ما هكذا يا سعد تُورد الإبل

الحلقة الثالثة

رحم الله شيخنا السيّد عبد العزيز الطباطبائي اليزديّ


بقلم

الشيخ محمّد الحسّون


بسمه تعالى

في سنة 1408 هـ أتممتُ أوّل عملٍ تحقيقيّ فرديّ لي، إذ حقّقتُ كتاباً فقهيّاً لأحد أعلام النصف الأوّل من القرن السادس، معتمداً على عدّة نسخ خطيّة، أهمها كُتبت سنة 631 هـ . وبعد إكمال عملي، عرضتُهُ على شيخي واُستاذي في تحقيق التراث، المرحوم المغفور له السيّد عبد العزيز الطباطبائيّ اليزديّ «رحمه الله»، فاستحسنه، وأرشدنا ـ في طباعته ـ إلى دار نشر يُشرف عليها أحد الفضلاء، وقام مشكوراً بالاتصال بهذا الفاضل وتزكية عملي وطلب منه طباعته.

فذهبتُ لمقابلة ذلك الفاضل، فلم أجده في مكتبه، ووجدتُ معاونَه، الذي كان لديه اطّلاعٌ على عملي، وأمرٌ بقبول طباعته، فأخذَ الكتابَ منّي وأرسلَهُ للمطبعة فوراً. فاستغربتُ كثيراً من هذه المعاملة والاستقبال غير المعهود من دور النشر، وأوعزتُ ذلك لتزكيّة السيّد الطباطبائيّ لعملي واحترام ذلك الفاضل له.

ولم تمرّ إلّا عدّة أشهر، وإذا بذلك المعاون يتّصل بي ويخبرني بخروج الكتاب من المطبعة، وما عليَّ إلّا أن أذهب لاستلام عدّة نسخ من الكتاب، إضافة لمبلغ كحقّ للتحقيق.

فذهبتُ مسرعاً فرحاً؛ كي أرى أوّل عملٍ تحقيقيّ فرديّ لي، لكنّي صُدمت، وأيّ صدمة!!! كدتُ أنهار بسببها، إذ وجدتُ ذلك الفاضل صاحب دار النشر، قد وضع اسمه على غلاف الكتاب، على يسار اسمي، باعتباره مشرفاً على تحقيق هذا الكتاب.

عجيب!! كيف أصبحَ هذا الفاضل مشرفاً على عملي، وهو لم يرني ولم ير الكتاب أصلاً.

فذهبتُ غاضباً إلى شيخي وملاذي السيّد الطباطبائيّ «رحمه الله»، وقصصتُ عليه الحكاية وأريته نسخة من الكتاب. فقام «رحمه الله» من مكانه وجلب لي كاساً من الشاي. وبدأ يُهدّئ من روعي ويحدّثني باُسلوبه الأبويّ، وقال لي بالحرف الواحد:

«لو تعلم كم كتاب حقّقتُه أنا، وكم مقالة كتبتُها، لكنّها طُبعت بأسماء آخرين غيري».

فسألته عن سبب قبوله لذلك، فقال: عندما هاجرتُ من مدينة النجف الأشرف وسكنتُ قم المقدّسة، أخذتُ قرضاً من «صندوق قرض الحسنة علوي» لشراء دارٍ لي، وكان عليَّ أن اُسدّد كلّ شهر قسطاً من هذا القرض، ولعدم امتلاكي مبلغ القسط، كنتُ أكتب لهذا، واُحقّق لذلك؛ كي أحصل على مبلغ من المال اُسدّد به أقساط القرض.

فقلت له: لكنّي غير مضطرّ لذلك، ولا محتاج للمال.

فأقنعني بالسكوت في وقتها.

وكلّما حاولتُ معرفة أسماء اُولئك الذين صادروا حقّه العلميّ، مستغلّين احتياجه للمال، لكنّه أبى ذكرهم.

إن كان هذا الفاضل قبل 31 سنة عملَ بكتابنا هكذا، فهل نستغرب أن يأتي شخص ـ جديد على التحقيق ـ في هذه الأيام يُعيد عمله ويكرّره، ويصادر جهودنا؟! ليته فعلَ فعلةَ ذلك الفاضل؛ وجعل نفسه شريكاً للأصل، ولكن أين الإنصاف؟!

محمّد الحسّون

9 جمادى الآخرة 1439 هـ

قم المقدّسة

البريد الإلكتروني: Muhammad@aqaed.com

الصفحة على الإنترنيت: www.aqaed.com/muhammad