الصفحة 189
فيهدم قيامه ويتشهّد ويسلّم، ويحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً، ويسجد للسهو، فيصح في صور أربع.

قوله: (وبعد الركوع)(1).

وفي أثناء الركوع لم يتعرّض له المصنّف، وينبغي أن يبني على أنّ الزيادة هل تتحقّق بالانحناء إلى أن تصل الكفان الركبتين، أم بالرفع؟ فعلى الأوّل يكون كالشكّ بعد الركوع فيأتي فيه القولان المذكوران، وعلى الثاني يكون كالشكّ قبل الركوع فيرسل نفسه ويحتاط بركعة ويسجد للسهو، وقد أشرنا سابقاً في الكلام على السادس إلى ترجيح الأوّل.

قوله: (فيه قول بالبطلان)(2).

هو قول العلاّمة(3)، ووجهه التردّد بين محذورين، كلّ منهما مُبطل للصلاة، فتبطل; وذلك لأنّه إن أتمّها أمكن كونها خامسة، وإن قطعها أمكن كونها رابعة، مع القطع بعدم انفكاكه من الزيادة أو النقصان على التقدير الثاني.

ووجه الصحة المنع من الحصر المذكور; لجواز أن تكون رابعة مع اعتضاده بأصل الصحة وأصالة عدم الزيادة، ولأنّ غاية ما فيه تجويز الزيادة المبطلة، وذلك لو كان مبطلاً لبطلت بالشكّ بعد السجدتين، والتجويز قائم فيه.

والفرق ـ بأنّ الصلاة بعد السجدتين محكوم باتمامها، والأصل الصحة، بخلاف المتنازع ـ مردود بأنّ أصالة الصحة مُعتبرة في الموضعين،

____________

1- ص 618 س1.

2- ص 618 س1.

3- منتهى المطلب 1: 416.


الصفحة 190
وتجويز الزيادة قائم فيهما، فالفرق تحكّم، كذا قال المصنّف في بعض حواشيه. وفي استدلاله نظر، أمّا منع الحصر فغير متوجّه، إذ اللازم إمّا الاتمام أو القطع، وكلّ منهما مُعرض لمحذور، وأصالة عدم الزيادة لو صلح متمسّكاً لم يبطل شيء من مسائل الباب.

ودعواه عدم الفرق غير واضحة، وأقلّ منها وضوحاً قدحه في الفرق باستوائها في تجويز الزيادة، فإنّ ذلك عدول عن الانصاف، كيف وبعد السجدتين لا محذور، إلاّ احتمال الزيادة سهواً، والمتنازع مُعرض للزيادة عمداً. على أنّ الفرق الصحيح خلوّ محلّ النزاع من نصّ وإجماع، بخلاف ما بعد الاتمام، والإلحاق به قياس لا نرتضيه. وهذا أولى، لكن يُستثنى منه ما لو كان الشكّ بعد السجود الثاني وقبل الرفع منه، إذ لا مدخل للرفع في الزيادة على الراجح، وحينئذ فتصح في ستّ وتبطل في ثلاث.

قوله: (إلحاقه بالأوّل)(1).

أي بالشكّ بعد السجود.

قوله: (على الأقل)(2).

لأنّه المتيقّن، وهو ضعيف; لاستلزامه مخالفة النصّ في الشكّ بين الثلاث والأربع.

قوله: (وآخر بالبناء على الأربع)(3).

رجوعاً إلى النصوص، لكن يجب تقييده بكون الشكّ قبل الركوع أو بعد الرفع من السجدة الثانية عندنا; فراراً من التردّد بين المحذورين كما

____________

1- ص 618 س2.

2- ص 619 س1.

3- ص 619 س2.


الصفحة 191
سبق تحقيقه. والركعة; لاحتمال الثلاث، والمرغمتان; لاحتمال الزيادة، ويصح في ستّ كالتي قبلها.

وموضع احتمال البناء على الأقل إنّما هو بعد الركوع أو في أثنائه، لامتناع ذلك فيما قبله، لأنّه حينئذ شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع، وإنّما أطلق المصنّف احتمال البناء على الأقل لظهوره.

قوله: (أن يتعلّق الشكّ بالسادسة)(1).

وصوره خمس عشرة، كلّ منها تسع صور، وقد ذكر المصنّف فيه احتمالات ثلاثة:

الأوّل: البطلان في الجميع; لأنّ زياد الركن مُبطلة مُطلقاً، ومع احتمالها لا تتيقّن البراءة فتبقى في العهدة.

الثاني: البناء على الأقل; لأنّه المتيقّن، والأصل عدم الزائد، والفساد يحتاج إلى دليل وكذا الاعادة، وقد قال الله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم}(2) وورد: "الفقيه لا يعيد صلاته"(3).

الثالث:إلحاقه بالخمس في الحكم، فيصح في نظير المواضع التي حكم فيها بصحة ما يتعلّق بالخمس، وهو مختار الحسن بن أبي عقيل حكاه في (المختلف)(4)، ويلوح منه الميل إليه(5).

ووجه الصحة في ذلك التمسّك بالأصل من غير مُعارض، والزيادة

____________

1- ص 621 س1.

2- محمّد (ص): 33.

3- انظر معاني الأخبار: 159، التهذيب 2: 351 حديث 1455، الاستبصار 1: 375 حديث 1424.

4- مختلف الشيعة 2: 390 مسألة 277.

5- الذكرى: 225، البيان: 254.


الصفحة 192
غير معلومة وتجويزها غير قادح، واعتضاد موضع الحكم بالصحة بظواهر النصوص; لأنّ حكم الشكّ في الأربع فما دون مُستفاد منها، وهو غير مانع من المدّعى.

وهذا الثالث قويّ متين لا محيد عنه، وقد غلط بعض الشارحين هنا غلطاً بيّناً، فزعم أنّ البناء على الأقل هو الإلحاق بما يتعلّق بالخمس(1)، وقد ظهر ممّا قرّرناه وجه غلطه بما فيه غنية.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مقتضى الإلحاق المذكور الصحة في كلّ موضع تعلّق الشكّ فيه بالرابعة بعد إكمال السجدتين، أو قبل الرفع من الثانية على ما قدّمناه، وفي العاشر والرابع عشر قبل الركوع، لأنّ تعلّق الشكّ في غير ذلك يتردّد بين محذورين.

إمّا القطع المعرض للنقصان، بل يقطع معه بأحد المحذورين الزيادة أو النقصان.

وإمّا الاتمام المعرض للزيادة، ويجب الاحتياط على نحو ما تقدّم وسجود السهو.

وقد صرّح بالأخير الحسن(2).

والمواضع التي تعلّق الشكّ فيها بالرابعة بالنسبة إلى ما نحن فيه ثمانية، الثالث يصح في صورتين منه ويجب سجود السهو، والسادس ويأتي بركعتين من قيام، والثامن ويأتي بركعة، والعاشر ويسجد فقط ويصح فيه أيضاً قبل الركوع في أربع صور دون غيرها ويسجد للسهو مرّتين

____________

1- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 156.

2- هو الحسن بن أبي عقيل، كما حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 2: 390 المسألة 277.


الصفحة 193
مع الاحتياط بركعة، والحادي عشر ويأتي بالاحتياطين، والثالث عشر ويأتي بركعتين قائماً، والرابع عشر ويأتي بركعة إن كان بعد إتمام الركعة ويصح في أربع قبل الركوع ويأتي بالاحتياطين ويسجد مرّتين، والخامس عشر ويأتي بالاحتياطين.

ولابُدّ من سجود السهو في كلّ صورة كما عرفت، فتلخّص من هذا الصحة في أربع وعشرين صورة من هذه المسائل، ويصح أيضاً في أربع صور من الموضع الرابع، أعني الشكّ بين الخمس والستّ قبل الركوع، كما أشرنا إليه سابقاً.

فهذه ثمان وعشرون صورة تصحّ فيها وتبطل فيما عداها، وهي مائة وسبع صور.

واعلم أنّ الذي في (المختلف) وكلام الحسن إطلاق ما فوق الخمس بها في الشكّ من غير تعرّض إلى أحكام الخمس فيما زاد على إيجاب سجدتي السهو، وأمّا تفصيل ما هنا فهو من خصوصيّات هذه الرسالة.

قوله: (أو قضاء)(1).

إن خرج الوقت أو كانت الفريضة قضاءً، وإن كانت نيابة ذكر المنوب أيضاً.

قوله: (ولا يجزئ التسبيح)(2).

خلافاً للمفيد(3)، وابن ادريس(4)، وصريح الأخبار حجّة عليهما(5).

____________

1- ص 624 س2.

2- ص 625 س1.

3- المقنعة: 146.

4- السرائر 1: 254.

5- الكافي 3: 317 حديث 28، التهذيب 2: 146 حديث 573، الاستبصار 1: 354 حديث 1339.


الصفحة 194

قوله: (جميع ما يُعتبر في الصلاة)(1).

يحتمل أن يكون (جميع) مرفوعاً بأنّه مُبتدأ محذوف الخبر تقديره: جميع ذلك معتبر فيه. والصحيح أنّه معطوف على فاعل (يلزمه)، ولهذا كان ما في نسخة ولد المصنّف أعني قوله: (ويلزمه... إلى آخره) أثبت من قوله: (ويقرأ); لاحتياجه إلى الحذف والتقدير، والأصل عدمه، وفيه أيضاً عطف الاسميّة على الفعليّة وهو مُستقبح.

قوله: (بينه وبين الصلاة)(2).

هذا مختار ابن ادريس(3)، نظراً إلى أنّه صلاة مُنفردة وإن كانت جبراً لما عساه نقص من الفريضة إذ ليست جبراً حقيقة، وإلاّ لما احتيج إلى استئناف النيّة، والبدليّة لا تقتضي المساواة من كلّ وجه، والأصل براءة الذمّة من التكليف بذلك. وبالغ في (المختلف)(4)، والمصنّف في (الذكرى)(5) في ردّه; نظراً إلى أنّه معرض لتمام الصلاة، فليراع فيه ما روعي في الجزاء، ولأنّ في بعض الأخبار وجوب سجدتي السهو للكلام قبله ناسياً(6)، وهذا صريح في وجوب الفوريّة واشتراط عدم تخللّ المبطل، ولعلّه الأقرب.

____________

1- ص 625 س1.

2- ص 625 س3.

3- السرائر 1: 256.

4- مختلف الشيعة 2: 412 مسألة 293.

5- الذكرى: 229.

6- الكافي 3: 352 حديث4، التهذيب 2: 186 حديث 739، الاستبصار 1: 372 حديث 1415.


الصفحة 195

قوله: (نعم ينوي القضاء)(1).

وهنا فائدة سنيّة، هي أنّه لو أدرك من وقت الصلاة ركعة، ثمّ حصل له الشكّ الموجب للاحتياط، ما الذي ينوي فيه؟ يحتمل نيّة الأداء; لأنّه شرع مُتمّماً للصلاة، وهي محكوم بكونها أداء إن وقع بعضها خارج الوقت; لحديث "فقد أدرك الوقت كلّه"(2).

ويحتمل نيّة القضاء; لأنّه صلاة مستقلة فُعلت بعد الوقت، وكونها متمّماً لا يقتضي كونه جزأ حقيقة. والحق بناؤها على مَن أدرك من الوقت ركعة هل يكون مؤدّياً للجميع فينوي الأداء، أم لا فينوي القضاء؟ والمعتمد الأوّل، ووجه البناء أنّ هذا وإن لم يكن جزءاً حقيقة فهو تابع في الوقت قطعاً.

قوله: (ولم يلتفت)(3).

____________

1- ص 626 س1.

2- روى الشهيد في الذكرى: 122 عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قوله: "مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". وقوله (صلى الله عليه وآله): "مَنْ أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".

وروى الشيخ الطوسي في التهذيب 2: 38 حديث 119 والاستبصار 1: 275 حديث 999 عن الأصبغ بن نباته عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: "من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة".

وروى الشيخ الطوسي في التهذيب 2: 262 حديث 1044 عن عمّار الساباطي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: "فإن صلّى من الغداة ركعة ثم طلعت الشمس فليتمّ الصلاة وقد جازت صلاته، وإن طلعت الشمس قبل أن يُصلّي ركعة فليقطع الصلاة ولا يُصلّ حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها".

وروى البخاري في صحيحه 1: 151 وابن الأثير في جامع الاُصول 5: 251 حديث 3325 قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة".

3- ص 626 س2.


الصفحة 196
لأنّه آت بالمأمور على وجهه، فيخرج من العهدة.

قوله: (ولو ذكر)(1).

أي النقصان.

قوله: (في أثنائه)(2).

أي في أثناء الاحتياط.

قوله: (أعاد الصلاة)(3).

لزيادة النيّة والتكبير، وليس بشيء; إذ ليست مُطلق الزيادة مُبطلة، فإنّ زيادة الركوع مع الإمام لمَن سبقه غير مُبطلة مع أنّه ركن، للأمر به، وإذا اُستثني هذا بالنصّ فما المانع من استثناء محل النزاع؟!

وربّما فرّق في ذات الاحتياطين بين مطابقة الأوّل منهما فتصح، وعدمها فتبطل. والظاهر عدم الفرق، فيراعى اتمامه إن احتيج إليه، ولا يلتفت إلى ما فعل من الزيادة إن كانت، فلو تذكّر الاحتياط إلى الركعتين من قيام وقد نوى واحدة أتى باُخرى ناوياً بهما بقلبه، كما نوى القصر في موضع التخيير ثم عنّ له التمام أو نوى المسافر الإقامة في أثناء الصلاة، ولو نوى الركعتين فتذكّر الاحتياج إلى واحدة اقتصر عليها إن ذكر قبل الزيادة، وإلاّ قطع من حيث ذكر ولو بعد الركوع على الأقرب مع احتمال البطلان هنا.

قوله: (تخيّر)(4).

____________

1- ص 626 س2.

2- ص 626 س2.

3- ص 626 س 2.

4- ص 628 س1.


الصفحة 197
لأنّه نافلة، وهي غير واجبة بالشروع، ولا أثر لقصد الوجوب احتياطاً.

قوله: (في خصوصيّات)(1).

أي في بيان الاُمور التي تختص بها زيادة على ما يشارك فيه اليوميّة ممّا تقدّم بيانه.

قوله: (مثله)(2).

أي مثل الشخص، وهو مدلول عليه بالظلّ; لأنّ الظلّ يستدعي شبحاً، وتقديره: ظلّ الشيء، فحذف المضاف إليه وعوّض عنه اللام مثل قوله تعالى: {وعلّم آدم الأسماء كلّها}(3)، أي أسماء المسمّيات.

قوله: (في المشهور)(4).

وبعض الأصحاب جعلها كالظهر(5)، وبعضهم خصّها بمقدار أدائها والخطبتين(6)، والعمل على المشهور.

قوله: (ولو بالتكبير قبله)(7).

وفاقاً لبعض الأصحاب(8)، والصحيح اعتبار إدراك ركعة كغيرها من

____________

1- ص 629 س2.

2- ص 629 س5.

3- البقرة: 31.

4- ص 629 س5.

5- كابن إدريس في السرائر 1: 296، والماتن الشهيد في الدروس 1: 188 والبيان: 187.

6- كأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقيه: 153، وابن زُهرة في الغنية (المطبوعة ضمن الجوامع الفقهيّة): 560، وابن البرّاج في المهذّب 1: 103.

7- ص 630 س1.

8- كالشيخ الطوسي في المبسوط 1: 147، والمحقّق في المعتبر 2: 277، والعلاّمة في قواعد الأحكام 1: 36 ونهاية الإحكام 2: 11.


الصفحة 198
الصلوات، إذ لا يكتفي بإدراك التكبير في شيء منها; لظاهر قوله (عليه السلام): "مَنْ أدرك مِن الوقت ركعة فقد أدرك الوقت"(1)، فحينئذ تسقط هذه الخصوصيّة، لكن المشهور أنّها لا تشرع إلاّ إذا علم المكلّف أو ظنّ اتساع الوقت للخطبتين وركعتين مخفّفة، وإن أخطأ الظنّ فوسع مع الخطبتين واحدة أجزأ، فتعود الخصوصيّة حينئذ، لكن اكتفى بعضهم بالعلم بإدراك ركعة كغيرها من الصلوات، واختاره المصنّف، ويشهد له عموم الحديث السابق، وليس ببعيد.

قوله: (استحباب الجهر فيها)(2).

اعترض على هذا بوجهين:

الأوّل: أنّه مخالف لموضوع الرسالة، إذ هي موضوعة لبيان واجب الصلاة دون نفلها.

الثاني: أنّه إن أراد بالخصوصيّات الواجبة خاصة لم يكن لذكر هذا موضع، أو الأعمّ منها ومن المندوبة لم تنحصر في عشرة.

ويجاب بأنّ هذا وإن كان مُستحباً في الصورة لكنّه واجب في المعنى; لأنّه في قوّة قولنا: الجهر فيها أفضل الواجبين على التخيير كما نقول: العتق أحبّ خصال الكفّارة المخيّرة، لا بمعنى أنه مُستحب في نفسه، بل المعنى أنّه أفضل من باقيها.

ومثله قولهم: ويُستحب التكفين في الأبيض، وتُستحب الجمعة حال الغيبة، ويُستحب فعل الفريضة في المسجد، لا على معنى الاستحباب الحقيقي في نفس الفعل، ولا على معنى استحباب تلك الصفة المخصوصة;

____________

1- تقدّمت مصادره قريباً.

2- ص 631 س1.


الصفحة 199
لامتناع كون الفعل واجباً والصفة مُستحبة، وعدم انحصار الصفة في واحدة لا يقتضي الاستحباب، بل يكون الواجب أمراً كليّاً بالنسبة إلى ذلك المتعدّد.

والاستحباب إنّما هو لاختيار هذا الفرد وتعيينه، وعلى هذا يتخرّج ما قالوا من أنّ الوجوب التخييري يجامع الاستحباب التعييني، فمعنى استحباب الجمعة حال الغيبة أفضليتها على الظهر بالشرائط واستحباب قصدها وتعيينها والفعل واجب، وكذا التكفين في الأبيض، ومثله قولهم: ويُستحب الجهر بالبسملة في مواضع الإخفات، أي هو أفضل من الإخفات فيستحب اختياره.

فإن قلتَ: لمَ اختار التعبير بالاستحباب، وهلاّ عبّر بالوجوب؟

قلتُ: التعبير بالوجوب مطلقاً يوهم تعيينه وتخيراً يوهم استوائهما في الفضل، والتعبير بما ذكره يدلّ على المراد من غير احتياج إلى زيادةِ لفظ، مع ما فيه من استدعائه التكلّم عليه بما يتضمّن هذه الفوائد الحسنة، فكان أولى.

قوله: (تقديم الخطبتين)(1).

ويجب في كلّ منهما الحمد والصلاة بلفظهما، والوعظ بالعربيّة، وقراءة ما يتيسّر، والفصل بينهما.

قوله: (اشتراطها بالإمام)(2).

لابُدَّ في هذا الكلام من محذوف، هو إمّا الصحة أو الوجوب، إذ لا معنى لاشتراطهما إلاّ ذلك، فعلى تقدير الأوّل لا تُشرع حال الغيبة، وعلى

____________

1- ص 631 س2.

2- ص 633 س1.


الصفحة 200
الثاني تُشرع مع بقية الشرائط، والثاني موافق لما اختاره في كُتبه(1)، واختاره أكثر المتأخرين(2)، وعليه الفتوى.

والمراد بالإمام: إمام الأصل، ويُشترط في النائب المنصوب لذلك صفات إمام الجماعة من العدالة وطهارة المولد وغيرها.

قوله: (أو مَن نصبه)(3).

أي مَن نصبه لها عيناً، أو عموماً بحيث يدخل فيه، لا مطلقاً.

قوله: (سقوطها عن المرأة)(4).

أي عدم وجوبها عليها، وانعقادها بها بمعنى أنّه لا يتمّ بها العدد، وظاهرهم صحّتها منها لو فعلتها واجزائها عن الظهر، وفي الأخبار ما يشهد له(5). وبالغ ابن ادريس فحكم بوجوبها عليها وانعقادها بها(6)، وهو ضعيف، والعمل على الأوّل.

قوله: (والأعمى)(7).

وإن قرب بيته من المسجد ووجد قائداً; لعموم قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج}(8).

____________

1- الدروس 1: 186، اللمعة الدمشقية: 37، وفي الذكرى: 231 اختار الجواز ثمّ قال: إنّ المنع متوجّه.

2- منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 1: 119.

3- ص633 س1.

4- ص 636 س2.

5- التهذيب 3: 21 حديث 78.

6- السرائر 1: 303.

7- ص 637 س1.

8- النور: 61.