الصفحة 32
يقتضي تصادقهما في كلّ فرد المقتضي للتساوي، ونحنُ نقول بموجبه ; لأنّ الإسلام أعمّ من الإيمان مُطلقاً، فتبقى دلالة الآية الاُولى بغير معارض.

وبعضُ الشارحين جعلَ اعتقادَ الاُصول المذكورة هو الإسلام ; بناءً على اتحادهما، وجعل قول المصنّف: (ويجب أمام فعلها...إلى آخره) تفسيراً للإسلام المذكور في قوله: (ويشترط في صحّتها الإسلام)(1).

وهو غلط ; لأنّ المذكور ثانياً كلام مُستأنفٌ منفصلُ مِنْ الأول بالكليّة، مُصدّر بحكم مخالف بظاهرهِ حكم ما قبله ; لأنّه مُصدّر بالوجوب، وما قبله بالاشتراط، مع أنّ الاشتراط مرادٌ في الثاني مَجازاً بدليل قوله آخراً: (فَمَنْ لَمْ يعتقدْ ما ذكرناهُ ـ إلى قوله ـ فلا صلاةَ لَهُ).

وإنّما قصدَ بمخالفةِ اللفظين التفنّن في العبارة والإشعار بافتراق المبحثين، ولو صرّح المصنّف بارادةِ ما زعم الشارح من هذا اللفظ لا بتدرنا الإزراء على عبارته حينئذ بادئ بدء.

قوله: (وما يصح عليه)(2).

وهي صفاته الثبوتيّة الثمان، (ويمتنع) وهي صفاته السلبيّة السبع.

قوله: (وإمامة الأئمة (عليهم السلام))(3).

الاثني عشر، واللام للعهد الذهني، والمعهود ما عُرفَ مِنْ مذهب الإماميّة.

قوله: (بجميع ما جاءَ به النبيّ)(4).

____________

1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفية المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 11.

2- ص 415 س1.

3- ص 415 س2.

4- ص 415 س3.


الصفحة 33
أي ممّا يثبت بالتواترِ مِنْ أحوالِ المعادِ.

قوله: (بالدليلِ لا بالتقليدِ)(1).

الدليلُ: هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر إثباتاً أو نفياً.

والتقليدُ: هو الأخذ بقول الغير مِنْ غير حُجة مُلزمة، مأخوذ مِنْ تقليده بالقلادة وجعلها في عنقهِ، كأنّ المقلِّد يجعل ما يعتقده مِنْ قولِ الغير مِنْ حقٍّ أو باطل قلادةً في عنقِ مَنْ قلّده.

واعلمْ أنّ الواجب من الاستدلال على هذه المعارف عيناً هو ما يخرج به مِنْ أسر التقليد الصرف والعمى(2) المحض، ولا يجب معرفة شرائط الدليل والإنتاج والعبارات الخاصّة بذلك. وهذا هو المَعبّر عنه بدين العجائز، وما وراء ذلك من استقصاء الاستدلال والنظر وَرَدِّ شبهة الخصومِ، فوجوبهُ على الكفاية.

قوله: (المتكفّل)(3).

أي الضامن له مجازاً.

قوله: (بذلك)(4).

أي بيان الاستدلال على هذه المعارف.

قوله: (علم الكلام)(5).

هو الباحث عن الذات الإلهيّة وصفاتِها وأفعالِها، والنبوّة، والإمامة، والمعاد على قانون الإسلام.

____________

1- ص 415 س3.

2- في " م ": العجز.

3- ص 416 س1.

4- ص 416 س1. وهذا القول وشرحه لم يردا في " م ".

5- ص 416 س1.


الصفحة 34

قوله: (ثم المكلّف(1) بها الآن)(2).

اعلمْ أنّ الضمير في قوله: (ثم المُكلّف بها الآن) يعود إلى ما عادت إليه الضمائر التي قبله ممّا بعد قوله: (واعلمْ أنّها تجب... إلى آخره) على ما فيها.

وفي تحقيق المبحث مسائل:

الاُولى: السرّ في عطفِ هذا المبحث على قبله بـ (ثمّ) الدالّة على الترتيب والتراخي: أنّ المبَحثَ المعطوف عليه مِنْ علم الكلام، والمعطوف مِن علم الاُصول ومقدّماته، نبّه بـ (ثمّ) على شدّة اقترافهما، وأيضاً فلمّا كان علم الكلام من مبادئ علم الاُصول ومقدّماته فنبّه بـ (ثمّ) على ما بينهما من الترتيب.

الثانية: (الآن) اسم للزمان الحاضر(3) وأرادَ بهِ المصنّف زمانه، وكلّ زمان ماثله في غيبة الإمام (عليه السلام) عن أهله مجازاً، واحترز به عن زمان ظهوره (عليه السلام)، فإنّ الناس حينئذ ثلاثة أصناف لاصنفان:

مَنْ كان بحضرته وفرضه الرجوع إليه، ولا يُسمّى هذا مجتهداً ; إذ ليس معرفته للأحكام عن استنباط، ولا مُستفتياً ; إذْ ليس أخذهُ عن مُستنبط، وإنّما هو أخذَ عمّن لا ينطقُ عن الهوى، بل هو متلّق ممّن تلقّى مِنْ صاحب الوحي عليه الصلاة والسَّلام بوسائط كلّهم معصومون، ولهذا لا يتغيّر هذا الحكم ببقاء الإمام وموته.

ومَن كان بعيداً عن حضرته الشريفة فلا يجب عليه الرجوع إليه في

____________

1- في نسختي الألفيّة " ش1 " و" ش2 ": إنّ المكلّف.

2- ص 416 س2.

3- الصحاح 5: 2076، القاموس المحيط 4: 202 " أين ".


الصفحة 35
كلّ شيء، بل له الاجتهاد إن كان من أهله، وإلاّ فعليه الاستفتاء لأهله ; لما في إيجاب الرجوع إليه (عليه السلام) من الحرج العظيم والبلاء الجسيم، والأخبار مملوءة بجواز ذلك.

الثالثة: (من الرعيّة) بيان للمُكلّف، والمرادُ من الرعيّة: رعيّة الإمام (عليه السلام)، حذفَ المضافَ إليه ودلّ عليه باللام. واحترزَ بذلك عن الإمام (عليه السلام)، فإنّه عندنا أجلّ مِنْ أن يكون مُجتهداً أو مُقلّداً كالنبيّ (صلى الله عليه وآله)، وقد خالفَ في ذلك بعض الاُصوليين فجوّز الاجتهاد للنبيّ (صلى الله عليه وآله)(1) وهو غير مرضي، إذ علمه إنّما هو بالوحي الإلهيّ.

الرابعة: المجتهدُ: اسمُ فاعل مِنْ الاجتهاد، وهو لغةً: استفراغُ الوسع في ما فيه مشقّة، مأخوذ من الجَهد بالفتح وهو المشقّة(2).

واصطلاحاً: هو استفراغ الوسع لتحصيل الظنّ بحكم شرعي.

والمقلّد: اسم فاعل مِن التقليد، وقد عرفته، والمراد به هنا: المُستفتي توسعاً ; لأنّ المقلّد في اصطلاحهم هو الآخذ بقول الغير من غير حُجّة ملزمة، كالآخذ بقول العامّي، أو المجتهد الآخد بقول مَنْ هو مثله، لا أخذ العامّي بقول المجتهد ; لوجود الحجّة الملزمة وهي وجوب الأخذ بقوله، هذا هو الأشهر. وجوّز بعضهم الأمرين، ولا مشاحة.

الخامسة: يُفهم من قوله: (على كلّ فعل مِنْ أفعالها) عدمُ جوازِ تجزؤ الاجتهاد، والأصح جوازه. وقد يُستفاد منه أنّ مَن بلغَ رتبة الاجتهاد ولم يجتهد لا يسوغ له التقليد، كما هو الصحيح، والمفيدُ لذلك قوله: (مجتهد) إذ لا يراد به المجتهد بالفعل ; لامتناعه ; لأنّ الجُزئيات غير

____________

1- انظر المحصول في علم الاُصول 2: 489، الإحكام في أُصول الأحكام 4: 172.

2- الصحاح 2: 460، القاموس المحيط 1: 296، تاج العروس 4: 407 " جهد ".


الصفحة 36
متناهية، فلا يمكن وجود الاجتهاد في جميع أفعالها وأحكامها بالفعل، فتعيّن أن يراد به ما هو أعمّ مِنْ الفعل ومِنْ القوّة القريبة منه، فيحصل ما قلناه.

السادسة: إنّما اختار للمجتهد قوله: (وفرضه) وللمقلّد قوله: (ويكفيه) ; لما عرفتَ ما بين المرتبتين من التفاوت في المشقّة واليسر، فإنّ الاجتهاد مُقتطع من المشقة، فحاول التنّبيه في عبارته على هذا التفاوت، فإنّ الفرض والواجب واحد، فكأنّه قال: وفرضه الذي لا يسوغ له العدول عنه كذا، والمقلّد يكفيه ما هو أقلّ من ذلك مشقّة ; لقصور المُستدعي للتخفيف عنه، وفيه مِنْ اللطف ما لا يخفى.

السابعة: اللام في قوله: (عن المجتهد) للعهد الذكري، والمعهود ما قبله بيسير، فكأنّه قال: عن المجتهد المذكور. ويكون فيه إيماء لطيف إلى اعتبار كون المجتهد المأخوذ عنه حيّاً، فإنّ ذلك مذهب أصحابنا الإمامية قاطبة(1)، وقد نادوا به في مصنّفاتهم الاُصوليّة والفقهية(2)، فأسمعوا مَن كان حيّاً، والأدلّة على ذلك كثيرة نبّهنا على بعضها في بعض مظانه(3).

____________

1- اختلف علماء الجمهور في هذه المسألة على عدّة آراء، انظر نهاية السُولِ في شرح منهاج الاُصول 4: 577، المحصول في علم الاُصول 2: 526.

2- انظر مبادئ الوصول: 248، تهذيب الوصول: 104، قواعد الأحكام 1: 19، إرشاد الأذهان 1: 353.

3- للمحقّق الكركي رسالتان تدوران حول هذه المسألة:

الاُولى: وجوب الاجتهاد على جميع العباد عند خلوّ العصر من المجتهدين. الذريعة 25: 29/136.

الثانية: حرمة تقليد الميّت. تكملة أمل الآمل: 293، أعيان الشيعة 8: 210.

وقد بحث الكركي هذه المسألة وبيّن أدلّتها في عدّة أماكن من مصنّفاته، منها:

مسألة رقم 11 في رسالة (فتاوى وأجوبة ومسائل).

مسألة رقم 65 في رسالة (فتاوى المحقّق الكركي).

جامع المقاصد 3: 491 في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حاشية الألفية عند شرح قول الشهيد: (على كلّ فعل من أفعالها).

حاشية الشرائع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حاشية الإرشاد في آخر بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


الصفحة 37
ويُرشد إلى هذا الإيماء قوله في المعهود: (وفرضه) ; لأنّ الميّت لا فرض عليه ; لخروجه عن التكليف. وحينئذ فيعتبر في المأخوذ عنه أن يكون مجتهداً، وأن يكون حيّاً.

ويُعلم من قوله بعد: (مع عدالةِ الجميع) اشتراط عدالتهِ، ويشترط أيضاً عدم وجود مجتهد أعلم منه، فيجب الأخذ بقول الأعلم لو وَجَدَهُ، وكذا الأورع لو استويا في العلم، لا إن تفاوتا فيه فالأعلم ليس إلاّ وهذا من الزيادات على العبادة.

الثامنة: (ولو بواسطة) يقتضي جواز الرجوع إلى مَنْ أخذ من المجتهد وإن أمكن مشافهته، وهو أصح القولين للاُصوليين. ولا فرق في الواسطة بين المتّحدة والمتعدّدة، كما صرّح به في قوله: (أو وسائط)، ولو قال بدله: وإن تعدّدت، لأغنى عنه.

و(لو) هذه هي الوصلية، وقاعدتها اختصاص الأخفى أو الأبعد بالذِكْرِ ; دفعاً للوهم، والتقدير: لو كان بغير واسطة ولو كان بواسطة.

التاسعة: قد يُفهم مِنْ قوله: (عن المجتهد) اعتبار اتّحاد المأخوذ عنه، حتى لا يسوغ أخذ بعض الأحكام عن واحد وبعضها عن غيره، وهي مسألة خلافية للاُصوليين. والحقّ الجواز مع الاستواء في العلم والورع،حتى بالغ بعضهم فجوّز الرجوع إلى واحد في حكم مرّة، والرجوع إلى مساويه

الصفحة 38
إذا كان مخالفاً له في ذلك الحكم بالنسبة إلى واقعة اُخرى، وليس ببعيد.

العاشرة: قوله: (مع عدالةِ الجميع) يُريد بـ (الجميع): المجتهد، والواسطة، أو الوسائط ; لوجوب التثبّت عند خبر الفاسق(1).

والعدالةُ: هيئةٌ راسخةٌ في النفس تبعثُ على ملازمة التقوى والمروءة، وتتحقّق باجتناب الكبائر ـ ولا يبعد حصرها في كلّ ما توعدّ الله عليه بخصوصه ـ وعدم الإصرار على الصغائر، واجتناب ما يُؤذن بالخسّة ودناءة الهمّة من الصغائر كسرقة لقمة، ومِنْ المباحات كالبول في الطرق والأكل في الأسواق.

الحادية عشرة: طرُق معرفة العدالة: إمّا المعاشرة الأكيدة المُطلعة على الأحوال، أو شهادة عدلين. ويزيد في المجتهد انتصابه بين الناس واشتهار فتواه بين العلماء، وهو الطريق إلى معرفة اجتهاده لمن قصر عن أهليّة النظر.

الثانية عشرة: يُعلم من قوله: (مع عدالةِ الجميع) أنّه لا بُدَّ من العلم بمجموع الوسائط والإسناد إلى مجتهد معيّن، فما يصنعه أهل زماننا في تقليدهم غير جائز، وأيضاً فباب التقليد مُنسد عليهم ; للاشتراك في الاخلال بالاجتهاد ـ وهو واجب اجماعاً ـ المخلّ بالعدالة. وما ينسبونه بزعمهم إلى بعض المتأخّرين ممّن لم يضرب في فنّ الاُصول بسهم من جواز تقليد الموتى فهو مردود، فلا يلتفت إليه، والله أعلم.

قوله: (ما ذكرناه)(2).

أي من المعارف المتقدِّمة.

____________

1- الحجرات: 6.

2- ص 418 س2.


الصفحة 39

قوله: (كما وصفناه)(1).

أي بالاجتهاد إن كان مِنْ أهله، وإلاّ فالتقليد لأهله.

قوله: (فلا صَلاةَ لَهُ)(2).

أي صحيحة ; لأنّه مع تعذّر النفي للماهيّة يُصار إلى أقرب المجازات، وهو نفي الصحة. وأوردَ المصنّف على نفسه صلاةَ المخالفِ للحقّ إذا استبصر، فإنّه لا يجب قضاؤها، ولو كانت فاسدة لوجب. ثم أجابَ بامكان حمل النفي على المشترك بين نفي الصحة والكمال، قال: وأقل أحوال استعمال المشترك في معنييه أنّه مجاز(3)، وفيه ما فيه.

قوله: (هنا)(4).

أي في هذه الرسالة.

قوله: (وما يتعلّق بها)(5).

أي بالصلاة الواجبة.

قوله: (فرضٌ)(6).

كتكبيرة الإحرام، (ونفلٌ) كرفعِ اليدين.

قوله: (حصرُ الفَرْضِ)(7).

أي من هذين القسمين.

____________

1- ص 418 س2.

2- ص 419 س1.

3- لم أعثر عليه، لعلّه في بعض حواشيه غير المطبوعة.

4- ص 419 س2.

5- ص 420 س3.

6- ص 420 س3.

7- ص 420 س3.


الصفحة 40

قوله: (وللنفلِ)(1).

أي للقسم الثاني من قسمي الصلاة وهو صلاة النفل، وللقسم الثاني من قسمي المتعلّق بالواجبة لهذين رسالة منفردة(2).

قوله: (الفصْلُ الأولّ)(3).

كانَ حقّه أن يقول: والفصلُ الأوّلِ... إلى آخره بواو العطف، عطفاً على قوله في أوّل الرسالة: (أمّا المقدّمة). وكذا كان الواجب عليه أن يقول: (والفصلُ الثاني والفصل الثالث)، كما هو حقّ التفصيل بـ (أمّا) بعد الإجمال.

وأراد بالمقدِّمات هنا شروط الصلاة، وحصرها في ستٍّ باعتبار ما حسن عنده، فإنّه حصرٌ جعليّ لا استقرائيّ كما توهّمه بعض الشارحين(4).

وبَدأ بالطهارة لسعةِ أحكامها، وعموم اشتراط الصلاة بها، فلا تقع بدونها، بخلاف غيرها من الشروط.

وعرّفها على لسان أهل الشرع بأنّها (اسمٌ لما يُبيحُ الصلاة... إلى آخره)، وقد اختلف العلماء في تعريفها اختلافاً عظيماً ; لاختلافهم في المعنى الذي نُقلت إليه ووُضعت بازائه شرعاً. والمشهور عند أصحابنا

____________

1- ص 420 س4.

2- وهي الرسالة النفلية، التي تحتوي على ثلاثة آلاف نافلة في الصلاة، ألّفها بعد الرسالة الألفية. وتعدُّ النفليّة من جلائل الكتب الفقهيّة وأهمها، لذلك شرحها وعلّق عليها الكثير من العلماء، وقد ذَكَرَ الشيخ الطهراني في الذريعة 13: 107 ثلاثين شرحاً وحاشية عليها.

3- ص 421 س1.

4- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 14.


الصفحة 41
اختصاصها بالرافعِ للحدثِ ولو بالقوّة القريبة، فيصدق على المُجدّد ونحوه، دونَ وضوء الحائضِ للذِكْرِ ونحوهِ، إذ لو بانَ الخللُ في الوضوء السابق قامَ الوضوءُ المجدّد مقامَه عند جماعة.

ومنهم مَنْ شرط في الوضوء نيّة الرفع أو الاستباحة، كالشيخ في (المبسوط)(1)، والمصنّف في (الدروس)(2).

وقول بعضِ الشارحين: إنّ ذلكَ مبنيٌّ على أنّ نيّة القُربة كافيةٌ في الوضوء(3)، فهو وهمٌ.

إذا تقرّر ذلك، فقولهُ: (اسمٌ لِما يُبيحُ الصلاةَ) كالجنس، يندرجُ فيه غَسْلُ الثيابِ والبدنِ من النجاسات، وستر العورتين، وكلّ مُبيح لها. ويخرجُ عنه ما لا يبيح ممّا هو على صورة الطهارة، كوضوء الحائضِ للذِكرِ.

وقوله: (مِنْ الوضوءِ والغُسلِ والتَيمّم) كالفصل، يخرج به ما عدا الأنواع الثلاثة.

وإنّما اختار المُبيح على الرافع ; ليشمل أقسام الطهارة، فإنّ كلَّ رافع مُبيحٌ، من غير عكس كلّي ; للتخلّف في طهارة صاحب الضرورة والتيمّم.

وإنّما قيّد الإباحة بالصلاة ; لأنّ غيرَ الطوافِ والمسّ من العبادات لا يشترط فيه الطهارة من الأصغر، فلو قيّد به لم ينعكس التعريف. وأمّا الطواف فليست الطهارة شرطاً في ماهيته ; لصحّة المندوبِ من المُحدث على الأصح، ومسّ كتابة القرآن مختلفٌ في تحريمه للمُحدث، بخلاف

____________

1- المبسوط 1: 19.

2- الدروس 1: 90.

3- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الألفيّة: 15.


الصفحة 42
الصلاة، فإنّ الطهارةَ بأنواعها شرطٌ في واجبها ومندوبها إجماعاً، وإنّما لم يُقيّد بالعبادة الشاملة للأقسام كلّها ; إذ ليستْ ما هيّتها مشروط بالطهارة، والمرادُ معلوم حينئذ.

وأيضاً فينتقض التعريف في طردِه بنحو وضوءِ الحائض للذِكْرِ، فإنّه يُبيح عبادة ما كما قيل.

وإنّما عرّف مُطلق الطهارة، ولم يقتصر على تعريف الواجبةِ كما صنعَ في الصلاة ; اتباعاً لغرض الرسالة ; لأنّ الصلاةَ الواجبة كما تؤدّى بالطهارة الواجبة، كذا تؤدّى بالمندوبة فيما إذا توضأ بريء الذمّة مِنْ مشروط بالطهارة لرفعِ الحدث أو لاستباحةِ الصلاةِ ندباً، ثُمَّ دخلَ عليه وقتُ الصلاةِ.

ويُستفاد مِنْ قوله: (اسمٌ لما يُبيحُ الصلاةَ) أنّ الطهارة موضوعة للقدر المشترك بين الأقسام الثلاثة، فيقال عليها بالتواطؤ أو بالتشكيك، لا بالاشتراك والحقيقة والمجاز، وفيه إشارة إلى العلل الأربع. لكن ينتقض في عكسه بالمجدّد، فإنّه طهارة عنده وليس مُبيحاً بالفعل، وكذا بكلّ واحد مِنْ غُسْلِ الحيضِ ووضوئهِ، إذ لا إباحة بهما.

قوله: (مِنْ المُعتادِ)(1).

متعلقة بمحذوف مقدّر في كلّ من الثلاثة، تقديره: خروج البول من الموضع المعتاد، إذ لا معنى لكونِ البول نفسه موجباً للوضوء، وكذا الغائط والريح.

والظاهر أنّ المراد بالمعتاد: هو المَخرجُ الطبيعي للإنسان، فيردُ عليه خروج أحدها مِنْ جرح إذا صارَ مُعتاداً عندَ المصنّفِ وعامّةِ المتأخّرين،

____________

1- ص 425 س1. وفي نسخة الألفيّة " ش 1": من الموضع المعتاد.


الصفحة 43
فإنّه ينتقض على الأصح، وتفصيلُ الشيخ بما فوق المعدة ـ أي السرّة ـ وتحتها(1) ضعيف.

ويصير مُعتاداً بتكرّر الخروج منه مرّتين متواليتين عادةً فينقض في الثالثة، وإنّما يُشترط الاعتياد ما دامَ الطبيعي على حالهِ، فلو انسدَّ بالكليّة قامَ المنفتحُ مقامَهُ بأوّلِ مرّة.

ولو خُلق للإنسان مخرجٌ على خلاف الغالبِ فكالغالبِ إجماعاً.

أما الخُنثى المُشكل فإن اعتاد المخرجين نقضاه، وإلاّ فالمعتاد.

وخروجُ الريحِ مِنْ القُبل غيرُ ناقض إلاّ مَعَ الاعتياد، والفرقُ بينَ قُبلِ الرجلِ والمرأةِ ضعيفٌ. والمتعارفُ مِنْ الخرُوج في الفضلةِ ما كان معهُ انفصال، فلا يرد على عبارتِه خرُوج المقعدةِ مُلطّخة بالغائِط مِنْ غير أنْ ينفصل، فإنّه غير ناقض على الأصح، كما صرّح به المصنّف(2)، ويُعلم مِنْ حصره النقض بالخارج في الثلاثة عدمُ النقض بغيرها مِنْ دود وغيرهِ.

قوله: (على الحاستين)(3).

أي حاستي السمع والبصر، وإنّما خصّهما ; لأنّ غلبة النومِ عليهما يقتضي غلبته على باقي الحواس الخمس من غير عكس.

قوله: (تحقيقاً)(4).

أي مع عدم المانع، (أو تقديراً) أي مع وجود المانع مِن عمى أو صَمم.

____________

1- المبسوط 1: 27.

2- الذكرى: 26.

3- ص 425 س1.

4- ص 426 س 1.


الصفحة 44

قوله: (مسّ ميّت الآدمي نجساً)(1).

أي حال كونه نجساً.

واحترز بالآدمي عن ميتة(2) ما سواه من الحيوانات، فلا يجب بمسّها شيء سوى غسل اليد.

وبكونه نجساً عن الطاهر، فلا يجب بمسّه شيء.

ويندرج في النجس مَنْ لَمْ يُغسّل بعد برده بالموت، ومَنْ غُسّل فاسداً، ومَنْ غسّله كافر، ومَنْ سبق موته قتله ممّن وجب عليه القتل حدّاً أو قصاصاً وإن اغتسل إذ يجب أمره بالغسل، وكذا لو اغتسلَ ليُقتل بسبب فقُتلَ بغيره ; لوجوب تغسيلهما ثانياً، والكافر على أصح الوجهين، والمُيمّم لوجوب الإعادة قبل الدفن مع الإمكان، وكذا مَنْ قصرَ ماء غسلهِ عن بعضِ الغَسلات فيُمّم، أو فقدَ أحد الخليطين فغُسّل بدله بالقراح.

والضابطُ في ذلك وجوبُ التغسيل، فحيثُ ثبتَ كان المسُّ موجباً، وإلاّ فلا.

ويخرجُ عنه مَنْ لم يبرد بالموت، ومنْ غُسّل صحيحاً ومنهُ العضو الذي كملت طهارته، ومَنْ قُتلَ بالسبب الذي اغتسل له إذا فعل الغسل على وجههِ خلافاً لابن إدريس(3)، وكذا الشهيد والمعصوم عملاً بالضابط السابق، وفي بعض الأخبار إيماءٌ إليه(4)، وقد صرّح به المصنّف(5) وغيره(6).

____________

1- ص 426 س 2.

2- في " ض ": مسّ ميّت.

3- السرائر 1: 167.

4- الكافي 3: 211 حديث 4، التهذيب 1: 332 حديث 972.

5- الدورس 1: 117.

6- كالشيخ المفيد في المقنعة: 84، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 181 والنهاية: 40، وسلاّر في المراسم: 45.


الصفحة 45
وقد يردُ على مفهوم عبارته القطعة ذات العظم، إذ يجب تغسيلها، فيجب بمسّها الغسل والوضوء، ولا يصدق عليها ميّت الآدمي، وكذا العظم المجرّد. ولا يرد عليه السقط لدون أربعة أشهر ; إذ لا يسمّى ميّتاً.

قوله: (وتيقّنهما)(1).

أي تيقّن فعل الحدث والوضوء، والشكّ في اللاحق منهما المقتضي للشكّ في السابق، والأصح أخذه(2) بضدّ ما قبلهما إن تذكّر حاله، إلاّ أن يحصل له من التعاقب والاتحاد يقين فيبني عليه، وإنّ جهلَ حاله قبلهما وجبَ عليه الوضوء. ولو علَم أنّه كانَ مُتطهّراً قبلهما وتيقّنَ عدم معاقبة الطهارة للاُخرى، بأن لم يكن مِنْ عادته التجديد، فالظاهر أنّه مُتطهّر، وهذه وإنّ لم تخرج عمّا ذكرناه في الاتحاد والتعاقب، إلاّ أنّها قد تخفى ويتوهّم دخولها في ما ذكرناه أوّلاً، فخصّصناها بالذِكْرِ.

قوله: (وإن لم تُوجبه)(3).

للإجماع على أنّ غسلها كاف عن الوضوء، بخلاف غيرها من الموجبات سوى الموت.

قوله: (ويجبُ بِها)(4).

أي بالجنابةِ بنوعيها، (وبالدماءِ) أي المذكورة سابقاً.

قوله: (إلاّ قليل الاستحاضة)(5).

____________

1- ص 427 س1.

2- في " ش ": العمل (خ ل).

3- ص 427 س2.

4- ص 428 س 1.

5- ص 428 س1.


الصفحة 46
لأنّه موجب للوضوء خاصة.

قوله: (وبالمسّ)(1).

أي المذكور سابقاً، فاللام فيه للعهد.

قوله: (ويجب التيمّم)(2).

أي مِنْ حيث هو هو، فلا يرد عليه لزوم وجوب تيمّم واحد بجميع موجباتهما، ويزيد على موجباتهما وجود الماء مع التمكّن من استعماله، فإنّه موجب إجماعاً.

قوله: (بموجباتِهما)(3).

أي الوضوء والغُسل.

قوله: (عَنْ الغيرِ)(4).

سواءٌ الأب أو المستأجر عنه، ولا فرق بين استئجاره على فعل مشروط بالطهارة، أو على فعلِ نفسِ الطهارة إذا نذرها ناذر وماتَ قبل فعلها، وإنكار بعض الشارحين لها(5) وهم.

قوله: (في الثلاثةِ)(6).

أي الوضوء والغسل والتيمّم.

قوله: (الأخيران)(7).

____________

1- ص 428 س1.

2- ص 428 س2.

3- ص 428 س2.

4- ص 429 س1.

5- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 33.

6- ص 429 س1. وهذا القول والذي بعده مع شرحيهما لم يردا في " م ".

7- ص 429 س2.


الصفحة 47
أي الغسل والتيمّم.

قوله: (بغايةِ دخولِ المُجنبِ)(1).

إنّما اختص الدخول بالذِكْرِ لدلالته على تحريم اللبث بطريق أولى، بخلاف العكس..

قوله: (وشبههِ)(2).

المراد بشبههِ: مَنْ يحرم عليه دخول المسجدين لأجل الحدث.

قوله: (المسجدين)(3).

والمرادَ بهما مسجد مكّة والمدينة.

قوله: (وقراءة العزيمة)(4).

المراد بها الجنس ; لتشمل العزائم الأربع، وهي سور السجدات الواجبة.

والعزيمة في اصطلاح الاُصوليين يقال على معنيين:

أحدهما: ما لزم العباد بإيجاب الله تعالى، وهو المراد هُنا.

والآخر: ما جازَ فعلهُ بغير مانع، والرخصة بخلافه.

قوله: (ويختصّ الغُسل)(5).

ولا يشاركه التيمّم في ذلك، كما لا يشارك الغُسل التيمّم فيما ذكر آخراً، فيكون قوله بعد: (والأولى التيمّم... إلى آخره) رجوعاً عمّا استفيد من هنا. ولا فرق في اشتراط الصوم بالغُسل بالنسبة إلى مَنْ ذكره بين كون

____________

1- ص 430 س1.

2- ص 430 س1.

3- ص 430 س 1.

4- ص 430 س2. وفي نسخ الألفيّة: وقراءة العزائم.

5- ص 430 س2.


الصفحة 48
الصوم واجباً أو مندوباً، وهو في الواجب واجب وفي المندوب مندوب، وإنّما يتحقّق الوجوب إذا تضيّق الليل إلاّ لفعله.

قوله: (للجنب وذاتِ الدمِ)(1).

إذا صادف السبب الليل، لا مُطلقاً.

والمرادُ بذات الدم: الحائض والنفساء إذا انقطع دمهما قبل الفجر بمقدار زمانِ الغُسل، والمستحاضة غير القليلة الدم.

وإطلاقُ الدم في عبارته بحيث يشمل قليل الاستحاضة، اعتمد فيه على ما قدّمه من أنّ الاستحاضة القليلة الدم لا توجب الغسل.

وقد زعمَ بعض الشارحين أنّ ذات الدم في العبارة إنّما يصدق على المستحاضة دون الحائض والنفساء ; مُحتجاً بأنّ غُسلهما إنّما يجب بعد انقطاع الدم، وحين الانقطاع لا يصدق عليهما ذلك ; لوجوب بقاء المعنى في إطلاق الاسم حقيقةً، وذَكَرَ أنّ في اشتراط صومهما بالغسل خلافاً للأصحاب(2).

وهذا من أغلاطه الفظيعة(3)، فإنّ المعروف من مذهب الإماميّة عدم اشتراط بقاء المعنى المشتق منه لصدق المشتق، وهذه مسألة لا يخفى على آحاد الطلبة ما بيننا وبين الأشاعرة من التشاجر فيها.

وأمّا اشتراط صوم الحائض والنفساء بالغسل فلا خلاف فيه بين الأصحاب، إنّما الخلاف في وجوب الكفّارة في الصوم المعيّن بالاخلال

____________

1- ص 430 س2.

2- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 35 ـ 36.

3- في " ش ": القطعية.


الصفحة 49
به، ولكن الشارح لمّا غلط في الاُولى أحبّ أن يعتذر عن المصنّف بناءً على وهمه في الاقتصار على المستحاضة.

قوله: (والأولى التيمّم)(1).

الوجوبُ قريبٌ، ويبقى متيمّماً حتى يطلع الفجر.

قوله: (ويختصُ التيمّم)(2).

أي ولا يشاركه في ذلك الغُسل وإن أمكن فعله في المسجد، ولم يستلزم إزالة نجاسته، سواء ساوى زمانه زمان التيمّم أو قصر عنه أو زاد عليه على الأصح. ولا فرق في الجنب بين كونه مُحتلماً أو غيره، حتى لو دخل وهو جنب عمداً أو سهواً.

قوله: (والحائضِ)(3).

وكذا النفساء ; لأنّها في معناها.

قوله: (لابتداءِ غَسْل الوَجهِ)(4).

ولا يتعيّن، بل يجوز تقديمها عليه عند بعض أفعال الوضوء المندوبة، كَغَسْل اليدين بشروطه والمضمضة والاستنشاق.

قوله: (أتوضّاً... إلى آخره)(5).

استغنى بذكر صفة النيّة عن التعرّض إلى ما يجب فيها، وكذا صَنَعَ في ما بعد الوضوء.

____________

1- ص431 س1.

2- ص 431 س1.

3- ص431 س1.

4- ص 432 س2.

5- ص 432 س2.