تكنّى ب اُم هاني ، اُخت سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
عدّها البرقي ضمن الراويات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) ، وعدّها الشيخ رحمه الله من أصحاب الرسول أيضاً (2) .
قال أبوعلي الحائري في رجاله : ويظهر من الأخبار جلالتها ، وفي حديث سليمان بن مهران الأعمش المروي في كتب الخاصة والعامة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا أدلكم على خير الناس عمّاً وعمة ؟ » .
قالوا : بلى .
قال : « الحسن والحسين عليهما السلام ، فإنّ عمّهما جعفر ذو الجناحين الطيّار مع الملائكة في الجنّة ، وعمّتهما اُم هاني بنت أبي طالب ـ إلى أن قال ـ : وعمّهما في الجنّة وعمتهما في الجنّة » (3) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : وجلالة شأنها وعلوّ مقامها غير خفي على الخبير بالآثار والسيّر ، ويكفيك منها ما في خبر سليمان بن مهران الأعمش ، المروي في كتب الخاصة والعامّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة . . . » ، فإنّ فيه دلالة على ما فوق الثقة والعدالة كما لا يخفى (4) .
وروى الكليني رحمه الله في الكافي عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال :
« خطبَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم اُم َ هاني بنت أبي طالب ، فقالت : يا رسول الله إنّي مصابة في حجري أيتام ، ولا يصلح لك إلاّ امرأة فارغة ، فقال رسول



____________
1 ـ رجال البرقي : 60 .
2 ـ رجال الشيخ : 33 .
3 ـ رجال أبوعلي : 368 . والحديث وارد في كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الإثني عشر للشيخ محمد بن علي الخزاز الرازي : 300 ، والخرائج والجرائح ، وكشف الغمة 3 : 150 وغيرها من المصادر .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 74 . وانظر : مجمع الرجال 7 : 182 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 412 ، جامع الرواة 2 : 456 ، تكملة الرجال 2 : 719 ، الكنى والألقاب 1 : 40 و 2 : 87 ، أعيان الشيعة 3 : 488 ، رياحين الشريعة 3 : 449 ، أعيان النساء : 336 ، معجم رجال الحديث 23 : 181 ، الطبقات الكبرى 8 : 47 .

(569)

الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناه على ولد ولا أرعى على زوج في ذات يديه » (1) .



وهي من رواة حديث الثقلين ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« كأنّي دُعيت فاُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عزّ وجلّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (2) .



ومن رواة حديث الغدير ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه ، واخذل مَنْ خذله ، وانصر من نصره » (3) .



323 فاطمة الهاشميّة
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف بن قصي .
اُم ّها فاطمة بنت هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي .
تزوّجها أبوطالب بن عبدالمطلب بن هاشم ، فولدت له عليّاً وجعفراً وعقيلاً وطالباً وهو أسنّهم ، و اُم هاني وجمانة وريطة بني أبي طالب (4) .
وهي راوية من راويات الحديث ، روت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت ذات صلاح ودين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها ويقيل في بيتها ويحترمها احتراماً عظيماً .
وهي أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة إلى المدينة على قدميها ، وكانت
____________
1 ـ الكافي 5 : 326 حديث 3 باب فضل نساء قريش .
2 ـ أخرج الحديث عنها الأمر تسري في أرجح المطالب : 337 ، والقندوزي في الينابيع : 40 من طريق البزاز ، ومن طريقه وطريق ابن عقدة أخرجه الحضرمي في وسيلة المآل : 59 .
3 ـ روى الحديث عنها ابن عقدة والجعابي والبزاز في مسنده ، وأخرجه في ينابيع المودة : 40 عن جواهر العقدين للسمهودي .
4 ـ الطبقات الكبرى 8 : 51 .

(570)

من أبرّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روى الكليني في الكافي عن علي بن محمّد بن عبدالله ، عن السيّاري ، عن محمّد بن جمهور ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال :
« إنّ فاطمة بنت أسد اُم أمير المؤمنين كانت أوّل امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكّة الى المدينة على قدميها ، وكانت من أبرّ الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسمِعتْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول : إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عُراة كما ولدوا ، فقالت : واسوأتاه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فإنّي أسأل الله أن يبعثكِ كاسية ، وسَمِعَتْهُ يذكر ضغطة القبر ، فقالت : واضعفاه ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك » (1) .







وهي أوّل هاشمية تزوّجها هاشمي ، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة الاُم ، ربى في حجرها ، وكان شاكراً لبرّها يسمّيها اُمي ، وكانت تفضّله على أولادها في البر ، كان أولادها يصبحون شعثاً رمضاً ويصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كحيلاً دهيناً . وكانت بمحلّ عظيم من الإيمان ، سبقت إلى الإسلام وهاجرت إلى المدينة ، ولمّا توفّيت كفّنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه ، وأمر من يحفر قبرها فلمّا بلغوا لحدها حفره بيده ، واضطجع فيه وقال : « اللّهمَّ اغفر ل اُمي فاطمة بنت أسد » ، ولقّنها حجّتها ، ووسّع عليها مدخلها .
فقيل : يا رسول الله رأيناك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه بأحدٍ قبلها .
فقال : « ألبستُها قميصي لتلبس من ثياب الجنّة » ، أو قال : « هو أمان لها من يوم القيامة » ، أو قال : « ليدرأ عنها هوام الأرض » ، « واضطجعتُ في قبرها ليوسعه الله عليها وتأمن من ضغطة القبر ، إنّها كانت من أحسن خلق الله صنعاً إليّ بعد أبي طالب » .
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سعيد بن المسيّب ، عن علي بن الحسين ، عن أبي ه ،
____________
1 ـ الكافي 1 : 377 حديث 2 باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام .
(571)

عن جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال :
« لما ماتت فاطمة بنت أسد كفّنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه ، وصلّى عليها ، وكبّر عليها سبعين تكبيرة ، ونزل في قبرها ، فجعلَ يومىَ في نواحي القبر كأنّه يوسعه ويسويّ عليها ، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان ، وجثا في قبرها .
فقال له عمر بن الخطاب : يا رسولَ الله رأيتكَ فعلتَ على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد .
فقال له : إنّ هذه المرأة كانت اُم ّي بعد اُم ّي التي ولدتني ، إنّ أباطالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل من كلّه نصيباً فأعود فيه » (1) .







وهي المرأة الوحيدة التي وَلدت طفلها علي بن أبي طالب في الكعبة ، قال الطبرسي في إعلام الورى : ولد علي سلام الله عليه في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، ولم يولد قط في بيت الله تعالى مولود سواه لا قبله ولا بعده ، وهذه فضيلة خصّه الله تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته وإعلاءً لقدره ، و اُم ه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف (2) .
وذكرها السيّد محسن الأمين في عدّة أبي ات شعريّة قال فيها :
لـهُ فاطم اُم ّ وكانت لأحمـد * ببرٍ واشفاق هي الاُم والظئر
فيغدوا دهيناً عندها مكتحلاً * وأولادها شعث شعورهم غبر

____________
1 ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 108 .
2 ـ إعلام الورى : 159 .

(572)

بـه آمنت فـي مكـة ثم هاجـرت * إلـى يثرب مـا شاب إيمانها نكـر
وكفّنهـا خيـر الورى في قميصه * وفـي قبـرها قـد نام من حفر القبر
ولقّنهـا القول السديد الـذي بـه * لدى الحشر تنجو حين يجمعها الحشر
لخيـر أبٍ يــنمى وأكـرم حـرّة * بـذاك سمت عدنـان وافتخرت فهر
همـا الهـاشميـان اللّذان تفرّعـا * علـى خير فـرع أصله هاشم عمرو
لـه نسب مـن شيبةِ الحمد باهـر * جـليّ فمن سامـاه أقعـده البهـر
نماه إلى العليا لـؤي بـن غـالب * وعبدمنافٍ قد مضى قبله النصر (1)

324 فاطمة بنت الإمام جعفر الصادق عليه السلام
راوية من راويات الحديث ، عدّها البرقي في كتابه هي واُختها اُم فروة من الراويات عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام (2) .
وذكرها الشيخ المفيد في الإرشاد ، والطبرسي في إعلام الورى ضمن بنات
____________
1 ـ أعيان الشيعة 1 : 325 . وانظر ترجمتها في : الإرشاد للشيخ المفيد : 9 ، تكملة الرجال : 2 : 752 ، أعيان الشيعة 8 : 388 ، رياحين الشريعة 3 : 3 ، أعيان النساء : 490 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 ، اُسد الغابة 5 : 517 ، الإصابة 4 : 380 ، الاستيعاب ( المطبوع بهامش الإصابة ) 4 : 381 .
2 ـ رجال البرقي : 62 ، معجم رجال الحديث 23 : 196 .

(573)

الصادق عليه السلام (1) .

325 فاطمة الوالبيّة
فاطمة بنت حبّابة الوالبيّة .
من الفاضلات ، العالمات المحدّثات ، راوية من راويات الحديث ، روت عن الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام (2) .
عدّها الشيخ الطوسي؛ في رجاله من أصحاب الحسن عليه السلام ، ومن أصحاب الحسين عليه السلام (3) .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : الظاهر كونها إماميّة ، إلاّ أنّ حالها مجهول (4) .
وقد مرت ترجمة اُم ها حبّابة الوالبية في حرف الحاء .

326 فاطمة الكلابيّة
اُم البنين ، فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة ـ أخي لبيد الشاعر ـ بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابيّة .
زوجة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه .
وهي من بيت عريق في العروبة والشجاعة ، تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام بإشارة أخيه عقيل ، حين طلب منه أن يختار له امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ليتزوّجها فتلد له غلاماً فارساً ، وكان عقيل نسّابة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم فاختارها له ، وقال : إنّه ليس في
____________
1 ـ الإرشاد : 284 ، إعلام الورى : 284 .
2 ـ مجمع الرجال 7 : 178 ، منهج المقال : 400 ، نقد الرجال : 413 ، جامع الرواة 2 : 458 ، رياحين الشريعة 5 : 12 ، معجم رجال الحديث 23 : 197 ، اعلام النساء 5 : الزيادات والاستدراكات .
3 ـ رجال الشيخ : 71 و 81 .
4 ـ تنقيح المقال 3 : 81 .

(574)

العرب أشجع من آبائها ولا أفرس .
وفي آبائها يقول لبيد للنعمان بن المنذر ملك الحيرة :
نـحن بنـي اُم البنين الأربعـة
ونـحنُ خيرُ عامر بن صعصعة
الضاربون الهام وسط الجمجعة
ولم ينكر عليه ذلك أحد من العرب ، ومن قومها مُلاعب الأسنّة أبوبراء ، الذي لم يعرف في العرب غير أمير المؤمنين عليه السلام مثله في الشجاعة .
فتزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام ، فولدت له العباس ، ثم عبدالله ، ثم جعفراً ، ثم عثمان ، وكلّهم قتلوا مع أخيهم الحسين عليه السلام بكربلاء .
كانت اُم البنين شاعرة فصيحة ، تخرج كلّ يوم إلى البقيع ومعها عبيدالله ولد ولدها العباس ، فتندب أولادها الأربعة ـ خصوصاً العباس ـ أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس فيسمعون بكاءها وندبتها ، وكان مروان بن الحكم على شدّة عداوته لبني هاشم يجيء في مَن يجيء ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي ، فمن قولها في رثاء ولدها العباس :
يا مَن رأى العباسَ كَرَّ * على جمـاهيرِ النَقد
ووراه مِن أبناءِ حيدر * كـلّ لـيثٍ ذي لبـد
أنبئت أنّ ابني اُصيبَب * رأسـهِ مـقطوع يد
ويلي على شبلي آمالَ * برأسه ضـرب العمد
لو كان سيفكَ في يدك * لمـا دنـا منه أحـد
والنقد : نوع من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه ، وزاد البيت حسناً أنّ العباس من أسماء الأسد .
وقالت ترثي أولادها :
لا تَدعـوني ويـكِ اُم ّ البنين * تُـذكّرينـي بليـوث العَرين
كانت بنـون لـي اُدعى بهم * واليوم أصبحتُ ولا من بنين



(575)

أربعـةُ مـثل نسـور الرُبـى * قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تُنـازع الخرصـان أشـلاءَ‌هم * فكلّهـم أمـسى صريعاً طعين
يـا ليت شعـري أكما أخبروا * بـأن عبّـاساً قطيـع اليميـن
ولم تحضر اُم البنين أرض كربلاء ، إلاّ أنّها واست أهل البيت عليهم السلام وقدّمت أولادها الأربعة ، ولم تزل باكية عليهم نائحة حتى التحقت بالرفيق الأعلى ، وكانت النساء يُقمْن العزاء في بيتها .
وقال المامقاني في تنقيح المقال : ويستفاد قوّة ايمانها وتشيّعها . من أنّ بشراً بعد وروده المدينة نعى إليها أحد أولادها الأربعة ، فقالت ما معناه : أخبرني عن أبي عبدالله الحسين عليه السلام ، فلمّا نعى إليها الأربعة قالت : قطّعت نياط قلبي ، أولادي ومَن تحت الخضراء كلّهم فداء ل أبي عبدالله الحسين عليه السلام . فإنّ عُلقتها بالحسين ليس إلاّ لإمامته عليه السلام ، وتهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إن سَلِمَ الحسين عليه السلام يكشف عن مرتبة في الديانة رفيعة ، وإنّي اُعتبرها لذلك من الحسان إن لم نعتبرها من الثقات .
وانحصر نسل العباس سلام الله عليه في ولده عبيدالله ، وقال الفضل بن محمّد بن فضل بن حسين بن عبيدالله بن العباس يرثي جدّه العباس سلام الله عليه :
إنّـي لأذكـر للعبـاس مـوقفَهُ * بـكربلاء وهـام القـوم يـختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ * ولا يـولّـي ولا يـثني فـيختلف
ولا أرى مشهداً يوماً كمشهـده * مـع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم بـه مشهداً بـانت فضيلته * ومـا أضاع لـه أفعاله خـلف (1)

____________
1 ـ انظر : شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام 13 : 25 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 29 ، أعلام الورى : 250 ، تنقيح المقال 3 : 70 ، أعيان الشيعة 3 : 475 و 8 : 389 ، رياحين الشريعة ، تأريخ الطبري 5 : 468 ، مقاتل الطالبيين : 85 ، الفصول المهمة : 198 ، أعلام النساء 4 : 40 .
(576)

327 فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام
إحدى العلويات المخدّرات ، والصدّيقات الطاهرات ، ذات علم وفضل وحياء ، وعفّة وكمال . ويكفيها فخراً أنّها من أغصان الشجرة الطيّبة .
فهي بنت الإمام الحسن عليه السلام ، وعمّها الإمام الحسين عليه السلام ، وجدّها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه السلام ، وزوجها الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام ، وولدها باقر علوم أهل البيت الإمام محمد بن علي عليهما السلام .
لها كرامات كثيرة ، منها ما رواه الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن أحمد ، عن عبدالله بن أحمد ، عن صالح بن مزيد ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن أبي الصباح ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :
« كانت اُم ّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار وسمعنا هدّةً شديدة ، فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن الله لكَ في السقوط ، فبقي معلّقاً في الجو حتى جازته ، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار » (1) .




وممّا يدل على مكانتها العالية ومنزلتها السامية قول الإمام الصادق عليه السلام في حقّها ، ففي الكافي أيضاً قال الكليني : قال أبوالصباح : وذكر أبو عبدالله عليه السلام جدّته اُم أبي ه يوماً فقال :
« كانت صدّيقةً ، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها » (2) .


وقد حضرت هذه العلويّة مع زوجها وابنها واقعة الطف في يوم عاشوراء ، وبذلك تكون قد شاهدت ما جرى على آل الرسول عليه السلام في ذلك اليوم من مصائب ومحن ، فقد شاهدت مصرعَ عمّها الحسين عليه السلام ، وقتلَ أخيها القاسم وبقيّة الأبطال من آل البيت والأصحاب الكرام . وشاهدت أيضاً زوجها العليل مكبلاً بالأغلال ، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات
____________
1 ـ الكافي 1 : 390 حديث 1 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام .
2 ـ المصدر السابق .

(577)

يشكو العطش ، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله (1) .

328 فاطمة الكبرى (2)
بنت الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليهم .
اُم ّها : اُم إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التيمي (3) .
وجلالة هذه العلويّة المخدّرة وعظم شأنها ، أوضح من أن يحتاج إلى بيان ، وإقامة دليل وبرهان .
فهي عالمة ، محدّثة ، مجاهدة ، تركت أثراً لا يُمحى في التأريخ الإسلامي ، وإليها وإلى غيرها من بنات أمير المؤمنين عليه السلام يرجع الفضل في نجاح ثورة الحسين عليه السلام ونهضته الدامية .
____________
1 ـ انظر : أعيان الشيعة 1 : 650 و 8 : 390 ، أعيان النساء : 498 ، رياحين الشريعة 3 : 15 .
2 ـ انظر ترجمتها في : الاختصاص للمفيد : 233 ، إسعاف الراغبين : 21 ، أسنى المطالب : 45 و95 ، اُصول الكافي 1 : 329 و 2 : 187 ، الأعلام للزِركلي 5 : 130 ، إعلام الورى : 251 ، أعلام النساء 4 : 44 ، أعيان الشيعة 8 : 387 ، الإرشاد : 197 و 253 ، الأغاني 18 : 204 ، الإقبال : 427 ، أمالي الشيخ الطوسي 2 : 189 و197 ، بحار الأنوار 8 : 39 ، بطل فخ : 21 ، تأريخ الإسلام 134 ، تأريخ بغداد 11 : 285 ، تأريخ الخميس 1 : 300 ، تأريخ الطبري 6 : 265 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 312 و370 ، تذكرة الخواص : 249 ، تنقيح المقال 3 : 28 ، تهذيب التهذي 12 : 469 رقم 2862 ، الجرح والتعديل 1 : 585 ، الدر المنثور : 361 ، ذخائر العقبى : 121 ، رياحين الشريعة 3 : 281 ، سِير أعلام النبلاء 3 : 204 ، سنن ابن ماجة 1 : 484 ، شذرات الذهب 1 : 139 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 287 و 15 : 267 و 279 ، صحيح البخاري 1 : 230 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 273 ، عمدة الطالب : 84 و 101 ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام لعلي دخيّل ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام لمحمد هادي الأميني ، الفصول المهمة : 100 و 155 ، الكاشف 3 : 432 ، الكامل في التأريخ 4 : 86 ، كشف الغمة في معرفة الأئمة 1 : 135 و 147 و 552 ، كنز العمال 6 : 220 ، الكنى والألقاب 2 : 241 ، اللهوف : 180 ، مستدرك الصحيحين 3 : 164 ، معاني الأخبار : 354 ، معجم رجال الحديث 23 : 197 ، مثير الأحزان : 99 ، مقاتل الطالبيين : 180 و 202 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 62 ، مجمع الزوائد 9 : 272 ، مصباح الأنوار : 61 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 172 ، مَن لا يحضره الفقيه 4 : 28 ( المشيخة ) ، نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار ( ص ) : 204 .
3 ـ انظر : رياحين الشريعة 3 : 359 ، فاطمة بنت الحسين عليه السلام دخيل : 11 .

(578)

وما عسى الباحث ، أو الكاتب أن يكتب عن حياة هذه العلويّة المخدّرة ، التي قضَت عمرها الشريف المبارك في العلم والجهاد ، ونحن إذ نترجم حياتها إنّما نمرّ على بعض الجوانب التي اطلّعنا عليها ، ونكتب عنها بإيجاز خوفاً من الإطالة :

عبادتها :
لقد عُرف أهل البيت سلام الله عليهم بكثرة العبادة ، وإنّما أخذوا ذلك من جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث كان يصلّي الليل ويصوم النهار حتى أنزل الله سبحانه وتعالى فيه : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) (1) ، وكذلك كان الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، يصلّون في اليوم ألف ركعة .
وفاطمة الكبرى شأنها شأن آبائها الصالحين كانت عابدة زاهدة ، تصلّي الليل تصوم النهار ، وكانت تسبّح بخيط معقود فيها ، وممّا يدل على ذلك :
( 1 ) قال الإمام الحسين عليه السلام فيها : « أمّا في الدين فتقوم الليل كلّه وتصوم النهار » (2) .
( 2 ) وقال الشيخ المفيد في الإرشاد : كانت فاطمة بنت الحسين عليه السلام تقوم الليل وتصوم النهار (3) .
( 3 ) وفي بعض المصادر : أنّها كانت تسبّح بخيوط معقود فيها (4) .
( 4 ) وقد ضربت على قبر زوجها فسطاطاً ، كانت تصوم النهار وتقوم الليل ، إلى سنة (5) .
____________
1 ـ طه : 2 .
2 ـ الأغاني 18 : 204 ، مقاتل الطالبيين : 180 ، عمدة الطالب : 84 ، الفصول المهمّة : 154 ، كشف الغمة 1 : 172 ، إسعاف الراغبين : 210 ، الدر المنثور : 361 ، أدب الطف 1 : 164 .
3 ـ الإرشاد : 197 .
4 ـ الطبقات الكبرى 8 : 474 ، السمط الثمين : 168 .
5 ـ نفثة المصدور : 39 .

(579)

استيداعها الوصية :
وممّا يدل على مكانة فاطمة عند الإمام الحسين عليه السلام ، ورجاحة عقلها ، ومعرفتها التّامة بنصوص الإمامة ، هو إيداع الحسين عليه السلام وصيّته عندها يوم عاشوراء .
روى ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين وأحمد ابن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إن الحسين بن علي عليهما السلام لمّا حضره الذي حضر ، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فدفع إليها كتاباً ووصيّة ظاهرة ، وكان علي بن الحسين عليه السلام مبطوناً معهم لا يرون إلاّ أنّه لمّا به ، فدفعت فاطمة الكبرى الكتاب إلى علي بن الحسين عليه السلام ، ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد » .
قال : قلتُ : ما في الكتاب جعلني الله فداك ؟
قال : « فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلقَ الله آدم إلى أن تفنى الدنيا ، والله فيه الحدود ، حتى فيه أرش الخدش » (1) .









وروى أيضاً في الكافي عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال :
« لمّا حضر الحسين عليه السلام ما حضره دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج ، فلمّا أن كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان دفعت ذلك إلى علي ابن الحسين عليه السلام » .
قلت : له : فما فيه يرحمك الله ؟




____________
1 لكافي 1 : 303 ـ 304 حديث 1 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 4 : 172 .
(580)

فقال : « ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى » (1) .


مع واقعة الطف :
خرجت فاطمة الكبرى مع أبي ها الحسين عليه السلام ، وزوجها الحسن المثنى إلى الكوفة ، بعد أن قدمت رُسل أهلها أن أقدم يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد أينعت الثمار ووو . . . وشاهدت سلام الله عليها كلّ ما جرى على أهل بيت العصمة عليهم السلام من قتل وسبي ، وكانت ضمن السبايا اللواتي ساقهن ابن سعد إلى الكوفة .
وفي الكوفة عاصمة أهل البيت عليهم السلام ، اُدخلت السبايا ، بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونساء الحسين وجواريه وعيالات الأصحاب ، وإذا بأهل الكوفة يتفرّجون على الحرائر ، على ودائع خير الأنبياء ، وكأن لم يحصل شيء ، لم يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعندها صاحت اُم كلثوم :
يا أهل الكوفة أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبيّ .
وبينما الناس ينظرون إليهم ويسألون عنهم ، أومأت ابنة أمير المؤمنين عليه السلام وبطلة كربلاء زينت العقيلة إلى ذلك الجمع المتراكم ، فهدأوا كأنّ على رؤوسهم الطير ، وخطبت خطبتها المشهورة المعروفة .
ثم كان لفاطمة دورها ، فبعد أن انتهت عمتها زينب عليهما السلام من خطبتها ، وقفت فاطمة بقلب كلّه عزم وإيمان وثبات ويقين ، وضمير صالح صادق ، تخطب بأهل الكوفة ، وتكشف فضائح الأمويين ، وسنذكر خطبتها كاملة قريباً .
وبعد أن مكثت العائلة في الكوفـة عدّة أيام جاء الأمر من يزيد إلى ابن زياد أن يسرّح عائلة الحسين عليه السلام إلى الشام ، وفعلاً فقد دخلت العائلة إلى الشام ، وإذا بأهل الشام يُعيّد بعضهم الآخر بالإنتصار!!! ورأى الإمام زين العابدين عليه السلام أنّ الجو مناسب لأن يتحدّث ،
____________
1 ـ الكافي 1 : 304 حديث 2 .
(581)

وفعلاً صعد المنبر وألقى خطبته المعروفة التي قاطعها يزيد عدّة مرّات .
ثم تكلّمت العقيلة زينب سلام الله عليها ، ففضحت بني اُميّة وعرّفت الناس حقيقتهم المزيّفة .
وفي هذا المجلس جرت لفاطمة سلام الله عليها قصة يرويها لنا الشيخ المفيد ، قال :
قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام : ولما جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا ، فقام إليه رجل من أهل الشام فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية . وكنتُ جارية وضيئة ، فأرعدتُ وظننتُ أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون ، فقالت عمتي للشامي : كذبتَ والله ولؤمت ، والله ما ذاك لكَ ولا له .
فغضب يزيد فقال : كذبتِ والله ، إنّ ذلك لي ، ولو شئتُ أن أفعل لفعلت .
قالت زينب : كلا والله ما جعل الله ذلك لكَ ، إلاّ أن تخرج عن ملّتنا وتدين بغيرها .
فاستطار يزيد غضباً وقال : إياي تستقبلين بهذا ، إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك .
قالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنتَ وجدَكَ وأبوكَ إن كنتَ مسلماً .
قال يزيد : كذبتِ يا عدوة الله .
قالت زينب : أنت أمير تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك .
فكأنّه استحى وسكت ، فعاد الشامي فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : أعزب وهب الله لك حتفاً قاضياً (1) .
وفي رواية اُخرى : أنّ رجلاً من أهل الشام نظر إلى فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية .
فقالت فاطمة لعمّتها : اُوتمتُ واُستخدم ؟
فقالت زينب سلام الله عليها : لا ، ولا كرامة لهذا الفاسق .
فقال الشامي : مَن هذه الجارية ؟
____________
1 ـ الإرشاد : 246 . وانظر : الكامل في التأريخ 4 : 86 ، تأريخ الطبري 6 : 265 ، سير أعلام النبلاء 3 : 204 ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2 : 62 .