الصفحة 85
سبق أنْ لا حصر للمشي، فلا يتقدّر بخمسة عشر ذراعاً، خلافاً لابن الجنيد(1)، بل الضابط زوال العين.

والحجر والتراب في ذلك سواء.

ويُلحق بالنعل الصنادل(2) لأنّها مما يُنتعل، وكذا خشبة أقطع الرِجْلِ ; لأنّها كالقدم. وكذا موضع القطع من القدم أو الساق لو مشى عليه مُعتاداً له، وهل يلحق به ما يأخذه بيده من خشبة ونحوها وقت تردّده؟ يحتمل ذلك. نعم لا يلحق به أسفل العكاز، وكعب الرمح، وسكّة الحرث قطعاً، وما يتناقله أهل عصرنا من لحاقها باطل ; لفقد النصّ وانتفاء المعنى.

وأمّا الشمس فإنّها تُطهّر الأرض والحصر والبواري بتجفيف نجاسة البول وشبهه، وكذا الخمر على الأقرب، لكن يشترط عدم بقاء شيء من أجزاء النجاسة، فلو بقيت حُمرة الخمر أو صُفرة البول ظاهرة في المحل لم تطهر، وفي اعتبار الطعم والرائحة تردّد.

وبالتجفيف المعتبر يطهر الظاهر والباطن، والسطوح الأعلى والأسفل وإن لم تُصبه الشمس ; لظاهر قوله (عليه السلام): " ما أشرقت عليه الشمس فقط طهر "(3).

____________

1- حكاه عنه الماتن في الذكرى: 15، وأسنده إليه أيضاً السيّد محمّد الموسوي العاملي في المدارك 2: 375 والمولى النراقي في المستند 1: 338. وبه رواية عن الأحول عن الإمام الصادق (عليه السلام) أخرجها الشيخ الكليني في الكافي 3: 380 حديث 1.

2- الصنادلُ، جمعُ الصَّنْدَلَة، كلمة أعجمية: وهي شِبه الخفّ، ويكون في نعله مسامير. وتصرَّفَ الناسُ فيه فقالوا: تَصَنْدَلَ ; إذا لبس الصندلة. المصباح المنير: 336 " صندل ".

3- التهذيب 1: 273 حديث 804 و2: 377 حديث 1572، الاستبصار 1: 193 حديث 677.


الصفحة 86
حكمَ بطهره، ولو طهر بعضه خاصة لم يطهر، وإلاّ يعترض بقوله: " ما أشرقت عليه الشمس " ; لتعذّر الحقيقة فيه، فحمل على المجاز بخلاف المدّعى ; لإمكان الحقيقة فيه.

وممّا يتوقّف فيه ما لو وضع حصير ونحوه على آخر فجفّ بالشمس من رطوبة النجاسة، فإنّ طهارة السطح السافل يستدعي طهارة ما تحته، وهو مُشكل.

ولا يلحق بالشمس الريح قطعاً، نعم لا تضرّ مشاركته لها.

ويلحق بالأرض في ذلك كلّ ما لا يُنقل ولا يُحوّل عادةً من الآلات، والأبواب، والأخشاب، والأشجار، والثمار متّصلة بها.

وأمّا النار فإنّها تُطهّر ما أحالته رماداً أو دخاناً إجماعاً، وهل تُطهّر ما أحالته فحماً؟ لا أَسْتَبْعِدهُ ; لزوال الصورة والاسم. أمّا لو أحالته خزفاً أو آجراً فلا، خلافاً للشيخ(1).

وأمّا الاستحالة فإنّها تتحقّق في مواضع:

أ: استحالة النطفة والعلقة حيواناً.

ب: استحالة العذرة تراباً.

ج: استحالة الكلب والخنزير ونحوهما ملحاً على الأصح فيهما، لكن يُراعى في العذرة عدم ملاقاتها للأرض رطبة، فمعه تنجس الأرض بها ويحصل الاختلاط، لكن يخرج عن كونها عين نجاسة فتقبل التطهير.

وكذا يشترط في صيرورة الكلب والخنزير ملحاً كون ماء المملحة كراً فصاعداً، وبدونه ينجس بالملاقاة، لكن يخرجان عن كونهما عين نجاسة

____________

1- المبسوط 1: 38.


الصفحة 87
كما قلناه سابقاً.

د: صيرورة الماء النجس بولاً لحيوان مُحلّل، وكذا الغذاء النجس إذا صار روثاً. ومثله الاستحالة في اللبن بالنسبة إلى الشاة ونحوها فيحلّ أكله، إلاّ إذا صارت جلالة وكذا النحل لو أكل أو شرب نجساً واستحال عسلاً، ما لم يُعلم بقاء عين النجاسة على موضع الملاقاة خاصّة واصابته المعسلة فإنّها تتنجّس.

هـ: استحالة الميتة دوداً، وكذا العذرة أيضاً وغيرها من الأعيان.

و: الماء النجس ونحوه لو سُقي به الزرع والخضروات بانتقالها إليها لكن يجب غسل ظاهرها.

ز: استحالة الخمر خلاًّ ولو بعلاج بشرط عدم نجاسته من خارج، ويطهر اناؤه أيضاً ولو كان قد غلا. ولا يُلحق به الدبس النجس والعصير العنبي مع الغليان ; اقتصاراً على المنصوص، لكن هل يُلحق به الفقاع لو استحال إلى بعض الأعيان الطاهرة؟ يُحتمل ذلك سيّما وقد ورد أنّه " خمر "(1)، فيندرج في الأخبار الواردة بطهره بالانقلاب.

ح: استحالة الدم قيحاً ونحوه، وقريب منه زوال النجاسة عن البواطن كالأنف والفم والعين والاذن والفرج للمرأة والرجل وغيرهما. والمراد به ما بطنَ من ذلك دون ما هو في حدّ الظاهر، لكن في كون ما يبدو من فرج الثيّب عند الجلوس لقضاء الحاجة ونحوه من الباطن نظر، ويظهر من كلام المصنّف في مصنّفاته عدمه، حيث أوجب غسله في الاستنجاء والغسل(2).

____________

1- الكافي 6: 422 ـ 423 حديث 1 و9، التهذيب 9: 124 ـ 125 حديث 539 و540، الاستبصار 4: 95 حديث 368 و369.

2- الذكرى: 21 و104.


الصفحة 88
وكما تكون الاستحالة مُطهّرة كذا قد تكون مُنجّسة إذا استحال الطاهر إلى أحد النجاسات، كما في الماء والغذاء الطاهرين إذا استحالا بولاً وروثاً لذي النفس غير المأكول.

وأمّا النقص فإنّه مُطهّر في العصير العنبي إذا ذهب ثلثاه أو صار دبساً، ولو عُمل خَبِيصاً(1) طهر بجفافه بالشمس على المعهود بين الناس.

وكذا نقص البئر بالنزح على التفصيل المقرّر في موضعه، وفي معناه غورها بالكليّة، فإنّه مُسقط لحكم النجاسة لو عادت، وهذا بناءً على تنجّسها بالملاقاة، وعلى العدم فالمعيار زوال التغيير، وهو الأصح.

أمّا الانتقال ففي الدم من ذي النفس إذا انتقل إلى البرغوث والبعوض ونحوهما ; لسرعة استحالته إلى دمها، دون ما على محلّ الامتصاص. وكذا الكافر إذا انتقل إلى الإسلام. ولا فرق في الكفر بين كونه أصليّاً وغيره، حتى الردّة الفطريّة على الأقرب.

وبقية المطهّرات: الغيبة في الآدمي، والتراب في الولوغ، وسيأتي ذكرهما في كلام المصنّف.

قوله: (والانتقال)(2).

كان في الأصل المقابل بخطّ ولد المصنّف بعد (النقص): (والانقلاب والانتقال)، ثم ضربَ على (الانقلاب) وكتبَ " صح "، وكأنّه اكتفى بالاستحالة عنه.

قوله: (في غير الآدمي)(3).

____________

1- الخَبِيص: طعام معمول من التمر والزبيب والسِمن. مجمع البحرين 4: 167 " خبص ".

2- ص 469 س1.

3- ص 469 س2.


الصفحة 89
أمّا الآدمي فلا بُدّ من غيبته زماناً يحتمل الإزالة، ويُعتبر مع ذلك علمه بالنجاسة، وأهليّته لإزالتها بكونه مميّزاً معتقداً وجوب الإزالة، واستخباثها على الظاهر، ولو أخبر بالإزالة وأمكنت فلا إشكال في القبول.

قوله: (مطلقاً)(1).

غابَ أم لا.

قوله: (إلاّ في بول الرضيع)(2).

فيكفي استيعاب المحل بالماء دون الرضيعة.

والرضيع: هو مَن يغتذي باللبن في الحولين بحيث لا يغلب عليه غيره ولا يساويه.

قوله: (في غيره)(3).

أي في غير بول الرضيع ; لأنّه بصدد بيان أحكام النجاسات في الغسل.

قوله: (بالسدر والكافور والقراح)(4).

أي مع السدر والكافور، ففي تركيب العبارة إشكال ; لأنّ الباء الداخلة على السدر لابُدّ من حملها على معنى (مع)، أو تنزيلها على حذف المضاف، أعني بماء السدر.

وأيّاً كان لا يستقيم بالنسبة إلى القراح، إذ لا معنى لتغسيله مع القراح، ولا بماء القراح بإضافة ماء إليه.

____________

1- ص469 س2.

2- ص 471 س1. وفي نسخة الألفيّة " ش1 ": الرضيع خاصّة.

3- ص 471 س1.

4- ص 471 س1 ـ 2.


الصفحة 90
وحمله على أنّه مُبتدأ محذوف الخبر قصد استئنافه إعراضاً عمّا قبله، كما في قوله (صلى الله عليه وآله): " حبّب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة "(1) ممكن له حظّ من الحسن، إلاّ أنّ فيه خفاء.

والماء القرَاح بفتح القاف: الذي لا يشوبه شيء، نصّ عليه في الصحاح(2).

والمراد به(3) هنا: الخالي من السدر والكافور خاصّة قطعاً، لا ما يتوهمه مَن لا تحصيل له من أنّ ماء السيل ونحوه ممّا فيه كدورة لا يجوز تغسيل الميّت به(4)، إذ المعتبر إطلاق اسم الماء، والخلو بالكليّة غير ممكن، إذ لابُدّ للماء من مخالطة الأجزاء الأرضية.

قوله: (ويُجزئ)(5).

أي ويجوز الثلاث، كما يدل عليه الإجزاء في العبارة المؤذن بالتخفيف، ومنه يعلم وجوبها كما هو الأصح ; لأنّ الإجزاء إنما يُستعمل غالباً في الواجب. ويتولاّها الصاب ; لأنّه الغاسل حقيقة.

____________

1- الخصال 1: 165 باب الثلاثة.

2- الصحاح 1: 396 " قرح ".

3- به: لم ترد في " ش ".

4- لم أعثر عليه، والظاهر أنّ مقصوده أحد معاصريه أو القريبين من عصره.

وقال الشيخ محمّد حسن النجفي في جواهر الكلام 4: 131 بعد تعريف القراح: ورُبّما ظُنَّ من ذلك أنّه لا يُجزئ التغسيل بماء السيل ونحوه ممّا مازجه شيء من الطين ونحوه وإن كان بحيث لا ينافي اطلاقيّة الماء ولعلّه الظاهر من السرائر حيث قال: (القراح: الخالص من إضافة شيء إليه) والذكرى: (القراح: الخالص البحت)، اللهمّ إلاّ أن يُريد مُجرّد تفسير اللفظ، لا اعتبار ذلك فيه.

انظر: الذكرى: 44، السرائر 1: 162.

5- ص472 س1.


الصفحة 91

قوله: (لها)(1).

أي للغسلات الثلاثة.

قوله: (والثلاث)(2).

أي ويجب.

قوله: (والثلاث بالتعفير أوّلاً في الولوغ)(3).

هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، والمراد بها الإشارة إلى حكم الإناء في الولوغ وإن لم يصرّح بذكر الإناء، وقد كان يجب عليه التصريح به ليتحرّز عن مذهب بعض العامّة، حيث أوجب التعفير في غير الإناء(4)، ولا يعرف من الأصحاب من يقول به.

أمّا الولوغ فالمراد به ولوغ الكلب خاصّة ; لأنّه قد ذكر وجوب السبع في الخنزير، فاللام فيه للعهد الذهني.

وولوغ الكلب في الإناء: هو شربه ممّا فيه بطرف لسانه، كما ذكره في الصحاح(5). وتحقيق البحث يتم بمسائل:

أ: يجب الغسل ثلاثاً إجماعاً إلاّ من ابن الجنيد أوجب سبعاً(6)، والخبر(7) يدفعه.

____________

1- ص 472 س1.

2- ص473 س1.

3- ص474 س1.

4- كالشافعي، حيث أوجب التعفير في الثياب وغيرها. انظر المجموع 2: 586، الوجيز 1: 9، السراج الوهاج: 23.

5- الصحاح 4: 1329 " ولغ ".

6- حكاه عنه المحقّق في المعتبر 1: 458، والعلاّمة في مختلف الشيعة 1: 336 مسألة 254.

7- التهذيب 1: 225 حديث 646، الاستبصار 1: 19 حديث 40.


الصفحة 92
ب: أولاهن بالتراب عند الأكثر(1)، وقال المفيد الوسطى(2)، والمرتضى اكتفى باحداهن(3)، وصريح خبر الفضل(4) حجّة عليهما.

ج: لا يُلحق به ولوغ الخنزير في وجوب التراب ; لعدم النصّ، والحمل عليه قياس، وخلاف الشيخ(5) ضعيف.

د: لا يشترط تجفيف إناء الولوغ بعد غسله، فيجوز استعماله مُطلقاً، خلافاً لظاهر عبارة المفيد(6).

هـ: لا يجزئ غير التراب مع إمكانه قطعاً ; لظاهر النصّ(7)، وحكى المصنّف عن ابن الجنيد التخيير بينه وبين غيره(8)، وكأنّه يُريد به مَن نحو اشنان وصابون.

و: لو لم يجد التراب ووجد ما أشبهه ففي الإجزاء تردّد، اختاره المصنّف في (الذكرى)(9)، ونفاه العلاّمة في (المنتهى)(10).

ومبنى القولين على أنّ الأمر بالتراب هل هو تعبّد، أم لكونه أكثر وجوداً؟ فعلى الأوّل لا يُجزئ، بخلاف الثاني. ويشكل بأنّه لو أجزأ عند

____________

1- كالشيخ الطوسي في الخلاف 1: 178 مسألة 133، وابن البرّاج في المهذّب 1: 28، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام 1: 56.

2- المقنعة: 65 و68.

3- الانتصار: 9.

4- التهذيب 1: 225 حديث 646، الاستبصار 1: 19 حديث 40.

5- المبسوط 1: 15، الخلاف 1: 186 مسألة 143.

6- المقنعة: 65.

7- التهذيب 1: 225 حديث 646، الاستبصار 1: 19 حديث 40.

8- نقله عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 1: 338 مسألة 209.

9- الذكرى: 108.

10- منتهى المطلب 1: 26.


الصفحة 93
الضرورة لأجزأ عند الاختيار نظراً إلى البناء.

ز: لو فقد التراب وما أشبهه، فعند الشيخ يُجزئ الاقتصار على الماء، ونُزّل على أحد معنيين: وجوب الماء مرّتين اقتصاراً على الممكن، ووجوبه ثلاثاً إحداهن بدل(1). وبمثل قوله قال المصنّف في (الدروس)(2)، والعلاّمة في (التذكرة)(3)، والظاهر عدم الإجزاء.

ح: لو خيف فساد المحل باستعمال التراب وشبهه كما في النفيس، أو كان الاستعمال متوقّفاً على الإفساد، كما في بعض الأواني الضيقة التي لا يتوصّل إليها بدون كسر بعضها، فإن أمكن مزج الماء بالتراب وإنزاله إلى الأخير وخضخضته بحيث يستوعب وجب، وإلاّ فالظاهر الاكتفاء بالماء فيها.

والفرق بين ذلك وبين فقد التراب إفضاء هذا التفصيل إلى التعطيل الدائم، وهو غير مناسب لحكمة الشارع وتخفيفه، بخلاف الثاني ; لأنّ وجود التراب مرجو.

ط: لو كان الإناء ممّا لا يُدلك بالتراب في العادة كالقربة، فهل يجب إيصاله إليه بالمزج بالماء ونحوه، أم لا، نظراً إلى المتعارف؟ كلّ مُحتمل.

ي: يشترط في التراب أن يكون طاهراً، إذ النجس لا يُطهّر.

يا: لا يشترط في التراب مزجه بالماء، وشرطه ابن ادريس(4) تحصيلاً لحقيقة الغسل، وعبارة الرسالة قد تُفهمه ; لأنّ الباء في قوله: (بالتعفير) إن كانت بمعنى (مع) فظاهر، إذ التقدير: وتجب الغسلات الثلاث

____________

1- المبسوط 1: 14.

2- الدروس 1: 125.

3- تذكرة الفقهاء 1: 86.

4- السرائر 1: 91.


الصفحة 94
مع التعفير أوّلاً، أي مع الدلك بالعفر وهو التراب في أوّل الغسل ومثله لو جعلت للاستعانة على حدّ قولك: كتبتُ بالقلم.

وكيف كان فليس مراداً للمصنّف ولا مذهباً له، والمعتمد إجزاء الأمرين.

يب: المعتبر في المتولّد بين الكلب وغيره صدق الاسم، وإلاّ لم يجب التراب.

يج: لو تكرّر الولوغ تداخل، اتّحد الكلب أو تعدّد.

يد: لو تكرّر في الأثناء كفى الاستثناء من رأس.

يه: وجوب التراب إنّما هو في ولوغه خاصّة دون باقي أعضائه، خلافاً لابن بابويه(1).

يو: لطعه الإناء بلسانه كولوغه بطريق أولى.

يز: وجوب التراب في ولوغه مختصّ بالإناء دون غيره عندنا(2).

يح: لو ولغ في إناء فيه طعام جامد اُكتفي بالقاء النجس وما يكتنفه إن لم يُصب الإناء.

يط: لو جامع نجاسة الولوغ ونجاسة اُخرى تداخلتا وحكم لأكثرهما غسلاً، لكن لابُدّ من التراب، ولو كان في الأثناء كفى الغسل الواجب للطارئة على ما نختاره.

ك: لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس أو كثير لم يعتدّ به إن كان قبل التعفير، وإلاّ كفى عن الغسلتين، خلافاً للشيخ(3).

كا: قال في (المنتهى): لو كان الإناء ممّا يُعصر لم يحتسب له غسلة

____________

1- المقنع: 12.

2- انظر المجموع 2: 587.

3- المبسوط 1: 14.


الصفحة 95
إلاّ بعد عصره(1). والظاهر أنّه يُريد الإناء المتّخذ من الجلود، ويكفي في العصر تغميزه إن تعذّر المعتاد.

كب: قال المصنّف في (الذكرى) والعلاّمة في (المنتهى): إنه لا يُعتبر التراب فيما نجس بماء الولوغ(2). وهو حقّ إن كان الغسل بعد التعفير مُطلقاً، أو كان المتنجّس به غير الإناء، وإلاّ فالظاهر الوجوب، لأنّها نجاسة الولوغ.

وزاد في (المنتهى) مساواة ماء الولوغ لباقي النجاسات. وهو مشكل ; نظراً إلى أنّ حكم النجاسة يخف شرعاً بزيادة الغسل ويشتد بنقصانه، فلا تتّجه التسوية.

قوله: (والسبع)(3).

أي الغسلات السبع تجب لإزالة نجاسة الخنزير، وموت الفأرة إذا حصل معه ملاقاة الإناء بالرطوبة. ووجوب الثلاث بالتعفير في الولوغ والسبع فيما ذكره، وإنّما هو في الإناء خاصّة، أمّا الثوب والبدن فيغسلان منها كما يغسلان من سائر النجاسات، وعبارة المصنّف موهمة.

قوله: (والغسالة كالمحلّ قبلها)(4).

أي غسالة النجاسة، وهي ماء انفصل عن محلّ النجاسة إذا كان الغسل بالقليل ; لأنّه المفروض.

ومراده بقوله: (كالمحلّ قبلها) بيان حكمها في الطهارة والنجاسة.

____________

1- منتهى المطلب 1: 180.

2- الذكرى: 18، منتهى المطلب 1: 189.

3- ص 475 س 1.

4- ص475 س1.


الصفحة 96
والمعنى أنّ حال الغسالة المنفصلة عن المحلّ المغسول من النجاسة كحال المحلّ قبل ورود تلك الغسلة عليه، فإن كان طاهراً لكونه قد كمل غسله الواجب شرعاً فهي طاهرة، وإن كان نجساً فهي نجسة كنجاسته سواء، حتى يعتبر للتطهّر مِن ماء تلك الغسلة ما يعتبر للمحلّ قبل ورودها عليه، وهذا هو أحد أقوال الأصحاب وأشهرها بين المتأخّرين.

والقول الثاني: أنّها كالمحلّ بعد ورودها عليه، فإن كان محكوماً بطهارته بعد الورود فهي طاهرة، وإلاّ فهي نجسة كنجاسته سواء.

والقول الثالث: أنّها كالمحلّ بعد الغسل الواجب شرعاً كلّه وحكمه الطهارة، فتكون طاهرة مطلقاً.

وبالثاني أفتى الشيخ في (الخلاف)(1)، وبالثالث المرتضى(2)، وابن البرّاج(3)، وابن ادريس(4)، وتردّد في المبسوط(5).

ويتفرّع على الأقوال الثلاث ما لو جمع المستعمل في كلّ غسلة على حدة مع رعاية اختلاف النجاسات في الحكم، ثمّ أصاب محلاًّ، وذلك كما في غسلات الإناء من الخمر والخنزير والفأرة، فإنّه لو أصاب إناء آخر من ماء إناء الأول غسل سبعاً على الأوّل، وستاً على الثاني، ولا يجب شيء على الثالث.

ولو كان من ماء الثالثة فستّاً على الأوّل، وخمساً على الثاني دون الثالث. وعلى هذا.

____________

1- الخلاف 1: 44 مسألة 179 كتاب الطهارة.

2- الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): 215.

3- المهذّب 1: 27.

4- السرائر 1: 18.

5- المبسوط 1: 36.


الصفحة 97
ولو كان من غسلات الولوغ اعتبر التعفير لو أُصيبت من الاُولى مع الرطوبة على الأوّل دون الأخيرين، لكن يغسل مرّتين على الثاني فقط.

ولو كان من غسالة ما سوى ذلك من النجاسات بنى على قدر الواجب في الإناء منها، والصحيح أنّه ثلاث، فيخرج على الأقوال الثلاثة.

ولو أصابت ثوباً أو بدناً، فإن كان من ماء الخامسة غسل مرّتين على الأوّل والثاني دون الثالث، أو من ماء السادسة فمرّتين على الأوّل ومرّة على الثاني، ومن ماء السابعة فمرّة على الأوّل خاصّة، وما قبل الخامسة كالخامسة.

والسرّ فيه أنّ الثوب والبدن إنّما يغسلان مرّتين من سائر النجاسات، وقيل: مرّة واحدة، ولا يجب فيها التعفير عندنا، فلو أصابهما من إناء الولوغ اكتفى بالغسل قطعاً. وإنّما اختلف الحكم باختلاف الأقوال الثلاثة; لأنّ ماء الغسل الواجب كلّه نجس على القول الأوّل دون ما عداه، حتى المتخلّف في الثوب بعد عصره من الثانية نجس لو انفصل كما قرّره المتأخّرون.

وعلى الثاني ماء الأخيرة من الغسل الواجب طاهر وما عداه نجس.

وعلى الثالث ماء الغسلات كلّها طاهر.

ولم يُعرف للأصحاب المشهورين قول بنجاسة الغسالة من غير الغسل الواجب حتى لو تراما إلى ما لا نهاية له كان نجساً، وظاهر كلام شيخنا المصنّف في (الدروس) أنّ به قائلاً(1)، ولا شكّ أنّه أعلم، غير أنّ بعض المتأخّرين نسب القول به إلى العلاّمة والمحقّق، وقد يوجد ذلك في

____________

1- الدروس 1: 122.


الصفحة 98
بعض الحواشي المنسوبة إلى المصنّف على (التحرير) وغيره، ولا شكّ في بطلان هذه النسبة.

وفي (الذكرى) حكى الأقوال الثلاثة فقط، نعم قال: إنّ عبارة ابن بابويه وكثير من الأصحاب غير صريحة في التنجيس; لأنّهم إنّما ذكروا المنع من استعمالها وهو أعمّ من النجاسة(1).

وبحث المسألة يحتاج إلى سعة ليس هذا موضعها، لكن ما كتبه المصنّف على هذا المحلّ في حواشيه ليس سليماً من الطعن، وما أخذناه هنا لا يخلو من تحقيق.

قوله: (وعُفي عمّا لا يرقى من الدم)(2).

أي من دم القروح والجروح، ولا يجب عَصب الجرح ولا تقليل الدم، بل يُصلّي كيف كان وإن سال وتفاحش إلى أن يبرأ، ونقل الشيخ فيه الإجماع(3). وهذا بخلاف المستحاضة والسَلس والمبطون، إذ يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة، أو تقليلها بحسب الإمكان، والفرق اختصاص الأوّل بالنصّ(4).

ولو تعاقب دم الجرح بفترة تسع قدر الصلاة فقد أوجب في (الذكرى) إزالته وفعلها فيه(5)، وظاهر قول الباقر (عليه السلام): " لستُ أغسل ثوبي حتى تبرأ "(6) يدفعه.

____________

1- الذكرى: 13.

2- ص 476 س1.

3- المبسوط 1: 36.

4- التهذيب 1: 256 حديث 744، الاستبصار 1: 177 حديث 615.

5- الذكرى: 13.

6- الكافي 3: 58 حديث 1، التهذيب 1: 258 حديث 747، الاستبصار 1: 177 حديث 616.


الصفحة 99

قوله: (وعمّا نقص عن سعةِ درهم بَغلي)(1).

هو باسكان العين المعجمة، منسوب إلى رأس البغل، ضربه للثاني في ولايته بسكة كسرويّة، وقيل: بل منسوب إلى البَغَلّ، بفتح العين المعجمة وتشديد اللام: قريه بالجامعين(2)، والأوّل أثبت.

وكيف كان فوزنه درهم وثلث مجموعها ثمانية دوانيق، وقُدّر بسعة أخمص الراحة، وهو المنخفض من الكف تقريباً، ذكره ابن ادريس عن مشاهدة(3)، ولا بأس به، وربّما قدّر بغير ذلك.

وهذا العفو إنّما هو في غير دم الحدثِ ونجس العين، ومنه الميتة; لغلظ نجاستها، فإطلاق المصنّف اللفظ محل تقييد.

ويُفهم من قوله: (عمّا نقص) أنّ ما زاد عليه أو بلغه لا يُعفى عنه، وهو كذلك على الأصح في الثاني.

ولا فرق بين الثوب والبدن، والمجتمع والمتفرّق، فيقدّر مجتمعاً ليتعلّق به الحكم بالعفو أو عدمه، والثياب المتعدّدة كالواحد، وذو البطانة كثوبين.

ولو أصاب الدم وجهي الثوب، فدمٌ واحد إن تفشّى فاتصل أحد الدمين بالآخر، وإلاّ فكلّ دم على حدة، ولو تفشى بعضٌ دون آخر اُعطي كلّ حكمه.

ولو أصابه نجاسة اُخرى فلا عفو، بخلاف المماثلة فالعفو إن لم يبلغ الدرهم، ومثله المائع الطاهر على الأقرب; تعدية الحكم من الأقوى إلى

____________

1- ص 477 س1. وفي نُسختي الألفيّة " ش1 " و" ش2 ": الدرهم البغلي.

2- معجم البلدان 3: 96.

3- السرائر 1: 177.


الصفحة 100
الأضعف بطريق أولى، ومنه يُعلم حكم المتنجّس بدم يُعفى عن مثله أصاب الثوب وغيره ولم يبلغ النصاب.

قوله: (وعن نجاسة ثوب المربيّة للصبي)(1).

دون غيره، سواء كان ببوله أو بغائطه، وكذا الصبيّة والمربّي والولد المتعدّد على الأقرب.

قوله: (وإن وجب)(2).

أي عُفي عنه والحال أنّ غسله في اليوم والليلة مرّة واجب ولتتحرَّ إقلال النجاسة.

قوله: (وعن نجاسة ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده)(3).

المراد به تعميم الحكم في النجاسة كائنة ما كانت، والمراد بـ (ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده) نحو الجورب، والقلنسوة، والتكة، والخف، والنعل بضرب من التأويل، وإلاّ فبعضها تتمّ الصلاة فيه، إذ الواجب ستر العورتين. وأسند في (الذكرى) إلى ظاهر الأصحاب اعتبار كونها من الملابس، فلا يُعفى عن نحو الدنانير والدراهم النجسة(4).

وفيه مناقشة; لأنّ عباراتهم تضمّنت العفو عمّا لا تتمّ فيه الصلاة، ومثّلوا له بنحو الجورب والقلنسوة، وهو لا يقتضي التخصيص، نعم اشترط العلاّمة كونها في محالّها(5)، ويدفعه عموم قوله (عليه السلام): " كلّ ما كان على

____________

1- ص 478 س1.

2- ص 478 س1.

3- ص 478 س2.

4- الذكرى: 17.

5- منتهى المطلب 3: 260، تذكرة الفقهاء 2: 482.


الصفحة 101
الإنسان أو معه "(1).

قوله: (مطلقاً)(2).

أيّ نوع كانت من أنواع النجاسات، فيصلّي في الثوب إن شاء وإن شاء عارياً، ولا إعادة عليه على التقديرين، والأفضل الصلاة في الثوب ولا يتعيّن، والعبارة كالمجملة بالنسبة إلى هذه الأحكام.

تفريع على قوله: (وعن النجاسةِ مُطلقاً):

لو تعدّدت النجاسة في الثوب أو البدن، وأمكن إزالة بعض الأنواع دون بعض وجب قطعاً، سيّما إذا كان الباقي معفواً عنه، ولو استوت في عدم العفو تخيّر في الإزالة.

ولو اتحّد نوعها، فإن أمكن تقليلها ليبلغ حدّ العفو وجب قطعاً، وإلاّ ففي الوجوب نظر.

ولو استوت نجاسة الثوب والبدن ولم يختصّ ما على البدن بالعفو، تخيّر في حكم الإزالة، فلا إشكال في الصلاة في الثوب وعدم جواز الصلاة عارياً، وإن اختلف أو اختصّ ما على البدن بالعفو تخيّر.

وفي حكم الإزالة عن الثوب إبداله بطاهر، أو معفو عن نجاسته، أو بموافق نجاسة البدن.

قوله: (والكفّين)(3).

من الزند.

____________

1- التهذيب 1: 275 حديث 810.

2- ص479 س1.

3- ص 480 س2.


الصفحة 102

قوله: (وظاهر القدمين)(1).

وكذا باطنهما.

قوله: (لها)(2).

أي للمرأة; بدليل تقييده بالرَجلِ سابقاً، الحرّة ; بدليل ذِكْر الأمة بعده.

قوله: (والأولى)(3).

بل يجب.

قوله: (ستر شعرها)(4).

وكذا العنق.

قوله: (والأمة المحضة)(5).

وهي القنّة، أما مَن تحرّر بعضها فكالحرّة.

قوله: (أن لا يكون ميتة)(6).

إنّما اشترط في الساتر كونه غير ميتة بعد اشتراط طهارته، مع أنّ اشتراط الأوّل مغن عن اشتراط الثاني، مخالفاً لأكثر الأصحاب، لأمرين:

الأوّل: التنبيه على انفكاكهما عند بعضهم، فابن الجنيد يرى أنّ جلد الميتة يطهر إذا دبغ، ولا يجوز الصلاة فيه عنده(7)، فالناظر في جمعها إذا بحث حقّ البحث وقع على الخلاف المذكور.

____________

1- ص 480 س3.

2- ص 480 س3.

3- ص 481 س1.

4- ص 481 س1.

5- ص 481 س1.

6- ص482 س3. وفي نُسختي الألفيّة " ش1 " و" ش3 ": جلد ميتة.

7- حكاه عنه العلاّمة الحلّي في مختلف الشيعة 1: 342 مسألة 262.