المرأة الهنديّة :
تعتبر بلاد الهند ذات حضارة عريقة تتصف بطابع العلم والتمدن والثقافة منذ القدم ، ومع ذلك كلّه نراهم يعاملون المرأة معاملة قاسية لا رحمة فيها . فالمرأة عندهم مملوكة ل أبي ها أو لزوجها أو لولدها الكبير ، محرومة من جميع الحقوق الملكية حتى الإرث ، وعليها أن ترضى بأي زوج يقدّمه أبوها أو أخوها ، وهي مرغمة أن تعيش معه إلى آخر حياته ، ولا يحقّ لها أن تطلب الطلاق مهما كانت الأعذار ، وفي أيام حيضها عليها أن تنفرد بمأكلها ومشربها ، ولا تخالط العائلة رحمه الله لأنها نجسة خبيثة .
إضافة الى هذا كلّه ، فإنّهم يحرقونها مع زوجها إذا مات ، فكان من عادتهم إذا مات رجل منهم يحرقونه بالنار ، ويأتون بزوجته ويلبسونها أفخر ثيابها وحليّها ويلقونها على جثة زوجها المحترقة لتأكلها النيران .
ويعتقد الهنود أيضاً أنّ المرأة هي مصدر الشر والإثم والانحطاط الروحي والخلقي .

المرأة المصريّة :
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، والمجتمع المصري يتميّز بطابع التمدن والرقي . إلاّ أنّ المرأة كانت تعيش الإضطهاد والحرمان ، وتعامل معاملة حقيرة شأنها شأن الخدم ، وللرجل أن يتزوّج باُخته ، فلا مانع من ذلك ولا رادع ، وكانوا يعتقدون أنّ المرأة لا تصلح لشيء إلاّ ل اُم ور المنزل وتربية الأولاد ، لذلك فهم لا يدعوها تخرج من البيت إلاّ لعبادة الآلهة .
ويعتقدون أنّ فيضان النيل ناتج عن غضبه عليهم ، لذلك يجب عليهم تقديم قرابين له في كلّ عام ، فيختارون أجمل فتاة عندهم ويلبسونها أفخر الملابس ويزيّنوها كأنها عروس ليلة زفافها ، ثم يلقونها في النيل في مراسم خاصة لئلا يفيض عليهم!!!
فكم أخذ النيل فتيات عرائس نتيجة للخرافات السائدة آنذاك ، وبسبب امتهان كرامة


(25)

المرأة وظلمها وحرمانها .

المرأة الفارسيّة :
لم تكن المرأة الفارسية أوفر حظّاً من صويحباتها الهنديات والمصريات ، فالمجتمع الفارسي القديم كان ينظر إلى المرأة نظرة احتقار وازدراء ، وهو يعاقبها لأي إساءة أو تقصير في حقّ زوجها .
يقول الدكتور محمود نجم آبادي في كتاب « الإسلام وتنظيم الاُسرة » : نلاحظ أنّ قوانين « زرادشت » كانت جائرة وظالمة بحقّ المرأة ، فإنّها كانت تعاقبها أشد عقوبة إذا صدر عنها أي خطأ أو هفوة ، بعكس الرجل فإنّها قد أطلقت له جميع الصلاحيات ، يسرح ويمرح وليس من رقيب عليه . فله مطلق الحرية رحمه الله لأنّه رجل ، ولكن الحساب والعقاب لا يكون إلاّ على المرأة .
ويقول أيضاً : كان أتباع « زرادشت » يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمّع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة كان لا مفرّ لها من الإنتحار ، وقد ظلّ هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد الساسانيين خفّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تسجن جزاء عدم إخلاصها أوّل مرّة ، حتى إذا كررت عملها صار لا مفرّ لها من الإنتحار .
ويقول أيضاً : بينما كان يحقّ للرجل من أتباع « زرداشت » أن يتزوّج من امرأة غير زرادشتيه ، فإنّه لم يكن يحقّ للمرأة أن تتزوّج من رجل غير زرداشتي ، وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الإضطهاد والحرمان . وأمّا الرجل فله الحريّة في التصرّف على هواه وهو المالك رحمه الله لأنّه رجل .

المرأة عند العرب الجاهلية :
يسكن العرب الجاهيلة في شبه الجزيرة العربية ، وهي منطقة جافة حارّة جدبة الأرض ، معظمهم قبائل بدويّة بعيدة عن الحضارة والمدنيّة . يعيشون بشنِ الغارات والسلب والنهب ،


(26)

ويتّصلون بإيران من جانب ، وبالروم من جانب ، وببلاد الحبشة من جانب آخر .
إذاً فحياتهم حياة قساوة وتوحّش فرضتها البيئة عليهم ، لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم ، وربما تجد عندهم بعض العادات الهنديّة والمصريّة والروميّة والإيرانيّة .
ولم يكن العرب ينظرون إلى المرأة نظرة تقدير واحترام ، ولم يعطوها درجة من الكرامة ، فهي فاقدة الإستقلال في حياتها ، تابعة ل أبي ها أو لزوجها ، لا يحقّ لها التصرّف بأي شيء إلاّ بموافقة وليّها ، ولا تملك شيئاً ولاترث ـ حتى لو كان من نتاج عملها ـ بل هي وما تملك لوليها . وليس لها المطالبة بأي شيء رحمه الله لأنّها لا تذود عن الحِمى في الحرب . وزواجها يرجع إلى أمر وليّها ، وليس لها حقّ الإعتراض ولا المشورة .
ويحقّ للولد أن يمنع أرملة أبي ه من الزواج ، بأن يضع عليها ثوبه ويرثها كما ورث أبي ه ، ويحقّ له أن يتزوّجها بغير مهر ، أو يزوّجها لمن يشاء ويأخذ مهرها . وبقيت هذه العادة سائدة عندهم حتى بُعث النبّي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحرّم الله هذا الزواج ، حيث إنّ كبشة بنت معن بن عاصم امرأة أبي قيس بن الأسلت انطلقت إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقالت له : إنّ أبا قيس قد هلك ، وإنّ ابنه من خيار الحمى قد خطبني ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم نزلت الآية الكريمة : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) (1) ، فهي أوّل امرأة حرمت على ابنزوجها .
روي عن ابن عباس أنّه قال :
إذا مات الرجل وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه فيمنعها من الناس ، فإن كانت جميلة تزوّجها ، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت . وظلّ هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) (2)




وكان العربي في الجاهلية يغتم ويضيق صدره إذا ولدت زوجته بنتاً ، بينما كان يفرح ويستبشر إذا جاءه ولد ، وأشار الله سبحانه إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى : ( واذا بُشّر أحدهم
____________
1 ـ النساء : 21 .
2 ـ تفسير الطبري 4 : 207 .

(27)

ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم ) (1) .
كانوا يعاملونها معاملة حقيرة حتى أنّهم جعلوا صفة الضعف والصغار والهوان ملازمة لها ، واستعملوا كلمة المرأة في الإستعارة والكناية والتشبيه ، بها يقرّع الجبان ، ويؤنّب الضعيف ، ويلام المخذول المستهان والمستذل المتظلم .
قال الشاعر زهير بن أبي سلمى يهجو حِصن بن حذيفة الفزاري :
وما أدري وليتَ إخال أدري * أقومٌ آل حصنٍ أم نساء (2)
وقد أكثر الشعراء في وصف حالهم وحال المرأة في ذلك العهد ، وعجزها عن العمل والمقاومة ، في حين أن البنين أقوى منهنّ ، ويتاح لهم ما لا يتاح لهنّ .
قال أحدهم :
وزادني رغبة في العيش معرفتي * ذلّ اليتيمـة يجفـوها ذوو الرحم
أخشى فظاظة عـمٍ أو جفـاء أخٍ * وكنتُ أبكـي عليها من أذى الكَلم
تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً * والموت أكـرم نزّال علـى الحرم
إذا تذكّرت بنتـي حيـن تندبنـي * فـاضت لعبرة بنتـي عبرتي بدم
ولعلّ أبرز مظاهر ظلم المرأة في الجاهلية هي مسألة وأد البنات ، تلك العادة القبيحة اللاإنسانية التي كانت واسعة الانتشار في تلك الأيام في الجزيرة العربية عند أهل البادية في الصحراء وفي بعض المدن المتحضّرة .
ويختلف سبب الوأد عند القبائل ، فمنهم من يَئد البنات غيرة على العرض ومخافة من لحوق العار رحمه الله لأنّهم أهل سطو وغزو ، وكانت الذراري تساق مع الغنائم ، ويؤخذ السبي فتكون بناتهم عند الأعداء ، وهذا منتهى الذل والعار .
قال أحد شعرائهم :
القبـر أخفـى سترة للبنات * ودفنها يروى من المكرمات

____________
1 ـ النحل : 58 .
2 ـ الكشّاف 4 : 367 ، الصحاح 5 : 2016 ، لسان العرب 1 : 504 « قوم » .

(28)

وكانت بنو تميم وكندة من أشهر القبائل تئد البنات خوفاً رحمه الله لمزيد الغيرة .
ومنهم من يئد البنات لا لغيرة أو خوف من عار ، بل إذا كانت مشوّهة أو بها عاهة ، مثلاً إذا كانت زرقاء أو سوداء أو برشاء أو كساح ، ويمسكون من البنات من كانت على غير تلك الصفات لكن مع ذلّ وعلى كره منهم .
ومنهم من يئد البنات خوف الفقر والفاقة رحمه الله لأنّ العرب يعيشون في أرض قاحلة لا كلأ فيها ولا ماء ، فتمرّ عليهم سنون شديدة قاسية ، فيضطرون لأكل العلهز ، وهو الوبر بالدم ، وذلك من شدةّ الجوع ، وإلى هذا أشار تعالى في قوله :
( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) (1) .

وقال عزّ وجل :
( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم وحرّموا ما رزقهم الله إفتراءً على الله قد ضلّوا وما كانوا مهتدين ) (2) .


وقال تعالى :
( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً ) (3) .


وأوّل من وأد بنته هو قيس بن عاصم ، في قصة معروفة يرويها لنا التأريخ ، وهي أنّ بني تميم منعوا الملك النعمان ضريبة الأتاوة التي كانت عليهم ، فجرّد عليهم النعمان أخاه الريان مع إحدى كتائبه ، وكان أكثر رجالها من بني بكر بن وائل ، فإستاق النعمان سبي ذراريهم ، فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر وكلموه في الذراري ، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء ، فأية امرأة اختارت زوجها ردّت إليه ، فشكروا له هذا الصنيع . وكانت من بين النساء بنت قيس بن عاصم ، فاختارت سابيها على زوجها ، فغضب
____________
1 ـ الأنعام : 151 .
2 ـ الأنعام : 140 .
3 ـ الإسراء : 31 .

(29)

قيس بن عاصم ونذر أن يدسّ كل بنت تولد له في التراب ، فوأد بضع عشرة بنتاً .
وقيل : إنّ أوّل قبيلة وأدت من العرب هي قبيلة ربيعة ، وذلك على ما يروى أنّ قوماً من الأعراب أغاروا على قبيلة ربيعة وسبوا بنتاً لأمير لهم ، فاستردّها بعد الصلح وبعد أن خيّروها بين أن ترجع إلى أبي ها أو تبقى عند مَن هي عنده من الأعداء فاختارت سابيها وآثرته على أبي ها ، عند ذلك غضب الأمير وسنّ لقومه قانون الوأد ، ففعلوا غيرة منهم وخوفاً من تكرار هذه الحادثة .
ومن خلال هذه القصة التي سنذكرها ، يتّضح لنا مدى فظاعة هذا العمل وشناعته ، وقساوة قلوب القائمين به وخلوّها من الرحمة والرأفة والشفقة :
روي أنّ رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان مغتماً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « مالك تكون محزوناً ؟ »
فقال : يا رسول الله ، إنّي أذنبت ذنباً في الجاهلية فأخاف ألاّ يغفره الله لي وإن أسلمت .
فقال له : « أخبرني عن ذنبك ؟ » .
فقال : يا رسول الله ، إني كنتُ من الّذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت ، فتشفّعت إليّ امرأتي أن أتركها ، فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء ، فخطبوها فدخلتني الحميّة ، ولم يحتمل قلبي أن اُزوّجها ، أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة : إني اُريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرَّت بذلك وزيّنتها بالثياب والحلي ، وأخذت علي المواثيق بألاّ أخونها .
فذهبتُ إلى رأس بئر فنظرتُ في البئر ، ففطنت الجارية أني اُريد أن اُلقيها في البئر ، فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت ماذا تريد أن تفعل بي ؟ فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت عليّ الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أَبت لا تظيع أمانة اُمي ، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت قتلتني ، ومكثت هناك حتى انقطع صوتها ، فرجعت .
فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، وقال : « لو اُم رت أن اُعاقب أحداً بما فعل في


(30)

الجاهلية لعاقبتك » .
وفي بعض كتب التأريخ أنّ العرب كانوا يحفرون حفرة ، فإذا ولدت الحامل بنتاً ولم يشأ أهلها الإحتفاظ بها رموها في تلك الحفرة ، أو أنهّم كانوا يقولون لل اُم بأن تهيء ابنتها للوأد وذلك بتطييبها وتزيينها ، فإذا زيّنت وطيّبت أخذها أبوها إلى حفرة يكون قد احتفرها فيدفعها ويهيل عليها التراب حتى تستوي الحفرة في الأرض .

المرأة في الحضارة الغربيّة والشرقيّة
عرفنا فيما سبق حالة المرأة في المجتمعات التي سبقت الإسلام ، وكيف أنّهم كانوا يعاملونها معاملة مزرية ، وينظرون إليها نظرة تبعيّة ، ويحرمونها من أبسط حقوقها .
أمّا المرأة العصرية ، والتي تسير تحت ظلّ الحضارة الغربيّة أو الشرقيّة ، فإنّها لم تصبح أحسن حالاً من تلك التي عاشت في العصور السابقة ، مع فارق الأساليب .
فهي تعيش في مجتمع يدّعي الحضارة والمساواة ، ويدّعي أنّه ضمن للمرأة كلَ ما تحتاجه من حقوق ، والواقع عكس ذلك تماماً . فإن كانت المجتمعات السابقة تنظر للمرأة نظرة تبعيّة محضة ، فاليوم يسيطر الرجل على المرأة ، وينال منها ما يريد بإسم الحريّة والمساواة .
فالمجتمع الغربي والشرقي يعيش أقصى درجات الإنحطاط والتمتّع والفساد ، وخير دليل على ذلك شهادة زعيمي الشرق والغرب :
يقول كندي :
إنّ الشباب الأمريكي مائع منحل منحرف غارق في الشهوات ، وإنّه من بين كلّ سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين بسبب انهماكهم في الشهوات ، واُنذر بأن هذا الشباب خطر على مستقبل أمريكا .




وقال خروشوف :
إنّ الشباب الشيوعي قد بدأ ينحرف ويفسده الترف .



(31)

إذاً فالمجتمع الغربي والشرقي يعيش اليوم حياةً بعيدةً عن القيم والأخلاق ، فهمُّ كلّ فرد منهم سدّ حاجته ، لذلك نراهم يلهثون وراء لقمة العيش وبأي اُسلوب كان .
ومن الطبيعي أن تجري المرأة هذا الجريان في حياتها ، حيث انعدام الروابط العائليّة ، فما أن تبلغ البنت سن الرابعة عشر حتى يتوجّب عليها أن تسعى وراء سد حاجاتها ، والحصول على ما يكفل لها ذلك .
فالمرأة في الجتمع الغربي والشرقي وإن حصلت على بعض الحقوق من جانب معيّن ، إلاّ أنّها فقدت كرامتها وشرفها وعزّها من جانب آخر . فالرجل لا ينظر لها إلاّ نظرة تبعيّة ، يسخّرها لما تقتضيه مصلحته ، فينال منها ما يريد لسدّ جوعه الجنسي ، وينبذها عند شبعه ، يجعلها مادة للدعاية المحضة ، يجعل صورتها على كلّ بضاعة بائرة : على الملابس ، السكاير ، قناني المشروبات ، معجون الأسنان ، وحتى على الأحذية ، وغيرها من السِلع .
وأصبح من المحتّم عليها أن تسعى وراء لقمة العيش بأيّ عمل كان ، حتى أنّها تبيع شرفها وكرامتها مقابل ذلك ، ففي إحدى التقارير المرفوعة سابقاً إلى البرلمان البريطاني :
إنّ كثيراً من الزانيات في لندن لسن من المحترفات المتفرّغات لهذه المهنة ، وإنما هنّ من صغار الموظفات ومن طالبات الجامعات أو من المعاهد ، اللواتي يمارسن البغاء إلى جانب أعمالهن ليحصلن على دخل إضافي يمكّنهن من الإنفاق عن سعة على الثياب المغرية وعلى مستحضرات التجميل .
لذلك شاع الفساد والانحلال في هذه المجتمعات ، فهم لا ينظرون إلى المرأة إلاّ أنها اُلعوبة في أيديهمم يتمتّعون بها متى شاؤا . وقلّت نسبة الزواج الشرعي هناك ، فقد جاء في مقال نشرته إحدى الصحف الألمانية : إنّ الأولاد الصغار بين 14 ـ 16 سنة الّذين يتأهلون للعمل يقولون حينما يبحث أمر الزواج أمامهم : أنا أتزوّج ؟ لماذا ؟ ! إنني أستطيع الحصول من أي فتاة في العمل على كلّ ما اُريد دون أن أتزوّجها .
وفي بعض الإحصائيات الصادرة عام 1966م في بريطانيا : إنّ واحدة من كلّ خمس من الإنكليزيات اللواتي تجاوزن سن الخامسة عشر لا تزال عذراء ، ويتوقّع علماء الإجتماع في


(32)

سنة 1967م أن تفقد العذرية معناها في انكلترا .
وأصبحت الفتاة عندهم لا تعبأ إن سلب شرفها واُعتدي على كرامتها ، بقدر ما يهمها الجانب المادي الذي سيطر على الحياة اليوميّة تماماً . ففي ألمانيا الغربية اعتدى اثنى عشر شاباً في يوم واحد على بنت عمرها 14 سنة ، وبعد انتهاء عملية الإغتصاب توجّهت هذه الفتاة إلى الشرطة لتخبرهم بفقدان محفظتها!!!
وكنتيجة طبيعية لهذا المسلك كثرت الجرائم والاعتداءات وأصبحت شيئاً مألوفاً عندهم ، ففي ألمانيا الغربية لا يمر يوم واحد دون أن تُقترف جريمة غصب واعتداء .
بل وأصبح الشذوذ الجنسي عندهم عملاً مقبولاً ، لا معارض له ، ففي اتلانتا بولاية جورجيا الأمريكية يوجد نادي تنتشر فروعه في كبريات المدن الألمانية ، وهو يدير عمليات تعارف غير مشروعة بين أعضائه من الرجال والنساء ، كما تتم عن طريقه عمليات تبادل مؤقت للزوجات .
أما بريطانيا فتنغمس في الفجور إلى حدود مذهلة ، حتى أنّ الدعوة إلى إباحة الشذوذ الجنسي بين الرجال استطاعت أن تظفر بالاباحة في مجلسي اللوردات والنوّاب ، وبارك هذه الاباحة معظم الشعب الإنكليزي وعلى رأسه أساتذة الجامعات والأطباء والمفكّرون ، بل وحتى رجال الكنيسة!
وما ذكرناه من معلومات واحصائيات فهي قليلة جدّاً وقديمة نشرت قبل عشرين عاماً تقريباً ، فما ظنّك بما يحصل اليوم ، وقد تطوّرت الأساليب والطرق بشكل كبير جداً .
ومن هذا يتضح جليّاً أمام كلّ منصفٍ وواعٍ مدى الإنحطاط الذي وصلت إليه المرأة عندهم ، فكرامتها مسلوبة وشرفها مباع ، وهي تعيش في الرذيلة بما لهذه الكلمة من معنى .
والتحدّث عن هذا الجانب واستيعابه يحتاج إلى وقت كبير ، ولا تكفيه هذه المقدّمة المختصرة ، وقد كتب عن هذا الموضوع الكثير من علمائنا ومفكرينا ، فمن شاء الإطلاع أكثر فعليه بتلك الكتب .


(33)

المرأة في النظام الإسلامي
لقد عرفنا في ما سبق من البحث حالة المرأة في الاُم م الغابرة ، وحالتها في يومنا هذا عند مَن يدّعي التقدّم والحضارة . وعرفنا كيف أنّ الشعوب التي سبقت الإسلام كانت تعامل المرأة معاملة ذلّ وهوان وتبعيّة واضطهاد ، فبعضهم يعتبرها سلعة تباع وتشترى ، وليس لها حقّ الإعتراض على أي شيء ، والبعض الآخر ينظر إليها نظرة احتقار وازدراء ، وبعضهم يجعلها رجس من عمل الشيطان ومصدر كل ذنب وخطيئة ، ومادة الإثم وعنوان الإنحطاط .
وهكذا بقيت المرأة حائرة ضائعة لا تدري ما تفعل ، ولا تجد مَن يساعدها في محنتها ، ولا ترى أمامها إلاّ طرقاً مغلّقة محاطة بالقيود التعسفية .
وأمّا المرأة العصريّة التي تعيش في الغرب أو الشرق أو البلدان التابعة لها ثقافياً ، فقد عرفناها اُلعوبة بيد الرجل ، ومادة للدعاية المحضة . يطلبها الرجل لسدّ حاجته ، وينبذها نبذ النواة عند شبعه ، يضع صورتها على كلّ سلعة غير رائجة ، حتى أنّه امتهن كرامتها ووضع صورتها على الأحذية . نراها تلهث وراء لقمة العيش ، وتبيع كرامتها وشرفها في سبيل حفنة من النقود .
أمّا الإسلام ـ وهو الدين الحنيف الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيّه محمّد صلى الله عليه وآله ـ فقد أعزّ المرأة وانتشلها من حضيض الذل ومرارة الحرمان ، وجعل لها المكانة العليا في المجتمع ، وساوى بينها وبين الرجل في أكثر المجالات .
ونستطيع أن نقول وبكلّ جزم : إنَّ الشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي منحت المرأة الكثير من الحقوق ، وحباها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بفيض من الرعاية والعناية واللطف ، ووضعها في المكان اللائق بها . فشخصيتها تساوي شخصية الرجل في حريّة الإرادة والعمل ، ولا تفارق حالها حال الرجل إلاّ في ما تقتضيه صفتها الروحيّة الخاصة بها المخالفة لصفة الرجل الروحيّة .
قال العلاّمة الطباطبائي في ميزانه : وأمّا الإسلام فقد أبدع في حقّها أمراً ما كانت تعرفه


(34)

الدنيا منذ قطن بها قاطنوها ، وخالفهم جميعاً في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أوّل يوم وأعفت آثارها ، وألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويّتها إعتقاداً ، وما كانت تسير فيها سيرتها عملاً .

أما هويتها :
فإنّه بيّن أنّ المرأة كالرجل إنسان ، وأنّ كلّ إنسان ذكراً أو اُنثى فإنّه إنسان يشترك في مادتّه وعنصره إنسانان ذكر واُنثى ، ولا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتقوى ، قال تعالى :
( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1) .



فجعل تعالى كلّ إنسان مأخوذاً مؤلفاً من إنسانين ذكر واُنثى ، هما معاً وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده ، وهو سواء كان ذكراً أو اُنثى مجموع المادة المأخوذ منهما ، ولم يقل تعالى مثل ما قاله القائل :
وإنّما اُم هات الناس أوعية
ولا قال مثل ما قاله الآخر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
بل جعل تعالى كلاً مخلوقاً مؤلّفاً من كلّ ، فعاد الكلّ أمثالاً ، ولا بيان أتم ولا أبلغ من هذا البيان ، ثم جعل الفضل في التقوى .
وقال تعالى :
( إنّي لا اُضيع عمل عامل منكم من ذكر واُنثى بعضكم من بعض ) (2) .


فصرّح أن السعي غير خائب والعمل غير مضيع عند الله ، وعلل ذلك بقوله : ( بعضكم من بعض ) فعبرّ صريحاً بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة : ( إنّا خلقناكم من ذكر واُنثى ) ،
____________
1 ـ الحجرات : 13 .
2 ـ آل عمران : 195 .

(35)

وهو أنّ الرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد من غير فرق في الأصل والسنخ .
ثم يبينّ أنّ عمل كلّ واحدٍ من هذين الصنفين غير مضيّع عند الله ، لا يبطل في نفسه ولا يعدوه إلى غيره ( كلّ نفس بما كسبت رهينة ) (1) .
وإذا كان لكلّ منهما ما عمل ، ولا كرامة إلاّ بالتقوى ، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته ، والعلم النافع ، والعقل الرزين ، والخلق الحسن ، والصبر والحلم . فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان ، أو المليئة علماً ، أو الرزينة عقلاً ، أو الحسنة خلقاً ، أكرم ذاتاً وأسمى درجة ممنّ لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام كان مَن كان ، فلا كرامة إلاّ بالتقوى والفضيلة .
وفي معنى الآية السابقة وأوضح منها قوله تعالى :
( مَن عمل صالحاً من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانو يعملون ) (2) .


وقوله تعالى :
( ومَن عمل صالحاً من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فاُولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ) (3) .


وقوله تعالى :
( ومَن يعمل من الصالحات من ذكر أو اُنثى وهو مؤمن فاُولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً ) (4) .



وقد ذمّ الله سبحانه الإستهانة بأمر البنات بمثل قوله وهو من أبلغ الذم :
( واذا بُشّر أحدهم بالاُنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما

____________
1 ـ المدّثّر : 38 .
2 ـ النحل : 97 .
3 ـ المؤمن : 40 .
4 ـ النساء : 124 .

(36)

بُشّر به أيمسكه على هون أميدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (1) .


ولم يكن تواريهم إلاّ لعدّهم ولادتها عاراً على المولود له ، وعمدة ذلك أنّهم يتصوّرون أنّها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتّع بها ، وذلك نوع من غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن ، فيعود عاره إلى بيتها و أبي ها .
وقد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم ، ولم يغسل رينها من قلوبهم المربّون ، فتراهم يعدّون الزنا عاراً لازماً على المرأة وبيتها وإن تابت دون الزاني وإن أصرّ ، مع أنّ الإسلام قد جمع العار والقبح كلّه في المعصية ، والزاني والزانية سواء فيها .

وأما وزنها الإجتماعي :
فإنّ الإسلام ساوى بينها وبين الرجل من حيث تدبير شؤون الحياة بالإرادة والعمل ، فإنّهما متساويان من حيث تعلّق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل والشرب وغيرهما من لوازم البقاء ، وقد قال تعالى : ( بعضكم من بعض ) (2) ، فلها أن تستقل بالإرادة ، ولها أن تستقل بالعمل وتمتلك نتاجها كما للرجل ذلك من غير فرق ، ( لها ما كسبت وعليها ما أكتسبت ) (3) .
فهما سواء فيما يراه الإسلام ويحقّه القرآن ، والله يحقّ الحقّ بكلماته ، غير أنّه قررّ فيها خصلتين ميّزها بهما الصنع الإلهي :
إحداهما : أنهّا بمنزلة الحرث في تكوّن النوع ونمائه ، فعليها يعتمد النوع في بقائه ، فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث ، وتمتاز بذلك عن الرجل .
الثانية : أنّ وجودها مبنيّ على لطافة البنية ورقة الشعور ، ولذلك أيضاً تأثير في أحوالها والوظائف الإجتماعية المحوّلة إليها .
____________
1 ـ النحل : 59 .
2 ـ آل عمران : 195 .
3 ـ البقرة : 286 .

(37)

فهذا وزنها الإجتماعي ، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع ، وإليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما وما يختص به أحدهما في الإسلام ، قال تعالى :
( ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما أكتسبوا وللنساء نصيب مما أكتسبن وسئلوا الله من فضله إنّ الله كان بكل شيء عليماً ) (1) .



يريد أنّ الأعمال التي يهديها كلّ من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به من الفضل ، وأنّ من هذا الفضل ما تعيّن لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث ، وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها ، فلا ينبغي أن يتمناه متمن .
ومنه ما لم يتعيّن إلاّ بعمل العامل كائناً مَن كان ، كفضل الإيمان والعلم والتقوى وسائر الفضائل التي يستحسنها الدين ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) (2) ( وسئلوا الله من فضله ) (3) والدليل على هذا الذي ذكرناه قوله تعالى بعده : ( الرجال قوّامون ) (4) .

وأمّا الأحكام المشتركة والمختصة :
فهي تشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية والحقوق الإجتماعية ، فلها أن تستقل فيما يستقل به الرجل من غير فرق من إرث ولا كسب ولا معاملة ، ولا تعليم وتعلم ولا اقتناء حقّ ولا دفاع عن حقّ ، وغير ذلك ، إلاّ في موارد يقتضي طباعها ذلك .
وعمدة هذه الموارد : أنهّا لا تتولّى الحكومة والقضاء ، ولا تتولّى القتال بمعنى المقارعة ، لا مطلق الحضور والإعانة على الاُم ور كمداواة الجرحى مثلاً ، ولها نصف سهم الرجل في الإرث .
وعليها الحجاب وستر مواضع الزينة ، وعليها أن تُطيع زوجها فيما يرجع إلى التمتع منها .
____________
1 ـ النساء : 32 .
2 ـ الجمعة : 4 .
3 ـ النساء : 32 .
4 ـ النساء : 34 .