وقالت أيضاً :
« ما قمتُ به لا يعدو عن كونه محاولة بنّاءة لفتح الطريق وتعبيده ، بغية السير في إحياء جهاز اعلامي صامت من أجهزة الإعلام التي تواكب سيرنا ونحن في بداية الطريق » (1) .



واستطاعت بنت الهدى رحمها الله ـ ومن خلال القصص التي كتبتها ـ أن تضع حلولاً لكثير من المشاكل التي تواجهها العوائل المسلمة في العالم الإسلامي الذي غزاه فكر الشرق والغرب .
فهي تعالج بدقة متناهية وباُسلوب لطيف مسألة الزواج ، وما آلت إليه نظرة المسلمين اليوم بالنسبة لهذا الأمر المهم ، حيث أصبح الزوج الأمثل هو الذي لديه ثروة طائلة أو شهادة مرموقة ، أمّا الأخلاق والتمسّك بتعاليم الدين الحنيف فهي أفكار رجعية يجب محاربتها . والزوجة المثلى هي التي تملك جمالاً فائقاً وإن كان كاذباً ، حيث تجلس صاحبته ساعات وساعات في صالة التجميل لتخفي وجهها الحقيقي وتَظهر بوجهٍ آخر أكثر جمالاً من واقعها .
العمل الإسلامي ، معاناة المرأة العاملة ، السخرية ، التشويه ، الجمال ، التجميل ، الحجاب . كلّ هذه عناوين لمشاكل عالجتها الشهيدة بنت الهدى في قصصها وبأسلوب مُقنع ، مستعملة في ذلك العبارات السلسة ، والكلمات الرقيقة .
وقد أثّرت هذه القصص أثراً كبيراً في حلّ كثير من المشاكل العائلية ، وقد أقبلت الفتيات ـ ولا زالت ـ على اقتناء هذه القصص وقرائتها ، وطبعت عدّة طبعات ، مما يدلّ على طلب القرّاء لها .
وقامت دار التعارف للمطبوعات مؤخّراً بطبع قصصها كاملة في ثلاث مجلّدات صغيرة ، وهي تحتوي على :
(1) الفضيلة تنتصر .
____________
1 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
(98)

(2) ليتني كنتُ أعلم .
(3) امرأتان ورجل .
(4) صراع مع واقع الحياة .
(5) لقاء في المستشفى .
(6) الخالة الضائعة .
(7) الباحثة عن الحقيقة .
(8) كلمة ودعوة .
(9) ذكريات على تلال مكّة .
(10) بطولة المرأة المسلمة .
(11) المرأة مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
ونقل السيد حسن الأمين عن الاستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة انّها رحمها الله ألّفت كتاباً اسمه ( المرأة وحديث المفاهيم الاسلامية ) وطبعته بتوقيع ام الولاء (2) .

شعرها :
لم تكن الشهيدة بنت الهدى رحمها الله شاعرة مُحترفة أو مكثرة ، ولم تكتب الشعر عن هواية ، بل وجدت نقصاً ثقافياً سائداً في ذلك الوقت ، وهو عدم خوض المرأة المسلمة مجال كتابة الشعر الهادف الذي يسمو بصاحبه إلى أعلى درجات الرحمة والرضوان ، لذلك أخذت على عاتقها كتابة مقاطع شعرية عَبّرت من خلالها عمّا يهيج في خاطرها ، وعمّا تُعانيه المرأة المسلمة من انحطاط في مستواها الثقافي الديني .
ونورد هنا ما تيسّر لنا معرفته من شعرها :
____________
1 ـ انظر معجم المؤلّفين العراقيين 1 : 34 ، معجم المطبوعات النجفية : 97و 108 و 264 و 213 .
ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 4 .

(99)

قالت رحمها الله :
يا رَسولَ اللهِ أبْشِرْ واُنْظْـرِ اليَـومَ إلينا * لِتَرانـا كيفَ قَـدْ أشرقَ نـورُ الحقِ فينا
يـا رَسـولَ اللهِ إنّـا فَتَياتٍ قَـدْ أبَيْنـا * أنْ نَرى القُرآنَ مَهْجوراً على الرفِ سنينَ
إي وربّي
دَعْـوة الإسْلامِ جـاءَتْ بِمسـاواةِ البَشر * لـيسَ فـي الإسلام فَرْقٌ بَيْنَ عربٍ وتَتَر
أحسنُ الاُم ّةِ مَنْ بـالخيرِ والتَقْوى اشتَهر * لا بِجَمعِ المـالِ والـمنصبِ بينَ العالمينْ
إي وربّي
يا رَسولَ اللهِ هـا نَحْـنُ اتَخْذنـاكَ لَنـا * قـائِـداً يَـرْفَـعُ بـالإسلامِ عَنّـا ذُلَّنـا
نَحْنُ بايَعنـاكَ يـا خيَـر البَـرايا كُلّنـا * وتَسابَقْنا إلـى حَملِ لـواءِ المصْلحيــنْ
إي وربّي
يـا رَسـولَ اللهِ إنّا فِيكَ قَـدْ نِلْنا السَعادة * وعلـى نهجكَ قَـدْ حقّقتِ الـبنتُ السيادة
بَعْدَمـا كـانتْ ككابوسٍ وكانَ الوأُد عادة * جِئْتَ كـيْ تُعْطيَ حَقّ البنتِ بينَ المسلمينْ
إي وربّي
فَجَعَلْتَ البنْتَ كـالقُرّةِ للعيـن وأحلـى * وَجَعَلْـتَ الأمَ لِلجَنّـةِ كـالجسْـرِ وأعلـى
وَلَقَـدْ حَقّقتَ للزوجـةِ قـانوناً وعَـدلاً * ظَهَـرَ الحـقُ إلـى المرأةِ كالصُبْحِ المبينْ
إي وربّي
وَفَـرَضْتَ العِلـمَ للمـرأةِ كَيْمـا تَتَعَلْـم * وَلِكي تَتْـركَ دُنيـا الجَهْلِ والفِكْر المحَطّم
وَلِتَغدو تَعـرفُ الـدِينَ الحقيقـيَّ وتَفْهَم * جَوْهـرَ الإسلامِ والـدينَ وَمَعْنـاه الثمين
إي وربّي
وقالت رحمها الله :
قَسَماً وإنْ مُلىء الطَريقُ * بِمـا يُعيقُ السيـرَ قُدماً
قَسَماً وإنْ جَهَدَ الزَمـانُ * لكيّ يُثَبِّطَ فـيَّ عَـزْماً
أوْ حاولَ الدَهْرُ الخَؤونُ * بـأنّ يَـرشَّ إليّ سهماً



(100)

وتَفَاعَلَتْ شَتّى الظُروف * تُكيـلُ آلامــاً وَهَمّـاً
فَتَراكَمَتْ سُحب الهُمومِ * بـاُفقِ فِـكْري فـادلهما
لَـنْ أنْثنـي عما أرومُ * وإنْ غَـدَتْ قَدَماي تُدمى
كلا ولَـنْ أدَعَ الجِهـادَ * فَغـأيتي أعلـى وأسْمى
وقالت أيضاً :
أنا كُنْتُ أعْلـَم أنَّ دَرْبَ * الحقِّ بالأشْـواكِ حـافِل
خـالٍ مِن الرَيْحان يَنْشُر * عطـرَهُ بيـنَ الجَـداول
لكنّني أقدَمْتُ أقْفوا السَيرَ * فـي خَطـو الأوائِــل
فَلَطالَما كـانَ المجـاهدُ * مُفْـرداً بَيـنْ ألجَحـافل
وَلَطالَمـا نَصَـرَ الإلـهُ * جُنـودَهُ وهَـمُ القـَلائل
فالحقُ يخلدُ في الوجُـودِ * وَكُلّ مـا يَعْـدوه زائِـل
سأظل أشدو باسْم إسلامي * وأنْكـرُ كـلَّ بـاطِـل
وقالت رحمها الله تعالى :
إسلامُنـا أنْـتَ الحبيبُ * وكُلُ صَعبٍ فيـكَ سَهْلُ
ولأجلِ دَعْوَتكَ العَزيـزة * عَلْقـَم الأيـام يَـحلـوُ
لَمْ يَعَلْ شيء فوقَ إسمك * فـي الدُنا فـالحَقُ يَعْلوُ
وَتُطبّق الدُنيـا مَبـادءك * العَظيمة وَهْـيَ عَـدلُ
وَسَيْنصُـر الرحمنُ جُنْدَ * الحق مـا ساروا وحلّوا
وأظـل بـاسمكَ دائمـاً * أشـدو فَلا ألهـو وأسلو
وقالت أيضاً :
غَداً لَنا لا لِمبادىء العِدى * ولا لأفكـارِهِـمُ القاحِلةْ
غَداً لَنـا تَزْهَرُ فـي اُفْقِهِ * أمجادُنـا وَشَمْسُهم زائِلةْ
غَداً لَنا إذا تَرَكنا الوَنـى * وَلَـمْ تَعُد أرواحُنا خامِلَةْ



(101)

غـداً لَنـا إذا عَقَدْنـا الِلوا * لـدينِنا فـي اللحْظَةِ الفاصِلَةْ
لا وَهْـنَ لا تَشْتيتَ لا فُرقة * نُصبِحُ مِثـلَ الحلقَـةِ الكامِلَة
إذْ ذاكَ لا نَرهَبُ كـلَّ الدُنـا * ولا نُبـالـي نَكْبـةً نـازِلَةْ
غَداً لَنا وما اُوحَيْلَـى غَـداً * كُـلُ الأمـاني في غَدٍ ماثِلَةْ
إذْ يَنْتَشِرْ دُسْتُور إسلامِنـا * تهدي الورى أفكارُهُ الفاضِلَةْ
وقالت أيضاً :
غداً لَنا مَهما ادّعى مُلْحِـدٌ * وارتَحلَـتْ مبـادِىء وافدَةْ
غَداً لَنـا إذا صَمَـدْنا وَلَمْ * نَضْعُفْ أمامَ العُصّبَةِ الجاحِدَةْ
فالله قَدْ واعَدَنـا نَصْـرَهُ * والحقُ لا يْخلِفُ مَـنْ واعَدَهْ
وفي مكان آخر قالت :
سَتَرْتَفـع رايـةُ إسلامنا * نَحْـوَ الهدى خَفاقَةً صاعِدَة
وَيَنْتَصِـرْ دُستورُ قُرآنِنا * رَغْـمَ اُنُوِفِ الزُمْرَةِ الحاقِدة
ولها مقطوعة توجيهية نظمتها ردّاً على تسمية فتيات الاُم ة « رجعيات » قالت فيها :
« رجعية » إن قِيلَ عَنْك! فَلا تُبالـي وإصْمديِ
قُولي : أنـا بنتُ الرسالـةِ ، مِنْ هُداها اهتديِ
لَمْ يُثْنني خَجَلي عَـنْ العَليـا ، وَلَمْ يُغلل يديِ
كلا ، ولا هـذا الحجابُ يُعيقني عَـنْ مَقْصَديِ
فَغَداً لَنا ، أُختاه ، فامضي في طَرِيقكِ واصعديِ
والحقُ يـا اُخْتاه يَعْـلو فـوقَ كيـدِ المُعتديِ
وقالت تصف ذهابها إلى بيت الله الحرام :
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحلُ عَنْ أوطانِهِ * لاهِياً عَنْها وَعَنْ إخوانِهِ



(102)

لا يُبالي بِجَـوى تَحْنـانِهِ * قـادَهُ الشَوقُ إلـى إيمانِهِ
سائراً نَحْوَ النَعيمِ المُرتجى * في رحابِ اللهِ أو قَبْرِ النبيِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِلُ سِرْ نحـوَ النعيـم * نحوَ وادي زمـزمَ نحوَ الحَطيمْ
نحوَ بيتِ اللهِ والـركنِ العظيمْ * في رحابِ الله ذي العَفْوِ الكريمْ
نحوَ سعي الحقِ أو نحو الصَفا * واذكـرِ الله بَقـلـبٍ وَجِــبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الرحِلُ قِفْ جَنْبَ المقـامْ * حَيْثُ ابراهيم قَـدْ صَلّى وَصامْ
ثُمّ صلِّ في خشـوعٍ واحترامْ * واتّجـهْ فِيها إلـى رَبّ الأنامْ
واطحلب العَفْوَ مِنْ الرّب الذيِ * جَعَـلَ التَوْبَـةَ عِتْـقَ المذنبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِلُ إن جئتَ الصفا * فـاسْعَ للمَروةِ تَبْغي شَرَفا
وابتَهل فِيها بقلب قَدْ هَفا * نَحْوَ عَفْو اللهِ أسْمى مَنْ عَفا
ثُمَ قصّر بَعْدَ سَبْعٍ وانثَني * شـاكِـراً للهِ نَيْـلِ الطلـبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِـلُ يُهْنِيكَ المسيـر * نَحْـوَ وادي خَيْبرَ نَحْـوَ الغَديرْ
نَحْوَ بَدْر ، اُحد ، نَحْوَ البَشيرِ * نَحْـوَ غارٍ فـي حراءٍ مُستنيرْ
بِضياءِ المُرسلِ الهاديِ الذي * شَعَّ نُـوراً فـي بـلادِ العَربِ



(103)

فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيهـا الراحِـلُ خُـذْها فُرْصةً * لَكَ واغْنَـم فـي ذَراهـا عِبْرَةً
وَدَعْ الـروحَ لِتمضـي حُـرّةً * فـي سماءِ الحَقِ تَبْغـي جَنـةً
عَرْضُها ، طُولُها كأرضٍ وَسَما * وَهْـي تَحْيـا بِشُعـور عَـذِبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِلُ هذهِ عَرَفـاتْ * فاغْتَنِمها فُرْصةً قَبْلَ الفَواتْ
واشْغلن ساعتها بالدَعواتْ * واغْسِل الذْنبَ بِسَيْلِ العَبراتْ
جَبَلُ الرَحْمةِ فِيهـا فأتِـهِ * رَحْمـة اللهِ بِقَلـبٍ وَجِـبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
ثُـمَّ عِنْدَ الظُهر قِفْها وَقْفَةً * تـائِبـاً لله فِيهـا تَـوْبَةً
واسكب الروحَ عَليها عَبْرةً * تغسِلِ الذَنْبَ وتُعْطـى جَنَةً
لا يُلَقّاها سـوى قلبٌ نقـي * واستَقِمْ فيها لِوَقْتِ المغرِبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِـلُ ذيِ مُـزْدَلِفـةْ * نَحْوها فاطْو الدُجى في عَرَفةْ
يَذْكرُ الله بهـا مَـنْ عَرَفَـهْ * تائِباً عَـنْ كُـلِ مـا اقتَرَفَـه
لَيْسَ فِيها غَيرَ أرضٍ وَسَمـا * وَظَـلامٍ وَخُشـوعٍ مُرْهـبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
إنّها ليلةُ سَعْدٍ وَخُشوعْ * وابتهالِ وَدُعاءٍ ودَمُوعْ



(104)

وَمُناجاةٍ إلى وَقْتِ الطُلوع * ما احيلاها أراضٍ وَرُبوعْ
يَسْتَميل القَلْبُ فيها راحةً * تَزْدَهي مِنْ كُلّ زَهْرٍ طَيّبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِلُ قَدْ نِلْتَ المُنـى * إذْ تَوَجهتَ إلى أرضِ مِنى
مَسْجداً لِلخيفِ يُعطيكَ الهَنا * فِيهِ تَنْسى كـلَ جُهدٍ وَعَنا
أيّها الراحِلُ وارمِ الجَمَراتْ * فـي حصَا مَعْدودةٍ للطلبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
وَتَـوجّـه بَعْدَهـا لِلكَعبـةِ * طُفْ وَصَلِّ وابتهَـلْ للتَوبَةِ
ثُمَّ فـأتِ لِلصَفـا والمَروَةِ * واشْكُـر الله لهـذي النِعْمةِ
ثُمّ طُفْ فِيها طَـوافاً ثـانِياً * لَيْسَ مِنْ جُهْدٍ بها أُو نَصبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِـلُ يُهْنيِـكَ الوُصـولْ * في رحابِ القُدْس في قَبْرِ الرَسولْ
فِيْهِ تَسْمو نَحْـوَ باريهـا العُقولْ * تَنْمَحـي الآلام والهَـمّ يَــزولْ
يَهَـبُ الأرواح أمْنـاً ورضـىً * وَهْـوَ يَـروي كُـلّ قَلْبٍ مُجْدِبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسـانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِلُ زرْ تِلكَ الرِحاب * وَبَقِيعاً مـا بـِهِ غَيْرَ التُرابْ
فَغَدَتْ جُدْرانهُ تَحكي الخَرابْ * وانْمَحَتْ آثـارُها فَهيَ يبابْ
وَبِهِ أربعـةٌ يُـرجى بِهـمْ * نَيْلُ عَفْـوِ اللهِ يَـوْمَ التَّعبِ



(105)

فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
وقالت رحمها الله في كتابها : « كلمة ودعودة » :
اُختاه هَيّـا لِلجهـادِ ولَلِفـدا * وإلى نِداءِ الحَقِّ في وقتِ النِدا
هيّا إجْهَري في صَرْخةٍ جَبْارةٍ * إنّـا بَناتُ مُحمّـدٍ لَـنْ نَقْعدا
إنّـا بنـات رسالـةٍ قُدْسِيـةٍ * حَمَلَتْ لنـا عِـزاً تَليداً أصْيَدا
وقالت فيه أيضاً :
إلى المجدِ يا فَتياتِ الهُدى * لِنُحْيي مـآثرَنِا الخالِـداتْ
وَنَمْضي سَويّاً إلـى غايةٍ * لأجْل لِقاهـا تَهونُ الحَياةْ
وَنَكّتُبُ تـأرِيخَنا نـاصِعاً * مُضِيئاً بـأعْمالِنا الباهِراتْ
فإمّا مَقـام العلـى نَرْتَقِيه * وإمّا قُبـوراً تضَمُ الرُفاتْ

جهادها واستشهادها :
تُعدّ الشهيدة بنت الهدى رحمها الله رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق ، فلم تتصدّ لهذا العمل ولم تقم بمهامّه غير السيّدة آمنة الصدر ، في الوقت الذي تصدّى للعمل الإسلامي في أوساط الرجال عددٌ من العلماء والمفكّرين والشباب الملتزمين .
فلم تكتفِ الشهيدة رحمها الله بأن تُجاهد بلسانها وكتاباتها ، بل تعدّته إلى أكبر من ذلك ، حيث عاشت مع الحركة الإسلامية التي نظّمها وسيّرها وقادها أخوها المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّدباقر الصدر رضوان الله تعالى عليه . كانت مع الحركة الإسلامية منذ انبثاقها ، وما مشاريعها الإجتماعية ، ونشاطاتها الثقافية إلاّ جزءً من الحركة الإسلامية المنظّمة .
عاصرت الشهيدة بنت الهدى عدّة أحداث سياسية هامة :
منها : اعتقال الحكومة العراقية المجرمة للشهيد الصدر في مستشفى الكوفة عام 1972م .


(106)

ومنها : أحداث عام 1974م ، حيث اعتقل عدد غفير من كوادر الحركة الإسلامية في العراق ، واعدام خمسة منهم .
ومنها : أحداث عام 1977م ، حيث انتفضت مدينة النجف الأشرف ، تلك الإنتفاضة الحسينية الجماهيرية التي أرعبت نظام بغداد ، ممّا حدى بهذا النظام أن يعدم عدداً من الشباب الحسينيين الأبرياء بحجّة خروجهم على القوانين واثارتهم الشغب ، واستدعت الحكومة آنذاك الشهيد الصدر إلى بغداد وعاتبته على عدم تلبية طلباتهم في شجب هذا الأعمال واستنكارها .
وكانت الشهيدة رحمها الله تعيش عن قرب من هذه الأحداث ، حيث منحتها حسّاً سياسياً تستطيع بواسطته ادراك ما يجري حولها ، وما سيؤول الأمر إليه .
ومنها : أحداث عام 1979م ، هذا العام الذي شهد تحرّكاً سياسياً واسعاً في العراق ، حيث جاءت الوفود ومن شتى أنحاء العراق مجدّدة البيعة للإمام الصدر ، طالبة منه المسير قدماً في تطبيق حكم الله في الأرض ، فأحسّت حكومة بغداد بخطورة الموقف وتفاقمهِ ، وخوفاً من أن يفلت زمام الأمر منها أقدمت على اعتقال السيد الشهيد الصدر في 19 رجب .
وهنا بدأ دور الشهيدة بنت الهدى لتقف موقفاً بطولياً ، يُعبِّر عن عمق الإيمان وإحساسها بخطورة المرحلة . فخرجت من دارها ـ دار السيّد الشهيد ـ وذهبت إلى مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهناك نادت بأعلى صوتها : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الظليمة الظليمة ، أيها الناس هذا مرجعكم قد اُعتقل . فعلم الناس بالخبر ، وسرعان ما انتشر ، وما هي إلاّ ساعات حتى خرجت تظاهرة كبرى في مدينة النجف الأشرف ، مُعلنة عن سخطها واستنكارها لإعتقال السيّد الشهيد الصدر ، فسارعت الحكومة لإطلاق سراحه خوفاً من توسّع رقعة المظاهرات .
وما أن وصل الخبر إلى بقية المدن العراقية حتى خرجت تظاهرات واسعة في بعضها مثل بغداد ، والكاظمية ، والفهود ، وجديدة الشط ، والنعمانية ، والسماوة . وقد خرجت أيضاً تظاهرات في بلدان اسلامية اُخرى ، مثل لبنان والبحرين وايران .


(107)

وعندما عرفت السلطة خطورة الموقف فرضت الإقامة الجبرية على السيّد الشهيد وعائلته بهدف منعه من الإتصال بالحركة الإسلامية ، وتمهيداً لتصفية أقطاب التحرك الإسلامي ، ومن ثمّ تصفية السيد الشهيد جسدياً . وفعلاً فقد أقدمت حكومة البعث الصليبية على جريمة كبرى حيث اعتقلت الشهيد الصدر واُخته العلوية بنتالهدى في يوم السبت 19 جمادي الاُولى سنة 1400هـ ، الموافق 5|4|1980م ، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تمّ تنفيذ حكم الإعدام بالسيّد الصدر واُخته العلوية آمنة الصدر .
وستبقى هذه الجريمة وصمة عار في جبين كل مَنْ ينتمي إلى حزب البعث ، بل وفي جبين مَنْ يدّعي القومية والتقدّمية .
وبهذا أفلَ نجم المعلّمة الكبيرة والمرشدة العظيمة العلوية بنت الهدى ، وفازت برضوان الله وجنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار .

11 آمنة بنت الشرّيد
زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي رحمه الله .
كانت فصيحة اللسان ، حاضرة الجواب ، من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام ومناصريه ، أسْمَعَتْ معاوية بن أبي سفيان في محاورتها معه كلاماً قارصاً وجواباً لاذعاً .
روى ابن أبي طيفور في بلاغات النساء عن العباس بن بكّار ، قال : حدّثنا أبوبكر الهذلي ، عن الزهري . وسهل بن أبي سهل التميميّ ، عن أبي ه ، قالا : لما قُتل علي بن أبي طالب عليه السلام ، بعث معاوية في طلب شيعته ، فكان في مَنْ طَلَبَ عمرو بن الحمق الخزاعي ، فراغ منه ، فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ، ثم أنّ عبدالرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله ، وبعث برأسه إلى معاوية ، وهو أوّل رأسٍ حُملَ في الإسلام .
فلمّا أتى معاوية الرسول بالرأس ، بعث به إلى آمنة في السجن وقال للحرسي : إحفظ ما تتكلّم بهِ حتى تؤديه إليَّ ، واطرح الرأس في حجرها . ففعل هذا ، فارتاعت له ساعة ، ثم


(108)

وضعت يدها على رأسها وقالت :
واحزناه لِصغره في دار هوان ، وضيق من ضيمة سلطان ، نفيتموه عني طويلاً ، وأهديتموه إليَّ قتيلاً ، فأهلاً وسهلاً بمن كُنتُ له غير قالية ، وأنا له اليوم غير ناسية ، إرجع به أيها الرسول إلى معاوية فقل له ولا تطوه دونه : أيْتَمَ الله وِلْدَكَ ، وأوحش منكَ أهلكَ ، ولا غفرَ لكَ ذنبكَ .




فرجع الرسول إلى معاوية فأخبره بما قالتْ ، فأرسل إليها فأتته وعنده نفر فيهم إياس بن حسل أخو مالك بن حسل ، وكان في شدقيه نتوء عن فيه رحمه الله لعظمٍ كان في لسانه وثقل إذا تكلّم .
فقال لها معاوية : أأنتِ يا عدوّة الله صاحبة الكلام الذي بلغني به ؟
قالت : نعم ، غير مُنازعة عنه ، ولا مُعتذرة منه ، ولا مُنكرة له ، فلعمري لقد اجتهدتُ في الدعاء إن نفعَ الاجتهاد ، وأنّ الحقّ لمن وراء العباد ، وما بلغت شيئاً من جزائك ، وانّ الله بالنقمة من ورائك .





فأعرض عنها معاوية ، فقال إياس : اُقتل هذه يا أميرالمؤمنين ، فوالله ما كان زوجها أحقّ بالقتل منها .
فالتفتت إليه ، فلما رأته ناتىء الشدقين ثقيل اللسان ، قالت :
تباً لك ، ويلك بين لحيتيك كجثمان الضفدع ، ثم أنتَ تدعوه إلى قتلي كما قتلَ زوجي بالأمس ( إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّارَاً في الأَرْضِ ، وَمَا تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِين ) (1) .



فضحكَ معاوية ثم قال : لله دَركِ اُخرجي ، ثم لا أسمع بكِ في شيء من الشام .
فقالت :
و أبي لأخرجنّ ، ثم لا تسمع لي في شيء من الشام ، فما الشام لي بحبيب ، ولا أعرج فيها على حميم ، وما هي لي بوطن ، ولا أحنّ فيها إلى سَكن . ولقد



____________
1 ـ القصص : 19 .
(109)

عظم فيها دَيني ، وما قرّت فيها عيني ، وما أنا فيها إليكَ بعائدة ، ولا حيث كنتُ بحامدة .


فأشار إليها ببنانه اُخرجي ، فخرجت وهي تقول :
واعجبي لمعاوية يكف عنّي لسانه ، ويشير إلى الخروج ببنانه ، أما والله ليعارضنه عمرو بكلامٍ مؤيّد سديد أوجع من نوافذ الحديد أو ما أنا بابنة الشريد .



فخرجت وتلقّاها الأسود الهلالي ، وكان رجلاً أسودَ أصلعَ أسْلَعِ (1) أصْعَلَ (2) ، فسمعها وهي تقول ما تقول ، فقال : لمن تعني هذه ؟ ألأميرالمؤمنين تعني ، عليها لعنة الله!!! .
فالتفتت إليه ، فلما رأته قالت :
خزياً لك وجدعاً ، أتلعنني واللعنة بين جنبيك ، وما بين قرنيك إلى قدميك ، إخسأ يا هامة الصعل ، ووجه الجعل ، فاذلل بكَ نصيراً ، واقلل بكَ ظهيراً .



فبهتَ الأسلع ينظر إليها ، ثم سأل عنها فاُخبر ، فأقبل إليها مُعتذراً خوفاً من لسانها .
فقالت : قد قبلتُ عذركَ ، وإن تعد أعد ، ثم لا استقبل ولا اُراقب فيك .
فبلغ ذلك معاوية ، فقال : زعمتَ يا أسلع أنّك لا تواقف مَنْ يغلبك ، أما علمتَ أنّ حرارة المتبول ليست بمخالسة نوافذ الكلام عند مواقف الخصام ، أفلا تركتَ كلامها قبل البصبصة منها والاعتذر إليها ؟
قال : إي والله يا أميرالمؤمنين ، لم أكن أرى شيئاً من النساء يبلغ معاضيل الكلام ما بلغت هذه المرأة ، حالستها فإذا هي تحمل قلباً شديداً ، ولساناً حديداً ، وجواباً عتيداً ، وهالتني رعباً وأوسعتني سبّاً .
ثم التفت معاوية إلى عبيد بن أوس فقال : إبعث لها ما تقطع به عنها لسانها ، وتقضي به ما ذكرت مِنْ دَينها ، وتخفّ به إلى بلادها ، وقال : اللهم اكفني شرّ لسانها .
____________
1 ـ الأسْلَع : الأبرص . لسان العرب 8 : 160 « سلع » .
2 ـ الأصْعَل : دقيق الرأس والعنق . لسان العرب 11 : 378 « صعل » .

(110)

فلمّا أتاها الرسول بما أمر به معاوية قالت : يا عجبي لمعاوية ، يقتل زوجي ، ويبعث إليّ بالجوائز ، فليتَ أبي كرب سدّ عني حرة صلة ، خذ من الرضعة ما عليها (1) . فأخذت ذلك وخرجت تُريد الجزيرة ، فمرّتْ بحمصٍ فقتلها الطاعون ، فبلغ ذلك الأسلع ، فأقبل إلى معاوية كالمبشّر له ، فقال له : أفرغ روعك يا أميرالمؤمنين ، قد استجيبت دعوتك في ابنة الشريد ، وقد كُفيتَ شرَّ لسانها .
قال : وكيفَ ذلك ؟
قال : مَرّتْ بحمصٍ فقتلها الطاعون .
فقال له معاوية : فنفسكَ فبشّر بما أحببت ، فإنّ موتها لم يكن على أحد أروح منه عليك ، ولعمري ما انتصفتَ منها حين أفرغت عليك شؤبوباً (2) وبيلاً .
فقال الأسلع : ما أصابني من حرارة لسانها شيء إلاّ وقد أصابكَ مثله ، أو أشدّ منه (3) .
وقال الشيخ المفيد في الاختصاص : بعث معاوية بن أبي سفيان برأس عمرو بن الحمق إلى امرأته فوضع في حجرها ، فقالت :
سترتموه عني طويلاً ، وأهديتموه إليّ قتيلاً ، فأهلاً وسهلاً من هدية غير قالية ولا مقلية . بلّغ أيها الرسول عني معاوية ما أقول : طلب الله بدمه ، وعجّل الوبيل من نقمه ، فقد أتى أمراً فريّاً ، وقتلَ باراً تقيّاً ، فأبلغ أيها




____________
1 ـ هكذا ورد في المصادر المتوفّرة لدينا من دون توضيح ، وبعد التتبع ظهر أنّ هذا الكلام عبارة عن مثلين دُمجا ، وحصل لهما تصحيف في بعض عبارتهما :
ففي مجمع الأمثال ل أبي الفضل أحمد بن محمّد النيسابوري 2 : 194 رقم 3350 : « ليت حظي من أبي كَرِبٍ أن يَسُدّ عنّي خيره خَبلَهُ » ، قيل : نزلت بقوم شدّة فقالوا لعجوز عمياء : أبشري فهذا أبوكرب قد قرب منا ، فقالت هذا القول ، وأبوكرب ، تُبَّع من تبابعة اليمن .
وقال الجوهري في الصحاح 4 : 1365 « رضف » : الرَضْفُ : الحجارة المحماة يُوغَر بها اللبن ، واحدتها : رَضْفَةٌ ، وفي المثل « خُذ من الرَّضْفَة ما عليها » .
2 ـ الشؤبوب : الدفعة من المطر وغيره . لسان العرب 2 : 479 « شأب » .
3 ـ بلاغات النساء : 59 .

(111)

الرسول معاوية ما قلت .


فبلّغ الرسول ما قالت ، فبعث إليها فقال لها : أنتِ القائلة ما قلتِ ؟
قالت : نعم غير ناكلة عنه ، ولا مُعتذرة منه .
قال لها : اُخرجي من بلادي .
قالت : أفعل والله ما هو لي بوطن ، ولا أحنّ فيها إلى سجن ، ولقد طال بها سهري ، واشتد بها عبري ، وكثر فيها دَيني من غير ما قرّت به عيني .
فقال عبدالله بن أبي سرح الكاتب : يا أميرالمؤمنين إنّها منافقة فألحقها بزوجها .
فنظرت إليه فقالت : يا من بين لحيتيه كجثمان الضفدع ، ألا قلتَ من أنعمك خلعاً ، واصفاك كساءً ؟ إنّما المارق المنافق من قال بغير الصواب ، واتخذ العباد كالأرباب ، فأنزلَ كفره في الكتاب .
فأومأ معاوية إلى الحاجب باخراجها ، فقالت : واعجباه من ابن هند يشير إليّ ببنانه ، ويمنعني نوافذ لسانه ، أما والله لأبقرنّه بكلام عتيد كنوافذ الحديد أوما أنا بنت الشريد (1) .
وعمرو بن الحمق الخزاعي عدّه الشيخ من أصحاب علي عليه السلام ، ومن أصحاب الحسن عليه السلام (2) .
وعدّه البرقي من شرطة الخميس من أصحاب علي عليه السلام قائلاً : عمرو بن الحمق ، عربيّ خزاعي (3) ) ن .
وروى ابن شهر آشوب عن كتاب فضائل الصحابة : أنّ علياً عليه السلام قال : أسلمتُ قبل الناس بسبع سنين . . . . . . وعن تأريخ بغداد وعدّة كتب اُخرى عن حبّة العرني أنّه عليه السلام قال : بُعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء . ثم قال : وقد روى وجوه الصحابة وخيار
____________
1 ـ الاختصاص : 17 . وانظر : أعيان الشيعة 2 : 95 ، رياحين الشريعة 3 : 326 ، أعيان النساء : 20 ، أعلام النساء 1 : 11 .
2 ـ رجال الشيخ الطوسى : 47 ، 69 .
3 ـ رجال البرقي : 4 .

(112)

التابعين وأكثر المحدّثين ذلك ، وعدّ منهم عمرو بن الحمق ، وذكر أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام جعله في حرب الجمل وفي حرب صفين على الكمين ، وعدّه من أصحاب الحسن بن علي عليهما السلام الذين من خواص أبي ه (1) .
وعدّه الشيخ المفيد في الاختصاص من أصفياء أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام (2) .
وعدّه الكشي ـ في ترجمة اُويس ـ من حواري أميرالمؤمنين عليه السلام ، وروى عن جبرئيل ابن أحمد الفاريابي ، قال : حدّثني محمّد بن عبدالله بن مهران ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي القاسم ، رفعه قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية ، فقال لهم : « إنّكم تضلّون ساعة كذا في الليل فخذوا ذات اليسار ، فإنّكم تمرّون برجلٍ فاضلٍ خيّرٍ في شأنه ، فتسترشدونه ، فيأبى أن يرشدكم حتى تصيبوا من طعامه ، فيذبح لكم كبشاً فيطعمكم ، ثم يقول فيرشدكم ، فاقرأوه مني السلام ، واعلموه أنّي قد ظهرت بالمدينة » .





فمضوا فضلّوا الطريق ، فقال قائل منهم : ألمْ يقلْ لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تياسروا ، ففعلوا ، فمرّوا بالرجل الذي قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاسترشدوه ، فقال لهم الرجل : لا أفعل حتى تصيبوا من طعامي ، ففعلوا فأرشدهم الطريق ، ونسوا أن يقرأوه السّلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : فقال لهم الرجل ـ وهو عمرو بن الحمق رضي الله عنه ـ أَظَهَرَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ؟ فقالوا : نعم ، فلحق به ولبث معه ما شاء الله .
ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ارجع إلى الموضع الذي منه هاجرت ، فإذا تولّى أميرالمؤمنين عليه السلام فأته » ، فانصرف الرجل حتى إذا تولّى أميرالمؤمنين عليه السلام الكوفة أتاه وقام معه بالكوفة .
ثم أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام قال له : « ألك دار ؟ » .
قال : نعم .
____________
1 ـ مناقب ابن شهر آشوب 2 : 7 ، 3 : 654ـ169 ، 4 : 40 .
2 ـ الاختصاص : 15 .