المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسّلام على خير مدعوٍّ ومجيب، ورسول وحبيب، علم التقى، وبدر الدجى، محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وعلى عترته أُولي الحجى وذوي النهى، والعروة الوثقى، وسفينة النجاة، التي أمن مَن ركبها، وغرق مَن تركها، وعلى صحبهم والتابعين لهم بإحسان، الحافظين للوديعة، ومَن أحبّوا الشريعة، واللعنة الدائمة على مَن نازعهم ونصب لهم.

وبعد،

تعرّفنا في ما مضى على عدّة جوانب من حياة المحقّق الكركي: الشخصيّة، والسياسيّة، والعلميّة، وآرائه وفوائده.

ففي البحث عن حياته الشخصيّة تحدّثنا عن اسمه، ومولده وموطنه، وأُسرته، وأخلاقه وسجاياه، وآثاره ومآثره، وكراماته، ومراحل حياته المختلفة، ثمّ مدحه وإطرائه، وأخيراً وفاته ومدفنه.

وفي حياته السياسيّة تعرّضنا لعدّة مواضيع لها صلة بالكركي وعصره: كالتصوّف والصوفيّة، وموقف العلماء من الحكّام، ونشوء الدولة الصفويّة وكيفيّة تعامل العلماء معها، ثمّ تحدّثنا بشكل مفصّل عن علاقة الكركي بهذه الدولة ابتداءً من تأسيسها حتّى سنة 940 هـ، حيث عاصر الكركي حاكمين من حكّامها هما الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب.


الصفحة 2
وفي حياته العلميّة سلّطنا الضوء على بعض المجالات التي كان للكركي دور فعّال فيها، فتحدّثنا عن عصره ومعاصريه، وأساتذته وشيوخه، والروايات التي حصل عليها والتي منحها، ومؤلّفاته، والكتب التي قرأها والتي قُرئت عليه، ومكانته العلميّة، ونشاطه العلميّ، والمحاورات والردود العلميّة التي جرت بينه وبين بعض الأعلام.

ثمّ أفردنا بحثاً مستقلاًّ وكاملاً لآرائه ونظريّاته المودعة في مؤلّفاته، والتي لم يُفرد لها تصنيفاً مستقلاً، حيث أجرينا عمليّة استقصاء كامل لكافّة مؤلّفاته، واستخرجنا منها هذه الآراء والنظريّات، وهي آراؤه الكلاميّة، والأُصوليّة، والرجاليّة، وفوائده التأريخيّة، وملاحظاته عن بعض المؤلّفات، وشواهده الشعريّة، والجداول والرسوم التي استعملها.

وفي نهاية كلّ بحث أفردنا فصلاً خاصّاً بعنوان " الملاحظات "، سجّلنا فيه الملابسات التي حصلت في حياته، والاشتباهات التي وقع فيها بعض المؤلّفين عند ترجمتهم للكركي.

والآن تعال معي عزيزي القارئ لنطلّ على جانب آخر من جوانب عظمة هذا الرجل، حيث نتعرّف على بعض آرائه ونظرياته التي استطاع أن يصهرها في بودقة التأليف عبر كتبه المختلفة من حيث مواضيعها وحجمها وأسباب تأليفها.

إنّ الوقوف على مؤلّفات المحقّق الكركي، ودراستها بشكل مفصّل ودقيق، يكشف لنا ـ من جانب ـ المستوى العلمي الذي تمتّع به هذا العالم، ومن جانب آخر يُظهر لنا المنزلة الاجتماعيّة الكبيرة التي كان يحتلّها آنذاك، ليس في أوساط الناس عموماً، بل حتّى عند كبار رجال الدولة، وعلى رأسهم الشاه إسماعيل وابنه الشاه طهماسب، وقد تعرّضنا لهذه النقاط بشكل مفصّل

الصفحة 3
في ما مضى من الكتاب عند حديثنا عن حياته.

والملاحظ أنّ مؤلّفات الكركي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل:

الرسائل، والتي تتناول عادةً البحث عن موضوع معيّن، أو مسألة فقهيّة واحدة. وهذه الرسائل يختلف حجمها، فبعضها يقع في أربعين أو خمسين صفحة، والبعض الآخر يقع في عدّة صفحات.

الثاني:

الحواشي والشروح لبعض الكتب المعتمدة عندنا، كالشرائع والمختصر النافع للمحقّق الحلّي، والقواعد والإرشاد والمختلف للعلاّمة الحلّي، والألفيّة الشهيديّة.

الثالث:

جواب الأسئلة والاستفتاءات التي كانت ترد عليه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبمستويات مختلفة في التعبير، وقد قام بعض تلامذته وبعض العلماء القريبين من عصره بجمعها وترتيبها.

وقد استطعتُ بحمد الله تعالى وتوفيقه طيلة سنوات عديدة، أن أجمع وأُحقّق من مؤلّفات هذا العالم الجليل أربعة وخمسين مؤلّفاً، معتمداً على مائة وعشرين نسخة خطيّة موجودة في عدّة مكتبات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة: قم المقدّسة، مشهد المقدّسة، طهران، همدان، يزد، خوانسار، أصفهان. وقد عانيت الكثير من المصاعب في جمع هذه النسخ الخطيّة، فإنّ الحصول على نسخة خطيّة واحدة من أقرب المكتبات إلينا في مدينة قم المقدّسة لا يخلو من مصاعب جمّة، فكيف بهذا الكمّ الهائل من النسخ الخطيّة.


الصفحة 4

منهجيّة التحقيق


اعتمدت في تحقيقي لهذه المجموعة من رسائل الكركي وحواشيه على طريقة واحدة، أُلخّصها بعدّة نقاط:

(1) اتّبعت طريقة التلفيق بين النسخ الخطيّة، وذلك لعدم عثوري على نُسخ الأصل التي كتبها الكركي بيده. نعم، بعض الرسائل عثرتُ لها على نُسخ مقروءة على الكركي، إلاّ أنّي لم أكتف بها وأضفتُ لها نُسخاً أُخرى.

(2) عند حصولي على عدّة نسخ خطيّة لإحدى هذه المؤلّفات، أقوم بمقابلة بعضها مع البعض الآخر، وإثبات الصحيح أو الأصح في المتن وما قابلهما في الهامش.

وعند عدم حصولي إلاّ على نسخة واحدة، فإنّي أجعلها الأصل في عملي، وأُشير في الهامش إلى ملاحظاتنا واستظهاراتنا عليها.

(3) استخراج كلّ ما يحتاج إلى تخريج من آيات قرآنيّة كريمة، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء في شتى العلوم، وشواهد شعريّة، وأماكن وبقاع. وحاولت قدر المستطاع أن أعتمد على المصادر الرئيسيّة في كافة الاستخراجات، إلاّ تلك المصادر المفقودة أساساً أو التي لم أُوفّق للحصول عليها، فقد استعنتُ في الحصول على أقوالها بواسطة مصادر أُخرى ميسّرة.

(4) لم أُترجم كافة الأعلام الّذين وردت أسماؤهم، بل ترجمتُ لبعضهم حسب الضرورة التي رأيتها.

(5) عند شروعي في تحقيق الحواشي والشروح وضعتُ متن الكتاب المشروح في أعلى كلّ صفحة، ويتلوه الشرح أو الحاشية التي كتبها الكركي.


الصفحة 5
ثمّ قمتُ بحذف المتن واكتفيت بالإشارة إليه ; رعاية للاختصار، وتلبيةً لاقتراح بعض الإخوة الأفاضل من المحقّقين.

(6) رتّبتُ الرسائل حسب مواضعيها، فوضعتُ أوّلاً الرسالة النجميّة التي جمع فيها الكركي بين علمي الكلام والفقه وأدرج فيها أيسر ما يجب على المكلّفين معرفته في الأُصول والفروع، ثمّ رسالة استنباط الأحكام التي تعبّر عن المنهج العلمي للكركي، ثمّ الرسائل الفقهيّة مرتّبة بترتيب كتب الفقه ابتداءً من الطهارة وانتهاءً بالقضاء، ثمّ الرسائل المتفرّقة وجوابات المسائل الفقهيّة التي وردت عليه.

(7) نظّمتُ فهارس فنيّة كاملة، تعميماً للفائدة واتّباعاً للمنهج الحديث في التحقيق.


وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين

محمّد الحسّون


الصفحة 6


الخـلل في الصـلاة





الصفحة 7

الصفحة 8

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين

الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعد،

هذه رسالة الخلل في الصلاة، التي كتبها المحقّق الكركي استجابةً لأحد الأشخاص، ورتّبها على قسمين: الأوّل في السهو، والثاني في الشك.

ولمزيد الاطّلاع على هذه الرسالة، واشتباهها برسالة السّهو والشكّ في الصلاة، انظر ما كتبناه عنها عند حديثنا عن مؤلّفات الكركي.

اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على أربع نُسخ خطيّة موجودة في المكتبة المرعشيّة العامّة في مدينة قم المقدّسة:

الاُولى: ضمن المجموعة المرقّمة 1003، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 3: 199، كتبها بخطّ النسخ سنة 1077 هـ حسين بن محمّد حسيني قمصري المشهور بآفتاب. وتقع هذه النسخة في خمس وثلاثين ورقة مختلفة الأسطر، بحجم 24 × 19 سم، وقد رمزنا لها بالحرف " ش1 ".

الثانية: ضمن المجموعة المرقّمة 4079، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 11: 89، كتبها بخطّ النسخ سنة 971 هـ محمّد بن نظام الدين محمود أنصاري. وتقع هذه النسخة في أربع عشرة ورقة بحجم

الصفحة 9
5 / 17 × 12سم، وكلّ ورقة تحتوي على عشرين سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش2 ".

الثالثة: ضمن المجموعة المرقّمة 4915، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 13: 99، كتبت بخطّ النستعليق سنة 986 هـ، وهي ناقصة عدّة أوراق. وتقع هذه النسخة في تسع أوراق بحجم 18 × 12 سم، وكلّ ورقة تحتوي على ستة عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش3 ".

الرابعة: ضمن المجموعة المرقمة 2261، والمذكورة في فهرس مخطوطات المكتبة 6: 246، ناقصة من آخرها نصف صفحة، كتبها بخط النسخ محمّد بن حسين بن يحيى بن حنظلة الأحسائي، وانتهى من كتابتها في اليوم العاشر من شهر رجب سنة 1003 هـ. وتقع هذه النسخة في خمس عشرة ورقة بحجم 5 / 18 × 12 سم، وكلّ ورقة تحتوي على اثني عشر سطراً، وقد رمزنا لها بالحرف " ش4 ".

والحمد لله ربّ العالمين


الصفحة 10


الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش1"

الصفحة 11

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش1"

الصفحة 12

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش2"

الصفحة 13

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش2"

الصفحة 14

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش3"

الصفحة 15

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش3"

الصفحة 16

الصفحة الاُولى من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش4"

الصفحة 17

الصفحة الأخيرة من النسخة المحفوظة في المكتبة المرعشيّة "ش4"

الصفحة 18
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي فطر السموات والأرض فاستوتا، ولو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا، وصلّى الله على نور الأنوار وحبيب الجبّار محمّد النبيّ المختار، وعلى وصيّه الليث الكرّار، قاتل الكفّار، وفاضح الفجّار، علي بن أبي طالب الإمام المغوار، وعلى آله الهداة الأبرار، صلاةً دائمةً بدوام الأعصار.

وبعد، فقد سألتني أيّها الأخ العزيز، أعانك الله على طاعته وهنّأك لعبادته(1)، أن اُوردَ لك باب الخلل الواقع في الصلاة وأقسامه، واُوضحَ لكَ ما استبهم(2) من أحكامه. وها أنا شارع في إجابتك، مسارع إلى ارادتك، راجياً من الله تعالى جزيل الثواب، وأن يوفّقنا لادراك الصواب، فأقول وبالله التوفيق:

إنّ الخلل العارض للمصلّي قسمان: سهو، وشكّ.

____________

1- وهنّأك لعبادته: لم ترد في " ش1 " و" ش4 ".

2- في " ش4 ": اشتبه.


الصفحة 19

القسم الأوّل: في السهو

وفيه مطالب:

الأوّل: في المقدّمات

وهي خمس:

الاُولى: حدّ السهو:

زوال المعنى عن الذاكرة وبقاؤه مرتسماً في الحافظة، بحيث يكون كالشيء المستور.

والنسيان: زواله عن القوّتين.

الثانيّة: الأركان التي تبطل الصلاة بتركها خمسة:

الأوّل: القيام.

الثاني: النيّة(1).

الثالث: التكبيرة.

الرابع: الركوع.

الخامس: مجموع السجدتين من ركعة(2).

الثالثة: الجاهل بالصلاة، أو بأحد أجزائها الواجبة أوالمسنونة وإن أوقعها على الوجه المشروع غير معذور، ما لم يأخذها من مأخذها المأمور

____________

1- في " ش1 " و" ش3 ": الأوّل: النيّة، الثاني: القيام.

2- من ركعة: لم ترد في " ش1 " و" ش3 ".


الصفحة 20
به شرعاً، فيخرج به عن عُهدة التكليف.

الرابعة: إذا فعل المصلّي ما نُهي عنه، أو أخلّ بما وجب عليه جهلاً بوجوبه أو بالحكم، بطلت صلاته عدا ما استثني. وتظهر الفائدة على الأوّل في مَن سها عن غير ركن وذكره بعد تجاوز محلّه، ثم تلافاه عامداً أو جاهلاً.

الخامسة: يجب على كلّ مُكلّف معرفة أحكام السهو ; لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به، ولأنّ السهو كالطبيعة الثانية للإنسان، حتى أنّ جوازه على غير المعصوم كوقوعه، فيصير كالملكة له، لكنّها غير شرط في الصحة، فلا يقدح الجهل بها في بطلان صلاته ; لأصالة البراءة.

ويُحتمل جعلها شرطاً ; لأنّه ما يَعتور المكلّف في صلاته غالباً، فقصاراه مع وقوعه ابطال العمل المنهي عنه، ولأنّها ممّا يتوقّف عليه صحة الماهيّة فكانت شرطاً، وترك الشرط اخلال بالمشروط، إذ المشروط عدم عند عدم شرطه.

المطلب الثاني: في سببه

والضابط الكلّي أن يقال: مَن أخلّ بجزء من صلاته سهواً وذكره في محلّه، فإنّه يجب عليه أن يأتي به ; لتحقّق فواته. وإن ذكره بعد الانتقال عنه، وكان المُنتقل عنه والمُنتقل إليه ركنين بطلت إجماعاً ; لأنّه لو عاد إليه لزاد ركناً، وإن استمر نقص ركناً، وكلاهما مُبطل، كمن سها عن القيام حتى نوى، أو عنها حتى كبّر، أو عنه حتى شرع في القراءة ـ وتحته سؤال ـ أو عن الركوع حتى سجد، أو عنهما من ركعة حتى ركع، سواء كان في الاوليين أو الأخيرتين، وقول الشيخ بالفرق(1) ضعيف. وكما أنّ فوات

____________

1- المبسوط 1: 119.


الصفحة 21
الركن مُبطل، فكذا زيادته مطلقاً.

وإن كان المسهو عنه غير ركن فأقسامه ثلاثة:

الأوّل: ما لا يتدارك، وهو صور:

الاُولى: من سها عن الحمد أو السورة أو عنهما وذكرَ بعد الركوع، مضى ; لفوات محلّها، وكذا لو ذكر الجهر والاخفات ولو في أثناء القراءة.

الثانية: من سها عن الذِكْرِ في الركوع أو الطُمأنينة بقدره حتى أخذ في الرفع.

الثالثة: من سها عن الرفع من الركوع أو الطُمأنينة في الانتصاب منه حتى سجد.

الرابعة: من سها عن الذكر في السجدة الاُولى أو الثانية، أو الطُمأنينة بقدره فيهما، أو السجود على أحدِ مساجده غير الأعلى فيهما حتى رفع منهما، أمّا لو سها عن المساجد أو أعلاها ففيه تفصيل يأتي.

الخامسة: من سها عن رفع رأسه من الاُولى ولم يذكر حتى سجد ثانياً استمر ـ وتحتها دقيقة ـ فإن عاد إلى شيء من هذه عامداً أو جاهلاً بطلت ; لأنّه أتى بما ليس من الصلاة فيها، فيقع منهياً عنه، وناسياً يسجد للسهو. وتجب المرغمتان في هذه على الأصح ; لأنّها مواضع نقيصة، فيجب جبر الصلاة بها عوضاً عنها.

القسم الثاني: في ما يتدارك، وهو صور:

الاُولى: مَن نسي قراءة الحمد أو السورة أو بعضهما، كحرف من كلمة أو اعراب حرف، وذكر قبل الركوع أتى به وبما بعده، ويسجد للزيادة.

الثانية: مَن سها عن التشهّد أو أبعاضه وذكر قبل الركوع جلس

الصفحة 22
فتشهّد، ثم يقوم مستأنفاً للقراءة.

فرع:

لو سها عن الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله عاد له، ولا يُعيد الشهادتين، ولو كان عن الأوّل أعاد الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله ; تحصيلاً للترتيب الذي يُفهم معه نظم الكلام.

الثالثة: مَنْ سها عن الركوع وذَكَرَ قبل أن يسجد وجب أن يقوم ثم يركع، ويتمّ الصلاة.

الرابعة: مَنْ سها عن السجدتين أو أحدهما وذَكَرَ قبل الركوع جلس فسجد، ثمّ يقوم ويستأنف القراءة.

ويجب في هذه الثلاثة الأخيرة سجدتا السهو.

فروع:

الأوّل:

لو سها عن السجدة الثانية وذكرها قبل الركوع عاد فسجد، ولا يجب عليه الجلوس أولاً إن كان جلس عقيب السجدة الاُولى جلسة الفصل، وإن لم يكن جلس قال الشيخ: لا يجب عليه أيضاً(1) ; لقيام القيام مقامه في الفصل. وفيه نظر ينشأ مِنْ وجوب الجلسة لذاتها، وأصالة بقاء ما كان.

الثاني:

لو سها عن أربع سجدات من أربع ركعات، فإنْ ذكر قبل التسليم سجد واحدة(2) عن الأخيرة ; لبقاء محلّها، ثم يُعيد التشهّد ;

____________

1- المبسوط 1: 120.

2- في " ش1 ": سجدة واحدة.


الصفحة 23
تحصيلاً للترتيب، ثم يسلّم ويقضي باقي السجدات ولاءً، ويسجد سجدتين لكلّ سهو.

ولو ذكر بعد التسليم قضى الأربع ولاءً ولو بنيّة واحدة.

ولو أتى بسجدتي السهو للاُولى عقيبها قبل قضاء الثانية، وهكذا، احتمل الصحة ; لاشتغال الذمّة بها، وأصالة البراءة من الترتيب بينهما.

والعدم ; لوجوب تقديم جزء العبادة على جبرانها، فإذا خالف لم يأتِ بالمأمور به على وجهه، فيبقى في عهدة التكليف.

الثالث:

لو كان السهو بزيادة ونقصان، كالكلام ونسيان سجدة، بدأ بقضاء السجدة مُطلقاً، ثم إن تقدّمت على الكلام بدأ بجبرانها على جبرانه، وإن تأخّرت عنه ففي تقديم جبرانها تردّد ينشأ: من أنّها كالتتمة لجزء من الصلاة، ومن أصالة البراءة من الترتيب.

ولو وجب في فريضة قضاء جزء واحتياط بدأ بأسبقهما، مع احتمال تقديم الجزء مُطلقاً، وإن وجب احتياطان بدأ بأوّلهما وجوباً.

الرابع:

لو تيقّن ترك ركن من احدى الصلاتين المتساويتين عدداً وهيئة واشتبهتا، أعاد ذلك العدد بنيّة مُطلقة أداءً في وقتها، وإلاّ قضاء، وإن ذَكَرَ في وقت إحداهما خاصّة شرك في النيّة بين الأداء والقضاء.

وإن اختلفتا عدداً أعادهما مرتّباً إحداهما بالأصالة والاُخرى بالاشتباه، فإن وقع الاشتباه في ثلاثِ صلوات، مثل ثنائيّة محفوفة بمتساويتين عدداً، أو ثلاثيّة محفوفة بهما، أو ثنائيّة بعدها رباعيّتان، أو ثلاثيّة قبلها كذلك، أعاد صلاتين: إحدهما معيّنة، والاُخرى مُطلقة.

أمّا لو كانت رباعيّة محفوفة بمختلفتين، فإنّه يُعيد الجميع بالتعيين.

ولو اختلفتا في الاسم والهيئة لم يتداخلا، اتفقتا في العدد أو اختلفتا

الصفحة 24
فيه، وتدخل الجمعة تحت اليوميّة ضمناً، ولا عبرة باختلاف الاسم.

الخامس:

لو تيقّن وجوب إحدى الطهارتين ونسي تعيّنها فالاحتمالات الممكنة خمسة:

الأوّل: وجوب الصغرى ; لأنّ غسل أعضائها متيقّن، وما زاد عليها مشكوك فيه، وإذا تعارضا عمل باليقين وطرح الشكّ.

الثاني: وجوب الكبرى ; لأنّ ذمّته مشغولة باحداهما يقيناً، وصلاته موقوفة على الطهارة التي لزمته باطناً، فعليه الاتيان بما يحصل به يقين البراءة ; لأنّ كلّ ما يتوقّف عليه الواجب فهو واجب.

الثالث: التخيير ; لأنّ كلاً من الحدثين مُحتمل، فإذا فعل موجب أحدهما انتفى موجب الآخر ; للشكّ فيه.

الرابع: التحرّي ; لأنّ إحداهما لا يُجزئ عن الآخر لمخالفتها لباقي النيّة والكيفيّة والأحكام، والتحرّي يُفيد ظّنّاً يعارضه شكّ.

الخامس: وجوبهما معاً ; لأنّ كلاً من الحدثين مُحتمل، فتقديم رافع أحدهما على رافع الآخر ترجيح من غير مُرجّح، وهو باطل، ولمناسبته لطريق الاحتياط، لحصول تيقّن البراءة معه.

والتحقيق أنّ الكبرى إن كانت كاملة في نظر الشرع وجبت، وإن كانت غيرها فالاحتمالات المذكورة، وأقر بها الأخير.

السادس:

لو نوى المسافر القصر فصلّى أربعاً سهواً، ثمّ نوى الإقامة قبل التسليم فذكر الزيادة، احتمل قويّاً الصحة فيأتي بغيرهما ; لأنّ وجوب الأخيرتين حدث بعد الفراغ من الزيادة فلا يعتدّ بها، ويسجد للسهو، ويظهر بهذا فوائد يدركها من تأمّلها.


الصفحة 25
ولو عكسنا الفرض صحّت فيتشهّد ويسلّم ; لأنّ نيّة القصر لم تُصادف محلاًّ قابلاً لإيقاعها.

القسم الثالث: في ما يُقضى من السجود والسهو(1)، وهو صورتان.

الاُولى: من سها عن سجدة وذكرها بعد الركوع.

الثانية: من نسي التشهّد أو جزء منه وذكره بعد ركوعه، أمّا لو ذكر الأخير قبل التسليم أو في أثنائه أتى به، وبعده يقضيه ويسجد للسهو.

المطلب الثالث: في أحكامه
وفيه مباحث

الأوّل: في موجبهما.

وهما يجبان في سبعة أماكن: مَن نسي سجدةً أو التشهّد على ما ذُكر، ومَن سَلّم في غير موضعه، ومَن تكلّم في صلاته، ومَن قام في حال القعود وإن تلافاه، وبالعكس، ولكلّ زيادة ونقصان غير مبطلتين، ومَن شكّ بين الأربع والخمس في حالتين.

والضابط أنّهما يجبان في كلّ موضع من الصلاة بحيث إذا أخلّ به عمداً بطلت صلاته.

فوائد ثلاث:

الاُولى:

لو فعل المصلّي واجباً أو مندوباً في غير محلّه عامداً، كما لو تشهّد في الثالثة، أو قنت في الثانية قبل القراءة بطلت ; لأنّه ذِكْرٌ غير

____________

1- والسهو: لم ترد في " ش1 " و" ش2 ".


الصفحة 26
مشروع، فيكون كما لو تكلّم عامداً، وإن كان ناسياً صحّت وسجد للسهو.

أمّا لو كبّر للركوع حال هويّه إليه، أو قال: سمعَ اللهُ لمن حمده عند رفعه منه، أو كبّر للسجدة الاُولى عند انحنانه إليها، أو كبّر للرفع منها قبل استوائه جالساً: فإن لم يعتقد أنّ هذا محلّه لم يأتِ بالمُستحب على وجهه، وإن اعتقده بطلت. وإذا بطل جزء العبادة بطلت أجمع ; لأنّ بطلان الجزء موجب لبطلان الكلّ.

الثانية:

يُبطل المندوبة ما يُبطل المكتوبة، ولا احتياط فيها ولا سجود، ويسجد في المكتوبة بزيادة مندوب مُطلق لا بنقصانه.

الثالثة:

لو فرغ من الحمد وذكَرَ نسيان {الدين} أو {نستعين }وجب أن يبتدئ من {مالك يوم الدين} أو من {وإياك} إلى آخرها ; ليحصل له نظم القراءة، إذ بدونه يختل النظم، والنظم مُعجز. وإن كان شكّاً وقد انتقل عنهما إلى ما بعدهما لم يلتفت ; لفوات موضعهما، وإن كان في موضعهما كفاه أن يقرأهما دون ما قبلهما، لكن يجب أن يفتح همزة {الدين}، ويُتمّ.

البحث الثاني: في كيفيتهما

وتجب فيهما النيّة، والطهارة، والستر، والاستقبال، والسجود على الأعضاء السبعة(1)، والطمأنينة بقدر الذِكْرِ، والجلوس بينهما مُطمئناً، والتشهّد، والتسليم وتعيين السبب إن اختلف.

والأقرب وجوب الذِكْرِ، ويتعيّن بأحد هذين في أصح القولين، وهما: بسم الله وبالله اللهم صلّ على محمد وآل محمّد، والاُخرى: باسم

____________

1- السبعة: لم ترد في " ش2 " و" ش4 ".


الصفحة 27
الله وبالله السّلام عليكَ أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته. فإن أتى بإحداهما فيهما جاز، وإن فرقّهما عليهما جاز. ويجوز أن ينويهما جالساً، فإن كبّر عقيبهما نوى به الاستحباب فيقارنها به، وإلاّ قارنها بالسجود أو بالهوي إليه.

فائدتان:

الاُولى:

لا يتداخل سجود السهو، بل يتعدّد في الصلاة تعدّد جبرانه وإن تجانس ; لاستقلال كلّ واحد بالسببيّة، والجزء كالكلّ.

الثانية:

السجدتان تجبان عقيب الصلاة في وقتها، فإن أهمل عمداً أو سهواً لم تبطل صلاته وإن كانتا عن نقيصة، بل يسجدهما بعده بنيّة القضاء وإن طالت المدّة، لكن يأثم بالأوّل خاصّة.

البحث الثالث: في لواحقه، وفيه صور:

الاُولى:

إذا نقص من عدد صلاته ركعة مثلاً، ثمّ ذكر بعد المُبطل مُطلقاً أعاد إجماعاً، وإن كان قبل المُبطل عمداً لم يُعد على الأقوى، بل يتمّ ما نقص ويسجد له ما لم يطل الفصل فيخرج عن كونه مصلّياً، ويستوي في هذا الحكم الثنائيّة وغيرها، ويتفرّع على هذا مسائل:

الاُولى: لو ذكرَ النقصان بعد أن قام من موضعه، أكمل صلاته موضع الذكر إن كان صالحاً له، فإن عاد إليه أو إلى غيره بطلت. وإن لم يكن