الصفحة 120
بذلك ما لو كان من نيّته أوّل الأمر الوصول إلى بلده في أثناء المسافة أو إقامة العشرة، فإنّه ليس له أن يقصّر حينئذ.

قلنا: هذا المعنى صحيح، لكن أين اللفظ الدال عليه، وقد كان يجب أن يقول: وانتفاء قصد الوصول; ليفيد هذا المعنى.

الثاني: أنّ قوله: (أو ثلاثين مُطلقاً) لا يستقيم بالنسبة إلى واحد من المعنيين:

أمّا اشتراط جواز القصر بانتفائه فضاهر امتناعه، إذ لا يمكن اجتماع قصد إقامة ثلاثين يوماً وكونها على التردّد; لمنافاة القصد التردّد، فأيهما ثبت انتفى الآخر، فلا معنى لقولنا: يشترط لجواز القصر انتفاء قصد إقامة ثلاثين يوماً على التردّد بغير نيّة.

وأمّا كونه قاطعاً لحكم السفر في المستقبل; فلأنّه إنّما يقطعه إذا قام ثلاثين يوماً على التردّد، لا حين الوصول، كما هو مقتضى قوله: (وانتفاء الوصول إلى مقام ثلاثين مطلقاً). وكأنّ المصنّف حاول التنبيه على ما يكون مانعاً من حكم السفر في الجملة، أعمّ من أن يكون في الابتداء والدوام، أو قاطعاً في الدوام خاصّة، لكن لا يحسن منه ذلك; لأنّه بصدد بيان شروط القصد لا قواطعه، وما قبله كلّه كذلك، مع أنّ آخر عبارته لا يسلم من المناقشة على كلّ من التقديرين كما سبق.

ونبغي قراءة قوله: (أو إلى مُقام عشرة) بضم الميم الاُولى; لأنّه من أقام، والموضع ما جاوز الثلاثة مضموم الميم كما نصّ عليه في الصحاح(1).

____________

1- الصحاح 5: 2017 " قوم ".


الصفحة 121
واعلم أيضاً أنّ المصنّف قال في حواشيه: إنّ الإطلاق في العبارة بالنسبة إلى النيّة وعدمها.

وهو غير مستقيم; لأنّه مع النيّة تكفي العشرة، وقد تقدّم في كلامه النصّ عليها، بل الصواب حمله على التردّد في النيّة كما قدّمناه.

وقوله: (ما لم يغلب السفر) إشارة إلى الشرط السادس للقصر، و(ما) هذه ظرف بمعنى المدّة، والتقدير: شمول السفر موجب للقصر بالشروط السابقة مدّة عدم غلبة السفر على الحضر، أمّا إذا غلب فإنّه يجب التمام.

وليس المراد من غلبة السفر كون زمانه أكثر من زمان الحضر، وإلاّ لزم أنّ من أقام في بلده عشرة وسافر عشرين يلزمه التمام، وهو باطل، بل المراد به تكررّ السفر إلى مسافة ثلاث مرّات، فإنّ حكم الاتمام يجب في الثالثة، ولا عبرة بالسفر إلى ما دون المسافة، فلا يُعدّ في الثلاث.

ولا فرق في اعتبار الثلاث بين من اتخذ السفر حرفة كالمكاري، وغيره.

ويُشترط عدم تخلّل إقامة عشرة في بلده مُطلقاً وفي غير بلده بالنيّة، فإن تخلّلت السفرات الثلاث استؤنف الحكم بعدها وبطل حكم ما مضى، وكذا لو حصلت بعدها فإنّها تزيل حكمها أيضاً. وإلى هذا الأخير أشار بقوله: (إلاّ أن يقيم عشراً) ولا بُدّ من تقييده بالنيّة في غير بلده كما عرفت.

ولا يُشترط في العشرة التوالي، نعم يشترط عدم تخلّل الفصل بينهما بمسافة.

وهذا كلّه في غير الملاّح الذي أهله معه وسفينته بيته، فإنّه لا يسوغ له القصر وإن قصد مسافة ولم يكثر سفره; لأنّه غير ظاعن، وينبغي ثبوت

الصفحة 122
ذلك في البدوي ونحوه.

ولو غيّر كثير السفر صنعته فهل يستأنف الحكم؟ فيه كلام ليس هذا موضعه.

وقد اشتملت هذه العبارة الفائقة على أكثر مباحث السفر مع شدّة الاختصار، المالك لزمام البلاغة.

قوله: (في المقارنات)(1).

وهي ما تلتئم منه حقيقة الصلاة، ركناً كان أم لا.

قوله: (سبعة)(2).

تفصيلها: أنّ القصد إلى تعيين الفريضة ـ كالظهر مثلاً ـ واجب أوّل، وإنّما عدّى القصد بـ (إلى); لأنّه في الحقيقة إرادة ينتهي بالمراد، فاختار له (إلى) الدالة على انتهاء الغاية، وهو وإن كان يتعدّى بنفسه; لأنّك تقول: قصدتُ الشيء، أي أردته، إلاّ أنّ تعديته بالحرف أدلّ على توجيه النفس إلى الشيء المقصود.

ثمّ (الوجوب) بالرفع عطفاً على (القصد) بحذف (إلى)، والعامل فيها وفي المجرور اكتسابه إعرابه لأمن اللبس، والتقدير: القصد إلى الوجوب. ولا ينبغي قراءتُه بالجر عطفاً على التعيين وإن كان مثله جائزاً في العربيّة; لفوات المناسبة بينه مع ما بعده من أجزاء النيّة وبين المقارنة والاستدامة; إذ لا يتصوّر فيهما إلاّ الرفع عطفاً على القصد، فهذا واجب ثان.

(والأداء) أي القصد إليه، واجب ثالث.

(والقضاء) أي القصد إليه واجب رابع.

____________

1- ص 519 س1.

2- ص 519 س4.


الصفحة 123
(والقربة) أي القصد إلى إيقاع الفعل للقربة، واجب خامس.

ثمّ السادس والسابع المقارنة والاستدامة.

فإن قلتَ: الأداء والقضاء لا يجبان في نيّة واحدة جمعاً، بل على طريق البدل بحسب اختلاف حال الصلاة، ولذلك عطف المصنف القضاء بـ (أو) الدالة على البدليّة، فلا يتمّ العدد على ما ذكرته.

قلتُ: هذا بعيد عن التحقيق; لأنّ ما ذكرته من البدليّة إنّما هو في نيّة خاصّة كالظهر مثلاً، وكلامنا في ماهيّة نيّة الصلاة المطلقة من حيث هي هي الشاملة للأداء والقضاء. ومعلوم أنّ قيود أفراد الماهيّة قيود للماهيّة، فيكون الأداء والقضاء قيدين لهما، كالناطق والصاهل بالنسبة إلى الحيوان، فإنّ الماهيّة موجودة مع كلّ منهما.

فإن قلتَ: إذا كان غرضه بيان ماهيّة النيّة من حيث هي، فَلِمَ عطفَ القضاء بـ (أو)، مع أنّه من واجباتها كالأداء؟

قلتُ: لينبّه من أوّل الأمر على أنّهما ليسا كالذي بعدهما وقبلهما، فإنّهما قيدان للماهيّة، لا للأفراد بل لبعضها، بخلاف غيرهما.

وقد خفي هذا المعنى على بعض الشارحين فخبط هنا خبط عشواء، وقال: إنّ مُطلق القصد إلى الصلاة واجب أوّل، وإنّ التعيين واجب ثان، وحملَ (إلى) في كلام المصنّف على معنى (مع)، وزعم أنّ في بعض النسخ القصد والتعيين بالواو(1).

وهذه عدّة أوهام اجتمعت عليه فلم يدرِ أين يذهب، وهل يقول

____________

1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد الملّية: 112.


الصفحة 124
عاقل إنّه يجب على المكلّف أن يقصد مُطلق الصلاة في نيّته بقصد الصلاة المعيّنة.

وأشدّ خبطاً جعله التعيين نفسه من أجزاء النيّة، وهذا ينادي بأنّه لم يُحقّق معنى النيّة، وهي في الحقيقة القصد المتعلّق بهذه الاُمور المذكورة، فالقصد إلى التعيين أحد أجزائها لا التعيين نفسه، بل هو معروض الجزء ومتعلّقه، وكذا القصد إلى الوجوب، وكذا القصد إلى الأداء أو القضاء، وكذا القصد إلى القربة; لأنّ النيّة لمّا كانت قصداً مخصوصاً وإرادة معيّنة، امتنع أن يكون اجزاؤها غير مقصود.

ثمّ حَمْلُهُ (إلى) على معنى (مع) دليلٌ على أنّه لم يتعقّل معنى قوله: (القصد إلى التعيين)، وقد بيّناه سابقاً.

ودعواه أنّ في بعض النُسخ (واو) وإن تمّت فهو من غلط الكاتب.

وأمّا من جهة المعنى فقد أوضحناه بما لا مزيد عليه، وأمّا من جهة النقل فالذي في النسخ الصحيحة (إلى)، وبعضها مقروء على المصنّف وعليه خطّه، وما كنتُ أظن أنّ أحداً يتمادى في الوهم إلى هذا الحدّ الذي بلغه الشارح.

قوله: (والمقارنة للتحريمة)(1).

أي مقارنة مجموع النيّة لمجموع التحريمة، وإنّما يكون ذلك باستحضار النيّة بجميع أجزائها عند أوّل التكبير، واستدامتها فعلاً إلى آخره.

وإنّما وجب ذلك; لأنّ النيّة هي القصد المخصوص عند أوّل العبادة، وأوّلها هوالتحريمة، فيجب استحضار جميعها عند أوّلها.

____________

1- ص 519 س5.


الصفحة 125
وإنّما وجب استدامتها فعلاً إلى آخره; لأنّ الدخول في الصلاة إنّما يتحقّق بتمام التكبير. ومن ثمّة لو تمكّن المتيمّم من استعمال الماء قبل اتمامه تعيّن، فلو عزبت قبل اتمامه لم تتحقّق المقارنة، هكذا قررّه المصنّف في (الذكرى)(1).

ولك أن تقول: لا نسلّم أنّ الدخول في الصلاة إنّما يتحقّق بتمام التكبير، وما ذكره لا يدلّ على مراده; لجواز أن يقال بتمام التكبير يتبيّن الدخول في الصلاة من أوّله، فيكون اتمامه كاشفاً عن ذلك. ويشهد لصحته أنّه لو فعل مُنافياً للصلاة في أثنائه كالاستدبار لم ينعقد، ولو كان خارجاً عن الصلاة لم يؤثّر فيه ذلك.

وعلى هذا فيكفي مقارنة مجموع النيّة لأوّله، فإن تعسّر فآخرها لأوّله، ولا ريب أنّ ما ذكره (رحمه الله) أولى وأحوط.

قوله: (وصفتها)(2).

إنّما قال في النيّة: (وصفتها)، وفي التحريمة: (وصورتها); لأنّ التعبّد في النيّة بقصد معاني ما ذكر، بخلاف التحريمة; لأنّ التعبّد بهذا اللفظ المخصوص.

قوله: (قربة إلى الله)(3).

منصوب على أنّه مفعول له، أي لأجل القربة.

قوله: (بطلت في قول)(4).

____________

1- الذكرى: 177.

2- ص 522 س1.

3- ص 522 س1.

4- ص523 س1.


الصفحة 126
هذا القول هو المعتمد، ولا فرق في المنافي بين المنافي بالذات كالحدث أو بالعرض كالذكر رياءً، فإنّ منافاته لا بالذات بل لعروض قصد الرياء، فنيّة كلّ منهما مُبطل على الظاهر; لفوات الاستدامة للنيّة مع كلّ منهما.

قوله: (بعد الإقامة)(1).

أي وكلّ كلام لغير حاجة بعد الإقامة مكروه، فهذا مكروه. ودليل الكبرى النقل عن أهل البيت (عليهم السلام)(2).

وبعضهم يرى استحباب ضميمة اللّفظ إلى القصد; لأنّ فيه زيادة عمل فيتضاعف به الثواب.

وهو ضعيف; لأنّ المستتبع للثواب هو المنقول عن صاحب الشرع، وهو منتف هنا، كيف ولم ينقل أحدٌ من السلف الصالح التلفّظ بالنيّة ولا الأمر به، حتى لم تنقل للنيّة صفة مخصوصة، وإنّما استنبط العلماء ذلك بأنظارهم، وكيف يعرضون عنه لو كان مُستحباً؟!.

وزعم بعض الشارحين أنّ النيّة تجري فيها الأحكام الخمسة، وجعل الوجوب حيث يتعذّر القصد من دون اللفظ، والحرمة حيث ينافيه(3).

وهذا من أغاليط هذا الشارح الفاحشة، وهل يتصوّر متصوّر أنّ قصد الفاعل المختار إلى إيقاع فعل على وجه مخصوص يتوقّف على التلفّظ بلفظ يوافق ذلك القصد، وهل تكون الارادة القلبية متوقّفة على فعل

____________

1- ص 524 س1.

2- التهذيب 2: 55 حديث 191، الاستبصار 1: 301 حديث 112.

3- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعية في شرح الألفية المطبوعة بهامش الفوائد الملية: 119.


الصفحة 127
اللسان.

وما يُخيّله الشيطان لبعض أهل الوسواس ـ ممّن قد استعبدهم واستهواهم، بحيث استقرّ في نفوسهم ـ الاستعانة باللفظ، يكفي في التنفير منه أنّه من الوساوس الشيطانيّة التي قد أمر الله بالاستعاذة منها(1)، وامتلأت السنّة المطهّرة بالنهي عنها.

ومثل هذا تجويزهُ منافاةَ اللفظِ القصد، وهل يصدّ الفاعل المختار عن قصده بقلبه إلى أمر من الاُمور بلفظه أو بلفظ غيره إلاّ ما ذكرناه من الوسواس الشيطاني، وهذا ديدن هذا الشارح يقول ما عنّ له ثم لا يبالي أصابَ أم أخطأ.

قوله: (أبدل الصيغة)(2).

أي بصيغة اُخرى بطلت تلك الصيغة المأتي بها، فمن ثمّ أنّث الضمير في بطلت.

قوله: (بطل)(3).

أي تكبيره.

قوله: (مقارنتها)(4).

أي التحريمة أو التكبيرة.

قوله: (بطل)(5).

أي تكبيره أيضاً.

____________

1- الاعراف: 200.

2- ص 525 س2.

3- ص 525 س3.

4- ص526 س2.

5- ص 526 س2.


الصفحة 128

قوله: (بحيث يصير استفهاماً)(1).

أي بصورة الاستفهام; لأنّ همزة الاستفهام إذا انضمّت إلى همزة الاسم الشريف ثم سهل صار همزة ممدودة هكذا: آلله. وظاهر كلام المصنّف البطلان به مطلقاً، أمّا إذا قصد به الاستفهام فظاهر، وأمّا إذا لم يقصد فلخروجه عن صيغة الأخبار.

ويحتمل ضعيفاً العدم; لأنّه كإشباع الحركة.

واحترز بقوله: (فلو مَدَّ همزة الله) عمّا لو مَدَّ الألف الذي بين اللام والهاء، فإنّه لا يُبطل وإن كره. وإنّما كان قوله: (فلو... إلى آخره) احترازاً عنه; لأنّه في قوّة البيان لما ذكر قبله، وهذا طريق مسلوك.

قوله: (لو مَدَّ أكبر)(2).

أي اشبع فتحة الباء بحيث صارت ألفاً، فقال: اكبار، فإنه جمع كَبَر بفتح الكاف والباء: وهو الطبل له وجه واحد(3). ولا فرق في البطلان بين أن يقصد ذلك أو لا، كما قلناه فيما قبله.

قوله: (ترتيبها)(4).

أي التحريمة.

قوله: (بطل)(5).

أي بطل تكبيره، ولا يُعترض بأنّه ترجم التكبير بالتحريمة، فقد كان الصواب تأنيث الضمير; لأنّهم نصّوا على أنّ الشيء الواحد إذا عبّر عنه

____________

1- ص526 س4.

2- ص 526 س4.

3- المصباح المنير 2: 209، تاج العروس 7: 432 " كبر ".

4- ص 527 س1.

5- ص 527 س1.


الصفحة 129
بلفظين أحدهما مُذكّر والآخر مُؤنّث، يعاد الضمير إلى أحدهما بتأويل الآخر، كما نقل من قولهم: فلان آتيه كتابي فاحتقرها، بتأويل صحيفتي.

قوله: (تقديراً)(1).

كما في الأصمّ ونحوه.

قوله: (كباقي الأذكار)(2).

أي كما أنّ باقي الأذكار كذلك، وفيه فائدتان:

أحداهما: التمثيل والتشبيه.

والاُخرى: إفادة حكم باقي الأذكار بحيث يغني عن التعرّض لبيان حكمها، وهذا من فصيح الكلام وحسنه.

قوله: (قطع الهمزة من (الله) ومن (أكبر))(3).

أمّا همزة (أكبر) فلا إشكال في وجوب قطعها; لأنّها في الأصل همزة قطع.

أمّا همزة (الله); فلأنّها وإن كانت في الأصل همزة وصل تسقط في الدرج، إلاّ أنّها للزومها مع اللام; لكونها عوضاً عن همزة إلاه المحذوفة، أشبهت الجزء، فجاز قطعها نظراً إلى ما صارت إليه، ووصلها نظراً إلى أصلها. نصّ عليه علماء العربيّة، ولذلك باشرها حرف النداء فقيل: يا الله مع امتناعه في غيرها من نظائرها وإذا جاز الأمران لغة، والمنقول من صاحب الشرع القطع، تعيّن; لوجوب التأسي به، ولقوله (صلى الله عليه وآله): " صلّوا كما

____________

1- ص 527 س2.

2- ص528 س1.

3- ص 528 س2.


الصفحة 130
رأيتموني اُصلّي "(1).

وإنّما قلنا: إنّ المنقول من صاحب الشرع قطعها; لأنّ وصلها يتوقّف على الإتيان بلفظ قبلها، وليس إلاّ النيّة، ولم ينقل عنه (صلى الله عليه وآله)، ولا عن غيره من السلف التلفّظ بها، فلو تلّفظ متلّفظ بالنيّة وجب عليه القطع، فلو وصل لم يجزئ; لمخالفة المنقول، وما يحكى عن بعض الأصحاب من تجويز الأمرين(2) مردود بما قلناه.

قوله: (فلو وصلهما)(3).

أي على تقدير التلفّظ بالنيّة.

قوله: (بالشواذ)(4).

هو جمع شاذ، والمراد به ما لم يكن متواتراً، وقد حصر بعضهم المتواتر في القراآت السبع المشهورة(5)، وجوز المصنّف إلى العشر بإضافة

____________

1- صحيح البخاري 1: 162، مسند أحمد 5: 53، سنن الدارمي 1: 286، سنن البيهقي 2: 345.

2- حكاه عن بعض المتأخّرين الشهيد الثاني في روض الجنان: 259، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 213، والنراقي في مستند الشيعة 5: 20.

3- ص528 س2.

4- ص 530 س1.

5- القُرّاء السبعة هم:

عبدالله بن عامر الدمشقي، ت 118هـ.

عبدالله بن كثير المكّي، المشهور بأبي معبد ت120هـ.

زَبّان بن علاء، المشهور بأبي عمرو البصري، ت154 هـ.

نافع بن عبد الرحمن المدني، المشهور بأبي رويم، ت169 هـ.

عاصم بن أبي النجود الكوفي، المشهور بأبي بكر، ت127 هـ أو 128 هـ.

حمزة بن حبيب الكوفي، المشهور بأبي عمارة، ت 156 هـ.

علي بن حمزة الكسائي الكوفي، المشهور بأبي الحسن، ت189 هـ.

انظر النشر في القراآت العشر 1: 99 ـ 173.


الصفحة 131
قراءة أبي جعفر(1) ويعقوب(2) وخلف(3); لأنّها متواترة(4)، ولا بأس به.

قوله: (بطلت)(5).

الظاهر عود الضمير إلى القراءة; لأنّها المُحدّث عنها، وكذا تبطل الصلاة إن كان عامداً.

قوله: (فلو سكتَ طويلاً)(6).

يُفهم من قوله: (فلو سكتَ طويلاً) أنّه لو سكت غير طويل لا تبطل، وهو كذلك ما لم يكن سكوته بنيّة القطع; لفوات الاستدامة حينئذ، ولا فرق بين نيّة قطع القراءة والصلاة.

والمراد بالسكوت الطويل: ما يخرج به عن كونه قارئاً، فتبطل به القراءة وإن كان سهواً، ولو خرج به عن كونه مُصلّياً أيضاً بطلت الصلاة، والحاكم في الطول وعدمه هو العرف.

قوله: (عمداً)(7).

قيد في المسألة الثانية خاصة على الظاهر.

وقوله: (بطلت) جواب المسألتين معاً والضمير فيه يحتمل عوده إلى القراءة وهو المتبادر، وإلى الصلاة. وأياً ما كان يلزم الاعتراض:

أمّا الأوّل: فلأنّ مَن قرأ خلالها غيرها نسياناً تبطل قراءتُه على الأصح

____________

1- أبو جعفر يزيد بن قعقاع المخزومي المدني، ت 130 هـ.

2- يعقوب بن اسحاق الحضرمي البصري، ت205 هـ.

3- أبو محمّد خلف بن هشام الكوفي، ت 229 هـ.

4- الذكرى: 187.

5- ص 530 س1.

6- ص 530 س2.

7- ص530 س3.


الصفحة 132
وفاقاً للمصنّف، مع أنّه يُفهم من قوله: (عمداً) البطلان، إلاّ أن يحمل على اختيار عدم البطلان هنا وفاقاً للمبسوط(1).

وأيضاً فإنّ السكوت الطويل جداً مُبطل للصلاة، كما أنّ قراءة غيرها عمداً مُبطلة أيضاً، فلا معنى لتخصيص البطلان بالقراءة، إلاّ أن يقال: بطلانها لا ينفي بطلان الصلاة.

والمراد بالسكوت الطويل: ما يخرج به عن كونه قارئاً لا مصلّياً.

وأمّا الثاني: فلعدم صحّته بالنسبة إلى السكوت الطويل المنافي للقراءة دون الصلاة، إذ لا تبطل به الصلاة.

وبالجملة فالعبارة ليست بتلك السديدة.

ويجب أن يستثنى من قوله: (غيرها) الحمدلة عند العطسة، وتسميت العاطس والردّ عليه، وسؤال الرحمة عند آيتها، والاستعاذة من النقمة عند آيتها، والدعاء السائغ، وردّ التحيّة. ويمكن إلحاق تنبيه الغير بتسبيح ونحوه به; لإطلاق الأصحاب تجويزه، والعدم; لانتفاء التنصيص عليه.

قوله: (على آخر كلمة)(2).

أي على آخر كلمة من الجملة إن أراد الوقوف.

وقوله: (محافظاً على النظم) حال مؤكدة; لأنّ مراعاة الوقف على آخر كلمة يحصل المحافظة على نظم القرآن، ومثله زيد أبوك عطوفاً، فإنّ الاُبوة تقتضي العطف.

____________

1- المبسوط 1: 105.

2- ص531 س1.


الصفحة 133

قوله: (فلو وقف)(1).

بيان المحترز في قوله: (على آخر كلمة)، فقد احترز به عن شيئين:

أحدهما: الوقف في أثناء الكلمة.

الثاني: الوقف على كلّ كلمة بحيث يخلّ بنظم القراءة واتصالها وتصير كأسماء العدد. ويستفاد من قوله آخراً: (بحيث يخل بالنظم) أنّه لو وقف على كلّ كلمتين بحيث يخلّ بالنظم، أو في أثناء الجملة الواحدة وأخلّ به لم تصح قراءته، وتبطل صلاته إن تعمّد ذلك.

قوله: (بطلت)(2).

أي القراءة، والصلاة إن تعمّد، وإلاّ تداركها على الوجه المعتبر.

قوله: (للرَجلِ)(3).

أي واجب، بخلاف المرأة فلا يتعيّن عليها جهر ولا إخفات في الجهريّة، إلاّ أن يسمعها أجنبي فيحرم الجهر. ولو جهرت والحالة هذه عالمة، فالظاهر بطلان صلاتها; لتحقّق النهي في العبادة، ولو اتفق سماعه جهرها فلا بطلان.

وأمّا الخنثى المشكل فالظاهر مؤاخذتها بحكم الرجل والمرأة معاً احتياطاً، فيتعيّن الجهر حيث لا يسمعها أجنبي، ويجب تحصيل مكان يصلح لذلك، فإنّ تعذّر تعيّن الاخفات، وظاهر عبارة المصنّف أنّها كالمرأة.

____________

1- ص 531 س1.

2- ص 532 س2.

3- ص 533 س2.


الصفحة 134

قوله: (مطلقاً)(1).

أي للرجل وغيره.

قوله: (والسرّ)(2).

أي وأقل السرّ على تقدير حذف المضاف وإبقاء عمله، وهو ضعيف في القياس وقليل في الاستعمال.

ولا تستقيم قراءة السرّ بالرفع على أنّه مبتدأ وما بعده خبره; لأنّ المقصود ضبط أقلّ السرّ; ليخرج عنه حديث النفس، ولعدم اختصاص لفظ الاسماع حينئذ بالسرّ، بل يصدق على الجهر أيضاً.

والتحقيق أنّ الجهر والسرّ مفهومان عُرفيان متباينان تبايناً كليّاً، فلا يصدق أقل الجهر مع أكثر الاخفات كما هو المتعارف، خلافاً لبعض الأصحاب(3)، وإلاّ لجازت القراءة بما تصادقا عليه في كلّ من الصلاة الجهريّة والاخفاتيّة، وهو ينافي التخصيص الثابت من طريق الأصحاب.

وقول المصنّف: (وأقل الجهر) لم يرد به اسماع القريب مُطلقاً، بل مع صدق اسم الجهر عرفاً.

وأمّا قوله: (والسر... إلى آخره) فأشار به إلى الردّ على ما تضمّنته رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى الكاظم (عليه السلام): " لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهّم توهماً "(4); لأن الشيخ حمل هذه على مَنْ كان مع قوم يتّقيهم(5).

____________

1- ص 533 س3.

2- ص 534 س1.

3- كابن فهد في الموجز (الرسائل العشر): 77.

4- التهذيب 2: 97 حديث 365، الاستبصار 1: 321 حديث 1196.

5- التهذيب 2: 97 ذيل الحديث 365.


الصفحة 135

قوله: (صحيحاً)(1).

حال من المضاف إليه، والعامل فيه المصدر، أي كونه صحيحاً.

قوله: (وإلاّ تقديراً)(2).

متعلّق بكلّ من حدّ الجهر والاخفات، أي وإن لم يكن الغير صحيحاً قريباً، بأن انتفيا معاً، أو أحدهما فقط بالنسبة إلى الجهر، أو لم يكن المصلّي صحيح السمع بالنسبة إلى الاخفات خاصة، وجب التقدير.

ومثله ما لو لم يكن هناك غير الوصفين بالكلّية، فإنّه يقدّر وجوده متّصفاً بالوصفين، وهذه مندرجة في قوله: (وإلاّ تقديراً); لأنّ انتفاء الوصفين قد يكون لانتفاء المتّصف بهما، فإنّ السالبة لا تستدعي صدق الموضوع، كما هو مبيّن في موضعه.

قوله: (فلو عكس عمداً بطل)(3).

كذا في النسخة التي بخطّ ولد المصنّف، والحقّ أنّه لا معنى لتذكير الضمير هنا; لأنّ تكلّف إعادته إلى الفعل المأتي به يوهم عدم بطلان الصلاة، وليس بجيد، بل مُبطل; لتحقّق النهي الدال على الفساد لكونه متعمّداً. وكأنّه نظر إلى أنّ تأنيثه على قصد رجوعه إلى الصلاة مُستقبح، إذ لم يجر لها ذكرٌ في هذا المبحث، ولأنّه يلزم اختلاف مرجع الضمائر من غير مائز، فإنّ ما قبله من الضمائر في هذا المبحث عائدة إلى القراءة كما قدّمناه.

وقوله: (ناسياً يعيد على الترتيب) يقتضي وجوب اعادة الحمد

____________

1- ص 534 س1.

2- ص 534 س1. وهذا القول وشرحه لم يردا في "م".

3- ص534 س2.


الصفحة 136
أيضاً، وقد صرّح به في غير هذه الرسالة(1)، والمعتمد البناء فيقتصر على إعادة السورة.

قوله: (بطلت)(2).

أي قراءته، فيعيد التي أخلّ بتسميتها إن لم يتعمّد، وكذا جميع الأبعاض، وإن تعمّد بطلت الصلاة; لتحقّق النهي.

قوله: (فلو قرن بطلت)(3).

بل الكراهيّة أقوى، وفي حكم القِران تكرار الحمد والسورة، وهذا في غير الضحى وألم نشرح، والفيل ولايلاف، فقد ثبت من طرق الأصحاب أنهنّ بحكم سورتين(4). ويجب تكرار البسملة، ومراعاة ترتيب المصحف، وضميمة التالية منهنّ إلى متلوتها بناءً على وجوب السورة.

قوله: (فلو بعّض اختياراً)(5).

يُفهم منه جواز التبعيض للمضطر في الفاتحة، وليس كذلك. أمّا اضطراراً فيجوز تبعيض السورة، والاقتصار على الفاتحة أيضاً إن دعت الضرورة إليه. ومن الضرورة الخوف والمرض الذي يشقّ تحمّله، والحاجة المُضر فوتها كخوف فوت الغريم أو الرفقة أو لزوم المشقّة بلحاقها. وليس منه الجهل بها، فيجب التعلّم، ومع ضيق الوقت فالبدل من ذِكْر وتسبيح بقدر سورة كالفاتحة.

____________

1- الذكرى: 188، الدروس 1: 171.

2- ص 535 س1.

3- ص535 س2.

4- التهذيب 2: 72 حديث 266، الاستبصار 1: 317 حديث 1182.

5- ص536 س1.


الصفحة 137

قوله: (بطلت)(1).

أي القراءة، والصلاة إن تعمّد.

قوله: (غير عزيمة)(2).

ولا ما يفوت الوقت بقراءتها، فلو شرع فيهما عامداً بطلت صلاته للنهي، وناسياً وجب العدول، إلاّ في العزيمة إذا لم يذكر حتى تجاوز محلّ السجود فيوُمئ به ويتمّها ثمّ يقضيه بعد الصلاة.

قوله: (القصد...إلى آخره)(3).

فلو ابتدأ بالبسملة بغير قصد عامداً بطلت صلاته، وناسياً يُعيدها.

ولزوم السورة إمّا بالنذر وشبهه إذا لم تنافِ الأفضليّة، ولم يعارضه ضيق الوقت ولا نسيان السورة، فإن عارضه أحدهما فلابُدَّ من التعيين.

ومن مواضع اللزوم ما إذا ضاق الوقت إلاّ عن أقصر سورة مثل سورة الكوثر، ومنها ما إذا لم يكن حافظاً إلاّ سورة واحدة.

وممّا يسقط معه التعيين سوى ذلك اعتياد سورة بخصوصها ولو في بعض الفرائض، فيسقط التعيين في تلك الفريضة. ومنه نيّة سورة معيّنة من أوّل الصلاة على الظاهر فيهما، أمّا النيّة قبل الصلاة فلا أثر لها، والفرق أنّ الصلاة محلّ التعيين.

ولو شكّ في أثناء السورة هل بسملَ قاصداً؟ لم يلتفت; لفوات محلّه. ويتخرّج على القول بأنّ الشاك في أبعاض القراءة يُعيد المشكوك فيه ما لم يركع، وجوب الإعادة هنا.

____________

1- ص 536 س1.

2- ص 536 س2.

3- ص537 س1.