الصفحة 67
ثم إنْ كان غسل الجنابة كفاه اتمامه، وإنْ كان غيره وجبَ معه الوضوء، ولا فرق بين المرتمسِ والمرتّب.

قوله: (ولا تجبُ المتابعةُ)(1).

لو قال: ولا تجبُ الموالاة، لكان أولى ; لأنّ الموالاة غير المتابعة عنده، إلاّ أن يقال: أرادَ بالمتابعة ما تقدّم ذكره في الوضوء، وهو قوله: (بحيث لا يجف السابق... إلى آخره)، فاللام للعهد الذكري. غير أنّ التصريح به أدلّ على المراد، بل لو قال: لا تجب الموالاة بمعنييها لكان أكمل. والمراد عدم وجوبها بأصل الشرع وإنْ وجبت بعارض كنذر وشبهه وضيق الوقت ودوام الحدث الأكبر، أمّا الأصغر فيبنى على أنّ تخلّله مُبطل أم لا، وقد تقدّم.

فرع:

لو فرّق أعضاء غسله لم يجب استئناف النيّة بغسل المتأخّر منها ما لم يحدث نيّة تخالف الاُولى، وما يوجد في كلام بعض المتأخّرين مِنْ وجوب تجديد النيّة ليس بشيء.

قوله: (وهو على حالِه)(2).

أي حال الغسل، ولو كان الشكُّ بعد الانصراف منه: فإن كان مُرتّباً وهو ممّن يعتاد التفريق، أعادَ على ما يشك فيه وما بعده ; لأصالة عدم فعله. وإن كان مُرتمساً أو مُعتاداً الموالاة فوجهان، أقربهما عدم الالتفات ; عملاً بالظاهر، ولعموم روايةِ زرارة عن الصادق (عليه السلام): " إذا خرجتَ مِنْ

____________

1- ص453 س2.

2- ص454 س2.


الصفحة 68
شيء ثمَّ دخلتَ في غيره فشككتَ فيه ليس شكك بشيء "(1).

ولو كثر شكّه سقط اعتباره مُطلقاً على الأقرب.

قوله: (مقارنةً للضرب)(2).

المراد به: وضعُ اليدين عليها وإن لَمْ يكن باعتماد، نعم لابدّ مِن مقارنةِ النيّة لابتدائه، فلا يكفي مقارنتها لاستدامتهِ، إذّ لا يسمّى وضعاً.

قوله: (على الأرضِ)(3).

يستفاد منه مسائل:

الاُولى: وجوبُ وضعِ اليدين على الأرض، فلا يُجزئ التعرّض لمهبّ الريحِ.

الثانية: وجوبُ الوضع باعتماد تحصيلاً لمسمّى الضرب، والظاهرُ عدم وجوبهِ.

الثالثة: كونُ المضروبِ عليه مِنْ جنس الأرض، فيخرج عنه المعدن وما خرج بالاستحالة عنها.

الرابعة: وجوبُ الضرب باليدين، فلا يُجزئ بآلة غيرهما عندنا(4).

الخامسة: الضربُ بهما، فلا تجزئ الواحدة اتباعاً للمنقول(5).

السادسة: كونهما معاً، فلا يُجزئ الضرب بواحدة ثم بالاُخرى، وفي

____________

1- التهذيب 2: 352 حديث 1459 وفيه: ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء.

2- ص454 س4.

3- ص 454 س4.

4- ذهبت الشافعية الى جوازه بخرقة أو خشبة أو نحوهما من كلّ آلة. انظر الاُم 1: 49، المجموع 2: 228.

5- الكافي 3: 61 باب صفة التيمّم، الفقيه 1: 57 حديث 212، التهذيب 1: 207 حديث 601، الاستبصار 1: 170 حديث 590.


الصفحة 69
رواية الضرب باليسرى لمسح اليمنى وباليمنى لمسح اليسرى، وعمل بها ابن بابويه(1)، والمشهور خلافه.

السابعة: وجوبُ الضرب ببطونهما، فلا يُجزئ بظهورهما، ولا بظهرِ إحداهما مَعَ بطن الاُخرى.

الثامنة: اعتبارُ الضربِ بالبطنِ إنّما هو مَعَ الاختيار، فعند الضرورة يجوز بالظهر، ومع تعذّره أيضاً يجب معكِ الجبهة بالتراب مع النيّة.

التاسعة: يجبُ استيعابُ محلّ الضربِ، فلو تجافى بعضه عن المضروب عليه اختياراً لم يُجزئ، ولا تجب المبالغة لتصل أجزاء التراب الى شقوق اليد وما بين الأصابع ; لجواز التيمّم بالحجر وتعذّر ذلك فيه خصوصاً، ومستوى السطوح منه قليل.

ومنهُ يُعلم عدم اشتراط ملاقاة المضروب عليه لجميع أجزاء محلّ الضرب دفعةً واحدةً، نعم لابُدَّ من استيعاب الملاقاة وإن لم يكن دفعةً، فلو كان في الحجرِ ثقوبٌ، أو في الترابِ خليط مُتميّز كالقشر، حرّك يديه بعد الضرب ليستوعب محلّ الضرب إصابة ما به يصح التيمّم.

العاشرة: سيأتي أنّه لابُدَّ من طهارة محلّ الضرب، فلو كان نجساً نجاسة هائلة أو متعدّية وتعذّرت الإزالة والتجفيف، انتقل إلى الظهر ثم الجبهة، ومع الاستيعاب فلا تيمّم.

الحادية عشرة: سيأتي في العبارة وجوب نزع الحائل كالخاتم ونحوه، وهذه قد تُستفاد من قوله هنا: (ببطونِهما) أي بجميع بطونهما، والباء تدل على معنى الإلصاق، ولا يمنع ذلك من تصريحه به بعد ; لأنّ دلالة المطابقة أقوى.

____________

1- المقنع: 9.


الصفحة 70

قوله: (ولا مدْخَل للرفعِ)(1).

إذ لا يتصوّر في التيمّم كونه رافعاً بوجه من الوجوه، وإلاّ لما انتقض بوجود الماء مَعَ التمكّنِ مِنْ استعماله بإجماع العلماء، إلاّ مَنْ شَذَّ مِنْ العامة(2)، وهذا بخلاف طهارة صاحب الضرورة فإنّها ترفع حكمَ الحدثِ السابق، على أنّ جنس الطهارة المائيّة رافعٌ وإن تخلّف الحكم في البعض، وليس كذلك التيمّم.

فإنْ قُلتَ: لا يلزم مِنْ انتقاضه بالتمكّن مِنْ استعمال الماء عدم رفعه الحدث، وَلِمَ لا يكون التمكّن علّةَ الرفع، كما يكون طريان الحدث غاية له في التيمّم وغيره، كما نبّه عليه المصنّف في (القواعد)(3)؟ قلتُ: هذا كلامُ ظاهريٌ بعيدٌ عن التحقيق ; لأنّه ليس رفعُ الحدث في الطهارة الرافعة ـ أعني المائيّة ـ مغيّى بغاية أصلاً ورأساً، وإنّما المانع الذي هو أثر السبب السابق عليها ـ أعني الحدث الموجب للطهارة ـ مرتفعٌ بها وزائَلُ بالكليّة، حتى كأنّه لم يكن، ثم لا يعود إلى الوجود(4) مرّة اُخرى ذلك المانع بعينه، بل الحاصل بالحدث الطارئ مانع آخر غير الأوّل.

غايةُ ما في البابِ أنّه مُبطل لفائدةِ الطهارةِ الحاصلة، إذ ذلكَ لأنّه مِنْ نواقضها بوضع الشرع. ولا يلزم مِنْ ذلك كون المانع الحاصل هوالمانع الزائل أوّلاً، ولا كذلك التيمّم، فإنّ إزالة المانع من الصلاة ليستْ إزالة بالكليّة بل إلى أمد مضروب، وهو إمّا طروء الحدث، أو التمكن من

____________

1- ص 455 س 2.

2- حكاه المحقّق في المعتبر 1: 394 عن كافة العامّة.

3- القواعد والفوائد 1: 80.

4- في " م ": للوجود.


الصفحة 71
استعمال الماء. فإذا وجد أحدهما عاد المانع الأوّل بعينه حتى كأنّه لم يزل، ولهذا يجب الغسل على المتيمّم بدلاً منه عند التمكن.

ولو كان التيمّم رافعاً لمَا وجب إلاّ بحدث آخر موجب للغسل ; لأنّ الرفع عبارة إمّا عن رفع الشيء من أصله، أو عن رفعه من حينه بحيث يزول من حينه بالكلّيّة. ولَمّا امتنع الأوّل ; لامتناع رفع الواقع من أصله، تعيّن الثاني، إذ لا يُعدّ إبطال تأثير الشيء إلى غاية بسبب رفعاً له، كحال التيمّم فإنّه مُبطل لأثر المانع، أعني تحريم الصلاة إلى أمد معيّن ولا يزيله جملة.

فإنْ قلتَ: لِمَ لا يجوز أن يكون التمكّن من استعمال الماء بالنسبة إلى التيمّم حدثاً كسائر الأحداث المبطلة للطهارة؟ قلتُ: هذا خيالٌ باطل ; لأنّ التمكّن إنّما أبطلَ التيمّم ; لأنّ صحته مِنْ أوّل الأمر مشروطة بتعذّر استعمال الماء، لقوله تعالى: {فلم تجدوا}(1)، فإذا حصل انتفى الشرط فبطل المشروط، فلمْ يتجدّد مانعُ غير الأول، ولا كذلك الحدث. على أنّه لو صح ذلك لاستوى الجنب والمُحدث في الموجب، لكنْ الجنب لا يتوضّأ والمحدث لا يغتسل.

فإنْ قلتَ: ما تقول في مقالةِ المرتضى: إنّ مَنْ تيمّم بدلاً مِنْ غُسل الجنابة ثمّ أحدثَ أصغرَ ووجدَ مِن الماء ما يكفيه للوضوء توضّأ به ; لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع وجاءَ بما يوجب الصغرى(2)، أليس تصريحاً بأنّ التيمّم رافع؟ قلتُ: هذا على ضعفه ليس فيه تصريح بالرفع، وإلاّ لمَا وجبَ

____________

1- المائدة: 6.

2- الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): 226.


الصفحة 72
الغُسل بعد ذلك، وهو لا يقول به. وكأنّه نظر إلى أنّ التيمّم يرفع الحدث إلى غاية لم تحصل، فيبقى على فائدتِه، والموجب الطارئ إنّما هو حدث آخر موجب للوضوء، وهو خيالٌ ضعيف ; لأنّ التيمّم لمّا لم يزل حكم السبب السابق جملة، أفادَ إباحة الصلاة بمنع تأثيره إلى غاية ما، فكلّ شيء مَنَعَ مِنْ الصلاة أبطلَ فائدته وأزال حكمه أصلاً ورأساً، فمن أراد عود الإباحة لم يجد بدّاً من إعادة التيمّم الأوّل.

وبهذا التحقيق يظهر ضعف قول المصنّف في (القواعد) بقوّة القول بأنّ التيمّم يرفع الحدث(1)، وقوله في (الدروس) بأنّه إن نوى رفع الماضي صحَ(2)، كأنّه ينحو به نحو دائم الحدث.

وبينهما فرقٌ، فإنّ لدائم الحدث حدثاً سابقاً ومقارناً، وطهارته مائية ترفع الحدث إذا أمكن، وإمكانه في السابق خاصة ; لأنّ المقارن للنيّة يمتنع تأثيرها فيه. أمّا التيمم فإنّما هو عن حدث سابق، إذ هو المفروض، وقد عرفتَ أنّه لا يصلح للرفع، على أنّه لو صلح لم يكن للتقييد بالماضي معنىً.

وكذا قوله في (الذكرى): ولو نوى رفع المانع من الصلاة صحَ وكان في معنى الاستباحة(3)، فإنّ ظاهره الفرق بين رفع الحدث ورفع المانع، إذ صرّح بالمنع في الأوّل وبالصحة في الثاني، وليس بجيّد ; لأنّ معنى رفع الحدث زوال المانع مِنْ الصلاة الحاصل بشيء من أسباب الطهارة. وحينئذ فقوله: (ولا مدْخَل للرفعِ هُنا) أجود عباراته، وهذا هو التحقيق الذي يُرحل إليه.

____________

1- القواعد والفوائد 1: 80.

2- الدروس 1: 132.

3- الذكرى: 106.


الصفحة 73

قوله: (مسحُ الجبهةِ)(1).

وكذا الجبينين والحاجبين.

قوله: (وإلى الأسفل أولى)(2).

يستحب خروجاً من الخلاف، إذ قد حكى ابن ادريس فيه قولاً بالوجوب لبعض أصحابنا(3)، وقد أشكل وجه الأولويّة على بعضِ الشارحين فناقش فيه المصنّف(4).

قوله: (وهي المتابعة هُنا)(5).

إذْ لا يتصور الجفاف.

قوله: (طهارةُ الترابِ)(6).

فلا يُجزئ النجس اختياراً واضطراراً، سواءٌ تعدّت نجاسته أم لا.

قوله: (والمحلُّ)(7).

إلاّ عند الضرورة، فيعتبر جفاف النجاسة وعدم حيلولتها.

قوله: (ويجزئ الحجر)(8).

اختياراً، ثم الغبار، ثم الوحل، ثم الدَلك بالثلج دهناً لأعضاء الوضوء أو الغسل به.

____________

1- ص 456 س2.

2- ص 456 س3.

3- السرائر 1: 136.

4- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 62.

5- ص 457 س1.

6- ص457 س2.

7- ص457 س2.

8- ص 457 س2.


الصفحة 74

قوله: (بَلْ يُستحبْ النَفضُ)(1).

إنّ قيل: هذا مُناف لموضوع الرسالة ; لأنّ موضوعها كما تقدّم بيان واجبات الصلاة الواجبة دون مندوباتها.

قلتُ: ليس المقصودُ مِنْ ذِكْر استحباب النفض بيان حُكمه، بل الإشارة إلى دليل المسألة، أعني عدم اشتراط علوق شيء من التراب على محلّ الضرب، ليكون حجّة، على المخالف، وهو ابن الجنيد(2) منّا، وكثير من العامة(3). والعبارة في قوّة قولنا: لو اشترط علوق شيء من التراب لما استحب نفضه، والتالي باطل ; لثبوت الاستحباب، فكذا المقدّم.

وإنّما أضربَ بـ (بل) الدالة على الترقّي من الأدنى إلى الأعلى ; لأنّه يكفي في عدم اشتراط العلوق جواز النفض بحيث يرتفع الحرج عن فعله، فإذا كان مُستحباً كان أبلغ في الدلالة، وهو ظاهر.

فائدةٌ:

مِنْ واجبات التيّمم المباشرة بنفسه كما في الطهارتين، واخلال المصنّف في عبارته لا عذر له فيه.

قوله: (اباحتهُ)(4).

ولو بشاهِد الحال.

____________

1- ص 458 س1.

2- حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 1: 271 مسألة 200.

3- الاُم 1: 49، المجموع 2: 231، فتح العزيز 2: 318، كفاية الأخيار 1: 36، السراج الوهّاج: 27، بداية المجتهد 1: 70.

4- ص458 س3.


الصفحة 75

قوله: (على الوجه)(1).

أي على الواجب مسحه من الوجِه.

قوله: (وبَطنِ كلّ)(2).

أي وامرارُ بطن كلّ منهما على ظهر الاُخرى من الزند إلى أطراف الأصابع.

ويجب قراءة (بطن) بالجر حذفاً للمضاف وابقاءً للمضاف إليه على أعرابه وإنْ ضعفَ ذلك في العربية، ولا ينبغي قراءتُه بالرفع ; إذ يصير اللفظ مُوهماً وجوب وضع باطن إحدى اليدين على ظهر الاُخرى حال مسح الوجه، كما توهّمه بعض القاصرين، فإنّه مع بطلانه شرعاً لا تدلّ عليه العبارة وإن كانت توهّمه في بادئ النظر قبل التأمّل على قراءة الرفع، فإنّ وضع كلّ من بطنِ اليدين على ظهر الاُخرى حال مسح الوجه غير ممكن الوجود، غير أنّ القراءة بالجرِ أبعد مِنْ هذا الوهم، فيكون أولى ; لأنّ المقصد مِنْ هذا الكلام استيعابُ محلّ الفرض في التيمّم، أعني أعضاءه الثلاثة.

قوله: (مُستوعباً)(3).

حال مؤكّدة للمعنى المُستفاد ممّا قبله، فإنّ الكلامَ السابق دالّ بظاهره على استيعاب الممسوح، ومثله قولك: زيدٌ أبوك عطوفاً، فإنّ العطف والحذف مستفاد من معنى الاُبوة.

قوله: (للممسوحِ)(4).

____________

1- ص459 س1.

2- ص 459 س1. وفي نسخة الألفيّة " ش3 ": وببطن.

3- ص459 س2.

4- ص 459 س2.


الصفحة 76
أي للعضو المَمسوح، على إرادة الجنس، إذْ المراد الأعضاء.

قوله: (خاصّة)(1).

أي دون الماسح، إذ لا يمكن استيعاب الممسوح بهِ دفعةً واحدةً.

قوله: (مِنْ المُبدل)(2).

أي بالتمكّن من الطهارة التي تيمّم المُحدث عنه بدل عنها، فلا ينتقض بظنّ وجود الماء، ولا بوجوده مع عدم التمكن من استعماله خلافاً لبعض العامة(3)، ولا بالتمكّن من الوضوء وتيمّمه بدل مِنْ غسل الجنابة، أمّا لو كان بَدلاً مِنْ غير غُسلِ الجنابة فإنّ تيمّم الغسل لا ينتقض، بل ينتقض تيمّم الوضوء ; لأنّ الواجب في غير الجنابة تيمّمان، وكذا لو تمكّن مِنْ الغسل خاصةً انتقض تيمّمه فقط.

وهذا هو السّر في عدول المصنّف عن التمكّن مِنْ استعمال الماء، أو التمكّن مِنْ المائية ونحوهما إلى قوله: (والتمكّن مِنْ المُبدل) إذ لا تُستفاد الأحكام الثلاثة الأخيرة إلاّ منه. ويُستفاد منه أيضاً أنّ مَنْ تمكّن مِنْ استعمال الماء في بعض أعضاء الطهارة لا ينتقض تيمّمه وهو كذلك ; لأنّ الطهارة عندنا لا تتبعّض.

قوله: (عن الجنابة)(4).

فيه مناقشة، إذ غير الجنابة كذلك، فلا معنى لإفرادها بالذكر مع الإخلال ببيان حكم غيرها ; لأنّ قوله: (وإن كان عن غيرها) لا يدلّ على كيفيّة الفعل، فكان الأصوب أن يقول: وإن كان عن الغُسل فضربتان، ولغير

____________

1- ص459 س2.

2- ص460 س1.

3- كالشافعي. انظر الأم 1: 48.

4- ص 460 س2.


الصفحة 77
الجنابة تيمّمان، وللميّت ثلاثة.

قوله: (وللميّت ثلاثة)(1).

ويتخيّر في إفراد كلّ بنيّة، وجمعها بنيّة واحدة. وهل يجب غسل اليدين بين كلّ تيمّمين أو كلّ ضربتين بناءً على النجاسة؟ الظاهر لا.

قوله: (وينبغي ايقاعهُ)(2).

الأولى اعتبار الضيق إذا رجا زوال العذر قبل خروج وقت الصلاة، وإلاّ جاز مع السعة، على أنّ القول بالجواز مع السعةِ مُطلقاً قويّ جداً، وهو حقيق بالترجيح.

قوله: (مُطلقاً)(3).

أي اُكل لحمه أم لا.

قوله: (ما لم يطهر)(4).

هي ظرف بمعنى المدّة، أي مِنْ النجاسات الميتة مِنْ ذي النفس مُطلقاً مدّة لم يطهر المسلم.

وقوله: (يطهر) يحتمل قراءته بالتخفيف وبالتشديد.

فعلى الأوّل يكون المعنى مدّة عدم طهر المسلم، أي الحكم بطهره شرعاً.

وعلى الثاني مّدة عدم تطهيره، أي مدّة فعل ما به يحصل طهارته.

وعلى الأوّل يندرج في العبارة المعصوم والشهيد، ومَن تقدّم غسله

____________

1- ص 460 س3.

2- ص460 س4.

3- ص 462 س2.

4- ص 462 س2.


الصفحة 78
إذا قُتل بالسبب الذي اغتسل له، وَمن غُسّل صحيحاً، ومَنْ لم يبرد بالموت، لا العضو الذي كملت طهارته وإنْ ادّعاه المصنّف في حواشيه، إذ لا يصدق عليه اسم ميّت طهّر.

ويخرج منها مَن غُسّل فاسداً، ومَنْ غسّله كافرٌ، ومَنْ لم تكمل طهارته، ومَنْ اقتصر فيه على طهارة الضرورة، والميّت بعد غسله المقدّم، والمقتول بغير سببه، والكافر، والبهيمة. لكن على هذه لا معنى للتقييد بالمسلم، وعلى الثانية يستقيم التقييد لكن لا يندرج فيها الشهيد والمعصوم ومَنْ لم يبرد، فلا يخلو من موآخذة(1).

قوله: (خاصةً)(2).

أي دون غيره من كافر أو بهيمة، ويدخل في المسلم مَنْ له حكمه تغليباً.

قوله: (وأخواه)(3).

أي الخنزير، والكافرُ بأنواعه حتى الخوارج، والغلاة، والنواصبُ، والمجسّمة بالحقيقة.

قوله: (وحكمه)(4).

أي حكم المسكر، والمراد به: ما لَه حكم المسكر وهو شيئآن:

[الأوّل]: العصير العنبي إذا غلى واشتد بأن صار أعلاه أسفله حتى

____________

1- في " ش " ورد شرح هذا القول مكرّراً هكذا:

قوله: (ما لم يطهر المسلم).

أي لم يحكم بطهره شرعاً، أو بفعل ما به تحصل طهارته.

2- ص 462 س2 وهذا القول وشرحه لم يردا في " م ".

3- ص463 س1.

4- ص463 س1.


الصفحة 79
يذهب ثلثاه، أو يصير دِبساً على المشهور بين متأخّري الأصحاب، مع أنّه لا نصّ فيه ولا إجماع، ولا يُلحق به الزبيبي.

[الثاني]: الفقاع: وهو المُستخرج من الشعير، ويسمّى الاسكركة(1)، كما ذكره المرتضى في (الانتصار)، وقال: إنّه خمر الحبشة(2).

وما يوجد في أسواق أهل الخلاف مُطلقاً عليه اسم الفقاع لا يجب اجتنابه، ولو شوهد انسان بالعيان يَستخرج ماءَ الزبيب ويضعه في الكوز لم يحرم وإن سمّاه فقاعاً، إلاّ أن يغيب به عن العين.

قوله: (بماء طهور)(3).

الباء تتعلّق بقوله أوّل الكلام: (إزالة النجاسات)، واختار التقييد بالطَهور على الطَاهر ; لينطبق على مذهب مَنْ قال بمنع الإزالة بالمستعمل ; لزوال الإجمال. وفيه ردّ على المرتضى إذ يقول بجواز الإزالة بالمضاف(4)، فإنّ اسم الماء يقع على المضاف مجازاً.

ولمّا كان إزالة النجاسات شاملاً لإزالة البول والغائط عن مخرجهما المعتاد للآدمي، المعبّر عنه بالاستنجاء، ولا يتعيّن الماء في الغائط غير المتعدّي، عطف بـ(أو) الدالة على التخيير بين معطوفها وبين الماء في الاستنجاء المخصوص.

وقد اشتملت هذه العبارة الوجيزة على أكثر أحكام الاستجمار، وهي في مسائل:

____________

1- السكركة: خمر الحبشة. لسان العرب 4: 375 " سكر ".

2- الانتصار: 198.

3- ص 464 س1.

4- اختلف الفقهاء في اسناد هذا القول للسيد المرتضى، انظر مفتاح الكرامة 1: 59.


الصفحة 80
الاُولى: يجبُ بدلَ الماء مسحاتٌ ثلاث لا أقل وإن نقى بما دونها، كما يدلّ عليه إطلاق العبارة، وهو الأصح.

الثانية: التعبيرُ بالمسحات مُؤذن بأنّ الحجر غير شرط وإن جاء في بعض الأخبار(1).

الثالثة: إطلاقُ المسحاتِ يشمل استيعاب المحل بكلّ منها وتوزيعها على أجزاء المحل، فيجريان على الأصح في الثاني.

الرابعة: يستفادُ مِنْ قوله: (فصاعداً) أي فزائداً على الثلاثة، أنّه لو لم يحصل النقاء بها وجب الإكمال بما به يحصل.

الخامسة: يدخلُ في قوله: (بطاهر) الخشبُ والخرقُ ونحوهما، فيجزئ للاستجمار، فإنّ الباء فيه تتعلّق بـ (مسحات).

السادسة: يدخلُ فيه الحجر الواحد ذو الجهات وذو الجهة الواحدة إذ طهّر.

السابعة: يدخلُ فيه المنهي عنه كالمطعوم وإن حرم على الأصح فيه وفي ما قبله.

الثامنة: يدخلُ فيه أيضاً ما استعمل من الثلاث بعد النقاء فيجزئ لطهارته.

التاسعة: يدخلُ فيه أوراق المصحف، وتربة الحسين (عليه السلام)، ونحوهما. ويجب الاحتراز عنه، إذ لا يطهر المستجمر بها بل يكفر مع علمه، وتصريح بعض الأصحاب بالإجزاء فيه(2) مدخول.

____________

1- التهذيب 1: 209 حديث 604.

2- منهم ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 79.


الصفحة 81
العاشرة: يدخلُ فيه الصقيل الذي يزلق عن النجاسة، ويجب إخراجه قطعاً.

الحادية عشرة: يدخلُ فيه الرخو، ويجب إخراجه.

الثانية عشرة: يدخلُ فيه الرطب، ولا يجزئ كما نصّ عليه في (المنتهى)(1).

الثالثة عشرة: يدخلُ فيه التراب، ولايُجزئ ; لالتصاقه بالمحل حيث تنفصل منه أجزاء، ومثله ما لو كان الترابُ على الحجرِ وغيره.

الرابعة عشرة: يخرجُ عنه النجس، ولا يطهّر، ومنهُ المستعمل.

الخامسة عشرة: الجارُ في قوله: (في الاستنجاءِ) متعلّق بما دلّ عليه العطف بـ (أو) من معنى التخيير، أي هذا التخيير في الاستنجاء دون غيره، فخرجَ به إزالة غير البول والغائط من النجاسات وازالتهما مِنْ غير المخرج إذ لا يُعدّ استنجاء.

السادسة عشرة: يندرجُ في الاستنجاء إزالتهما عَنْ المخرج الطبيعي وغيره إذا صار مُعتاداً، وحكمَ بكونه ناقضاً ; لصدق الاستنجاء حينئذ لا قبل الاعتياد، إذ هو كإزالة سائر النجاسات.

السابعة عشرة: قوله: (غيرَ المتعدّي) بنصب (غير)، استثناء من الاستنجاء، أو بنزع الخافض. وبه يخرج ما تعدّى المخرج منه فإنّه لا يطهّره إلاّ الماء عندنا(2)، إذ ليس في مظنّة التخفيف.

____________

1- منتهى المطلب 1: 280، وذكره أيضاً في نهاية الإحكام 1: 88، وتذكرة الفقهاء 1: 126 ـ 127 مسأله 37.

2- ذهب الشافعي ـ في أحد قوليه ـ إلى عدم اشتراط الماء في المتعدّي. المجموع 2: 125.


الصفحة 82
الثامنة عشرة: يخرج بقوله: (من الغائط) البول، فإنّه لا يطهّره شيء سوى الماء عندنا(1) والأخبار عن أهل البيت (عليهم السلام) متواترة به(2).

التاسعة عشرة: يُعلمُ مِنْ العبارة عدم وجوب الاستنجاء للريح كما يقول بعض العامّة(3)، ولا مِنْ الدود والحصى الخاليين من النجاسة(4).

العشرون: يُعلم مِنْ قوله: (مِنْ الغائطِ) عدم ثبوتِ الرخصة لو خرج معه دم أو عين نجاسة ابتلعها كعظم الميتة ; لانتفاء كونه غائطاً صِرفاً، بخلاف ما لو اغتذى بنجاسة فاستحالتْ غائطاً فإنّ الرخصة بحالها.

الإحدى والعشرون: يُعلمُ مِنْ عطف المسحات بـ (أو) أنّ الإزالة بالماء أصل والاكتفاء بالتمسّح رخصة، وأنّ طهارة المحل تحصل به كالماء، إلاّ أنّه نجس معفو عنه، خلافاً لبعض العامّة(5). وتظهر الفائدة في جواز المصلّي مستجمراً، فعلى العفو لا يصح ; لاختصاصه بالمكلّف نفسه.

الثانية والعشرون: يُعلمُ مِنْ إطلاق العبارة عدم الفرق بين الرجال والنساء في ثبوت الرخصة، وكذا الأطفال والبالغين ; لإطلاق النصّ، وعموم المشقّة المقتضي لعموم التخفيف، ولكن يجب التقييد ببقاء رطوبة النجاسة بحالها فلو جفّت أو بعضها تعيّن الماء.

____________

1- ذهب جمهور العامّة إلى الاكتفاء بالأحجار مع عدم التعدّي. المجموع 2: 126، فتح العزيز 1: 482 ـ 483، الاُم 2: 122، مغني المحتاج 1: 45.

2- التهذيب 1: 50 حديث 147، الاستبصار 1: 57 حديث 166.

3- ذهب الشافعي إلى انتقاض الطهارة بخروج الريح من قبل المرأة. الاُم 1: 17، المجموع 2: 4، الوجيز 1: 15، فتح العزيز 2: 9.

4- ذهب جماعة من العامّة إلى انتقاض الطهارة بها كالشافعي وأبي حنيفة انظر: الاُم 1: 17، المجموع 2: 4، الهداية للمرغيناني 1: 14، المبسوط للسرخسي 1: 83.

5- اُنظر المجموع 2: 126، فتح العزيز 1: 482 ـ 483.


الصفحة 83
وكذا لو أصابها نجاسة اُخرى من خارج، إلاّ أن تكون مماثلة على أصح الوجهين.

وكذا يشترط عدم انتقالها عن المحلِ بقيام وغيره، وهذا قد يتكلّف إدخالها في قوله: (غيرَ المتعدّي) كما يتكلّف إدخال التي قبلها في قوله: (مِنْ الغائِط)، وهذه العبارة من بديع عبارات المصنّف (رحمه الله).

قوله: (بطاهر)(1).

ويُعتبر كونهُ قالعاً، وعدم جفاف المحل أو بعضه، وعدم رطوبة آلة الاستجمار.

قوله: (وانحرافُهُ)(2).

ربّما توهّم بعضهم من هذه العبارة الاكتفاء في الخروج عن الاستقبال بتحويل العورة خاصّة(3)، حتى صرّح به الفاضلان المقداد(4) وابن فهد(5)، وهو فاسد ; لقوله (صلى الله عليه وآله): " ولكن شرقوا أو غربوا "(6)، ولا يصدق التشريق للمكلّف بتحويل عورته خاصّة.

وأمّا هذه العبارة فلا دلالة فيها، إذ معنى (وانحرافُهُ عَنْ القبلةِ بِها) انحرافُ المكلّف والعورة جميعاً، فقد نصَّ أهل العربيّة على أن معنى ذهبت بزيد: ذهابهما جميعاً، حملاً لباء التعدية على معنى (مع).

____________

1- ص464 س1 وهذا القول وشرحه لم يردا في " م ".

2- ص466 س1.

3- منهم ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 80.

4- التنقيح الرائع 1: 69.

5- الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 39.

6- التهذيب 1: 25 حديث 64، الاستبصار 1: 47 حديث 130.


الصفحة 84

قوله: (وقد تُطهّر الأرض)(1).

لمّا ذكرَ أعداد النجاسات، وذكرَ أنّ المطهّر لها إزالتها بالماء على وجه مخصوص بعدد معيّن إذا كان الماء المزيل لها قليلاً، وأنّ بعض النجاسات قد تزول بالمسحات على وجه تقدّم بيانه، أشار إلى بقيّة ما يصلح لتطهير بعض النجاسات على بعض الأحوال بقوله: (وقد تُطهّر). ونبّه بـ (قد) الدالة غالباً على التقليل إذا دخلت على الفعل المضارع، على أنّ تطهير هذه الأشياء إنّما هو لبعض النجاسات في بعض الأحوال.

فأمّا الأرض فإنّها تُطهّر باطن القدم وباطن النعل والخف إذا زالت عنها عين النجاسة، سواء كان بالمشي أم لا ; للخبر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في النعلين: " فيمسحهما وليصلّي فيهما "(2).

وقوله (عليه السلام): " إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيّه فإنّ التراب له طهور "(3).

وقول الباقر (عليه السلام) في العذرة يطأها برجله: " يمسحها حتى يذهب أثرها "(4).

ولا يشترط جفاف النجاسة، ولا كونها ذات جرم ; للعموم. لكن يشترط طهارة الأرض ; لأنّ النجس لا يُطهّر. وهل يشترط جفافها؟ الظاهر نعم ; لانفعالها(5) مع الرطوبة، إلاّ أن تكون رطوبة يسيرة لا يلزم معها تعدٍّ.

ويُعلم مِنْ عدم اشتراط المشي في زوال النجاسة الاكتفاء بالدلك، كما

____________

1- ص 467 س1.

2- التاج الجامع للاُصول 1: 90.

3- سنن أبي داود 1: 267 حديث 385، مستدرك الصحيحين 1: 166، عوالي اللآلي 3: 60 حديث 178.

4- التهذيب 1: 275 حديث 809.

5- في " ش ": لانفصالها، وفي هامشها: لانتقالها.