المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


شرح الألفـيّة





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على خير خلقه أجمعين أبي القاسم محمّد، وعلى عترته الطيبّين الطاهرين الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

وبعد،

هذا شرح المحقّق الكركيّ للرسالة الألفيّة للشهيد الأوّل محمد بن مكّي الجزيني، المستشهد سنة 786 هـ. علماً بأنّ للمحقّق الكركي حاشية على الألفيّة أيضاً، تأتي بعد هذا الشرح مباشرة.

وقد وقع بعض أصحاب التراجم والسير وبعض مفهرسي النسخ الخطيّة في عدّة أخطاء فيما كتبه الكركي على الألفيّة، فبعضهم نسب له شرحاً واحداً لها، والبعض الآخر نسب له حاشية واحدة عليها، وآخر نسب له شرحاً وحاشية، وبالغ آخر فنسب له عدّة شروح وحواش. ولمزيد الاطّلاع على هذا الأمر انظر ما كتبناه عنهما عند تحدّثنا عن مؤلّفات المحقّق الكركيّ.

وقد اعتمدتُ في تحقيق هذا الشرح على نسخة خطيّة واُخرى مطبوعة:

(1) النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة ضمن المجموعة المرقّمة 4079، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 11: 59. كتبها بخطّ النسخ في اليوم الثالث من شهر جمادى الآخرة سنة 971 هـ محمّد بن نظام الدين محمود الأنصاري. وتقع

الصفحة 9
هذه النسخة في 58 ورقة بحجم 5/17 × 12 سم، وكلّ ورقة تحتوي على 19 سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش ".

(2) النسخة المطبوعة على الحجر في حاشية المقاصد العليّة للشهيد الثاني، التي طبعت سنة 1314 هـ باهتمام الحاج الشيخ أحمد الشيرازي، في مطبعة الميرزا حبيب الله الطهراني.

علماً بأنّي قد اعتمدتُ في ضبط المتن (الألفيّة) على ثلاث نسخ خطيّة محفوظة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدسة، هي:

(3) ضمن المجموعة المرّقمة 680، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 2: 273.كتبها بخطّ النسخ سنة 939 هـ علي جان بن سلطان بايزيد كوكدي. وتقع هذه النسخة في عشرين ورقة بحجم 5/16 × 9سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش 1 ".

(4) ضمن المجموعة المرقمة 67، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 1: 80، ناقصة من أوّلها صحفة واحدة، مجهولة التأريخ، كتبها بخطّ النسخ محمّد بن علي الصفي، وفي الصفحة الأخيرة منها إجازة من جلال الدين بن علي بن حسن الحسيني الحائري للشيخ شمس الدين أحمد بن شمس الدين. وتقع هذه النسخة في اثنتي عشرة ورقة بحجم 18 × 13 سم، وكلّ ورقة تحتوي على ثلاثة عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش2 ".

(5) ضمن المجموعة المرقّمة 2074، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 6: 87، كتبها بخطّ النسخ سنة 953 هـ محمّد بن شهاب. وتقع هذه النسخة في خمس عشرة ورقة بحجم 21 × 12سم،

الصفحة 10
وكلّ ورقة تحتوي على اثنتي عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش3 ".

وبما أنّ منهجنا في هذه الحواشي عدم وضع المتن في أعلى الصفحات، والإشارة في الهامش إلى مكان كلّ قول بذكر رقم الصفحة والسطر، لذلك فقد اعتمدتُ في استخراج المتن على الطبعة المحقّقة في مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة في مدنية قم المقدّسة.


والحمد لله ربّ العالمين


الصفحة 11


الصفحة الاُولى من شرح الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش"

الصفحة 12

الصفحة الأخيرة من شرح الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش"

الصفحة 13

الصفحة الاُولى من شرح الألفيّة المطبوعة على الحجر "م"

الصفحة 14

الصفحة الأخيرة من شرح الألفيّة المطبوعة على الحجر "م"

الصفحة 15

الصفحة الاُولى من الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش1"

الصفحة 16

الصفحة الأخيرة من الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش1"

الصفحة 17

الصفحة الاُولى من الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش2"

الصفحة 18

الصفحة الأخيرة من الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش2"

الصفحة 19

الصفحة الاُولى من الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش3"

الصفحة 20

الصفحة الأخيرة من الألفيّة المحفوظة في المكتبة المرعشية "ش3"

الصفحة 21

الصفحة 22
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ ربّ العالمين، والصلاةُ والسَّلامُ على أفضلِ المرسلين محمَّد وعترتهِ الطاهرين.

قال سيّدنا العلاّمة المحقّق،والحبر المُدقّق، أفضلُ المتأخّرين، خاتمةُ المجتهدين، نورُ الشريعةِ، ومُقتدى الشيعةِ، المخصوصُ بفضل الله المتعال، أبو الحسن(1) الشيخ علي بن عبد العال ـ ما برحَ ظلّهُ على العلماء الأعلام(2) ممدوداً، وطريقُ حسّادهِ وأعاديه مسدوداً ـ شارحاً للرسالةِ الألفيةِ في فرضِ الصلاة(3)، للعلاّمة المغفور الشهيد رحمهُ الله، شَرحاً يحتوي على الأبحاثِ الشريفةِ، وينطوي على النُكاتِ اللطيفةِ. آتياً فيها بتحقيقات خَلَتْ عنها الزُبرُ المتداولة، وتدقيقات لَمْ تَحوها الكُتبُ المتطاولة المتناولة، بل مُبتكرات لم تسبقْ إليها أذهانُ المُتقدّمين، ولم تخطر على أفكارِ المتأخّرين.

____________

1- أبو الحسن: لم ترد في " م ".

2- الأعلام لم ترد في "م".

3- في " م ": الصلاة اليومية.


الصفحة 23

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله: (الحمدُ للهِ)(1).

الحمدُ: هو الثناء على الجميل مِنْ نعمة وغيرها(2).

وقيلَ: بل على الجميلِ الاختياري ; ليخرج عنه المدحُ كالثناءِ على حسن الصورة.

واللام فيه قيلَ: لتعريف الجنسِ، وقيلَ: للاستغراقِ(3).

ومآل(4) القولين واحدٌ ; لأنّ الاختصاص بالماهية يقتضي الاختصاص بالأفراد كلّها، فالاستغراق ثابت على كلا التقديرين. والنزاع لفظي ; لوجود لام الاختصاص المقتضي له على كلٍّ من التقديرين.

قوله: (في فرضِ الصلاةِ)(5).

أي في واجبها، وأرادَ به الجنس، ولمّا كانت الصلاة المندوبة خالية

____________

1- الألفيّة ص 399 س 2. علماً بأنّنا سوف لا نُكرر اسم الرسالة في استخراج المتن، بل نقتصر على ذكر رقم الصفحة والسطر.

2- انظر القاموس المحيط 1: 299، كتاب العين 3: 188، لسان العرب 3: 155 " حَمَد ".

3- في هامش (ش): الفرق بين لام الجنس والاستغراق: أمّا من حيث اللفظ والمدلول مُتحّدان، وأمّا من حيث الدلالة الفرق أنّ لام الجنس تدلّ على جنس الشيء بالمطابقة وتدلّ على جميع أفراده بالواسطة، بخلاف لام الاستغراق تدلّ على جميع أفراد الشيء بالمطابقة. " منّه (رحمه الله) ".

4- ومآل القولين.....كلا التقديرين: لم ترد في " م ".

5- ص 402 س2.


الصفحة 24
من الواجبات لم يقع لفظ الصلاة في العبارة إلاّ على الواجبة، فتكون العبارة وافية بترجمة الرسالة، إذ هي موضوعةٌ لبيان واجبات الصلاة الواجبة.

والإجابة(1): مصدرُ أجابَ يُجيب، وانتصابه بأنّه مفعول لأجله، وعامله محذوف يدلّ عليه ما قبله، أي صنّفتها إجابةً.

وفي التعبير عن طلب المجاب بالإلتماس(2) الذي هو الطلب المساوي، وابهامه حيث لم يُصرّح باسمه، والتعبير عن إجابته بالطاعة، وأنّها حتم، أي واجبة، من التعظيم والتفخيم ما لا يخفي.

والإسعاف(3): مصدر أسعفتُ الرجل بحاجته: إذا(4) قضيتها له.

والغنم(5): بالضم مصدر غَنَمَ، والاسم الغنيمةُ.

وفي الإخبار عن طاعته وإسعافه بالمصدر ـ أعني الحتم والغنم ـ تأكيدٌ ومبالغةٌ، كما في قولك: رجلٌ عدلٌ، تريد عادل. كما يُريد هنا محتومة وغنيمة. وإنّما لم يؤنّث الخبر في قوله: (طاعته حتم) ; ليطابق المبتدأ ; لأنّ المصدر يستوي فيه المذكّر والمؤنّث.

ويوجد في بعض الحواشي: أنّ طاعتَهُ إنّما كانت حَتماً ; لأنّه سأل واجباً، وهو فاسد من جهة اللفظ والمعنى:

أمّا اللفظ ; فلأنّه مُفوّت لجزالةِ الكلام، والغرض من المبالغات المقصودة بما قبله وبعده.

وأمّا من جهة المعنى ; فلأنّه إنّما يستقيم إرادة ذلك من اللفظ أن لو

____________

1- إشارة إلى قول الشهيد: إجابة.

2- إشارة إلى قول الشهيد: لالتماس.

3- إشارة إلى قول الشهيد: وإسعافه.

4- في " م ": أي.

5- إشارة إلى قول الشهيد: غنم.


الصفحة 25
قال: مَنْ طاعته في ذلك حتمٌ. والصورة التي أتى بها مُطلقة، فكيف يقتصر بها على المسؤول؟! على أنّه لو سُلّم ذلك لم يتمّ الوجوب، إذ الواجب هو التعليم لا التصّنيف.

قوله: (على مقدِّمة)(1).

المقدِّمة يقال: بكسرِ الدال وفتحها(2) والكسرُ أفصح، وبناؤها على مَن قدّم بمعنى تقدّم أجود. والمراد بها هنا: طائفة من الكلام تكون أمام المقصود ; لارتباط بينهما.

والفصلُ لغةً: الحاجزُ بين الشيئين(3). والمراد به هنا: الجامعُ لمسائل مُتّحدة جنساً مختلفة نوعاً.

والخاتمة والتذنيب والتتمّة من واد واحد، وهي ما به يُستدرك فائتُ المباحثِ السالفة.

ووجه الحصر أنّ المبحوثَ عنه في الرسالة إمّا أن يكون مقصوداً بالذات، أو لا.

والأوّل إمّا أن يكون البحث فيه عن الشرط، أو عن المشروط، أو عن المانع.

فالأوّل هو الفصل الأوّل، وكذا الثاني والثالث.

والثاني إمّا أن يتعلّق بالمقصود تعلّق السابق، أو اللاحق. الأوّل المقدِّمة، والثاني الخاتمة. والبحث فيها إمّا أن يختص باليومية، أو لا.

____________

1- ص 404 س2.

2- ترتيب كتاب العين 3: 1449، الصحاح 5: 2008 " قدم ".

3- القاموس المحيط 4: 30 " فصل "، تاج العروس 15: 573 " فصل "، مفردات الراغب: 395.


الصفحة 26
الأوّل البحث الأوّل، والثاني الثاني.

وقد قصر(1) بعض الشارحين المقصود بالذات في الرسالة على فصل المقارنات، وجعل ما سواه خارجاً عن القصد الذاتي(2).

وهو غلط بيّن، فإن المصنّف قد عرّفه، لو تأمل أنّ غرض الرسالة تبيان واجبات الصلاة الواجبة، وهي تنقسم إلى ما تلتئم منه الحقيقة، وإلى ما يكون شرطاً لتحقّقها. والشرط ينقسم إلى الوجودي وهو المعبّر عنه بالمقدِّمات، وإلى العدمي وهو المعبّر عنه بالمنافيات.

قوله: (فالصلاةُ الواجبة)(3).

إنّما اقتصر على تعريفها ; لأنّها موضوع الرسالة، وتندرج في التعريف الأقسام السبعة.

وتحقيقه: أنّ الأفعالَ جنسٌ تشمل أفعال القلب واللسان والجوارح، فتدخل في التعريف صلاة شدّة الخوف، وشدّة المرض، والغرق ; للاقتصار في الاُولى على القول وخلوّ الأخيرتين منه، وبقيّة القيود بمنزلةِ الفصل.

فبالمعهودة تخرج المباحات التي لم تُنقل من الشرع على وجه معيّن، كالقيام والقعود.

وبالمشروطة بالقبلة يخرج الطواف ونحوه ; لأنّ الطائفَ يجعل البيتَ على يساره.

وبالمشروطة بالقيام يخرج الذبح، وأحكام الموتى غير الصلاة وهي

____________

1- في هامش " ش ": خصّ (خ ل).

2- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 5 ـ 6.

3- ص 409 س2.


الصفحة 27
الاحتضار والتغسيل والدفن، إذ الصحيح وجوب الاستقبال في الأوّلين أيضاً.

و(اختياراً) مصدر وُضع موضعَ الحال، وصاحبه الضمير المُستكن في الصفة، وهي العامل، أي مشروطة تلك الأفعال بالقبلة في حال اختيار المكلّف وقُدرته عليها، وكذا بالقيام في حال اختياره، وبه تندرج صلاة المضطر في القبلة والمضطر في القيام فإنّها ليست مشروطة بهما، ولولا هذا القيد لخرجت فائدة المحافظة على عكس التعريف.

وقيد التقرّب بيان للغاية في الواقع، وليس احترازاً من شيء كما أشار إليه المصنّف (رحمه الله)، وهو مُستقبح، إذ لا يُذكر في التعريف إلاّ ما كان قيداً للإدراج أو للإخراج. و جَعَلَهُ بعضُ الشارحين احترازاً من صلاة الرياء(1)، وهو خطأ ; لخروجها بقيد الاشتراط بالقبلة وبالقيام.

والأولى جعلهُ احترازاً من مذهب المرتضى في صلاة الرياء، فإنّه يرى صحّتها، بمعنى حصول الامتثال بها، لا بمعنى ترتّب الثواب على فعلها(2). ولولا هذا القيد لم يُعلم من هذه الرسالة مخالفةُ المصنّف له.

وفي التعريف اشارةٌ إلى العِلل الأربع للصلاة: فالأفعال إلى المادة، والمعهودة والمشروطة إلى الصورة، والتقرّب إلى الغاية، والفاعل مدلول عليه بالأفعال التزاماً.

وهذا التعريف وإن كان من أجود التعريفات إلاّ أنّ عليه إيرادات ليس هذا محلّ بيانها.

____________

1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 7 ـ 8.

2- الانتصار: 17.


الصفحة 28
منها(1): أنّه لا حاجة إلى قيد المعهودة ; لتمام التعريف بدونه، بل فيه فساد ; للإجمال الحاصل بسببه، إذ المعهود هو المعلوم في الجملة، ولا يُراد هذا المعنى ; إذ لا مُحصّل له، فإنّ العلم لا دخل لهُ في كون الفعل صلاة في نفس الأمر. وحمله على المنقول من الشارع على وجه معيّن، لا يدلّ عليه دليل. ويرد على عكس التعريف صلاة النافلة المنذورة حالة الجلوس على القول بالانعقاد، وعلى طرده الذِكر المندوب على حال الاستقبال والقيام.

قوله: (واليوميّة)(2).

إنّما خصّها بالذِكر لوقوعِ الخلاف في غيرها.

قوله: (ومُستحلُ تركها)(3).

أي اليوميّة ; لأنّها المُحدّث عنها آخراً، ولعدم صحّة ذلك في كلّ ما عداها.

قوله: (وفيها ثوابٌ جزيلٌ)(4).

الضمير يرجع إلى اليوميّة ; لما قلناه في الذي قبله، والفائدةُ فيه الترغيب في فِعلها بعد الترهيب مِنْ تركها كما هو شأن المقدِّمة.

وعلى ظاهرِ هذه العبارة لا يرد على الاحتجاج بالحديث الأوّل النقضُ باشتمال الحجّة على الصلاة وعلى الطواف، وهو صلاة في كلّ شيء إلاّ في تحريم الكلام كما ورد به النصّ. فتفضيلُ الفريضة الواحدة مِنْ الصلاة على

____________

1- من هنا إلى آخر هذه الفقرة ورد في هامش " ش "، وفي متن " م " وكُتبَ عليه عبارة: لم ترد في بعض النسخ.

2- ص 410 س 1.

3- ص 411 س1.

4- ص 411 س2.


الصفحة 29
الحجّة الواحدة يستلزم تفضيل الشيء على نفسه، فكيف على عشرين ; لاختصاص ذلك باليوميّة.

ولا استبعاد في تفضيلها على سائر الأعمال سوى المعارف بعد نصّ الشارع ; لأنّ تفاوت الأعمال في الفضل إنّما يُعرفُ مِنْ قِبَلِهِ.

وينبّه على الاختصاص المذكور ما في الأذان والإقامة من (حيّ على خير العمل) أي هلمّوا إليه، فإنّهما مُختصان باليوميّة إجماعاً.

وفي الحديث الثاني زيادةُ تنبيه على المُراد، والرواي له محمَّد بن يعقوب في الصحاح باسناده إلى معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن أفضلِ ما يتقرّب به العِباد إلى ربّهم، أحبّ ذلك إلى الله عزّ وجلّ ما هو؟ فقال: " ما أعلم شيئاً بعد المعرفةِ أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمتُ حيّاً} "(1).

وموضعُ التنبيهِ هو قوله: " هذه "، فإنّه أشار إلى المتعارف المتكرّر، وفيه ضربٌ من التفخيم بشأنها، ولولا إرادة ذلك لم يكن للاتيان به معنى.

وما يوجدُ في بعض الأخبار ممّا يخالف بظاهره ذلك(2) ـ مع قصوره

____________

1- مريم: 31. الحديث رواه الكليني في الكافي 3: 264 حديث1، والصدوق في الفقيه 1: 135 حديث 634، والشيخ الطوسي في التهذيب 2: 236 حديث 932.

2- كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " أفضل الأعمال أحمزها ". انظر القواعد والفوائد 1: 108، معارج الاُصول: 215، الفائق للزمخشري 1: 319، النهاية في غريب الحديث والأثر 1: 44، الفروق للقرافي 2: 3.

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سُئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: " إيمان بالله "، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: " جهاد في سبيل الله "، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: " حجّ مبرور ". انظر صحيح مسلم 1: 88 حديث 135، مسند أحمد بن حنبل 2: 264، سنن الدارمي 2: 201.

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سُئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: " برّ الوالدين "، وسُئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: " الصلاة لأوّل وقتها ". انظر مسند أحمد بن حنبل 1: 448، سنن الدارقطني 1: 246 حديث 4.

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد سُئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: " حجّ مبرور ". انظر مسند أحمد بن حنبل 2: 264، فتح الباري 1: 77.


الصفحة 30
عن المعارضة ; لكثرة الأحاديث الصحيحة الدالة على المراد ـ يجب تنزيله على ما يوافق ما قلناه ; دفعاً للتنافي عن الأخبار.

واعلمْ أنّ المراد بقوله: " خيَرُ مِنْ بيت مملوء ذَهباً " أن يكون مُجتمعاً مِنْ الصدقات الواجبة على الظاهر ; لأنّ المندوب لا كثير مزيّة في تفضيل بعض الواجبات عليه، فلا يحسن ذكرهُ في مقام الترغيب المتضمّن لتفصيل ذلك الواجب على واجبات اُخرى. وكأنّ السرّ في هذا الترتيب أنّ الصلاة فعل بدني محض، والحج فيه شائبة المال(1)، والفعل منتف في الزكاة ولهذا يقبل النيابةَ اختياراً(2)، فمن ثمّ ترتّب هكذا.

قوله: (واعلم أنّها)(3).

الضمير إن عاد إلى اليوميّة كان قصوراً في العبارة، فإنّ غيرها أيضاً كذلك. ولا يعترض بالجنازة ; لأنّها واجبة على كلّ بالغ عاقل كفايةً، كما أنّ غيرها واجبٌ عيناً، ومنها صلاة المُلتزم فإنّها واجبةٌ على كلّ مُكلّف ملتزم عيناً وإن عاد إلى الصلاة الواجبة مُطلقاً المعُرّفة أوّل الكلام، لزم اختلاف مرجع الضمائر بغير قرينة مميّزة، وهو مُستهجن.

قوله: (على كلّ بالغ عاقل)(4).

____________

1- في " م ": الماليّة.

2- في " م " حال الحياة اختياراً.

3- ص 413 س1.

4- ص 414 س1.


الصفحة 31
ولو في بعض الوقت بمقدار الطهارة والصلاة، أو ركعة من آخره.

قوله: (إلاّ الحائض والنفساء)(1).

أي فلا يجب عليهما إذا استوعب العدد الوقت، أو قصرَ عنه بما لا يسع قدر الطهارة والصلاة من أوّله، أو قدرها مع ركعة من آخره.

قوله: (لا في وجوبها)(2).

فتجبُ على الكافر كما تجب عليه سائر التكليفات السمعيّة، ولا تصح منه ما دام على كفره ; لامتناع تقرّبه على الوجه المعتبر.

وكما أنّ الإسلام شرط لصحتّها فكذا الإيمان، فإنّ أحدهما غير الآخر على الأصح، فإنّ الإسلام: هو الانقياد والإذعان باظهار الشهادتين والتلفّظ بهما، والإيمان: هوالتصّديق بهذه المعارف بالقلب واللسان بالدليل.

وممّا يدلُ على التغاير بينهما قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}(3)، نَفَى عنهم الإيمان وأثبت لهم الإسلام، وهو دالّ على التغاير والانفكاك.

ومَنْ احتج على الاتحاد بقوله تعالى: {فأخرجنا مَنْ كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}(4)، حيث إنّه سبحانه استثنى المسلمين من المؤمنين. فلا حُجّة له فيه ; لأنّ الاستثناء المتّصل يقتضي صحّة دخول المستثنى في المستثنى منه لولا الاستثناء، فيقتضي التصادق هنا بين الإسلام والإيمان في ذلك الفرد المستثنى، وذلك لا

____________

1- ص 414 س1.

2- ص 414 س2.

3- الحجرات: 14.

4- الذاريات: 35 ـ 36.