من أسواق النجف القديمة
سوق التجّار = عگد (زقاق) الحْمِير

عُرفت مدينة النجف الأشرف بأسواقها القديمة المهمّة، التي تُنسب أكثرها إلى طبيعة الحرفة التي يمارسها أصحاب محلّات ذلك السوق، مثل سوق: القصّابين، والمسابگ، والصبابيغ، والغزل، والصاغة، والتنگجيّة، وأبو الريحة، والعبابجيّة، وأهل العگل.

وكانت مدينة النجف الأشرف تُعتبر ثالث مدينة تجاريّة في العراق، بعد بغداد والبصرة.

وسوق التجّار، واسمه القديم (عگد الحمير)، من أهم أسواق هذه المدينة؛ إذ كان يزوّد المدن المجاورة بأنواع البضائع والسلع، مثل: الكوفة، وغمّاس، والشاميّة، والمشخاب، وغيرها.

وإنّما سمّي بـ (عگد الحمير) بسبب مرابطة البغال والحمير ـ وهي وسيلة النقل الشائعة آنذاك ـ الواقفة عرضاً على طول السوق، كي تقوم بنقل السلع إلى المدن المجاورة، وأخيراً غُيّر اسم هذا السوق إلى (سوق التجّار).

ومن النكت الأدبيّة التي ورد فيها اسم هذا السوق، ممازحة الشيخ محمّد علي اليعقوبيّ للسيّد خضر القزويني ـ والد المغنّي ياس ـ وكانت دار الأخير فيه، إذ قال اليعقوبي:
سألتُ عن خِضْرٍ وعن دارهفقالت الناسُ بسوقِ الحمير
فخفتُ أن أمضي إليه وأنيتحفني في طبقٍ من شعير

فأجابه السيّد خضر:
يا سائلاً عن دارِ خضرٍ ولميقل لكَ الناس بسوق الكبير
رأتْكَ أهلاً للّذي خفتَهُلذا أجابتك بسوقِ الحمير

ولازلتُ أتذكّر جيّداً ذلك السوق وأهله الكرام؛ لأنّي عشتُ طفولتي وأوّل أيام شبابي في هذا السوق مع والدي، الذي كان له محلّ كبير لبيع المواد الغذائية جملةً، يعبّر عنه بـ (الخان).

ينقسم هذا السوق إلى: شمالي وجنوبي، يتوسطه شارع الإمام الصادق(عليه السلام)، وكلامي هنا عن


الصفحة 2

القسم الجنوبي منه.

وقبل أن تدخل إلى السوق، وعلى يدك اليمنى تواجهك (مكتبة النور) للسيّد فاضل زوين، وأوّل محلّ داخل السوق هو محل باسم مرزة لبيع القرطاسيّة، ثمّ محل حاج محيي الدين التنگجي الذي خلّفه بعد وفاته ولده حمّودي.

ثمّ يأتي خان الحاج عبد الزهرة فخر الدين وأولاده الكرام، ثمّ تحوّل هذا الخان الكبير إلى فندق البحرين، الدخول إليه من باب مجاورة للشركة الأفريقية والاُورزديباك إمام الصحن المبارك. والحاج عبد الزهرة فخر الدين من كبار الشخصيات التجارية والاجتماعية في النجف الأشرف، كان يرتدي (الكشيدة)، ومن أولاده الذي لدينا تواصل معه، هو المهندس الحاج هلال، صهر الشهيد السيّد محمّد باقر الحكيم، الذي يسكن الآن في استراليا.

ثمّ يأتي بعده خان بيت مرزة، الذي استأجره جدّي السيّد موسى التبريزي الميلاني، وهو أخ المرجع السيّد محمّد هادي الميلاني الذي توفّي ودفن في مدينة مشهد المقدّسة. وبعده يأتي محل صغير لتصليح المدفئات (الصوبات) جمع (صوبة)، يعمل فيه أحمد شيخ سعد، والد المجاهد الشهيد (أبي حيدر الفدائي)، وكان له ولد آخر يعمل في سلك أمن النجف اسمه رزّاق.

ويأتي بعده خان كبير لوالدي المرحوم الحاج رضا الحسّون، وهو في الواقع كان لجدّي الحاج محمّد علي، وقبله لجدّنا الأعلى الحاج حسون الترك النجفي، وهو خان كبير يقع في أربعة طوابق، طابقان تحت الأرض (سرداب) لخزن المواد الغذائية التي تحتاج لمكان بارد مثل: الكشمش، والبخارة، والترشالة، ولبّ الجوز وغيرها.

وبعده يأتي دكان لبيع التتن صاحبه السيّد محمد علي طاهر، الذي كان من الشيوعيين الكبار في النجف، وكذلك ولده حافظ الآن من الشيوعيين. ويأتي بعده دكان صغير أيضاً كان يعمل فيه المصوّر الأسدي (استوديو الأسدي) وهو الآن في قم أيضاً له محل للتصوير وبنفس الاسم، ثمّ حلّ محلّه شخص اسمه مشكور يبيع الشاي لأهل السوق (چاي خانه)، وكان لديه ولدان: عادل، والثاني نسيت اسمه، وكلّهم كانوا منتمين للحزب الشيوعي والمدافعين عنه.

وبعد هذا الدكان الصغير ينحرف السوق يميناً، وفي ركنه اليمين منزل كان يسكنه أحد الطلاب اللبنانيين تمّ اعتقاله مع شهداء حزب الدعوة سنة ١٩٧٥م. وبعده يأتي محل كبير للمرحوم الحاج عبد الرزاق بِشَبِشْ، وهو كبير السنّ كان معاصراً لجدّ والدي الحاج حسّون الترك، وهذا الرجل كان من أصدقاء والدي ويأتي لخان والدي دوماً، وفي آخر حياته قام ببناء مقبرة صغيرة له


الصفحة 3

ولأولاده في جزء من محلّه الكبير، ودفن فيها بعد وفاته.

وبعده يأتي مسجد صغير، أمامه محل حاج أحمد الزنجاني أبو المكائن، كان يبيع ويصلّح مكائن الخياطة، وكان يصلّي في هذا المسجد السيّد كاظم القاضي، والد السيّد محمد القاضي الذي تعرّفت عليه في مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) بعد هجرته إلى قم في أوائل التسعينات، وهذا السيّد ـ السيّد محمّد ـ أتذكره في شبابه كان يقرأ تعزية ـ مقدّمة ـ أمام المرحوم الشيخ صالح الدجيلي في بيت القاموسي في محلّة البراق، ثم ترك المنبر. والسيّد كاظم القاضي له ولد آخر اسمه السيّد أسعد، تعرّفت عليه عبر الانترنيت ولم أتشرّف بلقائه. ثمّ بعد هذا المسجد يأتي منزل خادمة الحسين الملايّة أمينة بنت الجدّ، الذي أصبح في ما بعد مكتباً للسيّد الشهيد محمّد الصدر، وهو موجود لحدّ الآن:

نعود إلى هذا الزقاق ـ عگد الحمير ـ بعد أن بيّنا محلّاته وأصحابها من جهة اليمين، ونُبيّن محلّاته وأصحابها من جهة اليسار، فأول محلّ يواجهك هو محل كبير ـ خان ـ للحاج صادق البغدادي، كان يستأجره جدّنا السيّد موسى التبريزي الميلاني ـ وهو الأخ الأصغر لمرجع الطائفة في مدينة مشهد المقدّسة السيّد محمّد هادي الميلاني، ثم ترك جدّنا هذا المحل الكبير وانتقل إلى داخل السوق، وقام البغدادي بتحويل هذا الخان إلى جامع سمّاه بجامع الصادق، وهو موجود لحدّ الآن.

وبعد الجامع يأتي محل لبيع أدواة التجميل لصاحبه المرحوم الحاج محمد علي زين العابدين، والد صديقنا العزيز الحاج إحسان الذي يعيش الآن في دبي، وبعد انتقالهم إلى إيران تلقّبوا بلقب (النقدي). وبعده يأتي محل خياطة جاسم الخيّاط (أبو إحسان) الذي كان يعزف على الموسيقى، وكان صديقاً لبعض المغنيّين الذين كانوا يجتمعون عنده في المحلّ.

ثمّ يأتي بعده محل كبير (خان) استأجره مؤخراً ابن حاج مهدي شيخ علي المعروف بـ (مهدي بُطَنَة)، وهو الآن في قم لديه محل لبيع الدجاج المشوي في أول شارع (چهل وپنج متري عمّارياسر) وبما أنّ هذا الرجل (ابن حاج مهدي) لم يكن لديه جنسية عراقية؛ لذلك جعل إجازة غرفة التجارة باسم السيّد مهدي الشيرازي الخطيب الموجود الآن في النجف الأشرف، وهو سبط الميرزا الاُردوبادي، وقد عمل على جمع وإحياء وطبع آثار جدّه الاُردوبادي، وكنت اُشاهد سيد مهدي يأتي إلى هذا الخان دوماً.

بعده تأتي عدّة محلّات كانت وقفاً للمدرسة الشبّرية في النجف الأشرف، وباشراف المرحوم السيّد جواد شبر، وأول هذه المحلّات ورابعها كانتا محلّ خياطة جاسم الخياط البهبهاني، وهو غير


الصفحة 4

جاسم الخياط الذي مرّ ذكره، والمحلّ الثاني محل نجارة للمرحوم (أبي سلام) الذي كان من الشيوعيّة أيضاً، ثمّ محلّ الحاج مهدي الوائلي لتصليح مكائن الخياطة، ثم بعدها يأتي محل كبير (خان) للتجارة للميرزا عباس الأصفهاني.

وبعده يأتي زقاق مغلق فيه ثلاثة بيوت لآل القزويني، سكن أحدها الشهيد الشيخ محمّد علي الجابري، وسكن في الآخر الشيخ رضواني الذي كان من تلاميذ الإمام الخميني، وبقي يدير مكتب السيّد الإمام بعد رحيله إلى إيران، وكان لهذا الشيخ ولدان، أحدهما اسمه حسين، كان يجلب لنا كتب السيّد الإمام مثل كتاب (الحكومة الإسلاميّة) ويأخذ منّا مبلغ هذه الكتب، علماً بأنّها توزّع مجاناً في دار الإمام رحمه الله، فكنت آخذ هذه الكتب ـ وكذلك صور الإمام الخميني ـ ونوزعها في جامعة بغداد. وسكن في أحد هذه البيوت أيضاً السيّد ضياء القزويني الذي كان ـ وأبوه ـ من أنصار الشيوعيّة.

ويأتي بعده محل المرحوم الحاج عبد علي قبلة، ثمّ دكان صغير (عطارة) للشيخ صادق الأميني ابن الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب موسوعة (الغدير). ثمّ يأتي بعده محل لبيع التتن لصاحبه الحاج عبد الأمير الشكرجي، الذي حوّل محلّه بعد ذلك لبيع الدهين. وبعده يأتي محل ومنزل الحاج حمد الجدّ، ثم ينحني السوق على اليسار وفيه عدّة دور: على يمينها منزل كان يسكنه المرجع الأعلى السيّد علي الحسيني السيستاني، ثمّ انتقل إلى شارع الرسول، والبيت الآخر في هذا السوق كان للسيّد خضر القزويني والد المطرب (ياس خضر) وكان هذا البيت وقفاً لذرية السيّد خضر، تسكنه إحدى بناته مع عائلتها، وكان ياس خضر دوماً يأتي لزيارة اخته ويبقى في هذا البيت عدّة أيام، ثمّ يستمر هذا الزقاق لينتهي إلى شارع الرسول أيضاً.

هذا مختصر ما أتذكّره عن هذا الزقاق، وهناك معلومات كثيرة، حافلة بأحداث مهمّة عشتها في هذا السوق، ربّما أتطرّق إليها في مذكّراتي التي جمعتُ معلوماتها الأوليّة، وأسأل الله تعالى أن يوفقني للبدء بها واكمالها، والحمد لله ربّ العالمين.

محمّد الحسّون

١٥ شهر رمضان ١٤٣٩ هـ

قم المقدّسة

البريد الالكتروني: Muhammad@aqaed.com

الصفحة على الانترنيت: www.alhasun.com