ما هكذا يا سعد تُورد الإبل

الحلقة الأولى

رسالة إلى مجلّة - دراسات علميّة - النجفيّة


بقلم

الشيخ محمّد الحسّون


بسمه تعالى

كتبَ لي أحدُ الإخوة التراثييّن رسالةً صغيرة، مُشيراً فيها إلى طباعة رسالتين للمحقّق الكركيّ لم يُطبعا سابقاً، مُستظهراً أنّ ما كتبه محقّقها، في ما يتعلّق بحياة الكركيّ، مأخوذ بتمامه من كتابنا ((حياة المحقّق الكركيّ وآثاره))، لذلك طلبتُ من بعض الإخوة الأعزاء تهيئة العدد الثاني عشر من مجلّة ((دراسات علميّة)) التي قامت بنشر هذه الرسائل، فوجدتُ فيها أربعَ رسائل طُبعت لأوّل مرّة: واحدة للشهيد الأوّل، واثنتان للكركيّ، ورابعة للميسيّ، وهو عملٌ جيّد مبارك يُشكر عليه محقّقها وناشرها، وخلال مطالعتي السريعة لما كتبه محقّقها عن حياة الكركيّ، سجّلتُ عدّة ملاحظات، وهي:

الاُولى: إنّ محقّق هذه الرسائل، ترجم للشيهد الأوّل في نصف صفحة فقط، دون أن يذكر مصادر ترجمته. فمن أينَ جاء بهذه المعلومات؟ أليس المفروض ـ فنّياً ـ أن يذكر ولو مصدراً واحداً؟!. بينما نلاحظه يترجم للكركيّ في ٢٠ صفحة مع الإكثار من مصادر كلّ معلومة يذكرها عنه. فما الفرق بين الشهيد الأوّل والكركيّ؟ فهل هذا ناشئ من أعلميّة الكركيّ وأهميّته وأفضليّته على الشهيد؟ أم أنّه يعتقد أنّ حياة الكركيّ مجهولة، وحياة الشهيد مُشبعة بالبحث وواضحة للجميع. وقد أبلغني بعض السادة الأعزّاء، أنّه فعل هذا لتسليط الضوء على حياة الكركيّ وجهوده في العراق. وهذا الجواب لم يقنعني أبداً، بل إنّي أتصوّر أنّه وجد ترجمة كاملة للكركيّ مدعومة بالمصادر، فانتقى منها ما أراد.

الثانية: إنّ أكثر ـ إن لم أقل: كلَّ ـ المعلومات الواردة في العشرين صفحة التي كتبها الشيخ الفاضل الطائيّ، واردة في كتابنا. ومن المُستبعد جدّاً أن يتطابق كتابان بالفكرة والمحتوى والنتائج، بل والمصادر أيضاً، ولا أتصوّر أنّ المحقّق الكريم يستطيع أن يُنكر اعتماده على عملنا بشكل أساسيّ.

نعم، الذي قام به هو الرجوع إلى نفس المصادر التي استندنا إليها في عملنا؛ إذ من غير الصحيح أن يذكر كتابنا في كلّ معلومة يوردها. وهذا جواب لمن قال لي: إنّ المحقّق ذكر مصادر معلوماته في الهامش، ولم يعتمد على كتابكم فقط.

نعم، ذكر كتابنا في مورد واحد فقط في الهامش؛ لأنّا اعتمدنا في هذه المعلومة على مصدر تاريخيّ فارسيّ وهو ((عالم آرا صفوى))، ومن المستبعد أنّه رأى هذا الكتاب، فضلاً عن عدم معرفته باللغة الفارسيّة ظاهراً، لذلك لا يستطيع أن يذكر هذا المصدر الفارسيّ في الهامش. انظر: الصفحة ٤٤٧ من المجلّة.

وقال لي أحد الأحبّة الأعزّاء ـ ممّن أكنّ له احتراماً كبيراً، وهو ليس من المختصّين بالتراث ـ : يكفي أنّ محقّق هذه الرسائل قد ذكر كتابكم ضمن مصادر بحثه، فلا يحتاج أن يصرّح باعتماده على عملكم. وهذا الجواب غير صحيح قطعاً؛ إذ يجب على كلّ محقّق أن يذكر كلّ مصدر استفاد منه ولو مرّة واحدة.

ولو أردتُ أن اُشير إلى كلّ الموارد المتطابقة تماماً بين العملين، لاحتجت إلى تأليف رسالة مستقلّة، لكنّي اُشير إلى بعضها اختصاراً، وأترك الحكم للإخوة التراثييّن، الذين يستطيعون أن يقفوا على تطابق العملين بنظرة أوليّة لهما:

في ص ٤٣٨ من المقالة، عند ذكر اسم الكركيّ، قال: ((ويُعرف اختصاراً بعليّ ابن [كذا، والصحيح: بن] عبد العالي، كما كان يوقّع به في ما منحه من إجازات، وكَتَبه من مؤلّفات)). وفي ج١ ص ٢٦ من كتابنا ورد: ((عليّ بن عبد العالي ... حتّى أنّ المحقّق الكركيّ نفسه وقّع به في أغلب تواقيعه التي جعلها في آخر مؤلّفاته وإجازاته)).

ومثل هذا كثير، انظر: ص ٤٣٩ من المجلّة وج١ ص ٧٩ من كتابنا في بحث ((ولادته)).

وص ٤٤٨ ـ وج١ ص ١٩٨ في بحث مؤلّفات الكركيّ ونشاطه في إيران.

وص ٤٥١ ـ وج١ ص ٢٠٣ في سرد إجازات الكركيّ لتلاميذه.

الثالثة: في ج٢ ص ٩٩ ـ ١٠٩ من كتابنا، ذكرنا ـ في بحث مفصّل ـ سبعة مشايخ للكركيّ، وفي ص ٤٤٢ ـ ٤٤٣ من المقالة ذكر تسعة مشايخ له، مضيفاً: ابن المؤذّن الجزينيّ، ومحمّد الصهيونيّ. معتمداً على إجازة علي بن عبد العالي لمحمّد الاستراباديّ، التي نسبها المجلسي ـ اشتباهاً ـ إلى الكركيّ في بحاره ١٠٥: ٤٩. وقد فات الأخ الشيخ الطائي أنّ هذه الإجازة ليست من الكركيّ، بل هي من الميسيّ المتّحد مع الكركيّ باسمه واسم أبيه، وقد جزم السيّد محسن الأمين في أعيانه ٦: ١٤٢ بكون هذه الإجازة صادرة من الميسيّ لا الكركيّ. وقال الميرزا الأفندي الأصفهاني في رياضه ٥: ١٧٥ ، بعد أن ترجم لابن المؤذّن الجزينيّ: ويروي عنه الشيخ عليّ الميسيّ. وصرّح المحدّث النوري في مستدركه ((الخاتمة)) ٣: ٤٣١ برواية الميسيّ عن محمّد بن داود.

الرابعة: قال الأخ الفاضل الشيخ الطائيّ في ص ٤٣٨ من مقالته: ((إلّا أنّا سنركّز باختصار على بعض الجوانب من حياته ـ الكركيّ ـ التي لم يسلّط عليها الضوء كما ينبغي، وخصوصاً فترة وجوده في النجف الأشرف، ولعلّ الله تعالى يوفّق لاحقاً لكتابة شيء مفصّل عن حياته في النجف الأشرف رغم قلّة المصادر التي تعرّضت لذلك)).

وأنا أشدّ على يده المباركة، وأكبر فيه هذه العزيمة القويّة، وأتمنّى من الباري عزّ وجلّ أن يوفّقه لبحث جوانب مهمّة مخفيّة من حياة هذا العالم الجليل. ويا حبذا لو يدلّنا ويرشدنا إلى موضوع مهم من حياة الكركيّ لم نُشبع البحثَ فيه مفصّلاً في كتابنا، سواء في حياته الشخصيّة، والعلميّة، والسياسيّة. وأنا لا أدّعى بأنّني وفّقت كمال التوفيق، للغور في هذا البحر العميق، المترامية أطرافه.

لكنّي اُرشده ـ وكافّة الباحثين، حتى لا يضيّع وقته ـ إلى فقرة بقيت مجهولةً عندي من مراحل حياته ـ التي قسّمتها إلى ثمان مراحل ـ وهي المرحلة الأخيرة من حياته التي قضاها في النجف الأشرف، تبدأ من منتصف سنة ٩٣٩ هـ ، وتنتهي بوفاته في ١٨ ذي الحجّة سنة ٩٤٠ هـ . فلم أعثر له على أيّ نشاط مطلقاً خلالها، رغم تتبعي للمصادر العربية والفارسيّة التي ترجمت له وأرّخته.

وليعلم الأخ الطائيّ حفظه الله، بأنّ عملي الذي طُبع في ٦٥٠٠ صفحة، ١٢ مجلّداً، كان ثمرةَ جهودٍ استمرّت عشر سنوات من البحث والتنقيب عن آثار الكركيّ وحياته، حتّى استطعتُ أن أكتبَ حياته المباركة في ثلاثة مجلّدات كاملة، وحقّقت ٥٤ أثراً من آثاره، جمعتُ لها ١٢٠ نسخة خطيّة من مدن كثيرة. وأهل الفنّ من التراثييّن وحدهم يعلمون ما معنى أن يجمع الباحث هذا الكمّ الهائل من المخطوطات.

ويحزّ في قلبي ويؤلمني ـ كما هو شأن كلّ الباحثين ـ أن يأتي باحثٌ آخر، يعتمد كليّاً على عملي، دون الإشارة إلى ذلك.

وختاماً اُوجّهُ النصيحة لنفسي أوّلاً، ثمّ للأخ الشيخ الطائيّ، أن نكونَ مُنصفين في عملنا، ولا نصادر ـ في عشيّة وضحاها ـ جهودَ وثمرات عملٍ استمر سنوات عدّة. وأتمنّى على مسؤولي مجلّة ((دراسات علميّة)) أن يُشركوا في لجنتهم العلميّة أحدَ التراثييّن؛ كي يقوم بمراجعة النصوص المحقّقة التي تروم المجلّة الكريمة نشرها، وأنا على استعدادٍ كامل لقبول ـ وبرحابة صدرٍ كاملة ـ أيّ ردّ علميّ مدعم بالأدلّة الواضحة، لما كتبناه في هذه الأسطر القليلة، فإنّ العلم رائدنا، والوصول إلى الحقّ منهجنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمّد الحسّون

٥ جمادى الأُولى ١٤٣٩ هـ

البريد الإلكتروني: Muhammad@aqaed.com

الصفحة على الإنترنيت: www.aqaed.com/muhammad