المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


أجوبة المسائل الفقهيّة





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ومولانا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

وبعد،

هذه مجموعة من أجوبة المسائل الفقهيّة، التي وردت على المحقّق الكركي، جمعها علي بن أبي الفتح المزرعي العاملي، وكتبها بخطّه سنة تسعمائة وعشرة هجرية، وطبعها السيّد محسن الأمين في كتابه (معادن الجواهر ونزهة الخواطر)(1)، وعلّق عليها بتعليقة صغيرة مبيّناً أنّها للمحقّق الكركي، لا للمحقّق الميسي، المُتّحد معه في الاسم واللقب واسم الأب، وتقارب تأريخ الوفاة.

وأشار إليها أيضاً في كتابه(أعيان الشيعة)(2).

وعدّها من ضمن مؤلفاته الدكتور السيّد حسين المدرسي الطباطبائي في كتابه (مقدمه اى بر فقه شيعه)(3).

تحتوي هذه المجموعة على إحدى عشرة مسألة فقهيّة مختلفة، والمسألة الحادية عشرة تتعلّق بتقليد الميّت، علماً بأنّ للكركي رسالة مستقلّة في تقليد الميّت ابتداءً أو البقاء عليه بعد موته، لم نعثر عليها إلى الأن.

____________

1- معادن الجواهر ونزهة الخواطر1: 386.

2- أعيان الشيعة 8: 210.

3- مقدمه اى بر فقه شيعه: 169.


الصفحة 9
وبما أنّا لم نعثر على نسخة خطيّة لهذه المجموعة، لذلك اعتمدنا على ما طبع منها في كتاب (معادن الجواهر ونزهة الخواطر).


والحمد لله ربّ العالمين


الصفحة 10


الصفحة الأولى من أجوبة المسائل الفقهيّة الواردة في كتاب (معادن الجواهر)

الصفحة 11

الصفحة الأخيرة من أجوبة المسائل الفقهيّة الواردة في كتاب (معادن الجواهر)

الصفحة 12
بسم الله الرحمن الرحيم

في مسائل سُئل عنها المحقّق الكركي (قدس سره)

وجدنا بخطّ الشيخ علي بن أبي الفتح المزرعي العاملي بتأريخ سنة تسعمائة وعشر ما صورته:

من فوائد الشيخ الأجلّ شيخ الإسلام والمسلمين، العلاّمة المحقّق المدقّق، آخرالمجتهدين، الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي قدس الله روحه، وكان مما كتب دامت سيادته.

أقول (1): المراد به المحقّق الكركي وإن لم يصرّح به، لا المحقّق الميسي، المتُحد معه في الاسم واللقب واسم الأب والعصر، وتقارب تأريخ الوفاة، فالكركي توفي سنة تسعمائة وأربعين أو سبع وثلاثين، والميسي توفي سنة تسعمائة وثمان وثلاثين أو ثلاث وثلاثين، وذلك للتصريح في المسألة الثالثة وجوابها بأنّ المسؤول يرى استحباب التسليم، والذي يرى ذلك المحقّق الكركي، ولم ينقل مثله عن الميسي، ويدل آخر الكلام المتقدّم على أنّ السائل عنها بعض مَن لهم السيادة.

مسألة 1:

قوله في (التحرير) في التيمّم: لا فرق بين جوانب المنزل وصوب المقصد(2).

____________

1- والقول هذا للسيّد محسن الأمين.

2- تحرير الأحكام 1: 21.


الصفحة 13
هل هذا ردّ على أحد، أو احتمال؟ فإنّ المفيد رحمه الله قال: إنّه لا يجب الطلب، واستشكله(1)، وكذا ابن فهد رحمه الله، إلاّ أنّ العبارة لا تنطبق للردّ على هذا القول.

فالمسؤول من فضل سيّدي إيضاح ذلك بنظره الثاقب وفكره الصائب.

الجواب:

إنّ ذلك ردّ على الشافعي(2)، لا على أحد من أصحابنا ; لعدم المطابقة، وهذا البحث كالمتمّم لفائدة البحث الذي قبله.

وتحقيقه: أنّه لو غلب على ظنّه وجود الماء في الزائد على الغَلوتين أو الغَلوة(3) وجب عليه طلبه مع المكنة، ولا فرق في ذلك بين كون الماء المطلوب عن يمين المنزل أو يساره، أو غير ذلك من جوانبه، أو صوب مقصده. والشافعي يفرّق، فيوجب السعي إذا كان الماء عن يمين المنزل ويساره دون صوب المقصد، معلّلاً فيه بنسبة جوانب المنزل إليه دون صوب الطريق، وضعفه ظاهر.

مسألة 2:

ذكر الشهيد في (ذكراه): أنّ الحديد المُشرب بالنجس في طهارته بتشربته في الكثير الطاهر احتمال(4).

____________

1- المقنعة: 61.

2- المجموع 2: 250.

3- الغَلْوَةُ: الغاية مقدار رمية. الصحاح 6: 2448 " غلا ".

4- الذكرى: 15.


الصفحة 14
فظاهر العبارة أنّه لا يطهر بدون التشربة، وسمعنا من بعض مَن عاصرناه أنّه يطهر بالكثير بدون التشربة، إلاّ أنه كلّما حكّه بالمِسَنّ(1) يجب تطهيره.

فسيّدي مِن فضله يكشف لعبده اللبس عن ذلك بما يقوّيه.

الجواب:

إنّما أراد شيخنا بتشربته بالكثير الطاهر طهارته بجملته، أعني ظاهره وباطنه، فإنّ طهارة ظاهره بالكثير والقليل على الوجه المُعتبر ممّا لا يشكّ فيه قطعاً، ولم يرجّح هو رحمه الله، فإنّ عبارته إنّما تتناول طهارته بجملته، يظهر ذلك بالتأمّل الصحيح لعبارته.

ووجه طهارته بذلك عموم النصّ الشامل له، وامكان انفصال الغسالة عنه كلّما بدا منه أجزاء لم يصبها الماء المطهّر بحك أو غيره احتيج إلى تطهيره لذلك، مع احتمال أن لا ينجس بالتشربة بالنجس في ظاهره وإن كان فيه بُعد، والله أعلم.

مسألة 3:

هل المولى مستمر على القول بندبيّة التسليم؟ فعلى القول به لو نوى الإنسان الوجوب للاحتياط تفصيّاً من الخلاف، هل تبطل صلاته؟ وهل وجود الخلاف شبهة في إسقاط ذلك الاعتقاد؟

الجواب:

إنّ القول بندبيّة التسليم قويّ متين، وإنّ القول بالوجوب لا يخلو عن حجّة قويّة، وفي مثل نيّة الوجوب على قصد الاحتياط جائزة قطعاً ; لعموم

____________

1- المِسَنُّ: حجر يُحدَّد به. الصحاح 5: 2140 " سنن ".


الصفحة 15
الأمر بالاحتياط، ولا تبطل به الصلاة قطعاً، فإنّه إذا كان ندباً لم تبطل بالحدث المتخلّل بينها وبينه، فكيف الظنّ بهذا الاعتقاد(1)، والله أعلم.

مسألة 4:

لو دفع شخص إلى آخر شيئاً عطيّةً، لصداقة بينهما، من غير تصريح بوجه من الوجوه. أو دفع الزوج إلى زوجته قبل الدخول شيئاً على سبيل الهدية في الظاهر، من غير تصريح. أو الأب لولده، ثم بعد تلف العين طلب الرجوع في ذلك، فهل يُقبل منه الرجوع؟ وكذا لو كانت العين باقية، أفتونا مأجورين رحمكم الله.

الجواب:

ليس له الرجوع بعد التلف ; لأنّه تلف غير مضمون العاقبة، ولعموم الإذن أيضاً بالتصرّف المستفاد من الفعل، أعني الدفع على سبيل الإهداء، ولإجماع الناس في جميع الأعصار والأمصار على قبول الهدية من غير وجود عقد. (سقط هنا من النسخة جواب ذيل السؤال).

مسألة 5:

لو أخلّ عامل المساقاة ببعض ما شرط عليه، فماذا يثبت له وعليه؟ أوضحوا لعبدكم هذه المسألة.

الجواب:

المحفوظ أنّ المالك يتخيّر بين فسخ العقد ; لفوات الشرط، وبين إلزام العامل باُجرة نفس العمل المشروط ; لوجوبه، وقد فات، فيرجع إلى عوضه. فإنْ فسخَ المالك احتمل ثبوت اُجرة المثل للعامل فيما عمل ; لأنّه

____________

1- انظر تفصيل ذلك في جامع المقاصد 2: 323ـ 326.


الصفحة 16
عملٌ محترم صدر بالإذن، لأنّ ما اُذن في جملته فقد اُذن في أبعاضه قطعاً، وعدم الوفاء بالشرط أثر ثبوت الخيار.

ويحتمل أن لا اُجرة بالكليّة ; لأنّ الإذن في العمل مقيّد بالشرط، فيرتفع بارتفاعه ; لارتفاع الجنس بارتفاع الفصل. ومِن ثمّ لا يجوز التصرف في العين المأخوة بالبيع الفاسد إذا علم الفساد، وحينئذ فيكون متبرّعاً بالعمل فلا يستحقّ، ولأنّ المبذول هو الحصة وقد فاتت بالفسخ، والتفويت من قبل العامل، ولا يستحقّ شيئاً غيرها، ونحن في ذلك من المتوقّفين الى أوان التأملّ الصادق له وإن كان الثاني لا يخلو من وضوح.

مسألة 6:

المشهور عندنا تقديم قول الزوج في دعوى مهر المثل وعدم تقريره بمهر السُنّة، فهل هذا مذهب مولانا؟ فإن قلنا به فهل حكم وارث الزوجين حكمهما في ذلك؟

الجواب:

أمّا تقديم قول الزوج في دعوى مهر المثل فانّما هو بعد الدخول إذا أنكر الزوج أصل المهر، وللكلام فيه مجال.

وأمّا عدم تقديره بمهر السُنة فأقول به، وحكم وارث الزوجين حكمهما ; لانتقال الحقّ إلى كلّ منهما، والله أعلم.

مسألة 7:

لا تجوز الصلاة نفلاً لمن عليه فريضة، واستثني من ذلك ما لا يضرّ بالفرض. ما المراد بالاضرار؟ وهل يذهب سيّدي إلى ذلك؟


الصفحة 17

الجواب:

القول بالتوسعة المحضة هو الوجه، والمراد بالاضرار بالقضاء: هو الاشتغال به على وجه يستوفي توجّه النفس، بحيث لا يبقى معه توجّه إلى تمام فعل القضاء. وليس هذا بخارج عن القول بالتوسعة المحضة، فإنّ شيخنا ذكره في (البيان)(1) وأحال تحقيقه على(الذكرى)، وفيها اختار التوسعة(2).

مسألة 8:

اللحن في العقود مُبطل لها أم لا؟ وهل فرق في ذلك بين مُغيّر المعنى وغيره؟ وهل فرق بين النكاح وغيره؟

الجواب:

نعم هو مُبطل لها إذا كانت لازمة، سواء غيّر المعنى أم لا ; لتوقّف ترتّب أثر العقود على اللفظ المخصوص، وأصالة بقائه على ما كان قبلها حتى يحصل المُزيل الشرعي، وهو الإيجاب والقبول على قانون العرب، ومن ثمّ لم تكن المعاطاة عقداً، وكان الأصح عدم جواز تقديم القبول على الإيجاب، وهذا بخلاف غير اللازم ; للاكتفاء فيها بمجرّد الأفعال الدالة على المقصود فالأقوال أولى. ولا يفرّق بين النكاح وغيره، سوى في جواز تقديم القبول تخفيفاً ; لحياة المرأة غالباً.

مسألة 9:

لو أقرّ إنسان لغيره بشيء عند شهود، أو عند المقرّ له مع علم المقرّ

____________

1- البيان: 258.

2- الذكرى: 133.


الصفحة 18
له بسبق الملك، ولم يعلم وجه انتقاله، فهل له بهذا الاقرار التصرّف في المقرّ به؟ أفتنا مأجوراً.

الجواب:

نعم ; لعموم قولهم (عليهم السلام): " اقرار العقلاء على أنفسهم جائز "(1)، ولأصالة الصحة في إخبار المسلم إلاّ ما أخرجه دليل. وحينئد فيجوز له التصرّف بما أقرّ له به ; لاستلزامه سبباً موجباً للملك، إذ لاتتم صحة الاقرارإلاّ به، والعلم بعينه غير شرط، إنّما الشرط ثبوته في الجملة في نظر الشرع، والله أعلم.

مسألة 10:

ما يقول سيّدي في مَن له محل عند الناس وعلى ظاهر العدالة، غير أنّه يستخف بالطلبة من غير ذنب، فينسبهم إلى الأخلاق السيّئة، ويعرض عنهم غاية الإعراض، فهل هذا قادح في عدالته؟

وإذا استغفر مُطلقاً من غير ذنب ذكره هل يحكم بعود عدالته؟

وإذا ذكر أنّه تائب من ذلك، ثم لم يُرَ منه أثر التوبة، فهل يكفي قوله أم لا؟ أفتنا مأجوراً.

الجواب:

ذلك أسوأ حالاً من الغِيبة وإن لم يكن ذلك باستخفاف، ويقدح في

____________

1- لم أعثر عليه في المصادر الحديثيّة، ذكره الحرّ العاملي في وسائل الشيعة عن جماعة من علمائنا في كتبهم الاستدلالية. انظر: وسائل الشيعة 23: 184 باب 3 كتاب الاقرار حديث2، التنقيح الرائع 3: 485، عوالي اللآلي 1: 223 حديث 104 و 2: 257 حديث 5 و 3: 442 حديث 5.


الصفحة 19
عدالته إن أصرّ عليه قطعاً، ومع عدم ظهور أمارة الإقلاع احتمال. وإن ظهر أنّ استخفافه بهم وإعراضه عنهم لخصوصيّة كونهم طلبة لا لأمر آخر، خشي عليه من أمر آخر وراء ذلك، وإنّما يحكم بعود عدالته إذا ظهرمنه أمارة الإقلاع والندم على ذلك على وجه يُفيد ظنّ ذلك، والله أعلم.

مسألة 11:

قولهم: فإنّ الميّت لا قول له وإن كان مُجتهداً، فإذا أفتى المجتهد الحيّ بضده تعيّن وتُرك الأوّل، فإذا مات الآخر ولم يوجد بعده مجتهد أصلاً، أو تعذّر أو تعسرّ الوصول إليه فهل الحكم على حاله؟ أو يتخيّر المُستفتي في العمل بقول كلّ منهما؟

وإذا كان الواسطة مُقلّداً ومات فهل يجوز العمل بما أخذ عنه؟ أو وجد بخطّه نقلاً عن شيخه، سواء وجد مقلّد مساو له أو أعلم، نقل ما نافى ذلك أو لا، عن مجتهد أو مقلّد، وهل يتعيّن الترافع إلى الأعلم من النَقَلَة والأخذ عنه أو لا؟ لأنّ ذلك لم يذكره العلماء إلاّ في حقّ المجتهدين، أفتنا مسهّلاً بلّغك الله جميع مأمولك، إنّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

الجواب:

بعد موت المجتهد الثاني يتساوى قوله وقول الأوّل من هذه الجهة، ويطلب الترجيح بالنسبة إلى جهة اُخرى كالعلم، ومع التساوي يتخيّر. هذا إن قلنا بالتعويل على أقاويل الموتى، كما يراه بعض العلماء، وليس بشيء ; لأنّ هذا المذهب إنّما يعرف لبعض العامّة وهو المشهور بينهم.

وأمّا(1) أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم فإنّهم بين قائل بجوازه لمن

____________

1- عبارة الجواب من هنا إلى الأخير فيها خلل ظاهر سببه سقوط شيء من قلم الناسخ، وحقّها أن تكون هكذا أو نحوه:

وأمّا أصحابنا الإمامية فاتفقوا على عدم جواز تقليد الميّت، فإنهم بين قائل بوجوب الاجتهاد عيناً وعدم جواز التقليد، وبين قائل بجوازه لمن له قول، وهو الفقيه العدل الحي، أمّا المقلّد فلا يجوز الرجوع إلى قوله، وتعسّر الاجتهاد لو صح لم يكن سبباً للجواز ـ الخ (السيّد محسن الأمين).


الصفحة 20
له قول، وهو الفقيه العدل الحي، والحجّة على ذلك مشهورة، وتعسّر الاجتهاد لو صح لم يكن سبباً للجواز، إذ لو تعذّر العلم بشيء من الأحكام الشرعيّة لم ينتقل حكم التكليف، كيف وذلك من تقصير المكلّف، وفي بعض الأخبار إشارة إلى ذلك، وربما وجد لبعض شرّاح (مبادىء الاُصول)(1) القول بالأوّل(2)، ويحكى عن الفاضل المحقّق فخر الدين(3)، والشيخ أحمد بن فهد رحمهماالله.

والعجب التعسر(كذا) في ذلك على التمسّك بكلامهما أو كلام غيرهما مع أنّ التقليد لا محل له في هذا المسألة، إذ ليست من مسائل الفقه، وإنّما محل التقليد مسائله.

وأعجب من ذلك تقليدهما والإعراض عن كلام رؤساء الأصحاب، فإن كان ميلاً إلى الرخص فأعجب، على أنّهما لا يُعدّان من علماء الاُصوليين، والله أعلم. وكَتَبَ علي بن عبد العالي.

____________

1- لعلّ المراد به كتاب مبادىء الوصول إلى علم الاُصول للعلاّمة الحلىّ (السيّد الأمين).

2- لم يظهر المراد، وكأنّ المراد به تقليد الميّت أو الرجوع إلى قول المقلّد (السيّد الأمين).

3- هو ولد العلاّمة الحلىّ (السيّد الأمين).