الصفحة 95
ولتكن مؤثّرة، مفرجة الأصابع.

قوله: (ويلقنه الولي بعد انصرافهم)(1).

أي بعد انصراف الناس، وليكن مستقبلاً رافعاً صوته، وقيل: يستدبر القبلة ويستقبل القبر(2); لأنّ وجه الميّت إلى القبلة فإذا استدبرها كان موجّهاً إليه، والكلّ جائز. ويجوز للولي أن يأمر غيره بتلقينه، ولا فرق في هذا التلقين بين الصغير والكبير; عملاً بالإطلاق وإن علّل بدفع السؤال(3) لأنّ ثبوت العلّة في حقّ المكلّف كاف.

قوله: (يُكره فرش القبر بالسّاج إلاّ مع الحاجة)(4).

هو خشب معروف، ولا تختصّ الكراهية بهذا الصنف، بل يكره كلّما أشبهه. ويجوز فعله عند الضرورة كنداوة الأرض، أمّا إطباق اللحد بالسّاج ونحوه فلا بأس به.

قوله: (وتجصيصه)(5).

أي يكره ذلك، وقال الشيخ: إنّ المكروه تجصيصه بعد اندراسه لا ابتداءً(6)، وحكاه في (الذكرى)(7)، وفيه جمع بين الأخبار(8) خصوصاً إذا

____________

1- ص 58 س 12.

2- قاله ابن البرّاج في المهذب 1: 64، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 55.

3- الكافي 3: 201 حديث 11، الفقيه 1: 109 حديث 501، علل الشرئع: 308 حديث 257، التهذيب 1: 321 و 459 حديث 935 و 1496.

4- ص 58 س 13.

5- ص 58 س 13.

6- النهاية: 44.

7- الذكرى: 68.

8- الكافي 3: 202 حديث 3، التهذيب 1: 461 حديث 1501 و 1503، الاستبصار 1: 217 حديث 767 و 768.


الصفحة 96
اُريد به تميزه ليزار ويترحّم عليه.

قوله: (وتجديده)(1).

أي بعد اندراسه; للنهي عنه(2). ولا يخفى أنّ ذلك فيما عدا قبور الأنبياء والأئمة(عليهم السلام); لإطباق السلف والخلق على فعل ذلك بها، ولأنّ فيه تعظيماً لشعائر الله، ولفوات كثير من المقاصد الدينيّة بترك ذلك.

قوله: (ودفن ميّتين في قبر)(3).

إنّما يكره ذلك اختياراً، أمّا في حال الضرورة فلا بأس. وهذا إذا كان الدفن ابتداءً، أمّا إذا دفن أحدهما ثمّ اُريد نبشه ودفن الآخر فلا يجوز; لتحريم النبش وسبق حقّ الأوّل، إلاّ أن يكون الدفن في أزج(4) متّسع فلا يحرم، إذ لا يُعدّ ذلك نبشاً إلاّ مع اختصاص الملك، فلا يجوز إلاّ بإذن المالك.

قوله: (ونقل الميّت إلى غير بلد موته، إلاّ إلى المشاهد المشرّفة)(5).

وكذا إلى مقبرة قوم صالحين أو شهداء، فإنّه يُستحب النقل إليها كمشاهد الأئمة الطاهرين; لينال الميّت بركتهم، وما عدا ذلك مكروه. وهذا إذا لم يلزم من النقل هتك الميّت، ومثله بأن يصير مقطعاً ونحوه.

قوله: (وكفن المرأة على زوجها وإن كان لها مال)(6).

____________

1- ص 58 س 13.

2- الفقيه 1: 120 حديث 579، التهذيب 1: 459 حديث 1497.

3- ص 58 س 13 ـ 14.

4- الأزج: نوع من الأبنية فيه طول. القاموس المحيط 1: 177 " أزج ".

5- ص 58 س 14.

6- ص 59 س 2.


الصفحة 97
لا فرق في الزوجة بين أن تكون حرّة أو مملوكة، نعم لابُدّ من كونها دائمة غير ناشز على أقرب الوجهين. فلا يجب الكفن على المتمتّع بها والناشزة والمطلقة الرجعيّة بخلاف البائن، ولو اُعسر الزوج عن الكفن احتسب عليه من حصّته من تركتها، ولو ماتا قدّم كفنه. والمملوكة كالزوجة في وجوب الكفن، لا القريب.

قوله: (ولا يجوز نبش القبر ولا نقل الموتى بعد دفنهم)(1).

أطبقوا على تحريم النبش إلاّ في مواضع، بعضها مختلف فيه:

أ: إذا صار الميّت رميماً، ويكفي ظنّه، فإن ظهر خلاف ظنّه وجب طمّه.

ب: إذا دُفن في أرض مغصوبة فللمالك قلعه، ومثله لو كفّن في مغصوب.

ج: إذا اُريد الشهادة على عينه لاُمور مرتّبة على موته، كاعتداد زوجته، وقسمة تركته، وحلول دينه، وبراءة كفيله.

د: إذا وقع في القبر ما له قيمة عادة جاز النبش لأخذه; للنهي عن إضاعة(2) المال.

وفيما لو دُفن بغير غسل أو كفن، أو إلى غير القبلة، أو كفّن في حرير ونحوه تردّد، وتحريم النبش أقرب.

ولو اُريد نبشه للنقل إلى المشاهد المشرّفة، ففي الجواز قولان:

أحدهما ـ وجزم به المصنّف ـ المنع.

____________

1- ص 59 س 4.

2- في "ش": تضييع.


الصفحة 98
والثاني: الجواز، وذكر الشيخ أنّ به رواية، قال: سمعناها مذاكرة(1). ولا يخلو من قوّة، لكن بشرط عدم المثلة.

قوله: (الشهيد إذا مات... إلى آخره)(2).

أمّا الغسل فلا يجوز على حال، وأمّا عدم التكفين فإنّما هو إذا لم يجرّد، فإنّ جرّد من ثيابه كفّن، ويدخل في الثياب العمامة والقلنسوة والسراويل على الأصح.

وقال المفيد: تنزع السراويل، إلاّ أن يصيبها الدم(3).

ويجب نزع الخفّين، والفرو، وسائر الجلود والحديد وإن أصابها الدم على الأصح. ولا فرق بين أن يكون كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو انثى، حرّاً أو عبداً، عاقلاً أو مجنوناً، خالياً من حدث أكبر أو لا، ولا(4) بين أن يقتل بحديد أو غيره ولو بسلاح نفسه; لإطلاق الأخبار.

قوله: (إذا مات ولد الحامل...إلى آخره)(5).

إذا مات ولد الحامل في بطنها وهي حيّة، فالواجب اخراجه بما أمكن، ويجب اعتماد الأسهل فالأسهل، فإن أمكن اخراجه بعلاج تعيّن، ومع التعذّر يخرج باليد، فإن لم يمكن بدون تقطيعه جاز; للرواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام)(6).

وتتولاّه النساء، فإن لم يوجدن فالرجال، ويتحتّم تقديم الزوج، ثمّ

____________

1- المبسوط 1: 187.

2- ص 59 س 5 ـ 6.

3- المقنعة: 84.

4- في " ش ": ولا فرق.

5- ص 59 س 7.

6- الكافي 3: 155 حديث 3، التهذيب 1: 344 حديث 1008.


الصفحة 99
المحارم، ومع فقدهم فالأجانب.

ولو ماتت الحامل والولد حيّ شق جوفها مع الجانب الأيسر وجوباً، سواء كان بحيث يعيش عادةً أم لا; لوجوب انقاذ الحيّ من المهلكات. نعم يشترط العلم بحياة الجنين، والظاهر أنّ الظنّ الغالب كاف، ويجب أن يخاط بطنها على الأصح لحرمة الميّت.

والرواية التي أشار إليها المصنّف ـ وهي عن ابن أبي عمير(1) ـ موقوفة على ابن اذنية، فلذلك توقّف فيها المصنّف، والعمل بها أقوى; لأنّ الراويين من العظماء، ومثل ذلك لا يُقال عن غير توقيف.

ويتولّى الشقّ والخياطة النساء إلى آخر ما سبق.

قوله: (إذا وجد بعض الميّت...إلى آخره)(2).

وكذا القلب بطريق أولى، وأبعاضهما على قول لا بأس به. وحينئذ فيجب التغسيل والتكفين على المعهود، إلاّ أن يكون موضع بعض الكفن غير موجود فيسقط ذلك البعض، وكذلك التحنيط إذا وجدت المساجد أو بعضها. ولو وجدت عظام المساجد ففي وجوب التحنيط نظر، وليس ببعيد الوجوب; لإطلاق كونه كالميّت.

قوله: (وإن لم يوجد الصدر... إلى آخره)(3).

المراد تغسيله على الوجه المعتبر، وأمّا التكفين والتحنيط(4) فيحسب حال ذلك الموجود.

____________

1- الكافي 3: 155 ذيل الحديث 2، التهذيب 1: 344 حديث 1007.

2- ص 59 س 9.

3- ص 59 س 10.

4- في " م ": والحنوط.


الصفحة 100

قوله: (قال الشيخان...إلى آخره)(1).

لا خلاف في هذا الحكم بين الأصحاب فيما نعرفه، وإسناد الحكم إلى الشيخين(2) لأنّهما القدوة في ذلك. ويجب تكفينه حينئذ وتحنيطه، ولو كان لدون ذلك فلا غسل ولا كفن ; لانتفاء الموت حينئذ، فإنّه إنّما تُنفخ فيه الروح بعد استكمال الأربعة.

قوله: (ولا يُغسّل الرجل إلاّ رجل وكذا المرأة)(3).

أي لا تغسّلها إلاّ امرأة، وهذا إنّما هو مع وجود المماثل، فإن فقد جاز أن يتولّى المحارم تغسيل المحرم، رجلاً كان أو امرأة. وهذا في غير الزوج والزوجة، فإنّ لكلّ منهما تغسيل الآخر اختياراً. وإنّما يجوز لكلّ من الزوجين تغسيل الآخر من وراء الثياب على الأصح، فيتحصّل من ذلك أنّ الزوج أولى بالزوجة، ثمّ النساء المماثلة، وتقدّم المحارم منهنّ على الأجانب، ثمّ الرجال المحارم، وكذا القول في الجانب الآخر.

قوله: (ويُغسّل الرجلُ بنتَ ثلاث سنين مجرّدة، وكذا المرأة)(4).

أي وكذا المرأة تُغسّل ابن ثلاث سنين مجرّداً، والظاهر من إطلاق كون كلّ منهما مجرّداً عدم وجوب ستر العورة، وهو متجه. ولا يخفى أنّ الثلاث هي نهاية الجواز فلابُدَّ من كون الغسل واقعاً قبل تمامها بحيث يتمّ بتمامها، ولو حكمنا بصدق ابن ثلاث على مَن شرع في الثالثة فلا يجب.

____________

1- ص 59 س 12.

2- المقنعة: 83، المبسوط 1: 180، النهاية: 41.

3- ص 59 س 14.

4- ص 59 س 15.


الصفحة 101

قوله: (ومَن مات مُحرماً كان كالمُحلّ لكن لا يقرب الكافور)(1).

وكذا غيره من الطيب، ولا يُكشف رأسه، ولا يُلحق به المعتكف، ولا المعتدّة من الوفاة.

قوله: (لو لاقى كفن الميّت...إلى آخره)(2).

إنّما تُقرض إذا لم يمكن غسلها في القبر، فإن أمكن الغسل تعيّن، وإلاّ قُرضت، وينبغي أن يكون ذلك مقيّداً بما إذا لم تكثر النجاسة بحيث يؤدي قرضها إلى إفساد الكفن وهتك الميّت.

قوله: (يجب الغُسل بمسّ الآدمي ميّتاً بعد برده...إلى آخره)(3).

خالف في وجوب غُسل المسّ المرتضى(رحمه الله)(4)، والأخبار حجّة عليه(5). والأصح الوجوب.

والمراد ببرده بالموت برد جميع أعضائه، فلو بقي فيه حرارة فلا غسل وإن كانت في غير العضو المحسوس; لبقاء أثر الحياة.

واحترز بقوله: (وقبل تطهيره بالغسل) عمّا إذا مسّه بعد تطهيره فإنّه لاغسل قطعاً، واعتبر تطهيره بالغسل; لأنّ مجرّد الغسل وحده لا يكفي مطلقاً، إنّما يكتفى به إذا طهر الميّت به من نجاسة الموت، وذلك إذا وقع على الوجه المعتبر بالنيّة من المسلم المكلّف مع الخليطين.

____________

1- ص 59 س 17.

2- ص 60 س 1 ـ 2.

3- ص 60 س 4 ـ 5.

4- حكاه عنه الماتن المحقّق الحلّي في المعتبر 1: 351.

5- الكافي 3: 160 حديث 1 ـ 3، التهذيب 1: 108 حديث 283 و 284، الاستبصار 1: 99 حديث 321.


الصفحة 102
فلو خلا من ذلك ـ كما لو غُسّل فاسداً، أو غسّله كافر وإن كان لفقد المسلم، أو خلا من أحد الخليطين، أو يُمّم عن بعض الغسلات ـ فوجوب الغسل بمسّه ثابت، ولو يُمّم عن جميع الغسلات كذلك بطريق أولى.

ويستفاد من قوله: (وقبل تطهيره) نجاسة الميّت قبل الغسل، فلو كان الميّت معصوماً، أو شهيداً، أو اغتسل غسل الأموات لوجوب قتله في حدٍّ أو قصاص وقُتل بذلك، فلا غسل على مَن مسّه; لأنّ الميّت على هذه التقديرات طاهر لا يجب تغسيله إلاّ المعصوم.

قوله: (وكذا يجب الغُسل بمسّ قطعة فيها عظم، سواء اُبينت من حيّ أوميّت)(1).

وهل يجب بمسّ العظم المجرّد؟ فيه تردّد والأظهر الوجوب. ولا يجب بمسّ الشعر والسّن من الميّت، وكذا الظفر إذا كانت منفصلةً، وهل يجب بمسّها مع الاتّصال؟ فيه تردّد. وهل تتعدّى نجاسة الميّت إلى المحلّ الملاقي بدون الرطوبة بحيث يجب تطهيره؟ فيه قولان، أصحّهما العدم.

قوله: (وهو كغُسل الحائض)(2).

في جميع ما سبق إلاّ النيّة.

قوله: (فالمشهور غُسل الجمعة، ووقته ما بين الفجر إلى الزوال)(3).

المشهور والأصح استحباب غُسل الجمعة، وقيل بوجوبه(4). ووقته

____________

1- ص 60 س 6.

2- ص 60 س 6 ـ 7.

3- ص 60 س 9 ـ 10.

4- قاله الشيخ الصدوق في الفقيه 1: 61.


الصفحة 103
أداءً من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، وقضاءً إلى آخر السبت، ويقدّم لخائف الاعواز من أوّل الخميس، ويراعى في نيّته التعرّض للأداء أو القضاء أو التقديم.

قوله: (وكلّما قرب...إلى آخره)(1).

هذا الحكم ثابت في الأداء وغيره، فيكون آخر الأداء أفضل، كما أنّ أوّل القضاء أفضل.

قوله: (وأوّل ليلة من شهر رمضان...إلى آخره)(2).

يُستحب الغُسل لجميع ليالي فرادى رمضان، ويُستحب في ليلة ثلاث وعشرين غسلان: أوّل الليل وآخره.

قوله: (ويوم المبعث)(3).

أي مبعث النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وهو السابع والعشرين من رجب.

قوله: (والغدير)(4).

أي يوم الغدير، وهو ثامن عشر من ذي الحجّة.

قوله: (يوم المباهلة)(5).

هو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجّة على الأشهر، وقيل: الخامس والعشرون منه.

قوله: (وغسل الإحرام)(6).

____________

1- ص 60 س 10.

2- ص 60 س 10 ـ 12.

3- ص 60 س 12.

4- ص 60 س 13.

5- ص 60 س 13.

6- ص 60 س 13.


الصفحة 104
على الأصح، وقيل بوجوبه(1).

قوله: (ولقضاء الكسوف)(2).

إذا كان الترك عمداً واستوعب الاحتراق القرص، ولا فرق في ذلك بين كسوف الشمس وخسوف القمر. وقيل بوجوب الغسل لذلك، والأصح الاستحاب.

قوله: (والتوبة)(3).

سواء كانت عن فسق أو كفر، وسواء كان الفسق بفعل كبيرة، أو صغيرة بالإصرار عليها.

قوله: (وصلاة الحاجة وصلاة الاستخارة)(4).

ليس المراد بذلك أي صلاة اقترحها المكلّف لأحد الأمرين، بل المراد مانقله الأصحاب عن الأئمة(عليهم السلام) وله مظانّ فلتطلب منها.

قوله: (ولدخول الحرم والمسجد الحرام)(5).

ويستحب لدخول مكّة أيضاً.

قوله: (وغُسل المولود)(6).

أي يُستحب تغسيل المولود وذلك عند ولادته، وقيل بوجوبه(7)، وهو ضعيف.

____________

1- قاله ابن أبي عقيل، كما حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 25، والعلاّمة الحلّي في مختلف الشيعة 1: 152 مسألة 102.

2- ص 60 س 14.

3- ص 60 س 14.

4- ص 60 س 14 ـ 15.

5- ص 60 س 15.

6- ص 60 س 16.

7- قاله ابن حمزة في الوسيلة: 54.


الصفحة 105

قوله: (شرط التيمّم عدم الماء، أو عدم الوُصلة إليه، أو حصول مانع من استعماله كالبرد والمرض)(1).

هذه أسباب ثلاثة:

فعدم الوصلة إلى الماء يُراد به ما يكون الماء معه موجوداً لكن الوسيلة إليه منتفية، كما إذا كان في بئر لا يستطاع النزول إليها، ولا آلة من دلو ونحوه يستخرج بها.

ومنه أن يكون في يدِ مالك لا يبذله، أو يبذله بعوض غير موجود.

ومنه ما إذا كان دون الماء لصّ أو سبع أو نحوهما، يخاف منه على نفس أو طرف أو مال وإن قلّ ـ لا كحبّة حنطة ـ مع احترام ذلك، أو بضع سواء كان ذلك له أو لغيره.

ويراد بالمانع من استعماله أن يكون الماء موجوداً ويتوصّل إليه، لكن منع مانع من استعماله.

ويراد بالمانع ما يعمّ الحسيّ كما لو قبضه شخص فمنعه من الطهارة به، والشرعيّ كما إذا كان على بدنه أو ثوبه نجاسة لم يُعف عنها وضاق الماء عن إزالتها والطهارة معاً.

ومن المانع المرض الموجود الذي يخاف زيادته أو بطء بُرئه، أو الذي يخاف حدوثه بقول عارف أو تجربة سابقة ونحو ذلك.

ومنه الشين: وهو ما يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة بسبب استعمال الماء، وربّما بلغت تشقّق الجلد وخروج الدم، وإنّما يُعدُّ مانعاً إذا تفاحش.

____________

1- ص 61 س 3 ـ 4.


الصفحة 106
أمّا البرد فقد عدّه المصنّف مانعاً وأطلق، وينبغي تقييده بما إذا خيف معه من استعمال الماء مرض، أو ما في حكمه كبطء البرء. أمّا لو ألّم في الحال ولم يخش العاقبة، ففي جواز التيمّم قولان، أظهرهما العدم، إلاّ إذا كان الألم شديداً بحيث لا يتحمّل مثله في العادة.

قوله: (ولو لم يوجد إلاّ ابتياعاً وجب وإن كثر الثمن، وقيل: ما لم يضرّ في الحال وهو أشبه)(1).

لا خلاف في وجوب شراء ماء الطهارة للقادر عليه، إنّما الخلاف إذا زاد ثمنه عن ثمن المثل المعتاد باعتبار الزمان والمكان. والأصح وجوب الشراء مطلقاً، إلاّ أن يضرّ الشراء بحاله، إمّا ضرراً في الحال، أو في المآل حيث لا يتوقّع مالاً عادة كالمسافر إذا خشي بشراء الماء قصور النفقة في أثناء السفر، وكذا لو أجحف بماله لم يجب الشراء.

واعلم أنّ (الحال) في العبارة ينبغي تنزيله على حال المكلّف; ليعمّ الضرر الحالي والمتوقّع، لا على الزمان الحاضر; لأنّ الضرر المتوّقع عادةً ضرر منفيّ بالنصّ، فلا يتّجه ايجاب الشراء معه.

قوله: (ولو كان معه ماء وخشي العطش تيمّم إن لم يكن فيه سعة عن قدرالضرورة)(2).

هذا مندرج في القسم الثالث، وهو ما إذا حصل مانع من استعمال الماء، فإنّ خوف العطش مانع من استعمال الماء، سواء خاف العطش على نفسه أو على غيره، أو حيوان له أو لغيره، مأكول اللحم أو لا، بشرط أن يكون مباح الدم.

____________

1- ص 61 س 5 ـ 6.

2- ص 61 س 7.


الصفحة 107
ولا فرق في خوف العطش المجوّز للتيمّم بين أن يخاف الهلاك، أو المرض، أو المشقّة الشديدة جدّاً أو الضعف عن التردّد في الاُمور الضروريّة.

فمتى لم يكن في الماء سعة الطهارة والشرب الذي تدعو إليه الضرورة ـ وفي حكم الشرب الطبخ به والخبز قدر الضرورة ـ تيمّم، سواء كان الشرب الضروري في الحال أو متوقعاً في المآل.

ولو دار الحال بين شرب ما لا يجوز والطهارة، لم يجز صرف الماء إليها; لأنّ لها بدلاً، بخلاف شرب ما لا يجوز.

ومتى كان العذر المجوّز للتيمّم خوف الضرر ونحوه، لو خالف وتطهّر، ففي الصحة نظر، أقربه العدم. ولو كان على جسده نجاسة ومعه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها وتيمّم، هذا إذا لم يكن معفّواً عنها. وكذا لو كانت على ثوبه المفتقر إلى مصاحبته في الصلاة أو مسجده مطلقاً، سواء عُفي عنها أو لا، ولا فرق بين الوضوء والغسل في ذلك.

قوله: (وكذا مَن معه ماء لا يكفيه لطهارته)(1).

أي يتيمّم; لأنّ الطهارة لا تتبعّض، وكذا مَن كان بعض أعضاء طهارته مريضاً لا يقدر على غسله ولا مسحه.

قوله: (وإذا لم يوجد للميّت ماء يُمِّمَ كالحي العاجز)(2).

ثلاث مرّات بدلاً من الغسلات الثلاث على الأقوى، كالتيمّم بدلاً من الغسل.

____________

1- ص 61 س 9.

2- ص 61 س 10.


الصفحة 108

قوله: (ولا بأس بأرض النورة والجصّ)(1).

المراد قبل احراقهما; لوقوع اسم الأرض عليهما، وعدم تناول المعدن لهما، ومنع ابن ادريس من التيمّم بهما(2). أمّا بعد الاحراق فلا يجوز; لخروجهما بالاستحالة عن اسم الأرض كالرماد، خلافاً للمرتضى(3).

قوله: (ويكره السَبخة والرّمل)(4).

السَبخة، بالتحريك: الأرض المملحة النشاشة(5). والأصح جواز التيمّم بها، ولو علاها الملح لم يجزىء حتّى يزيله.

قوله: (وفي جواز التيمّم بالحجر تردّد، وبالجواز قال الشيخان)(6).

شرط الشيخ وجماعة في استعماله فقد التراب، والأصح الجواز اختياراً. وينبغي تقييده بالحجر المنعقد من أجزاء الأرض، وأمّا غيره كالمصنوع من أجزاء معدنيّة ونحوها فلا.

قوله: (ومع فقد الصعيد يتيمّم بغبار الثوب واللّبد وعُرف الدابة)(7).

وكذا غيرهما مّما هو مظنّة الغبار كالبساط، ويتحرّى أكثرها غباراً، ولا يتعيّن تقديم العرف واللّبد على الثوب، خلافاً للشيخ(8)، ولا العكس خلافاً

____________

1- ص 61 س 13.

2- السرائر1: 137.

3- قاله في المصباح، كما حكاه عنه الماتن المحقّق الحلّي في المعتبر1: 375.

4- ص 61 س 13.

5- القاموس المحيط 1: 261 " سبخ ".

6- ص 61 س 14. وانظر المقنعة: 60، المبسوط 1: 31، النهاية: 49.

7- ص 61 س 15.

8- النهاية: 49.


الصفحة 109
لابن ادريس(1).

قوله: (ومع فقده بالوَحل)(2).

هو باسكان الحاء وفتحها: الطين الرقيق، ولا ريب أنّه لا يجوز التيمّم به إلاّ مع فقد ما سواه. نعم لو أمكن تجفيفه بحال ولو بالضرب باليدين عليه ومقابلة الشمس أو النار أو الهواء حتّى يجف ثمّ يفركهما في محلّ ويتيمّم به وجب، وقدّمه على الغبار قطعاً.

قوله: (وفي صحّته مع السعة قولان، أحوطهما التأخير)(3).

بل في الصحّة ثلاث أقوال:

الجواز مع السعة مطلقاً (4).

والمنع إلاّ مع الضيق مطلقاً(5).

والتفصيل بكون العذر مرجوّ الزوال حتّى خروج الوقت عادةً أو بقول عارف فيجب التأخير، أو غير مرجوّ الزوال كذلك فيجوز مع السعة(6)، وهو الأصح. وأطلق المصنّف أنّ فيها قولين; نظراً إلى ما اختاره ومقابله بضرب من التوسّع.

____________

1- السرائر 1: 137 ـ 138.

2- ص 61 س 15 ـ 16.

3- ص 61 س 19.

4- قاله الشيخ الصدوق في المقنع: 8، والهداية: 19.

5- قاله الشيخ المفيد في المقنعة: 61، والسيّد المرتضى في جمل العلم والعمل: 54 والانتصار: 31، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 31 والنهاية: 47 والخلاف 1: 146 مسألة 94، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 136، وسلاّر في المراسم: 54 وابن ادريس في السرائر 1: 135، وابن البرّاج في المهذب 1: 47.

6- قاله ابن الجنيد، كما حكاه عنه مع ترجيحه إياه العلاّمة الحلّي في مختلف الشيعة 1: 253 مسألة 191.


الصفحة 110

قوله: (وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين؟ فيه روايتان أشهرهمااختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفيّن)(1).

قال علي بن بابويه بوجوب استيعاب الوجه والذراعين(2); تعويلاً على روايات(3) في بعضها ضعف. والأصح اختصاص المسح بالجبهة من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف الأعلى، وهو الذي يلي آخر الجبهة، وكذا الجبينين وهما المحيطان بالجبهة يتّصلان بالصدغين، وكذا الحاجبين لكونهما على الجبينين. وظاهر الكفيّن من الزند إلى طرف الأصابع، ويجب أن يبدأ بالأعلى.

قوله: (وفي عدد الضربات أقوال، أجودها للوضوء ضربة واحدة،وللغُسل اثنتان)(4).

أي إذا كان التيمّم بدلاً من الوضوء فالواجب ضربة، وإن كان بدلاً من الغُسل فاثنتان، وهذا هو المشهور بين الأصحاب(5)، واجتزأ المرتضى بضربة فيهما(6)، وعلي بن بابويه بضربتين(7)، والأصح الأوّل.

____________

1- ص 62 س 1 ـ 2.

2- حكاه عنه الماتن المحقّق الحلّي في المعتبر 1:384، وانظر الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا(عليه السلام): 89.

3- التهذيب 1: 207 حديث 598 و 500، الاستبصار 1: 170 حديث 591 و 592.

4- ص 62 س 3.

5- قاله الشيخ المفيد في المقنعة: 62، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 33 والنهاية: 49 والخلاف 1: 132 مسألة 76 والاقتصاد: 251 والجمل والعقود: 169، وسلاّر في المراسم: 54، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 136، وابن ادريس في السرائر 1: 136.

6- المسائل الناصرية (ضمن الجوامع الفقهيّة): 224.

7- حكاه عنه العلاّمة الحلّي في مختلف الشيعة 1: 271 مسألة 202، وانظر الفقه المنسوب للإمام الرضا(عليه السلام): 88.


الصفحة 111

قوله: (والواجب فيه النيّة)(1).

ويجب مقارنتها للضرب على الأرض وما في حكمها; لأنّه أوّل أفعال التيمّم، والتعرّض فيها لبدليّة الوضوء والغسل، وكونها مشتملة على قصد استباحة الصلاة أو فعل مشروط بالطهارة، ولا يجزىء الاقتصار على نيّة رفع الحدث بحال.

قوله: (واستدامة حكمها)(2).

كما في الوضوء والغُسل، ولو نوى القطع جدّد النيّة مع عدم فوات الموالاة، وإلاّ استأنف.

قوله: (والترتيب...إلى آخره)(3).

فلو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب، وتجب الموالاة وإن كان بدلاً من الغسل. والمراد بها هنا متابعة الأفعال عادةً، فلا يضرّ الفصل اليسير.

قوله: (ولو تعمّد الجنابة لم يجزىء التيمّم ما لم يخف التلف، فإن خشي فتيمّم وصلّى ففي الإعادة تردّد، أشبهه أنّه لا يُعيد)(4).

قال الشيخ في (النهاية) بجواز التيمّم عند خوف التلف لمن تعمّد الجنابة مع عجزه عن الغسل، وأوجب الإعادة عند التمكّن منه(5)، تعويلاً على بعض الأخبار(6).

____________

1- ص 62 س 4.

2- ص 64 س 4.

3- ص 62 س 4 ـ 5.

4- ص 62 س 8 ـ 9.

5- النهاية: 46.

6- الكافي 3: 67 حديث 3، الفقيه 1: 60 حديث 224، التهذيب 1: 196 حديث 567، الاستبصار 1: 161 حديث 559.


الصفحة 112
والأصح أنّ متعمّد الجنابة كغيره إذا خشي الضرّر تيمّم، ولا يتقيّد بخوف التلف، ولا إعادة عليه عند التمكّن من الغُسل. وهذا إذا لم يكن تعمدّه للجنابة بعد دخول الوقت مع العجز عن الماء، فإنّ هذا بمنزلة من أراق الماء في الوقت يجب عليه الإعادة.

قوله: (وكذا من أحدث...إلى آخره)(1).

أي منعه الزحام عن الطهارة بالماء، والتشبيه بـ(كذا) للتردّد في وجوب الإعادة، ومنشؤه اختلاف الأصحاب، قال الشيخ بوجوب الإعادة(2)والأصح العدم.

قوله: (ويجب على مَن فقد الماء الطلب في الحَزْنة غَلْوَة سَهْم، وفي السَّهلة غلوة سهمين)(3).

السهم هي مقدار رمية، والمراد بها من الرامي المعتدل والآلة المعتدلة.

والحَزْنةُ، باسكان الزاي بعد الحاء المهملة المفتوحة: الأرض المشتملة على نحو الأشجار والعلّو والهبوط.

ويجب طلب ذلك من الجهات الأربع بحيث يستوعب جميع الجهة، ويجزىء في الطلب الاستنابة، وينبغي عدالة النائب. ولو علمَ فقد الماء في بعض الجهات سقط الطلب فيه، ويجب طلب التراب لو فقده حيث يجب التيمّم; لأنّه مقدّمة الواجب المطلق.

____________

1- ص 62 س 10 ـ 11.

2- المبسوط 1: 31.

3- ص 62 س 12 ـ 13.


الصفحة 113

قوله: (فإن أخلّ...إلى آخره)(1).

أي لو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت ـ لأنّه قد أسلف مراعاة التأخير إلى أن يضيق الوقت ـ فتيمّم وصلّى، ثمّ تبيّن وجود الماء، تطهّر وأعاد; لورود الخبر عن الصادق(عليه السلام) بأنّه إذا وجد الماء في رحله أو مع أصحابه يُعيد(2). ومضمونه مشهور بين الأصحاب، ولا سبيل إلى ردّه.

وألحق شيخنا الشهيد في (الذكرى) بذلك ما لو وجد الماء في الفلوات; لأنّه جعل مناط الإعادة وجدان الماء في محلّ الطلب(3)، وهو ظاهر عبارة المصنّف، ولا بأس به.

قوله: (ولو وجد الماء قبل شروعه تطهّر)(4).

أي قبل شروعه في الصلاة، ويشكل بأنّه مع ضيق الوقت بحيث لا يسع الطهارة بالماء، يلزم تعمّد إخراج الصلاة عن وقتها مع وجود التيمّم المبيح، ومع سعته يلزم وقوع التيمّم مع سعة الوقت، وهو غير جائز خصوصاً إذا كان التيمّم لفقد الماء، ويمكن تنزيله على ما إذا غلب على ظنّه ضيق الوقت فتبيّن السعة.

وهذا بخلاف ما إذا لم يكن متيمّماً وضاق الوقت عن الطهارة المائيّة، ففي جواز التيمّم لخوف خروج الوقت قولان، أقواهما العدم، فيتطهّر بالماء ويصلّي قضاءً.

قوله: (ولو كان في أثناء الصلاة...إلى آخره)(5).

هاهنا أقوال:

____________

1- ص 62 س 14.

2- الكافي 3: 65 حديث 10، التهذيب 1: 212 حديث 616.

3- الذكرى: 22.

4- ص 62 س 14.

5- ص 62 س 15 ـ 16.