الصفحة 1

رسالة من الشيخ محمّد الحسّون
للعميد الركن المتقاعد الدكتور صبحي ناظم توفيق

ملاحظات على مقالته «واقعة خان النصّ في شباط 1977»


بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

جناب العميد الركن المتقاعد الدكتور صبحي ناظم توفيق.

سلام عليكم؛

اطّلعتُ مؤخّراً على مقالتكم التي كانت بعنوان «واقعة خان النصّ في شباط 1977»، التي كتبتَها في 28 حزيران 2020، ونشرها موقع مجلّة «الگاردينيا»، وها أنا أضع أمامكم عدّة ملاحظات، غابَت عنكم والتبس الأمر عليكم فيها، فأنكرتم وقوع عدّة أحداث قطعيّة يقينيّة، شاهدها الآلاف ـ ومنهم كاتب هذه الأسطر ـ وما كان إنكاركم لها إلّا لعدم مشاهدتكم لها، وعدم المشاهدة لا تعني بالضرورة عدم وجود الشيء أو وقوعه:

أوّلاً:

أنا أشكركم كثيراً على هذه المقالة، التي سلّطتم الضوءَ فيها على حَدثٍ تاريخيّ مهم، وفضيحة من فضائح الحكم البائد للبعثيّين، إذ بيّنتم ظلامةً من ظلامات الشعب العراقيّ عموماً، وأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

خصوصاً، وما لاقاه الشباب الحسينيّ على يد الجلّادين البعثيّين.

ثانياً:

قبل أن اُبيّن الخطأ والالتباس الذي وقعتم فيه، لابدّ من بيان مختصر لما حدثَ سنة

1397هـ = 1977م من انتفاضة شعبيّة جماهيريّة حسينيّة، قام بها الشباب الحسينيّ النجفيّ آنذاك، فأقول:

اعتاد أهالي النجف الأشرف الكرام، والمدن المجاورة لهم، الخروج كلّ عام مشياً على الأقدام، لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في العشرين من صفر، التي تعبّر عنها بـ «زيارة الأربعين».

وفي سنة 1977م أبلغت السلطة البعثيّة الجماهيرَ الحسينيّة بمنعها من المسير مشياً على الأقدام


الصفحة 2

للزيارة، إلّا أنّ الشباب الحسينيّ النجفيّ تحدّى السلطة وخرج للزيارة صباح يوم الجمعة 4 شباط = 15 صفر، وتوجّه إلى طريق النجف ـ كربلاء، وباتوا ليلتهم الاُولى في «خان الربع».

وصباح يوم السبت 5 شباط أكملوا مسيرتهم وباتوا في «خان النصّ»، وحاولت السلطة إرجاعهم فلم يرجعوا.

وصباح الأحد 6 شباط خرجوا من «خان النصّ» متوجّهين إلى «خان النخيلة»، فتعرّض لهم رجال الأمن والاستخبارات وأطلقوا الرصاص عليهم، ممّا أدّى إلى استشهاد امرأة وصبيّ عمره 14 سنة وهو الشهيد عبد الأمير المياليّ، واستمرت المسيرة وباتوا ليلتهم تلك في «خان النخيلة».

وصباح يوم الاثنين 7 شباط ، قامت مجموعة من رجال الجيش بمحاصرة الشباب الحسينيّ، وكان معهم عدد كبير من الدبابات والمدرعات والسيارات المصفحة، وحلّقت طائرتان حربيّتان فوق «خان النخلية» بمستوى منخفض، واخترقت حاجز الصوت، مُحدثة صوت انفجار كبير، وتمّ اعتقال عدد كبير من الزائرين، كما صرّح بذلك الدكتور عزّت مصطفى في تقريره عن هذه الاحداث(1).

إلّا أنّ قسماً من الزائرين سلكوا الطريق الزراعيّ، واستطاعوا الوصول إلى كربلاء المقدّسة، وعند دخولهم حرم الإمام الحسين (عليه السلام) كانت قوات الأمن في انتظارهم واعتقلت الكثير منهم.

والذين تمّ اعتقالهم في «خان النخيلة» ـ وأنا كنتُ منهم ـ اُودعوا في سجن رقم واحد في معسكر الرشيد ببغداد، وتعرّضوا لشتّى أنواع التعذيب.

وفي يوم 23 شباط، شكّل مجلس قيادة الثورة محكمةً صوريّة برئاسة الدكتور عزّت مصطفى، وعضويّة حسن عليّ وفليّح حسن الجاسم، وفي نفس هذا اليوم اُجريت محاكمة صوريّة للشباب الحسينيّ، وصَدرت الأحكام باعدام سبعة أشخاص والسجن المؤبّد لخمسة عشر آخرين والإفراج عن الباقين.

وقامت السلطة البعثيّة أيضاً باعتقال الشهيد السيد محمّد باقر الصدر ثمّ أفرجت عنه، واعتقال الشهيد السيّد محمّد باقر الحكيم والحكم عليه بالسجن المؤبّد دون عرضه على أيّ محكمة.

ثالثاً:

في مقالتكم هذه وتحت عنوان «تصحيحات لابدّ منها» قلتم: «لم اُشاهد أيّ تحليق لطائرة ميك 23 ولا سواها... ولا حقيقة لتدخّل أيّة وحدة تتبع لواء الحرس الجمهوريّ وأيّة كتائب دبابات... ولم نعتقل أحداً أو نحجز شخصاً أو نداهم مسكناً أو نفتّش سيارة، لا في ذكرى الأربعين ولا بعدها».

____________

(1) انظر: وثائق لجنة تاريخ حزب البعث، الملفة 261، تقرير عزّت مصطفى، ورقة 5.


الصفحة 3

أقول: ذكرتُ لكم قبل عدّة أسطر من مقالتي هذه: أنّ إطلاق الرصاص على الزائرين حدَثَ يوم الأحد 6 شباط، وتحليق الطائرتين فوق رؤوس الشباب الحسينيّ في «خان النخيلة» ومحاصرتهم من قبل الجيش والمدرعات والدبابات، واعتقال الكثير منهم، حصلَ يوم الاثنين 7 شباط.

وأنت وجيشك ـ يا سيادة العميد الركن ـ جئتَ وحاصرتَ كربلاء المقدّسة ابتداءً من

يوم 9 شباط = 20 صفر ولغاية أواسط آذار، أي أنتم وصلتم كربلاء المقدّسة بعد يومين من قيام السلطة ـ مستعينة بالجيش والدبابات ـ بمهاجمة الشباب الزائر واعتقالهم الكثير منهم.

نعم، أنت لم تُشاهد الطائرتين، ولا الدبّابات والمدرّعات، ولم تَقم باعتقال أحدٍ، لكن هذا لا يعني عدم حصول كلّ ذلك.

وكلامك في مقالتك هذه، يُوحي للقارئ عدم توجّه وحدات عسكريّة إلى «خان النخيلة»، وعدم تحليق الطائرات فوق رؤوس زوّار الإمام الحسين (عليه السلام)، بل وعدم اعتقالهم وتعذيبهم.

وأنا أستبعد جداً عدم سماعك لقرارات المحكمة الجائرة، التي اُذيعت في وسائل الإعلام العراقيّة آنذاك: المسموعة والمرئيّة والمكتوبة، التي حَكمت على الشباب الحسينيّ بالإعدام والسجن المؤبّد؛ بسبب توجههم لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام).

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا لبيان الحقائق، والدفاع عن الشعب العراقيّ المظلوم، الذي عانى الأمرّتي من سلطة البعث الغاشمة المجرمة، والحمد لله أوّلاً وآخراً.



محمّد الحسّون                  

16 رجب 1442هـ = 28/2/2021       

الصفحة على الإنترنيت: www.alhasun.com 

البريد الإلكتروني: muhammad@aqaed.com