لقاء مع صحيفة أُفق حوزة حول وضع الشيعة والمسلمين في سنغافورا (ربيع الثاني 1434)

* في يوم السبت الثاني والعشرين من شهر صفر من هذه السنة 1434هـ أجرى موقع الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة (حوزة نيوز) لقاءً مع سماحة الشيخ محمد الحسون حدّثهم فيه عن سفره التبليغي إلى سنغافورا ووضع المسلمين عموماً.
وقامت صحيفة (( أفق حوزة )) الصحيفة الرسمية للحوزة العلمية في قم المقدسة بنشر هذا اللقاء في عددها 359 الصادر يوم 16 ربيع الأخر 1434هـ . ونص اللقاء هو:

 

 

 

 

 

 


إلقاء نظرة على أوضاع الشيعة في سنغافورة في لقاء مع الشيخ محمد الحسون

* عادة ما يكون أتباع المذهب الشيعي من أصول سنغافورية من المستبصرين، وقد اختاروا المذهب الشيعي بعد المطالعة، وترجع ظاهرة الاستبصار غالباً إلى الثورة الإسلامية والإمام الخميني.
وفقاً لوكالة أنباء أهل البيت(عليهم السلام) - ابنا - إنّ لحجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسون - إضافة إلى إدارة مركز الأبحاث العقائدية (التابع لمكتب آية الله العظمى السيد السيستاني) - نشاطات في مجال تأليف الكتب والإجابة على الشبهات، وقد قام بعدة رحلات تبليغية إلى مختلف البلدان بما في ذلك السويد، لبنان، روسيا، المغرب ، تونس، ماليزيا، أندونيسيا، سوريا، تايلاند، مصر، الامارات العربية، السعودية، تركيا، استراليا، نيوزلندا و... ، كما أنه قام بأربع رحلات إلى سنغافورة، زار فيها المراكز الثقافية والشيعية  في هذا البلد.
في لقاء مع الشيخ محمد الحسون - الذي زار هذا البلد في آخر زيارة له في شهر محرم الحرام لهذا العام 1434 هـ - أجاب سماحته عن الأسئلة التي طرحت حول الشؤون العامة ، الثقافية والدينية في سنغافورة، نورد أدناه حاصل هذا اللقاء:


معلومات عامة عن سنغافورة
* سنغافورة بلد صغير، كان تحت حكم الاستعمار البريطاني وتابعاً لماليزيا سابقاً، إلا أنه استقل عام 1965 للميلاد. لم تكن دول جنوب شرق آسيا متطورة من حيث التنمية والتقدم في الماضي ولكنّها حاليا - بما في ذلك سنغافورة - تحوّلت إلى بلدان سياحية وتجارية. ومما ينبغي الإشارة إليه وجود عدد من الكازينوهات ودور القمار الكبيرة في هذا البلد؛ ما سبّب كثرة الرحلات اليها من الدول الأوربية، ولكن من المثير للاهتمام أن نعرف أن السنغفاوريين أنفسهم لا يحق لهم الدخول إلى دور القمار هذه إلا إذا كان لديهم أقل من 100 دولار لكي لا يتحملوا - في حال خسارتهم - أضراراً فادحة.
يعد هذا البلد من البلدان المميّزة من حيث نظافة المدن، فعلى سبيل المثال يتحمل ملقي المحارم الورقية او السجائر في الشارع غرامة تبلغ 500 دولاراً. الغرامات الباهظة وتثقيف المجتمع هما السبب في التزام عموم الناس بالقانون، فهم يبدون اهتماماً أيضاً لإشارات المرور، وتبلغ غرامة المتجاهل لهذه العلامات 500 دولاراً.
تحتوي جمهورية سنغافورة على مدينة واحدة فقط، ولا تتعدى مساحة هذا البلد 648 كيلو متراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانه 5 ملايين نسمة منهم مليونان من المهاجرين، أغلبهم من دول الصين، الهند، باكستان وبعض الإيرانيين والعرب.
لغة السنغافوريين هي المالاوية، وهي السائدة في جنوب شرق آسيا. وطبعاً سائر السنغافوريين على دراية باللغة الإنجليزية، وهي اللغة الرسمية للتجارة والدارجة بين طبقة المثقفين.


وضع المسلمين في سنغافورة
* غالبية السنغافوريين من البوذيين، ويتصدر المسيحيون والمسلمون المراتب التالية، وقد أعلِن أن عدد المسلمين يبلغ المليون نسمة، إلا أنه ليس هناك إحصائيات تفصيلية عن أتباع المذهب الشيعي؛ ذلك أن أكثرهم من المهاجرين وليس هناك إحصائيات ثابتة في هذا المجال، وعادة ما يكون أتباع المذهب الشيعي من أصول سنغافورية من المستبصرين، وقد اختاروا المذهب الشيعي بعد المطالعة، وترجع ظاهرة الاستبصار غالباً إلى الثورة الإسلامية والإمام الخميني.


حسينية الزهراء(عليها السلام) من أهم قواعد الشيعة في سنغافورة
* بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران هاجر أحد المستبصرين السنغافوريين - وهو محمد روسلي - إلى مدينة قم المقدسة، وبعد تلقي التعاليم الدينية والحوزوية عاد إلى بلده، وهو حالياً منشء العديد من الأنشطة الدينية والثقافية لأتباع المذهب الشيعي في سنغافورة. ومن جملة ما قام به إنشاء حسينية الزهراء(عليها السلام) والتي تقام فيها صلوات الجمعة والجماعة، البرامج المخصّصة للأعياد والوفيات المذهبية والمناسبات الدينية.
والحسينية الأخرى للشيعة في سنغافورة تابعة لجماعة الخوجة (وهم عادة ما يكونون من المهاجرين الهنديين والباكستانيين) والتي تسمى بـ (إمامباره)، كانت في الماضي كبيرة جداً وكانت تحتوي على عدة صالات، وتقام فيها عدة مراسيم في زمان واحد باللغات الإنجليزية، الأردوية و...، وكانت تعد من المراكز المهمة هناك، وتمّ تغسيل وتكفين لاله ولادن - التوأم المتلاصقين الإيرانيين اللتين توفيتا بعد العملية الجراحية - في هذا المكان، إلا أن الحكومة قامت بإغلاق هذا المركز بذريعة إيذاءه للمنازل المجاورة له، مضت ثلاث أعوام على إغلاق هذه الحسينية، ويقوم الخوجة في كل عام باستئجار قاعة كبيرة لإقامة مجالس العزاء.


تم تشكيل المجلس الشرعي الجعفري في سنغافورة
* تم - مؤخراً - إقامة المجلس الشرعي الجعفري في سنغافورة بإدارة الشيخ محمد روسلي، واعترف به رسمياً. وسائر أتباع المذهب الشيعي هم أعضاء في هذا المجلس، وقد قاموا بانتخاب الشيخ روسلي لرئاسته وتم الاعتراف به رسميا من قبل الدولة. اشترى المجلس قطعة أرض وقُرِّر إنشاء مسجد، مكتبة، مركز ثقافي و... على هذه الأرض. ونظراً للتكلفة العالية لاستكمال المشاريع في سنغافورة يتم جمع هذه التكلفات تدريجياً.


مسجد البرهان للشيعة الإسماعيلية
* لدى جماعة البهرة(الشيعة الإسماعيلية) مسجد باسم مسجد البرهان، هذا المسجد كبير وفخم وله مئذنة، يقام فيه عصر كل يوم من العشرة الأولى من شهر محرم الحرام مأتم ضخم تلقى فيه المحاضرات ويقام العزاء.
أتباع المذهب الشافعي في سنغافورة وإقامة مجالس العزاء للإمام الحسين(عليه السلام)
مسجد العلوي هو المركز الآخر التابع للمسلمين ويدار من قبل السيد علي العطاس وهو من أتباع المذهب الشافعي. يقع هذا المسجد في مساحة واسعة وهو مسجد قديم ومعترف به من قبل الدولة كقاعدة رسمية للمسلمين، وفي حال إقامة مجالس للمسلمين من قبل المسؤولين الحكوميين فالمكان المخصص لذلك هو هذا المسجد. مسؤولو المسجد يحبون أهل البيت(عليهم السلام) محبة خاصة. فهم يبدون حبهم وتعاطفهم ويقيمون المآتم للإمام الحسين(عليه السلام) في هذا المسجد في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام، ويحضر المسجد الكثير من أتباع المذهب الشيعي أيضاً لإقامة مجالس العزاء وصلاة الجماعة. المجالس التي تقام في هذا المسجد في العشرة الأولى من محرم الحرام تقام يوميا قبل صلاة الظهر، كما يقيمون مأتماً مميزاً لرثاء سيد الشهداء(عليه السلام) في اليوم العاشر من محرم.
ولأتباع المذهب السني في سنغافورة مسجد آخر أيضا باسم مسجد السلطان(عبد الغفور)، ويقع هذا المسجد في القسم القديم من سنغافورة. كانت تقطن المنطقة سابقاً الجالية العربية بكثرة حتى كان يقال لها arab street ، الا أن أكثر قاطني المنطقة حالياً ليسوا من العرب.


أكثر الأسئلة في المجال العقائدي
* في كل عام وبعد إلقاء المحاضرة وإقامة مجلس العزاء - وخاصة في حسينية الزهراء(عليها السلام) - أبقى في الحسينية للإجابة على الأسئلة والشبهات، غالباً ما أبقى هناك لأكثر من ساعة، وأغلب الأسئلة التي تـُطرح أسئلة عقائدية. عندما يسافر المبلّغ إلى أماكن أخرى - وخاصة خارج البلد - للتبليغ ينبغي أن يكون له تسلط كاف على المسائل العقدية، وذلك لأن غالب الأسئلة التي تطرح علينا في هذه الرحلات تكون في مجال الشبهات والمسائل العقائدية. وهذا يدلّ على ضرورة اهتمام الحوزة العلمية بالبحوث العقائدية والإجابة على الشبهات أكثر من ذي قبل.
ينصبّ التركيز الرئيسي حالياً في الحوزة العلميّة حول الفقه والأصول، وتسمى هذه الدروس بالدروس الأصلية، ويعبّرون عن الدروس العقائدية بالدروس الجانبية في حين أنهم قالوا أن العقائد هو الفقه الأكبر، ينبغي أن يعلم طلبة العلوم الدينية أن أكثر الأسلحة فعالية في أيدي المبلّغ هي المباحث العقائدية. سافرت لحد الآن لأكثر من 18 بلداً من مختلف أرجاء الأرض، ومن المثير للاهتمام أن أكثر الأسئلة هناك كانت أسئلة عقائدية. وخاصة بملاحظة ما تقوم به القنوات الفضائية من الهجمات السرشة من شتى الجوانب ضد العقائد الشيعية في السنوات الأخيرة.


أرادوا التطبير، لكن ...
* أرادت مجموعة من الشيعة الباكستانيين والهنود المقيمين في سنغافورة إقامة مراسم التطبير في يوم عاشوراء لهذا العام، فحضرت عندهم، ونظرا لإساءة استخدام هذه الظاهرة من قبل المجامع العامة وتبيين هذا الأمر لهم وفقت لردعهم عن العمل الذي قرروا الإتيان به. إني تمكنت - ومن دون التطرق للحكم الشرعي للمسألة وبتبيين المسائل القانونية وإساءة استخدام هذه الظاهرة والذرائع التي تقع بيد الأعداء - أن أصدهم عن هذا العمل.
وقد وقعت هذه الواقعة قبل عامين في ماليزيا؛ إذ قاموا بتصوير مجالس التطبير وضرب الزناجيل التي تحتوي على سكاكين، وجهدوا لأن يعرّفوا المذهب الشيعي كفرقة وحشية، وخلقت هذه الأمور الذرائع وكانت السبب في اعتقال عدد كبير من الشيعة ليلة عاشوراء. ينبغي أن تكون تصرفاتنا حكيمة لا أن نخلق الأعذار للآخرين.


لدينا أدلة ومبان ٍ رصينة، ينبغي اتّباع المنهج العملي
* توجد أرضية خصبة لتعالي ونشر مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في سائر أرجاء الأرض، ولكن ينبغي أن تكون طريقة ومنهجية البحث علمية. نحن نعتقد بمذهب له مبان وأدلة رصينة،  وأما كيفية القيام بتعريف المذهب فهو ما يتوقف على التدابير والمواقف التي نتخذها في تعريفه.
يقول الإمام الرضا(عليه السلام): إن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا. عقائدنا وأدلتنا قوية ولكن ينبغي أن نتـّبع الأسلوب العلمي ونبتعد عمّا يوجب وهن المذهب. النقص منا ويجب أن نسعى في تحقيق ما يقع على عاتقنا أكثر من ذي قبل. ينبغي ان تكون طريقة التعليم في الحوزات العلمية طريقة يتسلح معها طلبة العلوم الدينية على المباني العلمية لمواجهة الطرف الآخر بأسلوب علمي. ومع أنهم قاموا بأنشطة جيدة في هذا المجال إلا أنها ليست بالحد المطلوب وينبغي أن نقوم بمضاعفة تدابيرنا وجهودنا في هذا المجال.


يعتقد الشيعة في سائر أرجاء الأرض بالحوزة وطلاب العلوم الدينية
* أرى من المناسب أن تبعث الحوزة العملية سنوياً مجامع مختلفة من أساتذة الحوزة العلمية وفضلائها لمختلف البلدان لكي يتعرّفوا على الأجواء الدولية والاحتياجات الفكرية في مختلف أرجاء الأرض. الشيعة وفي أي مكان يجنحون للحوزة العلمية وطلاب العلوم الدينية.


ذكريات من رحلاتي إلى مختلف البلدان بزي طلبة العلوم الدينية
* كنت أسير في شوارع سنغافورة بزي طلبة العلوم الدينية وكان الناس يبدون احترامهم بشدة.
كما ذهبت إلى قصر كرملين في الساحة الحمراء في روسيا مرتدياً للعمامة، وكان الجميع يحترمني هناك أيضاً.
كنت واقفا في الطابور لختم جواز سفري في مطار لبنان، فإذا بأحد الظباط يخرج من غرفته ويقول: لا ينبغي أن يقف الشيخ ضمن الطابور، وذهب بي إلى غرفته فناولني الشاي وأعطى الجواز لأحد العاملين لديه فتختموه لي.
في إحدى السنين حيث كنت ذاهباً مع زوجتي - وهي الأخرى تقوم بأنشطة تبليغية - إلى دولة السويد، في أيام سفرنا الأخيرة ذهبنا إلى إحدى المجمعات التجارية للتسوّق، وكنت مرتدياً للزي الروحاني وزوجتي بعبائتها السوداء، فخرج إلينا مدير المجمع من غرفته واستقبلنا ورافقنا حتى الإنتهاء من الشراء فكان يرشدنا، وعند انتهائنا من الشراء أهدانا علبة من الشكولاته.
كنت - ولله الحمد - أرتدي الزي الروحاني في سائر رحلاتي التبليغية سواء عند إلقاء المحاضرات أو في المجامع العامة ولم أواجَه بغير الإحترام، ولم يكن ذلك إلا للتوفيقات الربانية والمحبة التي يكنّها الناس في العالم للمباحث الدينية والمعنوية.