الحمدُ لله حمداً دائماً أبداً ، والصلاة والسّلام على البشير النذير والسراج المنير ، سيّدنا
ومولانا أبي القاسم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم . وعلى أهل بيته وخاصّته وحامّته ، ووديعته في اُمّته حتى
ورود حوضه ، حيث يرث الله الأرض ومَن عليها . واللعنة الدائمة المتّصلة المترادفة
المتواصلة على شانئيهم وغاصبيهم ما أوجب الحقّ تعالى لهم حتى قيام القيامة وملامة النفس
اللّوامة ، حيث يخسأ أقوام فلا يتكلّمون ، ويبتهج آخرون إذ يتنعمون .
وبعد
قبل عدّة سنوات خَرجت الطبعة الاُولى من هذا الكتاب ، الذي نال ـ بحمد الله تعالى ـ
استحسان عدد كبير من العلماء الأعلام والاُخوة المثقّفين . فقد بعث إلينا بعضهم رسائل
يُعربون فيها عن تقديرهم لهذا المجهود ، ويحثّوننا على الاستمرار في البحث عن المزيد من
التراجم . كما قامت بتعريفه عدّة صحف ومجلاّت في داخل الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ،
فللّه درّهم وعليه أجرهم .
وها هي الطبعة الثانية نُقدّمها بين يدي القارىَ الكريم ، بعد نفاد نسخ الطبعة الاُولى ،
ولابُدّ هنا من الاشارة إلى عدّة نقاط : الاُولى : المقصود بالعَلميّة في هذا الكتاب : هو أن يكون للمرأة موقف يُقتدى به ، بغضّ
النظر عن مستواها العلمي والثقافي . فنحن نذكر الراويات والمحدّثات والمجتهدات
(8)
والفقيهات والمؤلّفات والأديبات والشاعرات ، وغيرهن ، باعتبار أنّ كلّ واحدة منهنّ يمكن
أن تصبح قدوة في الدور الذي أدّته في الحياة .
وإلى جانب ذلك كلّه نذكر المجاهدات وصاحبات المواقف البطوليّة وإن كُنَّ اُمّيات لا
يقرأن ولا يكتبن ، فالحاضرات في واقعة الطف ، والمشاركات في ثورة العشرين العراقية ،
نعتبر كلّ واحدةٍ منهنّ عَلماً وصاحبة موقف بطولي يُقتدى به . الثانية : المقصود بالإيمان هو المعنى الخاص لا العام ، فنذكر مَن تيقناً أنّها مؤمنة أو غلب
الظنّ القوي على ذلك . الثالثة : بعض التراجم احتلّت مساحةً كبيرةً من هذا الكتاب ، والبعض الآخر لم تستوعب
ترجمتها سوى عدّة سطور رحمه الله وذلك ناشىَ عن المعلومات المتوفّرة لدينا عن المترجَم لها ، أو
حجم الدور الذي أدّته في الحياة . الرابعة : لم نجعل كتابنا هذا علميّاً جافّاً ، ولا ثقافياً سطحيّاً ، بل أمر بين أمرين . فجمعنا
بين الجانب العلمي الرزين ، حيث وقفنا على النقاط العلميّة التي تحتاج إلى وقفة وتأمّل .
وبين الجانب الثقافي العام ، فحاولنا قدر الامكان تبسيط لغة الكتاب والابتعاد عن استعمال
المصطلحات الغريبة .
وتعرّضنا أيضاً في أثناء سرد التراجم إلى ذكر نكاتٍ ثقافيّة ومعلومات اضافيّة ترتبط
بصاحبة الترجمة : إمّا بتعريف بسيط لوالدها أو زوجها ، وإمّا بتسليط بعض الأضواء على
واقعة معيّنة ، وإمّا بذكر بيت شعرٍ أو عدّة أبيات اقتضت الحاجة إليها .
كلّ ذلك من أجل أن نجعل مساحة الاستفادة من هذا الكتاب كبيرة ، خصوصاً لنساء
عصرنا ، فقد أخبرنا بعض الأخوة والأخوات بأنّهم استفادوا من المعلومات المدرجة فيه عند
كتابةِ مقالٍ مُعيّن يُنشر في الصحف والمجلاّت ، أو في تهيئة محاضرة تُلقى في بعض
المناسبات .
وأخيراً فإنّنا نؤكد بأنّ التراجم المذكورة في هذا الكتاب لا تُمثّل العدد الواقعي للنساء
المؤمنات اللواتي كان لهنّ مواقف في الحياة ، بل هذا ما تعرّفنا عليه وتوصّلنا إليه خلال
(9)
مطالعاتنا ومتابعاتنا القاصرة . فالرجاء من القرّاء الكرام أن لا يضنّوا علينا بأيّة ملاحظة أو
تصويب ، فالعصمة لله وحده ، والمرء قليل بنفسه كثير بأخيه ، والحمد لله ربّ العالمين .
محمّد الحسّون ـ اُم علي مشكور
23 محرّم 1418هـ
(10)
(11)
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله سابغ النعم ، واهب الحكم . والصلاة والسّلام على رسوله العَلَم الأعلم ، ذي
الخُلق المعظّم ، الذي شهدت بفضله ياسين والقلم ، سيّدنا ومولانا ، نبيّنا ومقتدانا
محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى آله كاشفي الظلم ، وهداة العرب والعجم ، وعلى صحبهم الأخيار
وتابعيهم من شتى الاُمم ، ولأعدائهم أسفل درك في جهنم .
وبعد ،
لقد حظيت المرأة المسلمة بمراتب عُليا في ظلّ دينها الحنيف ، فبيّضت بمواقفها
الصحائف ، وأعلنت شموخ شخصيتها ، من خلال أدوارها المشرّفة في كلّ مجال وحين .
فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد ، فالفقه والحديث ، والشعر والنثر ، والجهاد : إمّا بالحضور
في سوح المعارك ، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور .
ولكن ، للأسف لم يطّلع العالم ـ والمرأة خصوصاً ـ على هذه الأسرار ، حيث ضياؤها
مخفيّ في غور المكتبات ، وأسماء أعلام نساء الدين الحنيف مبعثرة في أوراق صارت
طعاماً للحشرات والآفات ، وذلك ناتج من عدم اهتمام المؤرخّين بالمرأة .
فعندما لاحظنا وتعرّفنا على مواقف المرأة في مختلف الأزمنة والعصور ، خطرتْ في بالنا
فكرة تأليف كتاب جامع لأكبر عدد ممكن من أعلام نساء الإيمان ذوات المواقف
المشهودة . فتوكلنا على الحيّ القيّوم ، وشرعنا بتأليف هذا الكتاب ، واستمر عملنا الدؤوب
(12)
في فترة تجاوزت الثلاث سنين ، وهو الآن بين يديك أيها القارىء الكريم ، فأملنا ورجاؤنا
الوحيد أن تُعطي للكتاب حقّه ، وتتّخذين أيتها الاُخت المؤمنه هذه النسوة قدوة لك واُسوة
حسنة رحمه الله لكي تنتهي إلى ما انتهت إليه تلك النساء من كمال ورفعة شأن وشموخ شخصيّة .
وكان منهجنا في تأليفه هو البحث عن كلّ كتاب يتعرّض لتراجم النساء ، صالحها
وطالحها ، مستقلة أو منضمّة إلى تراجم الرجال . والله يعلم ما حجم المعاناة التي كنّا نعانيها
في سبيل الحصول على هذه الكتب ، فكتاب من هذا الصديق ، وآخر من تلك المؤسسة أو
المركز العلمي ، وهكذا نسعى وراء كلّ كتاب نسمع به ، فجزى الله الذين أعارونا كتبهم
أحسن جزاء المحسنين .
وعند حصولنا على كتاب فيه تراجم نقوم بإستقرائه ، ونثّبت الصالح منه ، وأثناء ذلك
نتعّرف على كتب اُخرى فنسعى للحصول عليها ، ونثّبت ما نراه جيّداً منها ، وبذلك نكون قد
استقرأنا عدداً كبيراً من الكتب سجّلناها في آخر الكتاب في فهرس للمصادر ، وبعض
المصادر التي لم نحصل عليها كنّا ننقل عنها بالواسطة .
وبعد فترة من العمل الجاد والمثابر تجمّعت لدينا ترجمة أربعمائة امرأة تقريباً لهنّ دور
في المجتمع الإسلامي ، وتخيّرنا هنا بين أمرين : الأول : تقديم التراجم بعد أخذها من الموسوعات دون الرجوع إلى المصادر الرئيسية
التي اعتمد عليها مؤلفو هذه الموسوعات . الثاني : الرجوع إلى كلّ المصادر الرئيسية المعتمدة ، وجعل الموسوعات مجرد كشّاف
لمعرفة أكبر عدد ممكن من التراجم ، فأعلام النساء ، وأعيان الشيعة ، ومعجم رجال
الحديث ، وغيرها من الموسوعات تعتمد على مصادر رئيسية .
فاخترنا الأمر الثاني مع ما فيه من الصعوبة البالغة ، فكنّا نذهب إلى المكتبات أو نجلب
بعض الكتب إلى البيت من أجل التعرّف على صحّة ما هو موجود في الموسوعات ، وتثبيت
أرقام صفحات تلك المصادر ، وقد استغرقت هذه العمليّة وقتاً كبيراً . ونتيجة لذلك فقد
تعرّفنا على ما وقع فيه بعض المؤلّفين من أخطاء ، ونشير إلى بعضها على سبيل المثال لا
(13)
الحصر :
ففي معجم رجال الحديث نرى أنّ السيّد الخوئي حفظه الله ورعاه يذكر اُمي الصيرفي
ـ وهو راوٍ للحديث ـ في الجزء23 المختص بالنساء ، ويقول :
اُمي الصيرفي : روى الشيخ بسنده عن حنان عن اُمي الصيرفي أو بينه
وبينه رجل ، عن عبدالملك بن عمير القبطي . التهذيب : الجزء9 ، باب
ميراث أهل الملّة المختلفة ، الحديث1311 .
ثم قال : كذا في الطبعة القديمة على نسخة ، وفي نسخة اُخرى منها : حنان ،
عن أبي الصيرفي ، وهو الموافق لما رواه في الإستبصار الجزء4 ، باب انه
يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر ، الحديث715 ، وفيه : عبدالملك بن
عمر القبطي أيضاً ، والوافي والوسائل كما في هذه الطبعة من التهذيب (1) .
وعند مراجعتنا للمصادر نرى أنّ اُمي الصيرفي رجل وليس امرأة ، وقد اشتبه الأمر على
السيّد الخوئي حفظه الله ورعاه فحسبه امرأة وذكره في الجزء 23 المختص بذكر النساء . علماً
بأنّه ذكر اُمي الرواني في مكان آخر من معجمه ، قال :
اُمي الرواني : من أصحاب الصادق عليه السلام ، ذكره البرقي وقال : صيرفي كوفي ،
وفي كتاب سعد : مرادي (2) .
وفي أعيان الشيعة قال السيّد محسن الأمين :
شراجة الهمدانية : قد وقعت في طريق الصدوق رحمه الله في باب ما يجب من
التعزير والحدود في رواية شعيب العرقوفي ، عن أبي بصير ، وليس لها ذكر
في كتب الرجال (3) .
وعند مراجعتنا للفقيه نجد الرواية هكذا :
____________
1 ـ معجم رجال الحديث 23 : 182 ، رقم 15598 .
2 ـ معجم رجال الحديث 3 : 233 رقم 1537 .
3 ـ أعيان الشيعة 7 : 335 .
(14)
وخرج أمير المؤمنين عليه السلام بشراجة الهمدانية فكاد الناس يقتل بعضهم بعضاً
من الزحام ، فلمّا رأى ذلك أمر بردّها حتى خفّت الزحمة ، ثم اُخرجت وأغلق
الباب ، قال : فرموها حتى ماتت ، ثم أمر بالباب ففتح ، قال : فجعل مَن دخل
يلعنها . . . . . . (1)
ويتّضح من هذه الرواية أنّ شراجة الهمدانية امرأة زانية أقام الإمام علي عليه السلام عليها الحدّ ،
فاشتبه الأمر على السيّد الأمين فحسبها واقعة في طريق الصدوق ، وأوردها في كتابه
المختص بذكر سِير وتراجم أعيان الشيعة رجالاً ونساءً . علماً بأنّه يذكر عدداً كبيراً من النساء
وفي نهاية الترجمة يقول : ولا نعلم أنّها من شرط كتابنا ـ أي من الشيعة ـ وذكرناها لذكر
الشيخ لها .
وعند مراجعتنا لكتاب الرجال للشيخ الطوسي رحمه الله نرى أنّه لم يقتصر على ذكر ترجمة
الشيعة فقط ، بل حتى أنّه يذكر أسماءً عُرفت بعداوتها لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه ، إذاً
فمجرد ذكر الشيخ لأحد لا يستلزم كونه شيعياً ، إلاّ إذا دلّت قرائن اُخرى على ذلك .
وفي تراجم أعلام النساء قال مؤلّف الكتاب الشيخ محمّد حسين الأعلمي الحائري :
زرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الكوفية ، كانت ممن يُعين عليّاً يوم
صفين ، فقال عليه السلام لأصحابه : أيكم يحفظ كلام الزرقاء ؟
فقال القوم : كلنّا نحفظه يا أمير المؤمنين .
قال : فما تشيرون عليّ فيها ؟
قالوا : نشير عليك بقتلها .
قال : بئس ما أشرتم عليَّ به ، أيحسن بمثلي أن يتحدّث الناس أني قتلت
اُمرأة بعد ما ملكتُ وصار الأمر لي ، ثم دعا كاتبه في الليل فكتب إلى
عامله في الكوفة أن أوفد إليّ الزرقاء ابنة عدي مع ثقة من محرمها وعدّة
____________
1 ـ من لا يحضره الفيه 4 : 16 ، حديث 28 .
(15)
من فرسان قومها ، ومهّدها وطاءً ليناً واسترها بستر خصيف ، والتفصيل في
بلاغات النساء ص32 (1) .
وعند مراجعتنا لبلاغات النساء وغيره من المصادر الاُم وجدنا أنّ الشيخ الحائري وقع في
خطأ فظيع لايُغتفر ، إذ أنّ الكلام المتقدّم : ( أيكم يحفظ كلام الزرقاء . . . . . ) هو لمعاوية ابن
أبي سفيان وليس لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وهو واضح لأي قارىء متأمّل ، إذ كيف يشير
أصحاب علي عليه السلام ـ لو كان الكلام لعلي عليه السلام ـ بقتلها وقد نصرته في حرب صفين .
ولعلّ الحائري اشتبه عليه الأمر عندما قرأ عبارة ( أمير المؤمنين ) ، فتصوّرَ أنّ الكلام
للإمام علي عليه السلام ، وغاب عنه أنّ معاوية بن أبي سفيان يلقّب بهذا اللقب زوراً ، وهو أمير
الفاسقين لا غير .
وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه الشيخ الحائري ، فهناك أخطاء كثيرةً وزّلات
كبيرة في كتابه المذكور ، فمثلاً أخطأ عند ذكر « زوج سكينة » ، إضافة إلى أنّه ذكر تراجم
عدد من النساء الطالحات ، فنراه يذكر فريدة المغنية ويصفها بجودة الغناء ، ثم يذكر قرّة
العين ، تلك المرأة المنحرفة التي اتفق الجميع على لعنها والبراءة منها ، ويذكر أيضاً العجوز
المكّارة ، وكيف أنّها كانت تجيد المكر في سبيل إغراء الفتيات وايقاعهنّ في الرذيلة .
ونراه أيضاً يختار ترجمة الأيام الاُولى من حياة فضل الشاعرة ، ولا يتعرّض لسوء عاقبتها
وانحرافها ، وغير ذلك من التراجم التي كان الأولى عدم ذكرها .
ولا ندري ما غرض الشيخ الحائري من ذكر أمثال هذه التراجم ، أهو لتكبير حجم
الكتاب ؟ أو لكثرة عدد التراجم ؟ أو لأي شيء ؟ . ولا شك ولا ريب أنّ هكذا كتاب لا
فائدة فيه ، وبالأخص عند قراءة فتيات عصرنا له ، حيث إنّهنّ يتطّلعنَ لمعرفة المكانة السامية
للمرأة في الإسلام ، وما أدّته من أدوار بطوليّة ومشرّفة عَبرَ التأريخ الإسلامي .
ولم يكتف الشيخ الحائري بذلك ، بل صدّر كتابه بمقدمة أخذت من حجم الكتاب 189
____________
1 ـ تراجم أعلام النساء 2 : 118 .
(16)
صفحة ، تعرّض فيها لبعض ما يتعلّق بالمرأة كالحجاب ، والزواج والحث عليه ، وصفات
الزوجة ، والكفاءة ، وحقّ الزوجة والأولاد ، ثم أفرد باباً خاصاً تحت عنوان : « كيفية
المعاشرة والمجامعة مع النساء » ، وليته لم يكتب هذا الباب ولم يتعرض لهذا الموضوع ؛ لأنه ليس من شأنه ، ولمنافاته لغرض الكتاب .
فإن قلتَ : ألم يتعرّض غيره من العلماء لهذه المواضيع في كتب شتى معروفة لدى الكثير
من الناس ؟
قلنا : إنّهم تعرّضوا لذلك في كتب ترفيهية على شكل كشكول ، أو كتب كان الغرض
الأساسي منها هذه المواضيع ، لا كما فعله الشيخ الحائري ، فإن الغرض من كتابه ذكر تراجم
النساء . ولو أن فتاةً قرأت هذا العنوان « تراجم أعلام النساء » وأخذت هذا الكتاب وفتحته
فرأت فيه هذا الباب ، فما عساها أن تقول ؟ ! .
وفي رياحين الشريعة ذكر المحلاّتي ترجمة فضيلة الشاعرة نقلاً عن فوات الوفيات
لمحمّد بن شاكر الكتبي ، وقد أثنى عليها ، وذكر بعضاً من أشعارها ، وقال :
إنّها كانت شيعية ، لها اعتبار عند الخلفاء ، وكانت تتوسّط لأهل مذهبها
عندهم (1) .
وعند مراجعتنا لفوات الوفيات وجدنا أنّ اسم هذه الشاعرة « فضل » وليس « فضيلة » ،
ثم إنّ المحلاتي ذكر قسماً من ترجمتها من فوات الوفيات ولم يذكر الترجمة كاملة ، حيث
فيها :
وعشقت ـ فضل ـ سعد بن حميد ، وكان من أشد الناس نصباً وانحرافاً عن
آل البيت رضي الله عنهم ، وكانت فضل نهاية في التشيع ، فلمّا هوته انتقلت
إلى مذهبه ولم تزل على ذلك إلى أن توفّيت (2) .
فيتّضح من هذا سوء عاقبتها وانحرافها عن أهل البيت : علماً بأنّ اسم الكتاب « رياحين
____________
1 ـ رياحين الشريعة 5 : 38 .
2 ـ فوات الوفيات 3 : 185 رقم 393 .
(17)
الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة » ، فكان الأفضل عدم ذكرها . وعند مطالعة هذا
الكتاب نجد تراجماً كثيرة جداً لا ينطبق عليها هذا العنوان ، فهذه مغنّية ، وتلك جارية جميلة
عند العباسيين ، واُخرى شاعره مبدعه ووو . . . . ثم انّه عقد باباً خاصاً لذكر النساء الطالحات
والمعروفات بالفحشاء أمثال النابغة اُم عمرو بن العاص ، وهند ، وزوجة أبي لهب ،
وسجاح ، وفطام ، وامرأة لوط ، وغيرهنّ من النساء .
وفي أعلام النساء قال عمر رضا كحالة :
اُم علي بنت محمّد بن مكي العاملي الجزيني ، فقيهة فاضلة عابدة ، وكان
والدها المتوفى سنة 786هـ . يثني عليها ويأمر النساء بالرجوع اليها (1) .
وهذا خطأ واضح ، إذ أنّ اُم علي هي زوجة الشهيد الأوّل محمّد بن مكي الجزيني
العاملي وليست بنته ، وابنته هي اُم الحسن فاطمة المدعوة بست المشايخ ، وكانت فاضلة
صالحة عابدة ، تروي عن أبيها وعن ابن معيّة شيخ أبيها . علماً بأنّ كحالة قد ذكر اُم الحسن
بنت الشهيد الأوّل في موضع لاحق من كتابه (2) .
والغريب في الأمر أنّ الشيخ محمد رضا الحكيمي ذكر ترجمة اُم علي في كتابه أعيان
النساء (3) نقلاً عن كحالة في أعلام النساء ، ولم يكلّف نفسه ولو قليلاً بمراجعة ما اعتمد
كحالة في هذه الترجمة ، لذلك نراه يقع في عين الخطأ الذي وقع فيه كحالة ، علماً بأنّه قد
ذكر اُم الحسن ست المشايخ في صفحة لاحقة من كتابه (4) .
* * *
وبعملنا هذا نكون قد حصلنا على ترجمة أربعمائة امرأة مؤمنة لهنّ دور مشرّف في
المجتمع الإسلامي ، وفي هامش كلّ ترجمة أكبر عدد ممكن من المصادر التي توصّلنا
____________
1 ـ أعلام النساء 3 : 332 .
2 ـ أعلام النساء 4 : 139 .
3 ـ أعيان النساء : 335 .
4 ـ أعيان النساء : 510 .
(18)
إليها . واقتصرنا في بحثنا على مَن تَيَقَنّا أنّها مؤمنة أو غلب الظنّ على ذلك رحمه الله لأنّا لم نجد مَن
كتب بهذه الصورة ، إضافة إلى اعتقادنا بفائدة هكذا بحث وتأثيره في المجتمع ايجابياً ، لا
كمن كتب عن صالح النساء وطالحهنّ ، فهذه مغنّية مشهورة ، وتلك زانية معروفة ، واُخرى
فائقة في الجمال لا غير .
ولا ندّعي أنّنا قد حقّقنا كُلَ ما كنّا نصبوا إليه ، ولا يمثّل هذا العدد الذي ذكرناه ـ كمّاً
ونوعاً ـ حقيقة الأدوار البطولية التي أدّتها المرأة المؤمنة ، بل انّه يعكس لنا بعضاً من
المواقف المشرّفة التي وقفتها المرأة المؤمنة ، فحتماً هناك عدد كبير من التراجم التي لم
نتعرّف عليها ، لعلّنا نعرفها وننشرها في الطبعة الثانية لهذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
* * *
وقبل أن تتعرّف عزيزي القارىء على ما أوردناه من تراجم في هذا الكتاب ، لابدّ لك
من التعرّف على الأدوار التي مرّت بها المرأة ، سواء قبل الإسلام أو في عالمنا الحاضر .
ومن أجل أن تُجيب عن تلك التخرّصات والإفتراءات والأراجيف التي يطلقها أعداء
الإسلام اليوم ، وما يثيرونه من شُبهات حول حقوق المرأة في الإسلام ، ويدّعون بأنّ النظام
الإسلامي قد حرم المرأة من حقوقها ، وجعلها في سجن مفتاحه بيد الرجل ، وأنقصها
ميراثها ، وفرض عليها الحجاب ، ومنعها من التعلّم ، إذاً فالمرأة المسلمة مظلومة دون غيرها
من النساء .
ومن أجل أن نتعرّف على مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي ، وما أعطاها الإسلام من
حقوق وما فرض عليها من واجبات ، لابدّ من دراسة أحوال المرأة وحقوقها في المجتمعات
الاُخرى ، سواء تلك التي كانت قبل الإسلام ، أو التي نعاصرها الآن من مجتمعات غربية
وشرقية ، والتي تدّعي التحضّر والتمدّن . ثم نقارن بينها وبين ما أعطاه الإسلام للمرأة من
حقوق ، ونعرف مَن الذي بخسَ حقّها وظلمها وأنزلها إلى الحضيض وجعلها تبعاً للرجل ،
بل لعبة في يده يميل إليها متى جاع وينبذها نبذ النواة متى شبع .
(19)
حياة المرأة قبل الإسلام
نستطيع أن نُقسّم الاُمم التي سبقت الإسلام إلى : اُم م متمدّنة ، واُخرى غير متمدّنة .
ونقصد بالمتمدّنة : تلك التي تحكمها بعض الرسوم والعادات الموروثة ، كبلاد الصين
والهند ومصر وايران .
وغير المتمدّنة : هي المجتمعات الوحشيّة والهمجيّة التي لا ضابط لها في الحياة غير القوّة
والسطوة ، شأنهم في ذلك شأن الحيوان ، كبلاد أفريقيا واستراليا وأمريكا القديمة . وكانت
المرأة في المجتمعات المتمدّنة أفضل نوعاً ما من المجتمعات غير المتمدّنة .
الاُمم غير المتمدّنة :
حياة النساء في هذه الاُمم كحياة الحيوانات بالنسبة إلى الرجل ، فكما أنّ للرجل حقّاً في
امتلاك الحيوانات والاستفادة من لحمها وشعرها وصوفها وحليبها ، والركوب عليها وحمل
الأثقال من مكان إلى آخر ، وغيرها من التصرّفات المشروعة ، بل حتى غير المشروعة من
قتل وايذاء . كذلك كانت المرأة عندهم ، كانت حياتها تبعيّة لحياة الرجل ، وأنّها لم تُخلق
لذاتها بل خلقت لأجل الرجل ، ووجودها فرع لوجود الرجل ، ومكانتها مكانة الطفيلي
بالنسبة للرجل ، وليس لها من حقوق إلاّ ما رآه الرجل حقّاً له أوّلاً .
فكان لوليّها ـ الأب أو الزوج ـ أن يبيعها ، أو يهبها ، أو يقرضها للخدمة أو الفراش أو
الإستيلاد ، أو لأيّ غرض من أغراض الإقراض . بل كان له أن يسوسها حتى بالقتل ، أو
يتركها حتى تموت ، أو يذبحها ويأكل لحمها في المجاعات .
وفي مقابل هذا كلّه ما كان على المرأة إلاّ أن تطيع الرجل وتنفّذ أوامره ، فهي تقوم بأمر
البيت وتربية الأولاد ، وكل ما يحتاجه الرجل . بل كانت تقوم بأعمال شاقّة فوق قدرتها
وطاقتها ، فهي تحمل الأثقال ، وتعمل الطين وغيرها من الحرف والصناعات .
ولكلّ اُمّة من هذه الاُمم خصائل وخصائص وعادات وتقاليد وآداب وسنن خاصة بها ،
(20)
ورثتها من التي سبقتها ، نتعرّض لها قريباً إن شاء الله تعالى .
الاُمم المتمدّنة :
كانت المرأة في هذه الاُمم أرفه حالاً بالنسبة إليها من الاُمم غير المتدّنة ، فلم تقتل ولم
يؤكل لحمها ولم تستقرض ، وكان لها حقّ تملّك بعض الأموال من الإرث وغيره ، إلاّ أنّها
كانت تحت ولاية الرجل وقيمومته ، فلا استقلال لها ولا حريّة ، فلا تنجز عملاً إلاّ بعد
موافقة وليّها ، ولا تتدخل في شؤون الحياة أبداً ، بل كان عليها أن تختص ب اُم ور البيت
والأولاد ، وأن تطيع الرجل في كلّ ما يأمرها ، وتُمنع من أي معاشرة خارج منزلها ، وليس
لها أن تتزوّج بعد موت زوجها ، بل إمّا أن تُحرق معه ، أو تبقى ذليلة بعده ، أو يتزوجها
بعض محارمها .
وكان للرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، ويلحق الأولاد بأقوى
الأزواج . وفي أيام الحيض كان عليها أن تنفرد عن عائلتها بمأكلها ومشربها رحمه الله لأنّها نجسة
خبيثة . ولكلّ اُم ة من هذه الاُمم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع نتعرض لها
بإيجاز .
المرأة الآشوريّة :
ساد شرع حامورابي في المجتمع الآشوري ، فكانت القوانين التي تطبّق هي القوانين التي
وضعها حامورابي في لوحته المعروفة ، والتي منها تبعيّة المرأة للرجل ، وسقوط استقلالها
في الإرادة والعمل .
ومن السلبيات التي كانت سائدة آنذاك أنّ الزوجة إن لم تُطع زوجها ، أو استقلت بعمل
معيّن دون مشاورته ، كان يحقّ للرجل أن يخرجها من بيته ، أو يتزوّج عليها زوجة اُخرى ،
ويتعامل مع الاُولى معاملة ملك اليمين . بل انّ الزوجة إن أخطأت في تدبير شؤون المنزل
كان لزوجها أن يرفع أمرها إلى القاضي ، ثم يغرقها في الماء .
(21)
اذاً فالمرأة الآشورية كانت ملكاً للرجل ، لا فرق بينها وبين الحيوان ، فالرجل يمسكها
متى أراد ، ويطلّقها متى شاء . وله الحقّ في أن يحرمها من التملك ، وما عليها إلاّ تنفيذ أوامر
الرجل .
المرأة السومريّة :
لم تكن المرأة السومريّة أفضل من الآشوريّة ، بل كانت تُعامل معاملة فَضّة غليظة ، شأنها
شأن المـرأة في جميع الشعوب في تلك الأزمنة ولم تكن مكانتها أحسن من أخواتها في
البلاد المجـاورة ، فكانوا يعاملونها على أنّها تابعـة للرجل ، وما خلقت إلاّ لإسعاد الرجل .
المرأة الروميّة :
تعتبر الروم من أقدم الاُمم وضعاً للقوانين المدنيّة ، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في
حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ، ثم أخذوا في تكميله تدريجياً ، وهو يعطي للبيت نوع
استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولربّ البيت ـ وهو زوج المرأة وأبو أولادها ـ نوع
ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت ، كما كان هو يعبد مَن تقدّمه من آبائه السابقين عليه في
تأسيس البيت ، وكان له الإختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل
البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أنّ الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض .
وكانت النساء ـ نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت ـ أردأ حالاً من الرجال حتى
الأبناء التابعين محضاً لرب البيت ، فإنهنّ لم يكنّ أجزاء للاجتماع المدني ، فلا تسمع لهنّ
شكاية ، ولا تنفذ لهنّ معاملة ، ولا تصح منهنَّ في الاُم ور الإجتماعية مداخلة ، لكن الرجال
أعني الذكور من الأدعياء ـ فإن التبنّي وإلحاق الولد بغير أبي ه كان معمولاً شائعاً عندهم ،
وكذا في اليونان وايران والعرب ـ كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الإستقلال
باُمور الحياة مطلقاً لأنفسهم .
ولم يكنّ أجزاءً أصيلة في البيت ، بل كان أهل البيت هم الرجال ، وأما النساء فتبع ،
(22)
فكانت القرابة الإجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصة بما بين الرجال ، وأمّا
النساء فلا قرابة بينهن كالاُممع البنت ، والاُخت مع الاُخت ، ولا بينهن وبين الرجال
كالزوجين ، أو الاُممع الابن ، أو الاُخت مع الأخ ، أو البنت مع الأب . ولا توارث فيما لا
قرابة رسميّة ، نعم القرابة الطبيعية ـ وهي التي يوجبها الإتصال في الولادة ـ كانت موجودة
بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربّه لها .
وبالجملة ، كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود ، تابعة للرجل ، زمام حياتها وإرادتها بيد
ربّ البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج ، أو غيرهما .
يفعل بها ربّها ما يشاء ، ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها
للتمتع ، وربما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه منه كدَين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل
أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالإزدواج ، أو الكسب مع إذن وليها ،
لا بالإرث رحمه الله لأنّها كانت محرومة منه ، وبيد أبيها أو واحد من قومها تزويجها ، وبيد زوجها
تطليقها (1) .
وسادت في مجتمع الروم أيضاً مظاهر الفسق والفجور ، مما يدلّ على امتهان كرامة
المرأة وسلبها عفافها ، بل جعلها اُلعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته ، فكثرت الدعارة
والفحشاء ، وزيّنت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة إلى الفجور ، وأصبحت المسارح
مظاهر للخلاعة والتبرّج الممقوت ، وانتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد وبمرأى
من الناس . أمّا سرد المقالات الخليعة والقصص الماجنة فكان شغلاً مرضياً مقبولاً لا يتحرّج
منه أحد ، بل الأدب الذي كان يتلقاه الناس بالقبول هو الذي يُعبّر عنه اليوم بالأدب
المكشوف .
____________
1 ـ انظر : الميزان في تفسير القرآن 2 : 264 .
(23)
المرأة اليونانيّة :
في اليونان كان الأمر عندهم في تكوين البيوت وربوبيّة أربابها فيها قريباً من الوضع عند
الروم ، فقد كان الإجتماع المدني وكذا الإجتماع البيتي عندهم متقوّماً بالرجال ، والنساء تبع
لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال ، لكنّهم جميعاً
ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن
بالاستقلال ولا تحكم لهنّ بالتبع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تُعاقب بجميع
جرائمها بالإستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ، ولا يراعى جانبها إلاّ بالتبع وتحت ولاية الرجل .
اذاً كانت المرأة في عصر اليونانيين في غاية الإنحطاط وسوء الحال من حيث الأخلاق
والحقوق القانونية والسلوك الإجتماعية ، فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة أو مقام كريم ،
فهي تقضي وقتها في المنزل تغزل وتنسج وتخيط ثيابها وثياب زوجها وأطفالها ، وليس لها
من الثقافة شيئاً أبداً حيث كانت تمنع من الذهاب إلى المدارس .
المرأة الصينيّة :
كان المجتمع الصيني يعيش حالة فوضى ، فهو أقرب الى الوحوش من البشر ، لا
يضبطهم قانون ولا عادات ، والأبناء يعرفون اُمهاتهم دون آبائهم ، وكانوا يتزاوجون بدون
حشمة ولا حياء ، حتى ظهر الحكيم « فوه ـ سي » سنة 2736 قبل الميلاد ، ووضع لهم
القوانين وسنّ لهم الأنظمة .
إلاّ أنّ المرأة لم تحصل من هذه القوانين على حقّها ، بل حتى على درجة من الكرامة .
فاعتبرها القانون تابعة للرجل ، تنفّذ أوامره وتقضي حاجته ، ولا ميراث لها بل الميراث
للذكور فقط . والزواج بالمرأة يعتبر نوعاً من اشتراء نفسها ، ولا تشارك زوجها ولا أبناءها
الغذاء ، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها ، ويحقّ لمجموعة من الرجال أن يتزوّجوا امرأة
واحدة يشتركون في التمتع بها والأستفادة من أعمالها .