297 صفيّة بنت شيبة
عدّها الشيخ الطوسي رحمه الله في رجاله من اللّواتي صَحِبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال المامقاني : لم أستثبت حالها (1) .

298 صفيّة الهاشميّة
صفيّة بنت عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، عمّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، اُم الزبير بن العوّام .
وكان لعبد المطلب ستّ بنات ، كلّهن من أهل الأدب والشعر والفصاحة .
كانت رحمها الله فاضلة ، عاقلة ، فصيحة اللسان ، أديبة ، شاعرة ، شجاعة ، صحابيّة جليلة ، راوية للحديث ، عدّها البرقي في كتابه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
تزوّجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن اُميّة بن عبدشمس ، اخو أبي سفيان ، فمات عنها ، فتزوّجها العوّام بن خويلد ، فولدت له الزبير وعبد الكعبة ، وعاشت كثيراً ، وتوفّيت سنة عشرين ولها من العمر ثلاث وسبعين سنة ، ودفنت بالبقيع .
كانت صفيّة رحمها الله من أشجع الناس في زمانها ، قتلت الجاسوس اليهودي لما جبنَ عن قتله حسّان بن ثابت ، وهي التي عنّفت الفارّين يوم أحد ، وتقدّمت تقاتل برمح لها .
روى ابن حجر في الإصابة من رواية اُم عروة بنت جعفر بن الزبير عن جدّتها صفيّة : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج إلى الخندق جعل نساءه في أطم يقال له : فارع ، وجعل معهن حسّان بن ثابت .
قالت : فجاء انسان من اليهود فرقى الحصن حتى أطل علينا ، فقلتُ لحسان : قم فاقتله .
فقال : لو كان ذلك فيّ كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت صفيّة : فقمتُ إليه فضربته حتى قطعت رأسه ، وقلتُ لحسان : قم فاطرح رأسه
____________
1 ـ رجال الشيخ : 32 ، مجمع الرجال 7 : 176 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، تنقيح المقال 3 : 81 ، رياحين الشريعة 4 : 364 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 .
(539)

على اليهود ، وهم أسفل الحصن .
فقال : والله ما ذاك .
قالت : فأخذتُ رأسه فرميتُ به عليهم .
فقالوا : قد علمنا أنّ هذا لم يكن ليترك أهله خلواً ليس معهم أحداً ، فتفرّقوا .
ومن طريق حمّاد ، عن هشام ، عن أبي ه : أنّ صفيّة جاءت يوم أحد ، وقد انهزم الناس وبيدها رمحم تضرب في وجوههم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا زبير المرأة » .
وبعد أن انتهت وقعة اُحد ، وقد قُتل فيها حمزة بن عبدالمطلب عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومثّل به ، أقبلت اُخته صفيّة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنها الزبير : « ردّها لئلا ترى ما بأخيها حمزة » ، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : بلغني أنه مُثّل بأخي ، وذلك في الله قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتسبنّ ولاصبرنّ ، فأعلم الزبير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال : « خلِّ سبيلها » ، فأتته وصلّت عليه واسترجعت ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به فدفن .
ومن شعرها :
ألاّ مَن مُبلغ عنـي قُريشاً * فَفيـم الأمر فينـا والأمارُ
لَنا السَلفُ المقدّم قَد عَلمتم * ولـم توقـد لَنا بالغدرِ نارُ
وكلّ منـاقبِ الخيراتِ فينا * وبعضُ الأمرِ منقصةً وعارُ
وقالت ترثي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
يا عين جودي بدمعٍ منكِ مُنحدرِ * ولا تـملّي وابكـي سيّـد البشرِ
إبكي الرسولَ فقد هدّت مصيبته * جميعَ قومي وأهلِ البدوِ والحضرِ
ولا تملّي بكاكِ الدهـر معـولةً * عليهِ مـا غرّد القمري في السحرِ
وقالت أيضاً ترثي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم :
قـد كـانَ بعدكَ أنبـاءٌ وهنبثةٌ * لَـو كُنتَ شاهِدها لم يكثر الخطبِ
وقالت أيضاً :


(540)

لِفقدِ رسـولِ الله إذ حـان يـومهُ * فيا عيني جودي بالدموعِ والسواجمِ
وقالت أيضاً :
إنّ يوماً أتـى عليكَ ليوم * كوّرت شَمسهُ وكانَ مُضيئا
وتُعد صفيّة راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي وغيره من الصحابيات ، روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .

299 ضباعة الهاشميّة
ضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، بنت عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم .
تزوّجها المقداد بن الأسود ، فولدت له عبدالله وكريمة .
قال الزبير : لم يكن للزبير بن عبدالمطلب عقب إلاّ من ضباعة واُختها اُم الحكم .
كذا قاله ابن سعد ، وقال : و اُم ّها عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، وقتل ابنها عبدالله يوم الجمل مع عائشة .
روت ضباعة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعن زوجها المقداد .
وروى حديثها ابن عباس ، وعائشة ، وبنتها كريمة بنت المقداد ، وابن المسيّب ، وعروة ، والأعرج ، وغيرهم .
وحديثها في الإشتراط في الحجّ عند أبي داود والنسائي .
وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس : أنّ ضباعة بنت الزبير أتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : إنّي اُريد الحج أفأشترط ؟
قال : « نعم » .
____________
1 ـ انظر : اُسد الغابة 5 : 492 ، أعيان الشيعة 7 : 390 ، الإصابة 4 : 348 ، الأعلام للزِرِكلي 3 : 206 نقلاً عن ( ذيل المذيل : 69 والمحبر : 172 وسمط اللآلي : 118 ورغبة الآمل 7 : 96 والدر المنثور : 261 ) تأريخ التراث العربي 2 : 287 ، تنقيح المقال 3 : 81 ، رجال البرقي : 61 ، رياحين الشريعة 4 : 343 و 365 ، طبقات ابن سعد 8 : 41 ، معجم رجال الحديث 23 : 194 .
(541)

قلت : كيف أقول ؟
قال : « قولي : لبيكَ ، وتحلّلي من الأرض حيث حبست » .
قال ابن مندة : مشهور عن عكرمة ، ورواه عبدالكريم ، حدّثني مَن سمع ابن عباس يقول : حدّثتني ضباعة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تشترط في إحرامها .
قال : ورواه عروة عن عائشة : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمر ضباعة بالإشتراط ، رواه الزهري وهشام عنه (1) .

300 ضبيعة الأوسيّة
ضبيعة بنت خُزَيْمة بن ثابت الأوسي .
شاعرة فصيحة ، من المؤمنات المواليات لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه ، رثت أباها خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين عندما استشهد في واقعة صفين قائلةً :
عَيني جُودي على خُزيمة بالدَّمعِ * مـع قتيلِ الأحـزان يـومَ الفُراتِ
قَتلـوا ذا الشَهـادتـين عُتُـوّاً * أدركَ الله مـنهــم بـالتِّــراتِ
قَتلوهُ فـي فِتيـةٍ غيـر عُـزْلٍ * يُسـرعُـونَ الـرُّكـوبَ للدَّعَواتِ
نَصُروا السيّد الموفّـق ذا العَـدْ * لِ ودانُـوا بـذاكَ حتّـى الممـاتِ
لَعـــنَ اللهُ مَعشــراً قَتلـوهُ * ورمـاهُم بالخِـزي والآفـاتِ (2)
وخزيمة بالخاء المعجمة المضمومة ، والزاي المعجمة المفتوحة ، والياء المثنّات من تحت ساكنة ، ابن ثابت بن عمارة بن الفاكهة بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر بن عباد بن عامر الأوسي ، أبو عمارة ، شهد بدراً والمشاهد كلّها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعل شهادته كشهادة رجلين ، وكان يسمّى ذا الشهادتين ، وشهد صفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقتل يومئذٍ سنة سبع وثلاثين .
____________
1 ـ الإصابة في تمييز الصحابة 4 : 352 ، وعنه في رياحين الشيعة 4 : 368 .
2 ـ كتاب صفين : 365 .

(542)

وكان وجه لقبه بذي الشهادتين : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشترى ناقة من أعرابي ، فأنكر الأعرابي البيع وطلب منه صلى الله عليه وآله وسلم الشهود ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « من يشهد على أنّي اشتريتُ من هذا الأعرابي ناقة » ؟ فلم يشهد أحد سوى خزيمة .
فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « كيف شهدتَ يا خزيمة » ؟
فقال خزيمة : يا رسولَ الله ، لقد صدّقناك بخبر من السماء ولم نصدّقك بخبر اشتراء ناقة ، فسمّاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينئذٍ بذي الشهادتين .
وكان خزيمة من السابقين الأوائل لبيعة أمير المؤمنين ، وفي جملة الإثني عشر رجلاً الذين لم يبايعوا أبا بكر وأنكروا عليه في المسجد ، ومن الذين شهدوا بالرحبة حديث الغدير ، ولم يفارق خزيمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، وشارك في حرب الجمل ، وفي حرب صفين حينما استشهد عمّار حمله خزيمة إلى الخيمة ونزع سلاحه عنه ، ثم خرج كالأسد إلى ساحة الحرب وهو يقول : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إن عمّاراً ستقتله الفئة الباغية » ، ثم أنشد يقول :
كَم ذا يُرجى أن يَعيش الماكث * والنـاس موروث وفيهم وارث
هذا علي من عصاه ناكث
وعندما سمع أمير المؤمنين عليه السلام بخبر استشهاده تأثّر كثيراً وبكى عليه طويلاً وقال : « هذا عمّار وهذا ابن التّيهان ، وهذا ذو الشهادتين » (1) .

301 ضويّة الحجيميّة
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين .
فعندما أحاطت بهم جيوش الانگليز ، وتصوّرت أنّ القوّة الحربيّة التي عند العدو ستتغلّب عليهم وأنّ قومها سيبادون ، عندها خاطبت زوجها ـ وكان شيخاً كبيراً ـ تحثّه على
____________
1 ـ رياحين الشريعة 4 : 370 .
(543)

القتال ، فعندما اعتذر لها بعدم استطاعته حمل السلاح؛ لكبره ، قالت :
يلماتهز عـزمك هـزاهز * يل نفتخر بـيك او ننـابز
شوف الربع گامت تبـارز * اوهاي الفعايل إلك حـافز
انهض لعد خصمك اوناجز * مـن تنچتل بـالخلد فايز
عيبن عليك اتگول عاجز
ونقل علي الخاقاني عن الشيخ صگبان آل عبادي ، أحد المشاركين في ثورة العشرين ، مقطوعة شعريّة لها ، رثت بها ضاحي الهطرة ، من آل كيم ، أحد شهداء الرارنجيّة ، وقد وقفت على جثمانه في الصحن الحيدري قبل دفنه قائلة :
من آمر ( المرزه ) بالجهاد اوصار * عرب ( سلف ناصر ) يسعرون النار
غرب سلف ناصر للحكومة اوجـر * او عـدهم عيـد حسّ الدان لو گبرّ
طـالــب بـخت أبـو راهــي * او يــسحب قـوّتــه الميجــر
آنــه رحـــت ويّـاهـــم * الخــان ( الچفـــل ) وتفكّــر
مــن ظهــرت بيــارغنــه * يـربّـي امــن العيــون استـر
بيهـــم دفـــعت الصبيــان * يــل بيهـا الــگلب يستـــر
شـدّوا حــزم ووشــاحــات * او حلــو ويّــاهــن الـورور
گـالـوا كــل تــفگ بطلـوه * نصــل للسيــك بـالخنجــر
يگـود الجيــش ابـو راهـي * وأبـوصگبــان الـمشكّــر
بيهــم ( ضـاحـي الهطـرة ) * وصـل للطــوبچـــي اوطبِّـر
يسّـرنــه جـميـع الجــيش * او بيـه ( ابـلاگت ) السـوجــر
يا بعـد الرعيــع أو خـــاف * دخّــالــه ابجبـل شمّـــر
ممنونــه الخــوال ابنـــي * مــا بيهـــم اليتكنهـــر (1)

____________
1 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 360ـ361 .
(544)

302 ضيافة الشيرازيّة
عالمة ، فاضلة ، محدّثة ، أديبة ، شاعرة .
وُلدت في شيراز ، وتتلّمذت في الأدب على الشيخ المفيد ، الذي كان من الأدباء والشعراء ، المتخلّص في عشره بـ ( داور ) ، والذي كان يسكن احدى حجرات الصحن الشريف لأحمد ابن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام المعروف بـ ( شاه چراغ ) .
ثم هاجرت هذه السيّدة إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، واشتغلت فيها بتعليم النساء الفقه والاُصول .
تروي عن عدّة ، منهم العلاّمة السيّد مرتضى الكشميري بطريقه ويروي عنها سماحة آية الله العظمى السيّد المرعشي النجفي قدس سره ، حيث قال في الإجازة الكبيرة : واعلم أيّدك الله تعالى في الدارين بأنّني أروي عن نساء عالمات فاضلات ، منهنّ العالمة الجليلة ، والأديبة الشاعرة خانم ضيافة الشيرازية .
تُوفِّيت رحمها الله في حدود سنة 1342هـ في مدينة كربلاء المقدّسة ودُفنت فيها (1) .

303 طوعة
مولاة الأشعث بن قيس الكندي ، أعتقها الأسيد الحضرمي ، ثم تزوّجها فولدت له ولداً يدعى بلالاً .
وهي من المؤمنات المجاهدات ، المواليات لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم ، وقصتها في إخفاء مسلم بن عقيل سلام الله عليه معروفة لدى الجميع . ففي الوقت الذي خذل أهل الكوفة مُسلماً سلام الله عليه ـبعد أن بايعوهـ وبقي وحيداً لا أحد يدلّه على الطريق ، نرى هذه المرأة المؤمنة البطلة تأوي مسلماً في بيتها ، وتُعدّ له غرفة جانبية لكي لا ينتبه ولدها
____________
1 ـ الإجازة الكبيرة : 247 .
(545)

فيخبر السلطة الظالمة ، وتحضر له طعاماً ، إلاّ أنه يرفض أن يأكل .
وفعلاً قد وقع ما كانت تتخوّف منه هذه المرأة ، ذهب ولدها وأخبر السلطة بوجود مسلم عليه السلام في بيت اُم ّه ، وإذا بالأعداء يحاصرون الدار ويطلبون مسلماً عليه السلام ، ويخرج مسلم يقاتل هؤلاء الأعداء ، وهنا نرى هذه المرأة تقف إلى جنب مسلم عليه السلام ، تشجّعه على القتال ، وتنبّهه عند مجيء الأعداء من خلفه ، وتناوله الماء . فرحمها الله وجزاها خير جزاء المحسنين .
قال ابن الأثير في تأريخه حاكياً مصرع مسلم بن عقيل سلام الله عليه : فبقي وحيداً ليس معه مَن يدلّه على الطريق ، ولا مَن يأويه إلى منزله ، فذهب على وجهه ، واختلط الظلام ، وهو وحده يتردّد في الطريق ، لا يدري أين يذهب ، فأتى باباً فنزل عنده وطرقه ، فخرجت منه امرأة يقال لها طوعة ، كانت اُم ولد للأشعث بن قيس ، وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد ، خرج مع الناس و اُم ّه قائمة بالباب تنظره ، فقال لها مسلم : أسقيني ماء ، ثم دخلت وخرجت فوجدته فقالت : ألم تشرب ؟
فقال : بلى .
قالت : فاذهب إلى أهلك عافاك الله ، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ، ولا أحلّه لك .
فقام فقال : يا أمة الله ليس لي في هذا البلد منزل ولا عشيرة ، فهل إلى أجرٍ ومعروفٍ وفعل نكافئك به بعد اليوم ؟
فقالت : يا عبدالله وما هو ؟
قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني .
فقالت : أنتَ مسلم ؟!
قال : نعم .
قالت : اُدخل ، فأدخلته بيتاً من دارها غير البيت الذي تكون فيه ، وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش (1) .
____________
1 ـ انظر الإرشـاد للشيخ المفيـد : 212 ، مقتـل الحسين عليه السلام للخوارزمي 1 : 207 ، مقتـل الحسين عليه السلام للسيّد

=


(546)

304 العجوز
التي حضرت واقعة الطف يوم عاشوراء مع الإمام الحسين عليه السلام ، وشاهدت ما جرى على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من مصائب ومحن ، وشاركتهم في ذلك كلّه .
فبعد استشهاد زوجها بين يدي سيّده ومولاه الإمام الحسين عليه السلام ، تُقدّم ولدها وفلذة كبدها ليدافع عن الحسين عليه السلام وعياله ، ثم يستشهد دفاعاً عن دينه وعقيدته ، وبعد استشهاد ولدها نراها تأخذ عموداً وتنزل إلى ساحة المعركة لتقاتل الأعداء ، إلاّ أن الحسين عليه السلام يرجعها إلى النساء ويدعو لها .
في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة ، وكانت اُم ّه عنده فقالت : يا بُني اُخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تُقتل .
فقال : أفعل ، فخرج ، فقال الحسين : « هذا شاب قتل أبوه ولعلّ اُم ّه تكره خروجه » .
فقال الشاب : اُم ّي أمرتني يابن رسول الله ، فخرج وهو يقول :
أميري حُسيـن ونـعمَ الأميـرِ * سُـرورُ فـؤادِ البشيـرِ النَذيرِ
علــيٌّ وفـاطمـةٌ والــداه * فَهـلْ تَعلمـون لـهُ مِن نظيرِ
ثم قاتل وقتل وحُزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ، فأخذت اُم ه رأسه وقالت : أحسنت يا بُني يا قرّة عيني وسرور قلبي ، وأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول :
إنّي عجوزٌ في النِساءِ ضعيفة * بـاليـةٌ خـاويــةٌ نحيفـة
أضـربُكمْ بضربـة عَنيفـة * دونَ بنـي فاطمـةِ الشـريفة



(547)

فضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين بصرفها ودعا لها (1) .
وذكر ذلك ابن شهر آشوب في المناقب مع اختلاف يسير في الشعر (2) .

305 عفتة آل شيبة
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، حضرت بعض وقائع ثورة العشرين مع عشيرتها في منطقة « عفك » ، قالت تخاطب اختها التي فقدت أحد أولادها في هذه الثورة في معركة « ونه او صدّوم » قرب قوچان في محافظة الحلّة قائلةً :
اندبي البـواهـل يـل تنـدبين * كـلهـم تهـاووا بـالميـاديـن
غرّب فـزعهم فـات صـوبين * او من غـربوا چنهم امعـرسين
يخـوّفـون لـو فاتوا مجبلين * او مـن يـومهـم شاب الجنيـن
امن امخيف وتأسس العشريـن * فات اعله « ديلي » وغضب العين
سبَّـه وتعــدّاه ابـچلمتيـن * يگلـه يديلي اوجـوهـم ويـن
لابـد نسـوي عجّـة البيـن * عـليكم ولــويـاكـم امـچلبين
جـواسيسكم كـلهم امـبينين * نـفس الدنيّة اسـوگها البين (3)

306 عفتة الفتلاويّة
عفتة بنت اكزار الفتلاويّة ، من قبيلة محاسن .
مجاهدة ، شاعرة باللهجة العاميّة العراقيّة ، شاركت في ثورة العشرين .
قالت تصف البطولات الخارقة للثوار ، وذلك عندما هجم الثوار على تلّ الرماد في الحلّة ، وقد كاد المدفع الذي وضع عليه أن يبيد الثوار ، لولا الفدائيّة الذين ضحّوا بأنفسهم وعبروا
____________
1 ـ مقتل الحسين عليه السلام .
2 ـ المناقب 4 : 104 . وانظر أعيان الشيعة 1 : 606 ، العوالم 17 : 271 .
3 ـ معلومات ومشاهدات في الثوره العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 369 .

(548)

على جثث اخوانهم واستولوا على المدفع وقتلوا المدفعي ، ثم واصلوا القتال ، قالت :
شِهـدي يشـاخـة بيـرمانـه * إبتلّ الرمـاد إخـفگ لـوانـه
اوجـيش الظلـم إلـوه إعنانه * مـا تلحگ اعليّه كـلّ عـوانه
او شمـا عملنـه مـا كفانـه * او عنانه (1) تشهد على اعدانه
بـالچفل وبـدگـت جنـانـه * او بـالرستميّـة او بالشبانـه
اطوينـه الموت او ما طوانه
فنّـه الـذي يوصـل احمانه
من غير مـا ياخذ رضانة (2)

307 عقيلة الهاشميّة
عقيلة بنت عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف .
شاعرة ، رثت الإمام الحسين عليه السلام ، ونُسبت اليها عدّة أبي ات اُخرى .
فعندما قُتل الحسين بن علي عليهما السلام ، وحَملَ رأسه ابن زياد إلى يزيد ، خرجت عقلية في نساء قومها حواسر لِما قد ورد عليهن من قتل السادات وهي تقول :
ماذا تقولونَ إنْ قـالَ الـنبيُّ لكـم * مـاذا فعلتُـم وأنتُـمْ آخـرَ الاُم ـمِ
بِعتـرتي وبـأهلي بعـدَ مُفتقـدي * منهُم اُسارى ومنهم ضُرجوا بدَمِ (3)
وقد نُسبت هذه ال أبي ات ، واُخرى مشابهة لها لأسماء بنت عقيل بن أبي طالب ، ونسبت أيضاً لزينب و اُم لقمان ورملة بنات عقيل بن أبي طالب ، وقد ذكرنا ذلك كلّه في محلّه (4) .
____________
1 ـ عنانه : اسم موضع يقع شمال الحلّة على الجانب الغربي ، ويبعد بضعة كيلومترات عن الحلّة .
2 ـ معلومات ومشاهدات في الثورة العراقيّة الكبرى ( شاعرات في ثورة العشرين ) : 354ـ 355 .
3 ـ أعلام النساء 3 : 322 نقلاً عن عدّة مصادر .
4 ـ انظر : الكامل في التأريخ 4 : 88 ، تأريخ الطبرى 5 : 466 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 116 ، البداية والنهاية 8 : 198 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 76 ، مقتل الحسين عليه السلام للسيد ابن طاووس : 71 ، أعيان الشيعة 3 : 305 ، رياحين الشريعة 3 : 346 .

(549)

وقالت عقيلة بنت عقيل بن أبي طالب ترثي الحسين عليه السلام :
عَينـي أبكي بعَبرةٍ وعويلِ * واندبي إنْ نَدبتِ آل الرسولِ
ستةُ كُلّهم لصلـبِ علـيٍّ * قد اُصيبوا وخمسةٍ لعقيلِ (1)
وقد نسب إليها أعداء أهل البيت عليهم السلام : أنّها كانت تجالس الشعراء وتسمع شعرهم ، وكان الشعراء يتحاكمون إليها في شعرهم . وهذا كذب محض ، حيث أنّ ديدن النواصب أن ينسبوا الرذائل إلى أهل البيت سلام الله عليهم ، وإلى شيعتهم .

308 عكرشة بنت الأطش
من ربّات الفصاحة والبلاغة وقوّة الحجّة ، حضرت صفين في معسكر أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وخطبت بها خطباً بليغة شجّعت الرجال على القتال . وبعد استشهاد الإمام علي سلام الله عليه ، واغتصاب معاوية الخلافة دخلت عكرشة على معاوية واسمعته كلاماً قارصاً .
روى ابن طيفور في بلاغات النساء عن العباس بن بكار ، قال : حدّثنا أبوبكر الهذلي وعبدالله بن سليمان ، عن عكرمة ، وقال : حدّثنا المقدمي بإسناده عن الشافعي ، قالوا : دخلت عكرشة بنت الأطش على معاوية وبيدها عكاز في أسفله زُجٌّ مسقى (2) ، فسلّمت عليه بالخلافة وجلست .
فقال لها معاوية : يا عكرشة الآن صرتُ أمير المؤمنين ؟!
قالت : نعم ، إذ لا عليٌّ حيّ .
قال : ألستِ صاحبة الكور (3) المسدول (4) ، والوسيط المشدود ، والمتقلّدة بحمائل
____________
1 ـ أعلام النساء 3 : 322 .
2 ـ الزُّج : الحديدة التي تُركّب في أسفل الرمح . الصحاح 1 : 318 ، لسان العرب 2 : 285 « زجج » .
3 ـ كار العمامة على رأسه يكورها كوراً : لاثها : أي دارها الصحاح 2 : 809 « كور » .
4 ـ سدل ثوبه يسدله ـ بالضم ـ سدلاً : أي أرخاه . الصحاح 5 : 1728 « سدل » .

(550)

السيف ، وأنتِ واقفة بين الصفّين يوم صِفّين ، تقولين :
يا أيّها الناس عليكم أنفسكم ، لا يضرّكم مَنْ ضلّ إذا اهتديتم ، إنّ الجنّة دار لا يرحل عنها مَن قطنها ، ولا يحزن مَن سكنها ، فابتاعوها بدارٍ لا يدوم نعيمها ، ولا تنصرم همومها . كونوا قوماً مُستبصرين .
إنّ معاوية دلف (1) إليكم بعُجم (2) العرب ، غلف القلوب (3) ، لا يفقهوا الإيمان ، ولا يدرون ما الحكمة ، دعاهم بالدنيا فأجابوه ، واستدعاهم إلى الباطل فلبّوه .
فالله الله عباد الله في دين الله ، وإيّاكم والتواكل ، فإنّ ذلك نقض عروة الاسلام ، وإطفاء نور الإيمان ، وذهاب السنّة ، واظهار الباطل .
هذه بدر الصغرى ، والعقبة الاُخرى . قاتلوا يا معشر الأنصار والمهاجرين على بصيرة من دينكم ، واصبروا على عزيمتكم ، فكأنّي بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كالحمُر الناهقة ، والبغال الشّحاجة (4) ، تصقع (5) صقع البقر ، وتروث روث العتاق (6) .












فقال معاوية : فوالله لولا قدر الله ، وما أحبّ أن يجعل هذا الأمر ، لقد كان انكفأ عليّ العسكران ، فما حملكِ على ذلك ؟
قالت : إنّ اللبيب إذا كره أمراً لم يُحب إعادته .
قال : صدقتِ ، اُذكري حاجتك .
____________
1 ـ دلف : مشى وقارب الخطو . الصحاح 4 : 1360 ، لسان العرب 9 : 106 « لف » .
2 ـ العُجم : البهائم . لسان العرب 12 : 389 « عجم » .
3 ـ القلب الأغلف : الذي عليه غشاء عن سماع الحقّ وقبوله . انظر : الصحاح 4 : 1412 ، لسان العرب 9 : 271 « غلق » .
4 ـ شحيج البغل : صوته . الصحاح 1 : 323 « شحج » .
5 ـ الصقع : رفع الصوت . لسان العرب 8 : 203 « صقع » .
6 ـ فرس عتيق : أي رائع كريم . الصحاح 4 : 1521 « عتق » .

(551)

قالت : يا أمير المؤمنين إن الله قد ردّ صدقتنا علينا ، وردّ أموالنا فينا إلاّ بحقّها ، وإنّا قد فقدنا ذلك ، فما يُنعش لنا فقير ، ولا يُجير لنا كسير ، فإن كان ذلك عن رأيك فما مثلك من استعان بالخونة ، ولا استعمل الظالمين .
قال معاوية : يا هذه إنّه تنوبنا من اُم ور رعيتنا اُم ور تنبثق (1) ، وبحور تنفهق (2) .
قالت : يا سبحان الله ، ما فرض الله لنا حقّاً جعل فيه ضرراً على غيرنا ، ما جعله لنا وهو علاّم الغيوب .
قال معاوية : هيهات يا أهل العراق ، فقّهكم ابن أبي طالب فلَم تطاقوا ، ثم أمر لها بردّ صدقتها وانصافها ، وردّها مكرمة (3) .
روي ذلك أيضاً ابن عبد ربّه ـ في العقد الفريد ضمن الوافدات على معاوية ـ عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة ، مع اختلاف في الألفاظ (4) .

309 العلويّة
روى ابن أبي جمهور الأحسائي في كتابه « عوالي اللآلي العزيزيّة » نقلاً عن كتاب « منهاج اليقين في فضائل أمير المؤمنين » للعلاّمة الحلّي ، قال : روى العلاّمة قدست نفسه مسنداً في كتابه المذكور إلى عبدالله بن المبارك ، قال :
كنتُ ولعاً بحجّ بيت الله الحرام ، شديد المداومة في كلّ عام على حضوره ، ففي بعض السنوات لمّا أزف الناس الإهتمام لاُهبة الحجّ ، وحضرتْ وفود الحجّاج من البلاد ، أنستُ من نفسي الكسل في تلك السنة عن الاستعداد لاُهبّة الحجّ ، ثم نشطت لذلك وقلت : وما يُقعدني عن صحبة القوم وأنا قادر على النفقة مخلّى السبيل ، فقمت وشددت على وسطي كيساً فيه
____________
1 ـ تنبثق : تنفجر . الصحاح 4 : 1448 « بثق » .
2 ـ تنفهق : تنفتح وتتسع . النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 482 « فهق » .
3 ـ بلاغات النساء : 70 .
4 ـ العقد الفريد 1 : 351 . وانظر : رياحين الشريعة 4 : 383 ، أعيان النساء : 324 ، أعلام النساء 3 : 325 .

(552)

خمسمائة دينار ، وخرجت إلى سوق الابل لأشتري جمالاً للحج ، فلم أزل يومي أستعرض الإبل إلى أن تعالى النهار واشتدت الهاجرة ، ولم يقع في يدي ما يصلح للطريق ، فسامت السوم ، وعزمتُ الرجوع إلى المنزل .
فبينا أنا كذلك ، إذا أنا بامرأة وقد جلست إلى مزبلة قريبة من سوق الإبل ، وقد أخذت دجاجة ميّتة قد كانت على الكناسة ، وهي تنتف ريشها من حيث لا يشعر بها أحد . فجئت حتى وقفت قريباً منها ، وقلت : لِمَ تفعلين هكذا يا أمة الله ؟
فقالت : يا هذا إمض لشأنك واتركني .
فقلت : سألتك بالله إلاّ أعلمتيني بحالكِ ؟
فقالت : نعم ، إذا ناشدتني بالله ، إعلم أنّني امرأة علويّة ولي بنات ثلاث علويّات صغار ، وقد مات قيّمنا ، ولنا ثلاث ليالٍ بأيامهن على الطوى لم نطعم شيئاً ولم نجده ، وقد خرجت عنهن وهنّ يتضوّرن جوعاً لألتمس لهنّ شيئاً ، فلم تقع بيدي غير هذه الدجاجة الميتة ، فأردتُ إصلاحها لنأكلها ، فقد حلّت لنا الميتة .
فلمّا سمعتُ ما قالت ، وقف شعري واقشعر جلدي ، وقلت في نفسي : يابن المبارك أي حجّ أعظم من هذا ؟ فقلت لها : أيتها العلوية ارمي هذه الدجاجة فقد حرمتْ عليك ، وافتحي حجرك لأعطيك شيئاً من النفقة ، ثم حللتُ الكيس وفتحتُ فاه وصببتُ الدنانير في حجرها بأجمعها ، فقامت مسرورة وهي عجلة ثم دعت لي بخير ، وعدتُ إلى السوق .
ثم أنّي رجعت إلى منزلي ونزع الله من قلبي إرادة الحجّ في تلك السنة ، فلزمت منزلي ، واشتغلت بعبادة الله تعالى .
قال : وخرجت القافلة إلى الحج ، فلمّا قدم الحاج من مكّة ، خرجتُ للقاء الحجّاج والأخوان ومصافحتهم ، فكنتُ لم ألق أحداً ممّن يعرفني فصافحته وسلّمت عليه إلاّ يقول لي : يابن المبارك ألم تكن معنا ؟ ألم أشهدك في موضع كذا وموقف كذا ؟ فعجبتُ من ذلك .
فلمّا رجعت إلى منزلي وبت تلك الليلة ، رأيتُ في منامي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول : يابن المبارك إنّك لمّا أعطيتَ الدنانير لابنتنا ، وفرّجتَ كربتها ، وأصلحتَ شأنها


(553)

وشأن أيتامها ، بعث الله تعالى ملكاً على صورتك ، فهو يحج عنك في كلّ عام ، ويجعل ثواب ذلك الحجّ لك إلى يوم القيامة ، فما عليك إن حججت بعد أو لم تحج ، فإنّ ذلك الملك لا يترك الحج لك إلى يوم القيامة .
فانتبهت وأنا أحمد الله تعالى على توفيقي لصلة الذريّة العلويّة ، وأنّ فعلي كان في محلّه مقبولاً عند الله وعند نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم .
قال الراوي : ولقد سمعتُ عن كثير من المحدّثين يذكر : إن الحجّاج في كلّ عام يشاهدون ابن المبارك يحج مع الحجّاجة ، وإنّه لمقيم بالعراق (1) .
وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص : أنبأنا عبدالملك مظفر بن غالب الحري بإسناده ، قال : كان عبدالله بن المبارك يحجّ سنة ويغزو سنة ، فعل ذلك خمسين سنة ، قال : لمّا كانت السنة التي حجّ فيها أخذتُ في كمي خمسمائة دينار . . . ثم ذكر القصة كما ذكرها العلاّمة في كتابه .
وأضاف قائلاً : وقد رُويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر ، هو أنّ ولداً صغيراً لابن المبارك دخل بيت بعض الأشراف فوجدهم يأكلون لحماً فلم يطعموه ، فجاء إلى ابن المبارك وهو يبكي فسأله ، فقال : دخلتُ بيت فلان وهم يأكلون طبيخاً فلم يطعموني وكانوا جيرانه ، فأرسل إليهم عبدالله يعتّبهم .
فأرسلت إليه العجوز تقول : قد أحوجتنا إلى كشف أحوالنا ، قد مات صاحب الدار وخلّف أيتاماً ، ولنا خمسة أيام ما أكلنا طعاماً ، وانّني خرجت إلى مزبلة فوجدت عليها بطّة ميتة فأخذتها وأصلحتها ، ودخل ابنك ونحن نأكل ، فما جاز لي أن أطعمه وهو يجد الحلال ويقدر عليه ، فبكى ابن المبـارك ، وبعث إليهم بخمسمائة دينار ولم يحج في ذلك العام ، ورأى المنام المذكور (2) .
____________
1 ـ عوالي اللآلي العزيزية 4 : 140 .
2 ـ تذكرة الخواص : 328 ، وعنها في إرشاد القلوب 2 : 433 .