الصفحة 154
أي فعله، وصلاته إن تعمّد، وإلاّ استأنفه على الوجه المعتبر.

قوله: (ولا تجب نيّة الخروج)(1).

أي وجوب نيّة الخروج من الصلاة بالتسليم وعدمه، بناءً على القول بوجوب التسليم، منظور فيه إلى أنّ التسليم هل هو جزء من الصلاة فتغني عنه نيّتها؟ أم خارج عنها فلابُدَّ له من نيّة، حتى لو فعله بدونها أبطل صلاته؟

وعبارة المبسوط(2) مشعرة بالثاني، والمعتمد تحرّي عدم الوجوب وإن كان الأحوط فعلها، وهي بسيطة فلا يراعى فيها قصد الوجوب والقربة ونحوهما على الظاهر.

قوله: (لم يجزئ)(3).

أي فعله، وتبطل به الصلاة عند المصنّف إن تعمّد، وإلاّ استأنفه على الوجه المعتبر.

قوله: (ويجب فيه... إلى آخره)(4).

فعلى هذا تزيد واجبات التشهّد واحداً على ما تقدّم، وكذا التسليم أيضاً.

قوله: (أحد وستون)(5).

تفصيلها: في النيّة سبعة، وفي التحريمة أحد عشر، وفي القراءة ستة عشر، وفي القيام أربعة، وفي الركوع تسعة، وفي السجود أربعة عشر.

____________

1- ص 562 س1. وفي نسخة الألفيّة "ش3": فيه نيّة.

2- المبسوط 1: 116.

3- ص 562 س3.

4- ص 563 س1.

5- ص 563 س2.


الصفحة 155

قوله: (أربعة وأربعون)(1).

وذلك لسقوط واجبات النيّة إلاّ الاستدامة، وواجبات التكبير، وذلك سبعة عشر.

قوله: (تسعة وثلاثون)(2).

وذلك لسقوط واجبات السورة وهي خمسة:

الأوّل: تقديم الحمد على السورة.

الثاني: وحدة السورة.

الثالث: كون السورة غير عزيمة.

الرابع: القصد بالبسملة إلى سورة معيّنة.

الخامس: عدم الانتقال من السورة إلى غيرها.

قوله: (اثنان وثلاثون)(3).

وذلك لسقوط بقيّة واجبات القراءة من تسعة وثلاثين وهي أحد عشر، واحتساب واجبات التسبيح بدلها وهي أربعة مشار إليها بقوله سابقاً: (مرتّباً، موالياً، بالعربيّة، اخفاتاً).

قوله: (مائة وثلاثة وعشرون)(4).

بإضافة واجبات التشهّد والتسليم ـ وهي ثمانية عشر ـ إلى ما وجبت في الركعتين وهي مائة وخمسة.

قوله: (مائة وأحد وسبعون)(5).

____________

1- ص 564 س1.

2- ص 564 س1.

3- ص 565 س1.

4- ص 565 س2.

5- ص 565 س2.


الصفحة 156
وذلك بإضافة واجبات التشهّد الاُخر وهي تسعة، وواجبات الركعة الثالثة وهي تسعة وثلاثون إلى مائة وثلاثة وعشرين.

قوله: (مائتان وعشرة)(1).

بإضافة تسعة وثلاثين إلى ما تقدّم.

قوله: (تسعمائة... إلى آخره)(2).

وذلك لأنّ في الرباعيّات الثلاث ستمائة وثلاثين، وفي الثنائيّة والثلاثيّة مائتان وأربعة وتسعون، ومبلغ ذلك ما ذكره المصنّف(رحمه الله).

قوله: (وسفراً ستمائة... إلى آخره)(3).

وذلك لسقوط أواخر الرباعيّات ومن كلّ منهما تشهّد، وواجبات ذلك مائتان وأحد وستون.

قوله: (وللمسبح ثمانمائة... إلى آخره)(4).

وذلك لسقوط بقيّة واجبات القراءة من الركعات الأواخر وهي سبع ركعات، ويقوم بدلها واجبات التسبيح. وقد عرفت أن بقيّة واجبات القراءة أحد عشر، وواجبات التسبيح أربعة، فالساقط بعد اعتبار البدل تسعة وأربعون من تسعمائة وأربعة وعشرين، هذا في الحضر.

أمّا في السفر فيسقط من الستمائة والثلاثة والستين ـ التي هي فرض غير المسبّح ـ سبعة بالنسبة إلى ثالثة المغرب، فيبقى ما ذكره المصنّف (رحمه الله).

قوله: (في المنافيات)(5).

____________

1- ص 566 س1.

2- ص 566 س1.

3- ص 566 س2.

4- ص 566 س2.

5- ص 571 س 2.


الصفحة 157
المراد بها: ما يمنع صحّة الصلاة.

قوله: (نواقض الطهارة)(1).

أي مِن منافيات الصلاة فعل نواقض الطهارة مُطلقاً، أي سواء كان فعلها عمداً أو سهواً، لضرورة أو اختياراً، ويجب إعادة الصلاة في الوقت وخارجه، وقد تقدّم بيان كلّ من نواقض الطهارات الثلاث في الفصل الأوّل، وكذا مبطلات الطهارة، وهي ما يمنع صحتها كالطهارة بالماء النجس، أو على المحلّ النجس، أو بالماء المضاف على كلّ حال.

ومثله الطهارة بالماء المغصوب، أو في المكان المغصوب على الأشهر، لكن لا مُطلقاً، بل إذا كان ذلك عن علم وعمد، فالجاهل بالغصب والناسي طهارتهما صحيحة على الأصح في الثاني ; لامتناع تكليف الغافل، لا الجاهل بالحكم والناسي له ; لوجوب التعلّم.

والفرق بين النجاسة والغصب: أنّ المانع في الأوّل ذاتي، وفي الثاني النهي عن التصرّف في مال الغير بغير حقّ، ومع الجهل والنسيان لا يتوجّه النهي فينتفي المانع.

ونبّه المصنف بقوله: (في الأخير) على أنّ القيدين للمغصوب خاصّة.

وقوله: (عمداً عالماً) لا يخلو من مناقشة ; لأنّ التقييد بالعمد يُغني عن القيد بالعلم بعده، لأنّ العمد يُخرج الجهل والنسيان، وإلاّ لانتفت فائدة التقييد به.

ويرد على عبارته المشتبه بالمغصوب، فإنّ مَنْ توضّأ به لم يصدق عليه أنّه توضّأ بالمغصوب عمداً عالماً، إلاّ أن يقال: إنّ المشتبه بالمغصوب

____________

1- ص 571 س4.


الصفحة 158
كالمغصوب، وفيه ما فيه.

و(عمداً عالماً) مصدران وُضِعا موضع الحال، والتقدير: في هذين الحالين.

قوله: (استدبار القبلة)(1).

أي من المنافيات استدبار القبلة مُطلقاً، أي سواء كان عمداً أو سهواً أو ظنّاً، وسواء كان الوقت باقياً أو خرج، وسواء كان الاستدبار بكلّه أو بوجهه خاصّة، وسواء طال زمان الاستدبار أو قصر. وفي بعض هذه خلاف للأصحاب، والتسوية بين الاستدبار بكلّ المصلّي وبوجهه غير مصرّح بها في كلام الأكثر، وممّن سوّى بينهما المصنف في (الذكرى)(2)، وغيره(3)، ولا بأس به.

ولو التفت إلى محض اليمين أواليسار، فإن كان بوجهه خاصة فلا شيء عليه، خلافاً لبعض المتأخّرين حيث أبطل به الصلاة(4)، وهو ضعيف.

وإن كان بكلّه، فإن كان عامداً فكالاستدبار، وإن كان ناسياً فكظانّ القبلة، فيتبيّن الانحراف إلى اليمين أو اليسار، فيُعيد مع بقاء الوقت لا مع خروجه، ولا فرق بين قصر زمان الانحراف وطوله.

ولهذه المسائل وجوه مستفادة من النصوص، وليس هذا محلّ ذكرها، وعبارة المصنّف قاصرة عن إفادة هذه الأحكام مع أنّ فيها نظراً من وجوه:

الأوّل: أنّ مقتضى تقييده في المسألة الثانية بـ (بقاء الوقت) أن يكون الإطلاق في الأوّل معها في الوقت وخارجه ; لأنّ هذه عادتهم المطردة

____________

1- ص 572 س1.

2- الذكرى: 217.

3- الألفية: 65.

4- كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد 1: 118.


الصفحة 159
يجعلون التقييد في مقابلة الإطلاق كالمفسّر له والدالّ عليه، وحينئذ فيبقى حكم الاستدبار غير معلوم هو بالنسبة إلى العامد والناسي والظان جميعاً، أم بالنسبة إلى بعضهم.

وفي حكم غير العامد اختلاف للأصحاب، إلاّ أن يقال: يندفع هذا بأنّ المصنّف قيّد في العشرة الأخيرة من المنافيات المنافاة بالعمد، فدلّ ذلك على أنّ ما قبله مناف مطلقاً، فتجري هذه العبارة على ظاهرها.

الثاني: قوله: (أو اليمين أو اليسار) إن أراد به الناسي والظان، من غير تقييد بإفادة الإطلاق في المسألة التي قبله، وممّا يدل عليه تقييد المباحث الأخيرة من الإطلاق فيما قبلها. وإن أراد به التعميم في العامد أيضاً، لم يستقيم التقييد ببقاء الوقت ; لوجوب الإعادة عليه مُطلقاً إجماعاً.

الثالث: إن أراد بالاستدبار الاستدبار بكلّه، فُهِمَ أنّ الاستدبار بوجهه لا يفسد، وهو خلاف ما في كتبه(1).

أو الأعمّ، اقتضى إبطال الالتفات إلى اليمين أو اليسار بوجهه، وهو خلاف المفروض من مذهبه ومذهب الأكثر.

وها هنا إشكال لطيف على الحكم بوجوب إعادة مَنْ صلّى إلى محض اليمين أو اليسار، هو أنّ صلاته إن كانت صحيحة لم يجب إعادتها مُطلقاً، وإن كانت فاسدة وجب إعادتها مُطلقاً ; لقوله عليه السَّلام: "من فاتته صلاة فريضة فليقضها"(2)، فلا معنى للتخصيص.

وحلّه أنّ في رواية عبدالرحمن عن الصادق عليه السَّلام(3) عدم إعادة

____________

1- الذكرى: 117.

2- الكافي 3: 435 حديث 7، التهذيب 3: 162 حديث 350، عوالي اللآلي 3: 107 حديث 150.

3- الكافي 3: 284 حديث 3، التهذيب 2: 47 حديث 154، الاستبصار 1: 296 حديث 1090.


الصفحة 160
مَن صلّى كذلك بعد خروج الوقت إذا لم يكن مستبيناً له الانحراف حال الصلاة، وهو يشمل المدّعى، وترجيحه بأنّه خاص.

قوله: (الفعلُ الكثير)(1).

ويُعتبر فيه التوالي، فالمتفرّق لا يقدح وإن كان لو اجتمع بلغ الكثرة.

قوله: (عدمُ حفظ عدد الركعات)(2).

بحيث لم يدرِ كم(3) صلّى، ولم يقع وهمه على شيء ; لرواية صفوان عن أبي الحسن عليه السَّلام(4).

قوله: (النيّة)(5).

أطلق على النيّة الركنيّة مع أنّ في ركنيّتها أو شرطيّتها خلاف للأصحاب، غير أنّه لا يختلف الحال هنا بسبب هذا الاختلاف بالنسبة إلى النقيصة، فإنّ الإخلال بالنيّة عمداً أو سهواً مُبطل بغير خلاف:

أمّا على القول بركنيّتها فظاهر.

وأمّا على شرطيتها ; فلأنّ المشروط عدم عند عدم الشرط.

وهنا سؤال هو: أنّه إذا كان المشروط يُعدم بعدم شرطه على كلّ حال ; نظراً إلى أنّ الشرطيّة في باب خطاب الوضع، فكيف صحّت الصلاة مع النجاسة التي يتعذّر إزالتها وبدون الساتر وإلى غير القبلة للضرورة، مع أنّ هذه كلّها مشروطة، وقد كان الواجب أن لا تصح الصلاة بدونها على كلّ

____________

1- ص573 س1.

2- ص 574 س2.

3- في "م": يذكر.

4- الكافي 3: 358 حديث 1، التهذيب 2: 187 حديث 744، الاستبصار 1: 273 حديث 1419.

5- ص 575 س1.


الصفحة 161
حال كالطهارة؟

وجوابه: أنّ الشرطيّة إنّما تكون بوضع الشارع، وقد جعل الطهارة شرطاً مطلقاً، ولم يجعل هذه المذكورات شروطاً على الإطلاق، بل حكم بصحة الصلاة عند تعذّر بعضها، فيعُلم منه أنّه جعلها شروطاً في حال دون حال، ولا محذور في ذلك.

وأمّا بالنسبة إلى الزيادة فقد حكم بعض المتأخّرين بالإبطال بها سهواً على تقدير الركنيّة دون الشرطيّة، وهو متّجه، فلا يتم إطلاق قول المصنّف: إن زيادة النيّة مُطلقاً مبطلة، إلاّ أن يقال: قد صرّح بركنيتها في عبارته فلا إشكال فيها.

وأمّا التكبير فإنّه ركن عند عامة الأصحاب.

وأمّا القيام فأورد عليه أنّ زيادته ونقصه سهواً غير مبطلين، فكيف يكون ركناً؟!

وحلّه أنّ القيام بمطلقه ليس ركناً، بل هو تابع للفعل الذي وجب لأجله، شرطاً كان أو ركناً أو واجباً لا غير، أو مُستحباً إن قارنه، فإن تقدّم عليه فهو شرط قطعاً، إذ خاصة الشرط التقدّم.

وتوضيحه: أنّ القيام إلى النيّة شرط، وفيها كحالها، وفي التكبير ركن إذ الأشهر ركنيّته، وفي القراءة واجب لا غير، ومسمّى القيام الذي يركع عنه ويبطل به ركن.

والقيام في الركوع واجب لا غير، وفي القنوت مُستحب كحاله وإن كان شرطاً لشرعيّته.

فإنْ قُلتَ: القيام الذي يركع عنه هو القيام في القراءة، فكيف يُعدّ ركناً وواجباً لا غير؟


الصفحة 162
قلتُ: ليس كذلك، بل القيام في القراءة هو الواجب، وما صدقَ عليه الاسم هو الركن، فالواجب هو الكلّ، والركن هو الأمر الكلّي. فإن قام في مجموع القراءة، وُصفَ ذلك القيام بالركنيّة، لا لتعيّنه، بل لأنّه الفرد الكامل من أفراد الكلّي الموصوف بالركنيّة. وإن سها عن بعض القراءة أو عن مجموعها وحصل مُسمّى القيام كفى في تأدية الركن، بخلاف ما لو سها عن أصل القيام أيضاً. وهذا شبيه بالوقوف بعرفة من الزوال إلى الغروب، فإنّ الواجب الكلّ، والركن الأمر الكلّي، وهو ما صدق عليه الاسم.

والركوع لا إشكال في ركنيّته، أمّا السجود فالركن فيه عند عامّة الأصحاب مجموع السجدتين، ويحكى عن ابن أبي عقيل القول بأنّ الإخلال بالسجدة الواحدة سهواً مبطل(1) ; لاستلزامه الإخلال بالركن ; لأنّ الإخلال بالماهيّة المركّبة يتحقّق بالإخلال بجزء من أجزائها. وفي رواية المعلّى ما يشهد له(2)، والأكثر على أنّ المبطل إنّما هو الإخلال بمجموعهما لا بإحداهما سهواً.

وأجاب بعضهم عن احتجاجه بأنّ المقتضي للإبطال هو الإخلال بجميع الأجزاء لا بالمجموع، ولهذا لو أخلّ بعضو من أعضاء السجود لم تبطل الصلاة.

وفيه نظر ; لأنّ كون المُبطل هو الجميع لا المجموع ينافي القول بركنيتهما معاً، وإنّما لم يؤثّر الاخلال بعضو ; لبقاء مسمّى السجود معه.

وأجاب في (الذكرى) بأنّ الركن هو مسمّى السجود، وهو الأمر الكلّي لا مجموعهما، وهو صادق مع الواحدة(3).

____________

1- نقله عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 2: 372 المسألة 262.

2- التهذيب 2: 154 حديث 606، الاستبصار 1: 359 حديث 1363.

3- الذكرى: 200.


الصفحة 163
وهذا وإن سلم ممّا ورد على ما قبله، إلاّ أنّه يرد عليه لزوم البطلان بزيادة السجدة الواحدة ; لصدق مُسمّى السجود عليها المحكوم بركنيّته، إلاّ أن يقال: ثبتَ عدم البطلان بالنصّ. وفيه مناقشة، إذ يلزم عدم كليّة الإبطال بزيادة الركن، وهو مخالف لصريح الأصحاب، أمّا رواية المعلّى فضعيفة.

قوله: (مُطلقاً)(1).

أي المنافي عمداً وسهواً، كالحدث والاستدبار والفعل الكثير. أمّا لو ذكر بعد المنافي عمداً لا سهواً كالكلام، فالأصح عدم البطلان به، كما يُفهم من العبارة ; لأنّه في حكم الساهي.

قوله: (ولم يقعد)(2).

الواو للحال، تقديره: والحال أنّه لم يقعد آخر الرابعة.

ويُفهم منه أنّه لو قعد عقيب الرابعة بقدر التشهّد لم تبطل صلاته، وهو مذهب كثير من الأصحاب(3)، وبعضهم يعتبر التشهّد عقيب الرابعة، والاخلال بالتسليم غير قادح ; لأنّه ندب عنده(4)، وهذا واضح.

والأكثرون أطلقوا البطلان ; لتحقّق الزيادة المنافية، وتيقّن البراءة بغير تلك الصلاة. والنصوص من الجانبين مختلفة، والأحوط الثاني.

وعلى الأوّل هل يتعدّى الحكم إلى غير الرباعيّة التي هي مورد

____________

1- ص 576 س2.

2- ص 576 س2.

3- نسبه الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 121، والخلاف 1: 451، مسألة 196 إلى بعض الأصحاب، ونسبه العلاّمة الحلّي في مختلف الشيعة 2: 392، مسألة 378 إلى ابن الجنيد.

4- كابن ادريس في السرائر 1: 245.


الصفحة 164
النصّ؟ يبنى على اعتبار فعل التشهّد والقول بندب التسليم إن يتعدّى، إذ لا مانع حينئذ، ومورده زيادة ركعة، فهل يتعدّى إلى أزيد منها، أو أنقص ممّا لم يكن قبل الركوع؟ يبنى على ذلك أيضاً.

قوله: (عدمُ حفظِ الاُولتين)(1).

ربّما يشتبه على كثير الفرقُ بين هذه المسألة، وبين ما تقدّم في الخامس والسادس، حتى أنّ بعض الشارحين هام وتعسّف واعتذر بما لو سكت عنه لكان أجمل(2).

والفرق بين هذه وبين ما ذكر في السادس: أنّ المذكور هناك الشكّ في الاُولتين، والشكّ تساوي الاعتقادين وتكافؤهما بحيث يحتمل أن يكون قد صلّى ركعة، وأن يكون صلّى اثنتين احتمالاً سواء، وموضع هذه عدم حفظ الاوُلتين وتحصيل شيء منهما. وليست هذه تلك، ولا لازمة لها، إذ لا اعتقاد هنا بالكليّة، ومَن توهّم لزومها لها فقد غلط، وهذا بعينه هو الفرق بين الخامس والسادس.

وأمّا الفرق بين هذه وبين ما ذكر في الخامس ففيه دقّة وخفاء ; لاشتراكهما في سلب الاعتقاد، غير أنّ الموضوع مُختلف ; لأنّ موضوع تلك الركعات وموضوع هذه الركعتان الاُولتان، وأحدهما غير الآخر، فَذِكْرُ حُكمِ الاُولى لا يُغني عن ذِكْرِ حكم هذه، وإن كان حُكمُ هذه بعد ذِكْرِ حُكم الاُولى في غاية الظهور، إذ المقصود النصّ على كلّ مسألة بخصوصها.

____________

1- ص577 س1.

2- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 155.


الصفحة 165
ألا ترى أنّه أوجب في ذِكْرِ الركوع عربيّته وموالاته، ثم عدّ ذلك بعينه واجباً في ذِكْرِ السجود مع شدّة ظهور حكمه بعد بيان حكم ذِكْرِ الركوع، والتباس مثل ذلك إنّما هو لقصر الأفهام والجهل بفوائد العلماء في بيان الأحكام.

قوله: (إيقاعُها قبل الوقت)(1).

سواء كان عامداً أو ناسياً، إمّا لمراعاة الوقت أو ناسياً للوقت نفسه ; لعدم حضوره بالبال حال الصلاة، أو جاهلاً بالوقت أو بالحكم أو ظانّاً دخوله إذا وقعت جميعها خارج الوقت في الأخير فقط.

قوله: (ايقاعُها في مكان)(2).

أي من المنافيات إيقاعها في مكان نجس، ويتحقّق ذلك بنجاسة موضع الجبهة مُطلقاً، وغيره إذا تعدّت نجاسته إلى المصلّي أو محموله وكانت النجاسة غير معفو عنها. وكذا إيقاعها في ثوب نجس نجاسة غير معفو عنها ممكنة إزالتها ولو بإبدال الثوب.

وأن يكون عالماً بالنجاسة حال الصلاة أو قبلها، وإن نسي في حال فعلها فإنّه يجب عليه الإعادة في ذلك كلّه، سواء بقي الوقت أم خرج على الأصح في الناسي. ولو كان جاهلاً بالنجاسة ففي وجوب الإعادة في الوقت قولان، أقربهما الوجوب.

وحكم نجاسة البدن حكم نجاسة الثوب سواء.

ومن المنافيات إيقاعها في مكان مغصوب أو ثوب مغصوب، إذا كان عالماً بالغصب حال الصلاة، ولو علم قبلها ثمّ نسي فقولان، أقربهما عدم

____________

1- ص 578 س1.

2- ص 578 س2.


الصفحة 166
الإعادة، وأحوطهما الإعادة في الوقت. فقول المصنّف: (مع تقدّم علمه بذلك) قيد في كلّ من مسألتي النجاسة والغصب، وهو يشمل بإطلاقه الناسي، مع أنّ ناسي الغصب لا يجب عليه الإعادة خارج الوقت إجماعاً، ولا في الوقت على الأصح.

ويُفهم من قيد تقدّم العلم عدم إعادة الجاهل مُطلقاً، وقد عرفتَ أنّ المختار خلافه، ويُستفاد من إطلاقه عدم الفرق بين كون المغصوب هو الساتر أو غيره.

وقوله: (وكذا البدن) معطوفٌ على ما قبله أو مستأنف، والمشبّه به في ذلك ـ أعني المشار إليه بذا ـ هو حكم نجاسة المكان والثوب المتقدّم، ومعناه أنّ نجاسة البدن منافية لصحة الصلاة مع تقدّم العلم، كما في نجاسة الثوب والمكان سواء.

وربّما توهّم بعض القاصرين أنّ المشبّه به مجموع حكمي النجاسة والغصب، ويمثل بغصب البدن بالزوجة إذا نشزت والعبد إذا أبق، والذي أوقعه في هذا الوهم إطلاق التشبيه بعد ذكر الجملتين.

والذي حمل المصنّف على ذلك كما بيّنه، بأنّ غصب البدن غير متصوّر ليحصل به لبس، إذ الزوجة ليس بدنها ملكاً للغير، والعبد وإن كان ملكاً للغير إلاّ أن الغصب نسبة فيستدعي غاصباً ومغصوباً منه. ولو كان الأمر كما توهّم لما صحّت صلاته آخر الوقت، لكن تصح إجماعاً.

قوله: (لحقّ آدمي مُضيّق)(1).

أي مأمور بأدائه إليه، كالأمانة إذا طلبها المالك، والعيّن المغصوبة،

____________

1- ص 580 س1.


الصفحة 167
والدين المأمور بدفعه إلى مالكه شرعاً.

ومعنى منافاتها له: عدم إمكان الجمع بينهما، والأصح عدم البطلان بذلك.

قوله: (البلوغُ في أثنائها)(1).

للذكر والاُنثى، كأن كمل له من البلوغ في الأثناء، فإنّها تبطل وتُعاد مع الطهارة.

قوله: (تعمّد وضع إحدى اليدين)(2).

لا فرق بين وضع اليمين على اليسار وعكسه، ولا بين وضعها على الساعد أو ظهر الكف، ولا بين وجود الحائل وعدمه.

قوله: (بحرفين)(3).

يُفهم منه أنّ الحرف الواحد لا يُبطل، ويشكل بالحرف المفهم، كما في الأمر من الثلاثي المعتل الطرفين مثل (قِ) من وقى، و(ع) من وعى، و(ش) من وشى ; لصدق اسم الكلام عليه، بل هو جملة مُركّبة من فعل وفاعل، والظاهر البطلان به.

ولعلّ ذكر الحرفين خرج مخرج الغالب، وهل الحرف بعده مدّة مثل (بَ) و(بِ) و(بُ) باشباع الفتحة والكسرة والضمّة كالحرفين، أم كالواحد؟ الحقّ الأوّل ; لأنّها إمّا ألف أو ياء أو واو، وحينئذ فيمكن إدراجه في عبارته.

____________

1- ص 582 س1.

2- ص 582 س 2.

3- ص 583 س1.


الصفحة 168
ولا فرق في بطلان الصلاة بالحرفين بين كونهما قد وُضعا لمعنى مثل (يا) في النداء، أو لا مثل (غا) ونحوه من المهملات.

وقد سبق إلى أوهام مَن لا تحقيق لهم أنّ المراد بالحرف ما يشمل أسماء حروف الهجاء كعين وغين، فزعموا أنّ التلفّظ بذلك لا يبطل الصلاة ; لصدق اسم الحرف عليه. ولم يعلموا أنّ تلك لا يسمّيها حروفاً إلاّ مَن جهل الفرق بين الحروف وأسمائها، فإنّ (عين) مثلاً اسم للواحد من حروف على، وهذا الاسم كلام لغةً وعرفاً ; لتركّبه من أزيد من حرفين وكونه موضوعاً لمعنى.

قوله: (تعمّد الأكل)(1).

لأصحابنا في تحديد المبطل من الأكل والشرب قولان:

إحداهما: المسمّى، فيبطل عمده دون سهوه(2).

والثاني: ما بلغ حدّ الكثرة عرفاً فيبطل مُطلقاً، وفتوى الرسالة على الأوّل(3)، وهو الأحوط، والثاني أقوى.

ويُستثنى من ذلك الشرب في صلاة الوتر لمريد الصيام وهو عطشان ويخشى فجأة الفجر، بشرط عدم استلزام فعل كثير غير الشرب، وعدم استدبار القبلة، وعدم مُخامرة نجاسة أو حملها. ولا فرق بين الصوم الواجب وغيره، ولا بين كونه قانتاً وعدمه، لكن لو كان واجباً بنذر وشبهه

____________

1- ص 584 س1.

2- منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 118 والخلاف 1: 413 مسألة 159، والعلاّمة في قواعد الأحكام 1: 281.

3- وذهب الماتن إلى القول الثاني في الذكرى: 215، والدروس: 185، والبيان: 182.


الصفحة 169
أمكن المنع.

قوله: (تعمّد القهقهة)(1).

لا التبسم، ولو حصلت القهقهة على وجه لا يمكن دفعه بطلت أيضاً، لكن لا يأثم، ولا تبطل الصلاة بها ناسياً إجماعاً.

قوله: (تعمّد البكاء)(2).

وهو الذي معه انتحاب، فلو دمعت عيناه من غير انتحاب فصلاته صحيحة. واحترزَ بـ (البكاء لاُمور الدنيا) عن البكاء من خشية الله تعالى وخوف العذاب، فإنّه لا تبطل به، بل هو مستحب.

ولا فرق في الإبطال بالأوّل بين مجيئه على وجه يمكن دفعه وعدمه، فتبطل به وإن لم يأثم في الأوّل. وموضع الإبطال به العمد، فلا شيء على الناسي.

فائدة:

يُستفاد من تقييد منافاة هذه بالعمد عدم منافاتها سهواً، وأنّ ما قبلها مناف مُطلقاً.

قوله: (ترك واجب مُطلقاً)(3).

أي سواء كان رُكناً أو فعلاً أو كيفيّة أو شرطاً، ولا فرق في التعمّد بين أن يكون عالماً بالوجوب أولا، فإنّ الجاهل بالحكم عامد عند عامة الأصحاب في جميع منافيات الصلاة من فعل أو ترك ; لأنّه مُكلّف بذلك،

____________

1- ص 585 س1.

2- ص 586 س1.

3- ص 587 س1. وفي نسخة الألفيّة "ش3": الواجب.


الصفحة 170
والاخلال واقع بقصد منه، وجهله لا ينهض عذراً ; لأنّه بتقصيره، إذ يجب عليه التعلّم. نعم استثنى الأصحاب من ذلك جاهل وجوب الجهر والاخفات في موضعهما لو خالف، وكذا جاهل وجوب القصر في موضعه لو أتمّ، فيُعذران.

وهل ناسي الحكم كجاهله؟ أمّا في المؤاخذة فنعم، وأمّا في الرخصة فظاهر النصّ ثبوتها في الجهر والاخفات دون حكم السفر.

وقول المصنّف: (إلاّ الجهر والسر) يُحتمل أن يكون استثناءً مُتّصلاً ممّا قبله ; لما بيّنا من أنّ الجاهل بالحكم عامد، لثبوت قصده، فيكون داخلاً فيما قبل الاستثناء لولاه، لكن أي فائدة في قوله بعد: (فيُعذر الجاهل فيهما) ; لأنّه على تقدير اتّصال الاستثناء لا حاجة إلى التصريح بذلك، ولا يستقيم جعل الاستثناء منقطعاً فيكون بتقدير: لكن الجهر والسرّ يعذر الجاهل فيهما ; لأنّ المنقطع لا يكون المستثنى فيه داخلاً في المستثنى منه.

ويجاب عنه بأنّ الاستثناء مُتصل، وإنّما أتى بقوله: (فيُعذر... إلى آخره) ; لأنّه لولاه لفسد المعنى، من حيث إنّ الاستثناء حينئذ دالّ على العذر في الجهر والسر مُطلقاً، كجاهل الحكم وغيره، وهو فاسد.

واعلم أنّ بين جاهل الحكم وجاهل الأصل فرقاً، فإنّ جاهل الحكم هو الجاهل بما اقتضاه الخطاب من وجوب أو حرمة في المتروك أو المأتي به، كما لو أخلّ بالقراءة في الصلاة لجهله بوجوبها، أو تكلّم فيها لجهله بالتحريم. وجاهل الأصل هو الجاهل بمتعلّق الوجوب أوالحرمة، كالجاهل بكون الجلد غير مذكّى، أو كون الخاتم ذهباً.

وحكم الأوّل الإعادة فيما عدى الموضعين السالفين.

وأمّا الثاني فضابطه أنّ الوجوب إذا اُنيط بوصف فواته مانع من تأثير

الصفحة 171
محلّه المطلوب شرعاً بالكليّة، كنجاسة الماء وكونه مضافاً، فالجاهل فيه كالعامد في وجوب الإعادة.

وإن لم يكن فوات الوصف المناط به مانعاً من التأثير الشرعي بالكليّة، فإن كان خلاف الأصل وجب الأخذ بالعلامة المنصوبة شرعاً ; لأنّ حكمة الشارع تقتضي نصب علامة عليه، فإن جهله ولم يأخذ بالعلامة وجب الإعادة، كذكاة الجلد فإنّ علامة ذلك شرعاً أخذه من يد مسلم وكونه مأكول اللحم، وعلامته للجاهل إخبار المسلم. وكون الثوب من جنس ما يصلّى فيه، وكون المسجد أرضاً وما في حكمها كذلك، ولو أخذه بالعلامة المنصوبة أجزأ وإن ظهرت المخالفة.

وإن لم يكن الوصف خلاف الأصل، كإباحة الماء والثوب والمكان، وطهارة الأخيرين، فلا إعادة على الجاهل، إمّا مُطلقاً أو خارج الوقت على اختلاف الرأيين في النجاسة. ومن هذا يُعلم حكم الحرمة إذا علقت بوصف لأنّها تعاكس الوجوب، فبيان حكمه مُغن عنها.

قوله: (تعمّد الانحراف)(1).

أي يسيراً بين المشرق والمغرب، والمراد انحرافه بكلّه، ولا شيء على غير العامد.

قوله: (زيادة الواجب مُطلقاً)(2).

ركناً كان أو فعلاً، لا كيفيّة، فإنّ زيادةَ الطمأنينة غير مُبطلة ما لم يخرج بها عن كونها مصلّياً.

____________

1- ص 587 س3.

2- ص 588 س2.


الصفحة 172

قوله: (عقص شعره)(1)

وهو جمعه في وسط الرأس وشدّه، والحكم ـ حرمة أو كراهة ـ مختصّه بالرجال، فلا شيء على النساء.

قوله: (على خلاف فيهما)(2).

الأقوى الكراهيّة فيهما، إلاّ أن يمنعا بعض الواجبات فيحرمان لذلك.

قوله: (أبطل به مُطلقاً)(3).

أي مع العمد وغيره، ومبنى القولين على أنّ الستر بمجموعه في جميع الصلاة هل هو شرط مُطلقاً، أم مع كون المصلّي ذاكراً خاصّة؟ والحقّ أنّ الشرط في الصلاة أصل الستر لا مجموعه، فلو انكشفت عورته في الصلاة ولم يعلم فلا شيء عليه، واختاره الشيخ(4) وجماعة منهم المصنّف في (الذكرى)(5)، وتشهد له رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام(6)، لكن يجب عليه المسارعة إلى الستر حين العلم به قطعاً، فلو أخلّ به حينئذ بطلت.

قوله: (ألفاً)(7).

بإضافة الستّين المتقدّمة على الصلاة، والمنافيات الخمسة والعشرين

____________

1- ص 588 س3.

2- ص 588 س4.

3- ص 589 س1. والقائل به هو ابن الجنيد كما حكاه عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 2: 115 المسألة 56.

4- المبسوط 1: 88.

5- الذكرى: 139.

6- التهذيب 2: 216 حديث 851.

7- ص 589 س2.