الصفحة 1

دور الإمام الهادي عليه السلام في ترسيخ العقيدة الإسلامية

حديث الثقلين نموذجاً

الشيخ محمد الحسّون

الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ قم المقدسة

الصفحة على الانترنيت: www.alhasun.com

البريد الالكتروني: muhammad@aqaed.com


الصفحة 2
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد عليهما السلام ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ لنا الإسلام ديناً بولاية سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين المنتجبين سلام الله عليهم أجمعين.

بين يدي القارئ الكريم مقالة مختصرة مقدّمة للمؤتمر السنوي الرابع الدولي ، التي تقيمه العتبة الكاظمية المقدّسة، والذي كان عنوانه لهذا العام >الإمامان العسكريان امتدادٌ للإمامين الكاظمين صلى الله عليه و آله < راجين من الباري عزّ وجلّ أن يجعله في ميزان حسناتنا وينفعنا به يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

حديث الثقلين أساس الوحدة الإسلامية الرصينة:

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الوحدة الإسلامية، والطرق والوسائل التي تؤدّي إلى وحدة المسلمين وتماسكهم، وعدم تباغضهم وتناحرهم الذي يؤدي إلى إضعافهم جميعاً.

وتعدّدت الأطروحات والنظريّات والآراء التي تُحقّق ذلك، وكثرت المؤتمرات التي عُقدت من أجل تحقيق الوحدة الواقعية، والتي شاركنا في بعضها بتقديم مجموعة من البحوث.

وكذلك أجرت بعض الفضائيات حلقات خاصّة وندوات علميّة، استُضيف فيها عدد من الفضلاء والباحثين من مختلف المذاهب الإسلامية، من

الصفحة 3
أجل التوصّل لصيغة معيّنة تؤدّي إلى وحدة المسلمين، وقد كان لنا حضور في بعضها.

إلّا أنّنا – وعلى الرغم من كثرة المؤتمرات والندوات والنداءات المخلصة التي وجهها زعماء المسلمين – لم نشاهد تقدّماً ملحوظاً في هذا المجال، ولازالت الفاصلة كبيرة بين المسلمين ، بل نشاهد أكثر من ذلك، فقد كادت الفتنة الطائفية أن تقع بين بعض المسلمين في البلاد الإسلامية.

ففي العراق الجريح: هُدّمت مساجد، وخُرّبت حسينيات ، واعتدي على مراقد طاهرة لأهل البيت عليهم السلام ، وقُتل عدد ليس قليلاً من العلماء والفضلاء، بل أصبح القتل على الهوية.

وكلّ هذا يحصل ، ولم تتحرّك ضمائر الكثير من أصحاب الرأي والقرار في البلدان الإسلامية، بل – ومع الأسف الشديد – حصل خلاف ذلك، إذ أخذ البعض يُثير الطائفية، ويُحرّض على اقتتال المسلمين فيما بنيهم ، بواسطة خطب ناريّة أو بيانات طائفية.

ونحن نعتقد أنّ أفضل سبيل لوحدة المسلمين الواقعيّة – لا الوحدة الصوريّة التي تُحتّمها المصالح السياسيّة – هو التمسّك بالقرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام ، استناداً إلى حديث الثقلين الذي أجمع عموم المسلمين – على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم – على صحّته وتواتره وصدوره من نبيّ الرحمة بقوله عليهما السلام : >كتاب الله وعترتي أهل بيتي< .

وإن كان هذا الحديث له صورة أخرى وهي >كتاب الله وسنّتي<، إلّا أنّ هذه الصورة انفرد بها بعض المحدّثين، وتمت المناقشة في سنده في كتب خُصّصت لهذا البحث .


الصفحة 4
وقد أحصينا – في بحث سابق لنا – عدد مصادر هذا الحديث في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وبصيغته المشهورة – كتاب الله وعترتي أهل بيتي – وإلى القرن العاشر فقط، فكانت عند الإمامية مائة وعشرين كتاباً ، وعند الزيدية مائة وثلاثة وعشرين مصدراً وعند الإسماعيلية عشرين مصدراً.

أمّا مصادر أتباع مدرسة الخلفاء فكثيرة جداً، تحتاج في إحصائها إلى وقت كثير.

ثلاث ملاحظات مهمة:

الأولى:

إنّ للشيعة الإمامية أدلتهم الخاصة في موضوع الإمامة، ومن هو القائم بالأمر بعد رسول الله عليهما السلام ، منها الأدلّة العقليّة المذكورة في مضانّها من كتبهم الكلاميّة.

فهم يستدلّون عقلاً على أصل وجوب نصب الإمام وشروطه بأدلّة عديدة، منها الأدلّة النقليّة التي تكون منزلتها بعد العقليّة كداعمة ومؤيّدة لها في إثبات أصل الإمامة، ومعيّنة لمن له هذا المقام وهذا المنصب الإلهي، وهي كثيرة مذكورة في كتبهم وفي كتب العامّة، والتي منها حديث الثقلين موضوع البحث.

فموقع البحث فيه ؛ هو من حيث كونه صادراً من النبيّ الأكرم عليهما السلام كإرشاد لدليل العقل ، ومعيّن وحاصر به الأشخاص القائمين بالأمر بعده.


الصفحة 5
وأمّا نقله عن مصادر الشيعة ؛ فهو من جهة إظهار حجّتهم أمام مخالفيهم، وأنّ ما ورد في مصادرهم وأسانيدهم حجّة لهم وعليهم وإن لم يقبل به غيرهم.

ثمّ إنّ تسالمهم على الأخذ بالأدلّة اليقينيّة في باب العقائد عامّة والإمامة خاصّة، ومن ثمّ تمسّكهم بحديث الثقلين نابع من تواتره عندهم.

وإذا ثبت تواتره عندهم ، لا حاجة لهم للبحث في أسناد رواياته واحداً بعد واحد.

فما نلحقه بهذا القسم إن شاء الله من البحث في الأسانيد بإفرادها، ما هو إلّا من باب التنزّل مع الخصم، وردّ مدّعاه في أسانيد الإماميّة بالضعف، كما ناقشها بعضهم.

فمن باب البحث العلمي والتدرّج خطوة فخطوة، رأينا أن نورد البحث عن أسانيد الروايات في ملاحق خاصة إن شاء الله.

الثانية:

استدلّت الزيدية بحديث الثقلين على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكونه هو الخليفة الواقعي بعد النبي عليهما السلام إذ رووا هذا الحديث وأخرجوه في أمّهات مصادرهم المعتمدة عندهم بصيغته الصحيحة >كتاب الله وعترتي أهل بيتي<، والتي نقلنا قسماً منها، ابتداءً بكتاب المسند المنسوب لزيد بن علي (ت١٢١ هجري)، وانتهاءً بكتاب الأزهار في ما جاء في إمام الأبرار ، لسليم بن أبي الهذّام (ت القرن العاشر).


الصفحة 6
وتتّفق الزيدية مع الإمامية في إمامة الأئمة الثلاثة الأوائل من الأئمّة الاثني عشر الذين يعتقد بهم الإمامية ، وهم : علي ، والحسن والحسين عليهم السلام .

لكنّهم يختلفون معهم ابتداءً من الإمام الرابع ، فالإمامية تعتقد أنّه علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ، والزيدية تعتقد أن الإمامة لمن قام بالسيف من ولد فاطمة. فبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام انقسم الشيعة إلى قسمين:

الأوّل: قال بإمامة علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، ومن بعده أولاده المعصومين عليهم السلام أي أنّ الإمامة منحصرة في ولد الحسين عليه السلام دون إخوانه أبناء علي بن أبي طالب عليه السلام .

الثاني: قال بأنّ الإمامة بعد الحسين عليه السلام هي في ولد الحسن والحسين صلى الله عليه و آله ، دون باقي إخوتهم من أبناء علي عليه السلام ، فمن قام منهم من ولد الحسنين صلى الله عليه و آله ودعا إلى نفسه وجرّد سيفه فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإمامته موجبة من الله على أهل بيته وسائر الناس.

وهذا القسم سُميّ بالسرحوبيّة – على قول – أو بالجاروديّة نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الكوفي.

وسمّي قسم آخر منهم بالصباحيّة ، نسبةً إلى صباح بن يحيى المزني الكوفي.

وقسم آخر منهم سُمّي باليعقوبيّة ، نسبةً إلى يعقوب بن عدي.

فاجتمعت هذه الأقسام الثلاثة – السرحوبيّة أو الجاروديّة، والصباحيّة، واليعقوبيّة - وخرجت مع زيد بن علي بن الحسين في ثورته ضدّ الأمويين

الصفحة 7
أيام حكم هشام بن عبد الملك سنة ١٢٢ هجري ، وسمّوا جميعاً بالزيديّة ؛ لأتباعهم زيد بن علي.

وهذا لا يعني بأنّ هذه الأقسام الثلاثة متّحدة في كافّة آرائها وأفكارها، بل هي تختلف في السُنن والشرائع والفرائض والأحكام والسير، فالكلّ يتّفقون على تقديم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على غيره من الصحابة ، ويختلفون في مسألة التبرّي من مخالفيه.

وبعد استشهاد زيد بن علي انقسم الزيديّة إلى قسمين:

الأوّل: البتريّة، نسبة إلى كثير بن إسماعيل النواء، المعروف بكثير النوا.

الثاني : الجاروديّة نسبة إلى أبي الجارود الهمداني.

وكانت البتريّة فرقة كوفيّة قريبة في آرائها من جماعة أهل الحديث وفقهاء مذاهب السنّة في ما بعد.

أمّا الجاروديّة فكانت أفكارها قريبة من الإمامية ، من حيث إنكارها خلافة الخلفاء الأول، والقول بإمامة علي والحسن والحسين عليهم السلام بالنصّ من النبي عليهما السلام .

وقد تغلّبت آراء الجاروديّة في الزيديّة عموماً، وأصبح مبدأ الثورة على الحاكم الظالم هو الميّزة الأساسية لهم ؛ لذلك ثار كثير من دعاة الزيديّة على الحكّام الظلمة في أيام الأمويين والعباسيين، مثل:

يحيى بن زيد بن علي ، الذي ثار في خراسان سنة ١٢٥ هجري .

ومحمد بن عبد الله بن الحسن، الذي ثار في المدينة المنورة وأخوه إبراهيم بن عبد الله الذي ثار في البصرة سنة ١٤٥ هجري .


الصفحة 8
والحسين بن علي ، الذي ثار في فخّ بين مكّة والمدينة سنة ١٦٩ هجري .

ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن زيد ، ثارا في البصرة سنة ١٩٩ هجري .

واستمرّت معارضة الزيديّة للحكّام الظلمة وأخذت أشكالاً مختلفة، إلى أن تأسّست أوّل إمامة زيديّة في اليمن سنة ٢٨٤ هجري على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام .

ومن بعده تعاقب الأئمّة على دول تمتدّ فتسيطر على كلّ اليمن أحياناً، وتنكمش إلى دويلة صغيرة في الشمال أحياناً أخرى ، بل وقد تختفي نهائياً لبعض الوقت بحسب الظروف السياسية في البلاد، حتى أعلن إلغاء الإمامة رسمياً عند قيام الثورة في ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٦٢م وأعلن عن تشكيل الجمهورية العربية اليمنية.

وعلى كلّ حال، فإنّ الزيديّة وإن كانت تتّفق مع الإماميّة في بعض المعتقدات الأساسية، كالقول بإمامة علي والحسن والحسين عليهم السلام ، إلّا أنّها تختلف معها في أمور جوهريّة، أوّلها عدم القول بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام الذي يعتبره الشيعة الإمامية الركيزة الأساسية لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، إضافة إلى اختلافهم في بعض الأحكام والشرائع والسنن وغيرها.

الثالثة:

بعد وفاة الإمام السادس من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، الإمام جعفر الصادق عليه السلام سنة ١٤٨ هجري ، انقسم الشيعة إلى قسمين:

الأول: قالوا بإمامة ولده الإمام موسى الكاظم عليه السلام .


الصفحة 9
الثاني: قالوا بإمامة ولده إسماعيل، واليه تنسب الإسماعيلية.

والإمامية يعتقدون بأنّه مات في حياة أبيه سنة ١٣٣ هجري والإسماعيلية يعتقدون بأنّه لم يمت في حياة والده بل غاب، وبقي بعد وفاة أبيه حتى توفّي سنة ١٥٨ هجري .

وعلى هذا فإنّ الإسماعيلية يتّفقون مع الإمامية في إمامة الأئمّة الستّة الأول، لكنّهم يختلفون معهم ابتداءً بالإمام السابع.

والإسماعيليون جعلوا الإمامة >إحدى دعائم الدين، وسمّوها الولاية<.

وقالوا: >إنّها أفضل دعائم الدين وأهمّها بعد النبوّة، وإنّه لا يستقيم الدين إلّا بها<.

فالإمامة عندهم هي >المركز الذي تدور عليه دائرة الفرائض، فلا يصحّ وجودها إلّا بإقامتها<.

وقالوا: بنظرية النصّ أيضاً، أي أنّ الأئمّة منصوص عليهم من قبل النبي محمد عليهما السلام .

وقالوا: >إنّ الإمامة تستمرّ الدهر، وأنّها بدأت بالتسلسل من عهد آدم، وأنّ الكون لا يستطيع البقاء لحظة واحدة دون إمام، وأنّه لو فقد ساعة لمات الكون وتبدد.

فهي تعادل درجة الإيمان، أو القلب في الجسم، أو العقل بالنسبة للإنسان.


الصفحة 10
بالإضافة إلى ذلك، فالإمام هو الذي يحرّم الحرام ويحلّ الحلال، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله بموجب نصوص القرآن، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة<(1) .

فهم يعتقدون بأنّ الإمام والخليفة بعد النبي محمد عليهما السلام هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، ويستدلّون على ذلك بأدلّة كثيرة، منها حديث الثقلين بصيغته الصحيحة >كتاب الله وعترتي أهل بيتي<.

ونحن قد سعينا قدر الإمكان إلى تتبّع مصادرهم الرئيسية التي نقلت هذا الحديث، أو التي حكت عنها.

لكن المشكلة التي واجهناها هي عدم توفّر الكثير من المصادر، إذ لا زال الكثير مخطوطاً ومحفوظاً في خزاناتهم الخاصة .

الإمام الهادي عليه السلام وحديث الثقلين:

أشار الإمام الهادي عليه السلام لحديث الثقلين في موارد كثيرة من أحاديثه ، واستدلّ به على مسألة الإمامة ووجوب اتّباع الأمّة للإمام علي وأولاده المعصومين عليهم السلام ، منها في جوابه على رسالة وردت إليه من أهل الأهواز أخرجها أبو محمد الحسن بن شعبة الحرّاني (من أعلام القرن الرابع الهجري) في كتابه تحف العقول عن آل الرسول ص٣٣٧ ، وعنه أحمد بن علي الطبرسي في الاحتجاج ج٢ ص٤٨٧ – ٤٩٦، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار ٣٥: ١٨٤.

ونحن نورد هنا قطعة من هذه الرسالة ثم نعقّب عليها بعدة نقاط:

____________

1- انظر: تاريخ الإسماعيلية، لعارف ثامر ١: ٧٥ – ٧٦.


الصفحة 11
في تحف العقول: في الردّ على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين:

روي عن الإمام الراشد الصابر أبي الحسن علي بن محمد صلى الله عليه و آله في هذه المعاني أنّه قال:

>اجتمعت الأمّة قاطبة – لا اختلاف بينهم في ذلك - : أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع فرقها. فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون ؛ لقول النبي عليهما السلام : لا تجتمع أمّتي على ضلالة(1).

فأخبر عليهما السلام أنّ ما اجتمعت عليه الأمّة ولم يخالف بعضها بعضاً في الحقّ، فهذا معنى الحديث، لا ما تأوّله الجاهلون ولا ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب واتّباع حكم الأحاديث المزوّرة والروايات المزخرفة، واتّباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نصّ الكتاب، وتحقيق الآيات الواضحات النيّرات، ونحن نسأل الله أن يوفّقنا للصواب ، ويهدينا إلى الرشاد<.

ثم قال عليه السلام : >فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر وتحقيقه، فأنكرته طائفة من الأمّة وعارضته بحديث من هذه الأحاديث المزوّرة، فصارت بإنكارها ودفعها الكتاب كفّاراً ضلالاً، وأصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله عليهما السلام وحيث قال: >إنّي مستخلف فيكم خليفتين:

____________

1- انظر: مسند أحمد بن حنبل ٦: ٣٩٦، عن أبي بصرة الغفاري، سنن الدارمي ١: ٢٩، باب ما أعطي النبي عليهما السلام من الفضل، سنن ابن ماجة ٢: ١٣٠٣، كتاب الفتن، باب الوارد الأعظم، ح٣٩٥٠ ، سنن أبي داود ٢: ٣٠٢، كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها، ح٤٢٥٣، سنن الترمذي ٣: ٣١٥، أبواب الفتن، باب لزوم الجماعة، ح٢٢٥٥...


الصفحة 12
كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض<.

واللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه، قوله عليهما السلام : >إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا<(1).

فلمّا وجدنا شواهد هذا الحديث نصّاً في كتاب الله تعالى مثل قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (2).

ثم اتفّقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام : أنّه تصدّق بخاتمه وهو راكع، فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه(3).

____________

1- انظر: مسند احمد بن حنبل ٣: ١٤، ١٧، ٢٦، ٥٩، عن أبي سعيد الخدري ج٥: ١٨٢، سنن الدارمي ٣: ٤٣٢، كتاب فضائل ا لقرآن، باب فضل من قرأ القرآن، صحيح مسلم ٧: ١٢٣، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي عليه السلام ، سنن الترمذي ٥: ٣٢٨، أبواب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي عليهما السلام ، ح٣٨٧٤ وح٣٨٧٦.

2- سورة المائدة آية ٥: ٥٥.

3- انظر: مجمع الزوائد ٧: ١٧، كتاب التفسير سورة المائدة، المعجم الأوسط للطبراني ٦: ٢١٨، معرفة الحديث للحاكم النيسابوري ١٠٢، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣: ٢٧٧ تفسير مقاتل بن سليمان ١: ٣٠٧، تفسير الطبري ٦: ٣٨٩، تفسير ابن أبي حاتم ٤: ١١٧٢ أحكام القرآن للجصاص ٢: ٥٥ تفسير السمرقندي ١: ٤٢٤ تفسير السمعاني ٢: ٤٨، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ١: ٢٠٩ – ٢٤٨ ح٢١٦ – ٢٤٣، تفسير البغوي ٢: ٤٧، تفسير زاد المنير ٢: ٢ ح٢، تفسير الرازي ١١: ٢٠...


الصفحة 13
ثم وجدنا رسول الله عليهما السلام قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة: >من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه(1)<.

وقوله عليهما السلام : >علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم بعدي<(2).

وقوله عليهما السلام حيث استخلفه على المدينة فقال:

يا رسول الله! أتخلفني مع النساء والصبيان؟

فقال: >أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي<(3).

فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار ، وتحقيق هذه الشواهد ، فلزم الأمّة الإقرار بها إذ كانت هذه الأخبار وافقت القرآن، ووافق القرآن هذه

____________

1- انظر: مسند أحمد بن حنبل ١: ٨٤، ١١٨، ١١٩، ١٥٢، عن علي عليه السلام ، ج١: ٣٣١، عن عبد الله بن العبّاس، ح٤: ٢٨١، عن قيس بن أبي مرزة، ج٤: ٣٧٠، ٣٧٢، عن زيد بن أرقم، ج٥: ٣٤٧ عن بريدة الإسلامي، ص٣٦٦، ٣٧٠، أحاديث رجال من أصحاب النبيّ عليهما السلام ، ص٤١٩ عن أبي أيّوب الأنصاري.

سنن ابن ماجه ١: ٤٥، باب في فضائل أصحاب رسول الله عليهما السلام ، فضل علي عليه السلام ، ح١٢١ سنن الترمذي ٥: ٢٩٧ ، أبواب المناقب، باب مناقب علي عليه السلام ح٣٧٩٧.

2- تاريخ دمشق ٤٢: ٤٢، ٤٣.

3- انظر: صحيح البخاري ٤: ٢٠٨، كتاب بدء الخلق، باب مناقب المهاجرين وفضلهم و ج٥: ١٢٩، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك، صحيح مسلم ٧: ١٢٠، ١٢١ كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي عليه السلام ، سنن ابن ماجة ١: ٤٣، ٤٥، باب في فضائل أصحاب رسول الله عليهما السلام ، فضل علي عليه السلام ح١١٥، ١٢١، سنن الترمذي ٥: ٣٠٢، أبواب المناقب، باب مناقب علي عليه السلام ، ح٣٨٠٨، ح٣٨١٣، و ح ٣٨١٤..


الصفحة 14
الأخبار. فلمّا وجدنا ذلك موافقاً لكتاب الله، ووجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقاً، وعليها دليلاً، كان الإقتداء بهذه الأخبار فرضاً ، لا يتعداه إلّا أهل العناد والفساد<.

إلى هنا انتهى كلام الإمام الهادي عليه السلام .

ونحن نرى أنّ الإمام الهادي عليه السلام يستدلّ على الإمامة بعدّه أمور، بل بعدة مراحل، أي أنّه سلام الله عليه يتدرّج في البحث العلمي ويضع عدّة مقدّمات متفق عليها عند عموم المسلمين ليصل إلى نتيجة واحدة، وهي وجوب قول الأمّة بإمامة علي بن أبي طالب عليه السلام .

الأولى:

أنّ الأمّة الإسلامية اجتمعت على أنّ القرآن حقّ نازل من الباري عزّ وجلّ، ولا ريب فيه عند جميع الفرق الإسلامية.

الثانية:

أنّ أمّة الإسلام إذا اجتمعت على مسألة معيّنة، فإنّ اجتماعهم هذا يدلّ على أنّهم مصيبون ومهتدون في هذه المسألة التي اجتمعوا عليها ، واستدلّ الإمام عليه السلام على قوله هذا بحديث النبي عليهما السلام : >لا تجتمع أمّتي على ضلالة<.

وأجاب الإمام الهادي عليه السلام في رسالته هذه لأهل الأهواز على تفسير خاطئ للحديث النبوي هذا >لا تجتمع أمّتي على ضلالة<، إذ ذهب البعض إلى إمكان الاعتماد على الحديث الذي تجتمع عليه الأمّة وإن كان ظاهره مخالفاً للكتاب، فقال عليه السلام :


الصفحة 15
>لا ما تأوّله الجاهلون ، ولا ما قاله المعاندون، من إبطال حكم الكتاب واتباع حكم الأحاديث المزوّرة والروايات المزخرفة، واتباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نصّ الكتاب وتحقيق الآيات الواضحات النيّرات<.

الثالثة:

حكم الإمام الهادي عليه السلام بضلال وكفر الفرقة التي تنكر الحديث الصحيح المتواتر الذي تؤيده الآيات القرآنية الكريمة، إذ قال عليه السلام :

>فإذا شهد الكتاب بتصديق خبر وتحقيقة ، فأنكرته طائفة من الأمّة وعارضته بحديث من هذه الأحاديث المزوّرة، فصارت بإنكارها ودفعها الكتاب كفاراً وضلالاً<.

الرابعة:

أكدّ الإمام سلام الله عليه على أنّ حديث الثقلين مجمع على صدوره من رسول الله عليهما السلام ، بل يعتبر من أصح الأحاديث عنه، إذ قال عليه السلام :

>وأصح خبر ما عرف تحقيقه من الكتاب مثل الخبر المجمع عليه من رسول الله عليهما السلام حيث قال: إنّي مستخلف فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

واللفظة الأخرى عنه في هذا المعنى بعينه قوله عليهما السلام : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا.


الصفحة 16
الخامسة:

أشار الإمام الهادي عليه السلام إلى وجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية أخرى مؤيدةً للحديث السابق، وكذلك أحاديث نبوية كثيرة ميّزت الإمام علي عليه السلام عن باقي أصحابه عليهما السلام : كآية التصدّق بالخاتم، وحديث الولاية، وحديث المنزلة وغيرها، إذ قال عليه السلام :

فلّما وجدنا شواهد هذا الحديث نصّاً في كتاب الله تعالى مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.

ثمّ اتفقت روايات العلماء في ذلك لأمير المؤمنين عليه السلام ، أنّه تصدّق بخاتمه وهو راكع، فشكر الله له ذلك وأنزل الآية فيه.

ثمّ وجدنا رسول الله عليهما السلام قد أبانه من أصحابه بهذه اللفظة: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه.

وقوله عليهما السلام : علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم بعدي.

وقوله عليهما السلام : حيث استخلفه على المدينة فقال: يا رسول الله، أتخلفني مع النساء والصبيان؟!

فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ؛ إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

فعلمنا أنّ الكتاب شهد بتصديق هذه الأخبار وتحقيق هذه الشواهد.


الصفحة 17
السادسة:

وفي نهاية الأمر يصل الإمام الهادي عليه السلام في كلامه السابق إلى نتيجة مهمة، وهي: وجوب الإقرار بحديث الثقلين الذي وافقه القرآن الكريم، وهو – أي هذا الحديث – وافق القرآن أيضاً، إذ قال عليه السلام :

فلزم الأمّة الإقرار بها إذا كانت هذه الأخبار وافقت القرآن، ووافق القرآن هذه الأخبار. فلما وجدنا ذلك موافقاً لكتاب الله، ووجدنا كتاب الله لهذه الأخبار موافقاً وعليها دالاً ، كان الاقتداء بهذه الأخبار فرضاً ، لا يتعدّاه إلّا أهل العناد والفساد.

والحمدُ لله ربّ العالمين أولاً وآخراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد الحسّون

الخامس من جمادى الأخرة ١٤٣٤ هجري - قم المقدسة

الصفحة على الانترنيت: www.alhasun.com

البريد الالكتروني: muhammad@aqaed.com


الصفحة 18
الصفحة السابقة