الصفحة 1

ما هكذا يا سعد تُورد الإبل

الحلقة الثانية

17 عاماً قضيناها في إحياء آثار المحقّق الكركيّ

44 مؤلَّفاً له تُطبع لأوّل مرّة

بقلم

الشيخ محمّد الحسّون


بسمه تعالى

هذه الحلقة الثانية من هذا الموضوع، ربّما نتبعه بثالثة ورابعة وخامسة ووو، إلّا إذا صدر الأمر ـ ممّن لا نستطيع مخالفته ـ بإيقافها. ولم يكن الهدف من كتابتها ـ نعوذ بالله ـ التفاخر والتعالي والمنّة، بل من باب ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، ونعم الله علينا كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى.

وسبب كتابة هذه الأسطر: أنّ شاباً كتبَ لنا رسالة يستغرب، بل يشكّك في قولنا: إنّنا قضينا عشر سنين في كتابنا ((حياة المحقّق الكركيّ وآثاره)) الذي طبع في ١٢ جزء، احتوى على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ترجمة كاملة لحياة المحقّق الكركيّ: الشخصيّة ، والعلميّة، والسياسيّة. تقع في مجلّدين كبيرين.

والثاني: تحقيق ٥٤ أثراً من آثاره، ٤٤ منها تُطبع لأوّل مرّة، معتمدين على ١٢٠ نسخة خطيّة، جمعناها من مدن كثيرة متباعدة.

الثالث: جمع آراء الكركيّ وفوائده التي لم يفرد لها مصنّفاً مستقلّاً، بل هي موزّعة بين طيّات مؤلّفاته، مثل: آرائه الكلاميّة، والاُصوليّة، وفوائده الرجاليّة، والتاريخيّة، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعان بها في إيصال رأيه للآخر، وهذا القسم طبع في مجلّد كبير مستقلّ.

وقد أساء الأدب هذا الشاب المغرور بنسبه واُسرته، متناسياً ما وردَ في الكتاب والسنّة من ذمٍّ لأقرب الناس للحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومدحٍ كبيرٍ للفارسيّ والروميّ، ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.


الصفحة 2

ولولا صداقتي القديمة لوالده، واحترامي لجدّه النبيّ الاُميّ، لألقمته حجراً، وأسمعته كلاماً لاذعاً، ينبّهه إلى أنّ ((مَن لم يؤدّبه الأبوان أدّبه الزمان))، و((رحم الله امرأ عرف قدر نفسه)).

والعجب من هذا الشاب الجاهل، الذي حشرَ نفسه مع كبار المحقّقين، لم أجد من إنتاجه التراثيّ سوى رسالة لا تتجاوز صفحاتها عدد أصابع اليدين.

ومن جهله في التراث، عدمُ اطّلاعه على المدّة الزمنيّة التي قضاها الأشخاص والمؤسّسات في تحقيق بعض المصادر. خذ على سبيل المثال لا الحصر، أنّ مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، بدأت بتحقيق كتاب ((تذكرة الفقهاء)) للعلّامة الحليّ، سنة ١٤١٠ هـ تقريباً، وأكملته قبل فترة وجيزة جدّاً، وهي لازالت مشغولة بكتابة فهارسة الفنيّة. فكم سنة قضت في تحقيقه؟

وكذلك بدأت هذه المؤسّسة المباركة بتحقيق كتاب ((جامع المقاصد)) للمحقّق الكركيّ سنة ١٤٠٦ هـ ، وانتهت من كتابة فهارسهه (ج١٤) سنة ١٤١٥ هـ . ناهيك عن ((وسائل)) الحرّ العامليّ، و ((مستدركه)) للنوريّ الذي أخذ كلّ واحد منهما من وقت المؤسسة عشر سنوات.

وإن غابت عنك هذه المعلومات المدوّنة في أجزائها كلّها، فلا أتصوّر يغيب عنك أنّ المرحوم العلّامة الشيخ محيي الدين المامقاني قضى أكثر من عقدين من الزمن في تحقيق ((تنقيح)) والده، ولا يغيب عنك أنّ مركزنا المبارك قضى عشرسنوات كاملة في مراجعة وتصحيح وطباعة كتاب ((ابن عبّاس)) للعلّامة الخرسان ((أطال الله في عمره المبارك)).

ونحن قد بدأنا بجمع وتحقيق ((رسائل الشعائر الحسينيّة)) المتعلّقة برسالة ((التنزيه)) للسيّد الأمين، سنة ١٤٢٢ هـ ، وطبعنا رسالة صغيرة حولها سنة ١٤٢٣ هـ ، ثمّ استمر بحثنا عن باقي الرسائل، فطبعنا سنة ١٤٣٢ هـ ثلاثة مجلّدات منها، وأكملنا بحثنا عن باقي الرسائل، حتى وصلت الآن إلى ٤٢ رسالة، و١٥ مقالة، تطبع قريباً إن شاء الله تعالى في عشرة مجلّدات. فكم سنة نكون قد قضينا في جمع وتحقيق هذه الرسائل؟

وكانت بداية عملي في تراث المحقّق الكركيّ سنة ١٤٠٦ هـ ، عندما كلّفتني مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) المباركة، بالإشراف على تحقيق ((جامع المقاصد))، فأشرفتُ على كافّة لجانه، وقُمتُ بتقويم نصّ ١١ جزءً منه، وقام أخي المرحوم المغفور له الشيخ فارس الحسّون بتقويم نصّ جزئين منه.

وفي أثناء عملي في ((جامع المقاصد)) بدأتُ أجمع رسائله وحواشيه، فطبعتُ بعضها في جزئين سنة ١٤٠٩ هـ ، ثمّ طبعت ثالثاً سنة ١٤١٢ هـ ، وفي سنة ١٤٢٣ هـ طبعت الموسوعة كاملة باسم ((حياة


الصفحة 3

المحقّق الكركيّ وآثاره)). فكم سنة أكون قد قضيتُ في تحقيق تراث المحقّق الكركيّ، ابتداءً من سنة ١٤٠٦ هـ ، وانتهاءً بسنة ١٤٢٣ هـ ؟

وإن كانت مؤسّسةآل البيت (عليهم السلام)، قد قضت تلك السنوات الطويلة في تحقيق كتبها، وهو تحقيق جماعيّ مقسّم إلى عدّة لجانٍ علميّة، ولديهم إمكانيات كبيرة. فهل يستغرب هذا الجاهل المدّة التي قضيتها في تحقيق تراث الكركيّ، وأنا أعمل لوحدي لا ناصر لي ولا معين، سوى زوجي السيّدة الفاضلة اُمّ عليّ مشكور، التي تحمّلت مشاقّ مقابلة كلّ ذلك الكم الهائل من النسخ الخطيّة، التي زاد عددها على ١٢٠ نسخة.

ثمّ بعد كلّ هذا وذاك، يأتي شابٌ جديد على التحقيق، عثر على رسالة أو رسالتين في أقرب مكتبة له، فحقّقها في أيام معدودة، متبجّحاً بعمله، وكأنّه أضاف للتراث شيئاً مهمّاً!!

ختاماً أقول: إنْ عشتَ أراكَ الدهرُ عجباً.

محمّد الحسّون

24 جمادى الأُولى 1439 هـ

قم المقدّسة

البريد الإلكتروني: Muhammad@aqaed.com

الصفحة على الإنترنيت: www.aqaed.com/muhammad