد اللعين شيئاً عن علي (عليه السلام)، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): " لا يُحبُه إلاّ مؤمن، ولا يبغضه إلاّ منافق "(4)، وتعرّض بقوله (عليه السلام) ذلك بخالد اللعين، فهو منافق لقول النبي (صلى الله عليه وآله)(5).

وقد روى جمع من أهل السُنّة أنّ أبابكر وعمر اتّفقا مع خالد على أن يغدر بأمير المؤمنين (عليه السلام) وهو مشغول بالصلاة فيقتله، فصرفهم الله تعالى عن ذلك(6).

وحال خالد اللعين غني عن الشرح والبيان، لا ينكره أحد من أرباب

____________

1- الجلف: الجاف. الصحاح 4: 1339 "حلف ".

2- رجل علج، بكسر اللام: أي شديد. الصحاح 1: 330 "علج ".

3- الغسم: السواد واختلاط الظلمة. الصحاح 5: 1996، القاموس المحيط 4: 156. "غسم".

4- سنن النسائي 8: 116، سنن الترمذي 5: 643/3736، مجمع الزوائد 9: 133، كنز العمّال 11: 598 و622/32878 و33027.

5- انظر سنن الترمذي 5: 632/3712، جامع الاُصول 8: 421، الصواعق المحرقة: 122 و124، شرح نهج البلاغة 9: 170 ـ 171.

6- انظر تفصيل ذلك في بحار الأنوار 29: 124 نقلاً عن علل الشرائع: 190 ـ 192/1.


الصفحة 21
السير ونقلة الأخبار والآثار.

ومن المجدّين في عداوة أمير المؤمنين (عليه السلام) من الصحابة عبدالله بن قيس الأشعري، المُكنّى بأبي موسى الأشعري، وهو عدّو الله ورسوله وعدوّ أهل البيت، صاحب الغفلة العظيمة يوم الحكمين في حرب صفّين، وبفعلته لعنة الله عليه والملائكة والناس أجمعين، إذ بفعلته تزلزل ركن الدين وتضعضعت أركان المؤمنين.

وقد روى أهل السنة في كتبهم عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخباراً كثيرة في الطعن عليه، والقدح في دينه، والتصريح بنفاقه، وكم له من يوم شرٍّ وفتنة في الدين.

ومن المُنحرفين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنس بن مالك، مُنكر شهادته يوم الغدير.

وأبو هريرة المشهور بالأكاذيب في الدين.

وأمّا بلال الحبشي فإنّا لا نلعنه، ولا نطعن فيه، ولا نتعرّض عليه بمدح ولاذم، ونردّ أمره إلى الله تعالى وإلى أهل البيت (عليهم السلام).

وأمّا الأتباع لهم فلا يحصون، وفي كلّ عصر من الأعصر المتخلّفة عن عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) منهم جمع كثير إلى يومنا هذا، فعليهم من الله تعالى لعنات لا تُحصى، ومن الملائكة والناس أجمعين.

وهذا القدر إن شاء الله كاف في ضبط أحوال المُخالفين على سبيل الاجمال، ومعرفة باستحقاقهم الطعن واللعن على ألسنة أهل الإيمان، والحمد لله ربّ العالمين، وصلواته على محمّد وآله أجمعين.

من تأليف الشيخ العالم الفاضل العادل علي بن عبد العالي، برّد الله تعالى مضجعه. نُقل من خطّه بخمس وسائط، والسّلام على من اتّبع

الصفحة 22
الهدى، ونهى النفس عن الغواية والردى.

كتب في مجلس واحد في يوم السبت الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة مطابق سنة 1284 حامداً مستغفراً مصلياً.