الصفحة 103
الثاني: أنّ المصنّف لمّا لم يصرّح هنا بطهارة جلد الميتة بالدباغ أو عدمها، أتى بما يكون جارياً على المذهبين. ولو اقتصر والحال هذه على الشرط الأوّل لم يكن معلوماً حال هذا الجلد إذا دبغ عنده أيجوز الصلاة فيه أم لا في هذه الرسالة، والعلم بمذهبه من كتاب آخر غيرُ كاف عن البيان هنا.

وما توهّمه بعض مَن لا تحصيل له من أنّ ذلك احترازاً من جلد السمك الطافي فباطل(1) ; لإجماع الأصحاب على جواز الصلاة فيه، وقد نقله المصنّف في (الذكرى)(2) عن (المعتبر)(3).

قوله: (إلاّ الخزّ الخالص والسنجاب)(4).

فيجوز فيهما جلداً ووبراً.

قوله: (مغصوباً)(5).

سواء كان ساترَ العورةِ هو أو غيره، ومثله ما ليس له صلاحيّة الستر كالخاتم عند الأكثر.

قوله: (حريراً محضاً)(6).

احترز به عن المُمتزج، فتجوز الصلاة فيه وإن غلب الحرير، ما لم يضمحل الخليط فيصدق عليه اسم الحرير.

____________

1- لم أتعرّف عليه، وهو من المعاصرين له أو القريبين من عصره.

2- الذكرى: 144.

3- المعتبر 2: 84. والموجود فيه الإجماع على جواز الصلاة في وبر الخزّ ـ لا جلد السمك ـ وإن كان ميتة; لأنّه طاهر في حال الحياة ولم ينجس بالموت.

4- ص 484 س1.

5- ص485 س1.

6- ص 485 س2.


الصفحة 104

قوله: (أو الضرورة)(1).

كالبردِ والقملِ.

قوله: (لا ذهباً)(2).

ولا ممّوهاً به.

قوله: (ولا تجوز في ساتر ظهر القدم)(3).

بل يجوز على كراهية.

قوله: (فللظُهرِ)(4).

أي فالوقت للظُهرِ.

قوله: (في جانبِ المشرقِ)(5).

المرادُ به الجانب الذي يلي الخطّ الخارج من جهة الجنوب إلى جهة الشمال المشتمل على جهة المشرق، فإنّ أوّلَ ظهورِ الظلّ في ذلك الجانب، وخروجه عن الخطّ الشمالي علامة الزوال. ولا يظهر في نَفس جهة المشرق إلاّ بعد الزوال بزمان كثير وهذه صورته:


       

____________

1- ص 486 س1.

2- ص 486 س1.

3- ص 486 س2.

4- ص 488 س2.

5- ص 488 س3.


الصفحة 105

قوله: (وللعصرِ)(1).

أي والوقت للعصر.

قوله: (ولو تقديراً)(2).

أي لو كان الفراغ من الظهر تقديراً، بأنْ لَمْ يفعلها لكن مضى زمان يمكن أداء واجبها فيه، فيشترك الوقتان حينئذ.

قوله: (ذهابُ المشرقيّة)(3).

المراد ذهابها عن مجموع الجانب المشرقي إلى أن تجاوز قمة الرأس.

قوله: (الفراغ منها)(4).

المراد به أداؤها بحسب الواجب شرعاً من قصر أو اتمام مشتمل على جميع الواجبات، أو مع السهو عن بعضها، لكن ما اعتبر له في السهو حكم فلابُدّ من اعتبار وقته أمّا ما لا حكم له فلا يجب الصبر بقدر زمانه، إذ المعتبر وقت الأداء وقد حصل.

قوله: (ولو تقديراً)(5).

كما سبق بيانه في الظهر.

قوله: (وتأخيرها)(6).

قيل: يجب(7).

____________

1- ص 490 س1.

2- ص 490 س1.

3- ص 490 س1. وفي نُسختي الألفيّة "ش1"" و"ش3": ذهاب الحمرة المشرقيّة.

4- ص491 س1.

5- ص491 س1.

6- ص491 س1.

7- قاله الشيخ المفيد في المقنعة: 93، والشيخ الطوسي في النهاية: 59 والمبسوط 1: 75 والخلاف 1: 262 مسألة 7، وسلاّر في المراسم: 62، وحكاه العلاّمة الحلّي في مختلف الشيعة 2: 47 مسألة 7 عن ابن أبي عقيل.


الصفحة 106

قوله: (وللصبح)(1).

أي والوقت للصبح الفجر المعترض، وهو الذي يخرج عرضاً في اُفق السماء ويسمّى الصادق; لأنّه صدقكَ عن الصبح.

واحترز بـ(المعترض) عن المستطيل، وهو الذي يخرج قبله مُستدقاً صاعداً كذنب السرحان، ويسمّى الكاذب; لبقاء الليل عنده.

قوله: (ويمتد وقت الظُهرين... إلى آخره)(2).

امتدادُ وقتِ الظُهرين إلى دخول العشاءين، ووقت العشاءين إلى نصف الليل، وإنّما يصدق على القول باشتراك الفرضين في الوقت من أوّله إلى آخره، وهو قول ابن بابويه(3).

أمّا على القول بالاختصاص كما صرّح به المصنّف في هذه الرسالة وغيرها(4) ـ وهو مذهب عامّة الأصحاب ـ فلا، إذ وقت اشتراك الظهرين ينتهي بوقت الاختصاص بالعصرِ، وينتهي وقتها بدخول وقت المغرب.

واعتذر المصنّف عن ذلك بحمله على المعنى المجازي، باعتبار أنّه آيل إلى الدخول، وفيه سماجة، وأيّ معنى لارتكاب المجازي في تحديد الأوقات المخلّ بالفهم والمفوّت للغرض.

قوله: (والصبح إلى طلوعها)(5).

____________

1- ص492 س1.

2- ص 492 س 2.

3- المقنع: 27، الهداية: 29، الفقيه 1: 139 باب 32 مواقيت الصلاة.

4- الذكرى: 117.

5- ص493 س1.


الصفحة 107
أي ويمتدُ وقت الصبح إلى طلوع الشمس، وأضمر من غير تقدّم ذكر; لأمْنِ اللبس، كما في قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب}(1).

قوله: (أو محموله)(2).

يجب أن يُستثنى منه ما لا تتمّ فيه الصلاة وحده، فلا يضرّ تعدّي النجاسة إليه، وكذا النجاسة التي عُفي عنها شرعاً كدون الدرهم من الدم، فلا يضر تعدّيها بالمحمول، سواء كان ملبوساً أم لا.

واحترز به عمّا لو كان بعض الثوب المحمول على الأرض وفيه نجاسة، فإنّ الصلاة معه صحيحة وإن كان يتحرّك بحركة المصلّي، إذ ليس محلّ النجاسة محمولاً له، ومثله ما لو شدّ في وسطه حبلاً وشدّ طرفه الآخر بشيء نجس.

قوله: (عادةً)(3).

هو قيد فيها، وإن اتّحدت العادة فالحكم ظاهر، وإن اختلفت فالظاهر تغليب جانب التحريم فيعمّ المنع.

قوله: (توجّه المصلّي إليها)(4).

فيه تسامح وإجمال، والواجب التوجّه إلى عين الكعبة لمن أمكنه مشاهدتها.

أمّا مَنْ بَعُدْ فلم يمكنه المشاهدة، فإن صلّى في مثل محراب النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وجب عليه مراعاة السمت، وحرم عليه الاجتهاد في

____________

1- سورة ص: 32.

2- ص495 س2.

3- ص496 س2.

4- ص498 س3.


الصفحة 108
اليمنة واليسرة.

وإن صلّى في محراب بلد المسلمين أو إلى سمت قبورهم صح، ولو خالف اجتهاده قبلتهم في اليمنة واليسرة فله العمل فيه، أمّا لو خالف في الجهة فلا; لبعد الخطأ عليهم في الثاني، وإمكانه في الأوّل; لخفائه.

ولو صلّى في غير ذلك ففرضه استقبال جهة الكعبة لا عينها; لتعذّره مع البعد.

والمراد بالجهة: ما يُسامت الكعبة من جانبيها، بحيث لو اُخرج خطّ مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهه وقع على خطّ جهة الكعبة بالاستقامة، بحيث تحدث عن جنبيه زوايتان قائمتان، وصورته كذا:



أمّا لو كان الخطّ الخارج من موقف المصلّي تلقاء وجهه واقعاً على خطّ الجهة بالاستقامة، بحيث تكون إحدى الزاويتين حادّة والاُخرى منفرجة، فليس مستقبلاً لجهة الكعبة، وهذه صورته:




الصفحة 109
والحاصل أنّ المراد بالجهة في حقّ اهل كلّ اقليم مسامتة الكعبة لا محاذاة عينها، والمسامتة الصحيحة إنّما تكون بما قرّرناه، هذا كلّه إن علم الجهة.

فإنْ لم يعلمها عوّل على أماراتها، وهي العلامات الموضوعة لأهل كلّ اقليم بخصوصه.

ومعنى قول المصنّف: (وإلاّ عوّل): وإن لا يعلمها، حذف الشرط واكتفى بـ(أن) الشرطيّة و(لا) النافية.

قوله: (كجعل الجَدي حين اعتداله)(1).

وذلك عند غاية ارتفاعه بأن يكون الفرقدان إلى جهة أسفل، أو غاية انخفاضه بأن يكون الفرقدان إلى جهة فوق. أمّا إذا كان الجَدي والفرقدان بين المشرق والمغرب فليس علامةً حينئذ; لخروجه عن محاذاة القطب الذي هو العلامة حقيقة، فإنّه في وسط السمكة تقريباً، والجدي والفرقدان يدوران حوله كلّ يوم ولية مرّة.

قوله: (والمغرب والمشرق)(2).

فيه لفّ ونشر مرتّب.

قوله: (وكطلوع سهيل)(3).

المراد به أوّل طلوعها، كما نصّ عليه المصنّف(4) وغيره(5)، وقد غلط مَن قيّده بارتفاعه; لأنّه يميل إلى جهة الغرب حينئذ.

____________

1- ص 499 س1.

2- ص 500 س1.

3- ص 501 س1.

4- الذكرى: 163، البيان: 115.

5- كالعلاّمة الحلّي في تذكرة الفقهاء 3: 12 ونهاية الإحكام 1: 395.


الصفحة 110

قوله: (بنات نعش)(1).

المراد بها الكبرى وهي سبعة أنجم: أربعة متقابلة، ثم ثلاثة كمثلث أحد أضلاعه أطول.

قوله: (والعيوق)(2).

هو نجم مُضيء يقابل الثريا إلى جهة الشمال.

قوله: (عن اليمين واليسار)(3).

فيه لفّ ونشر مرتّب، أي الثريا على اليمين والعيوق على اليسار، والمراد وقت طلوعها.

قوله: (وإن فقد الأمارات)(4).

أي بإطباق السحاب ونحوه.

والتقليد هنا: هو الرجوع إلى قول العدل العارف بأدلّة القبلة المخبر عن اجتهاد، وأمّا المخُبر عن علم فلا يُعدّ الرجوع إليه تقليداً، وإنّما هو شهادة.

وهل تكفي شهادة الواحد، فيجوز الرجوع إليه ولو للعارف القادر على الاجتهاد، أم لابُدّ من المتعدد؟ وجهان، والثاني أولى، وكذا الوقت.

وظاهرُ كلام المصنّف أنّ فاقد الأمارات مع علمه بها وقدرته على الاجتهاد لولا خفائها، يجوز له التقليد لمجتهد آخر، وهو خلاف ما اختاره في كتبه(5). والمعتمد وجوب الصلاة إلى أربع جهات; لامتناع التقليد ممّن

____________

1- ص502 س1.

2- ص 503 س 1.

3- ص503 س1.

4- ص504 س1.

5- الذكرى: 164. وفي البيان: 116 ذهب إلى جواز التقليد.


الصفحة 111
له أهليّة الاجتهاد.

ثمّ قوله: (الثاني: توجّهه ـ أي المصلّي ـ إلى أربع جهات إن جهلها) أي الأمارات; لأنّها المحدّث عنه، مقتضاه ايجاب الصلاة إلى أربع على الجاهل بأمارات القبلة، فيدخل فيه العامّي وإن كان عاجزاً عن تعلّمها، والمكفوف. وقد اختار في كتبه(1) وعامة الأصحاب جواز التقليد لهذا القسم.

هذا مع أنّ إيجاب الأربع هنا، وتجويز التقليد لمن خفيت عليه الأمارات لا يتلاقيان، وإنّما الأمر بالعكس، فإنّ أكثر الموجبين للأربع في الأوّل يجوّزون التقليد هنا، فمن جوّز التقليد ثمَّ لزمه القول بتجويزه هنا بطريق أولى; لانتفاء أهليّة الاجتهاد في هذا القسم، وثبوتها في الأوّل.

وقد زعم بعض الشارحين أنّ مَن حمل قول المصنّف: (قلّد) على التقليد في القبلة فقد غلط، وقال: وإنّما المراد التقليد في الأمارات(2).

وهذا خطأ من الشارح:

أمّا أوّلاً; فلأنّ الرجوع إلى الغير في معرفة الأمارات لا يُسمّى تقليداً، كالرجوع إليه في أدلّة الفقه وتعلّمها.

وأمّا ثانياً; فلأنّ المصنّف قال: (وإن فَقَدَ)، ولم يقل وإن جَهَلَ. وفقد الأمارات بحيث لا توجد كيف يتصوّر معه تعلّمها والرجوع إلى الغير في معرفتها؟! وعند التحقيق فنسبة الغلط من الشارح إلى مَنْ حمل العبارة على ما قلناه، نسبة هو أحقّ بها.

____________

1- الذكرى: 164، البيان: 116.

2- هو ابن أبي جمهور الأحسائي في المسالك الجامعيّة في شرح الألفيّة المطبوعة بهامش الفوائد المليّة: 106.


الصفحة 112

قوله: (إلاّ عن جهة أجزأت)(1).

فإنْ ظنّ جهةً بسبب والحالة هذه تعيّنت، وإلاّ تخيّر، فإن تبيّن مصادفة القبلة واستمر الجهل أجزأ ما فعله، وإلاّ أعاد إن تبيّن الاستدبار ولو بعد خروج الوقت، وإن تبيّن الانحراف إلى محض اليمين أواليسار أعاد في الوقت، أو تبيّن انحرافاً دون ذلك أجزأ ما فعله، ومنه يُعلم حكم ما لو انكشف الحال في أثناء الصلاة.

قوله: (فهذه)(2).

إشارة إلى ما تقدّم ذكره من الأحكام.

قوله: (مقدّمة)(3).

أي على فعل الصلاة لا يتفاوت الحال في وجوبها بالحضر والسفر، لكن ليس وجوب جميعها عيناً، بل بعضها إنّما يجب بدلاً من بعض آخر منها، وذلك هو فروض التيمّم الذي وجوبه بالبدليّة عن الطهارتين.

وتفصيلها: أنّ في الطهارات الثلاث ستة وثلاثين.

وفي الساتر خمسة، وهي واجبات الستر الواجب على المكلّف من حيث هو هو وإن اختلفت بالنسبة إلى الرجل والمرأة; لاختلاف عورتهما، وما يحلّ لهما الستر به وما لا يحل.

ومراعاة الوقت أمر واحد.

وفي المكان أمران.

وفي القبلة أمران.

____________

1- ص506 س1.

2- ص 507 س1.

3- ص 507 س1.


الصفحة 113
فهذه ستة وأربعون، وفي إزالة النجاسة خمسة:

أ: إزالتها بماء طهور أو ما في حكمه.

ب: ستر العورةِ للمتخلّي.

ج: انحرافه عن القبلة.

د: العصر في غير الكثير.

هـ: رعاية ما يجب من الغسل بحسب النجاسة، وهو المبيّن بقوله: (إلاّ في بول الرضيع والغسلتان في غيره إلى آخره).

وفي مقدّمة الرسالة تسعة:

أ: وجوب اليوميّة بالنصّ والإجماع.

ب: كفر مستحلّ تركها، إذ هو في معنى وجوب اعتقاد وجوبها.

ج: وجوبها على كلّ مكلّف إلاّ الحائض والنفساء.

د: وجوب تقديم الإسلام عليها.

هـ: وجوب تقديم المعارف الاُصوليّة عليها.

و: كون تلك المعارف بالدليل.

ز: وجوب الأخذ بالاستدلال في أحكام الصلاة لمن له أهليّة.

ج: وجوب الاستفتاء لأهله على مَنْ قصر عن الاستدلال.

ط:وجوب الإعادة على مَنْ لم يعتقد ما وجب تقديمه عليها من الاعتقاد، أو لم يأخذ بالواجب عليه من استدلال أو استفتاء.

وليس في المقدّمة من الفروض سوى ذلك; لأنّ ما ذكر فيها تعريف الصلاة الواجبة وتقسيمها إلى أقسامها السبعة والإشارة إلى تنويع ما يتعلّق بها، وليس ذلك من الفروض في شيء، فهذه هي الستون التي أرادها المصنّف.


الصفحة 114
فإن قلت: وجوب قصر رباعيّة السفر بالشروط المذكورة إن كان من المقدّمات فقد زادت الفروض المتقدّمة على الستين، وإن لم يكن منها فما معنى ذكرها هنا وأي مناسبة لذلك؟

قلتُ: وجوب القصر من الفروض المقارنة والكيفيّات اللاحقة لنفس الصلاة كالتمام، وليس هو من المقدّمات، وأمّا ذكره هنا; فلأنّ وجوب القصر لمّا لم يكن أكثريّاً بالنسبة إلى التمام كان كالفضلة، ولما ذكر وجوب الستّين فرضاً حضراً وسفراً حصلت المناسبة بذكرِ السفرِ، فاستطرد لذكر بقيّة أحكامه وراعى التنبيه على أنّ ذلك ليس من جملة المقدّمات بالعطف بـ (ثم) الدالة على التراخي، والافتراق بين المعطوف والمعطوف عليه خوفاً من حصول اللبس.

فإن قلتَ: هلاّ ذَكَرَ أحكام الخوف هنا; لمناسبتها أحكام السفر في وجوب القصر.

قلتُ: أحكام الخوف وإن ناسبت أحكام السفر في القصر، لكنها تخالفها في بقيّة الهيئة، ولما كان ذِكْرُ أحكام السفر هنا استطرادياً، ذَكَرَ أحكام الخوف مع أحكام القضاء; لمناسبة اتّفقت له هناك، فكان أولى من ذكره من السفر هنا، إذ هو في غير موضعه، ولا يكون الشيء كلاً لنفسه ولغيره.

قوله: (ثم شمول السفر للوقت موجب قصر رباعية)(1).

أشار بهذا إلى تحقيق السفر الموجب للقصر، وبيان شروطه وأحكامه، والشروط ستة:

____________

1- ص 508 س2.


الصفحة 115
الأوّل: شمول السفر ـ الآتي تعيينه ـ للوقت، والشمول مصدر شمل الأمر بالكسر يشمل بالفتح: إذا عمَّ.

والمراد كون السفر مستوعباً لوقت الصلاة من أوّله إلى آخره، فلو قصر عنه في أوّله بمقدار أداء الصلاة، بأن كان بلوغه محلّ الترخّص حين الخروج بعد دخول الوقت، بحيث لو أراد تأدية واجب الصلاة لأمكنه، ففي وجوب القصر، أو الاتمام، أو التخيير، أو التفصيل بسعة الوقت فالاتمام وضيقه فالقصر، أقوال، أصحها الثاني; اعتباراً لحال الوجوب.

وكذا لو قصر عنه في آخره، بأن حضر قبل خروج الوقت بمقدار الأداء على الأشهر.

وأولى بهذا الحكم ما لو حضر من أوّله وآخره معاً كذلك، كأن يسافر من أحد منزليه الذي يلزمه الاتمام فيه بعد الدخول إلى منزل آخر له يلزمه الاتمام فيه، وبينهما مسافة، فقطعها في السفينة مثلاً وبلغ المنزل قبل الخروج، وهذه مستفادة من مفهوم قوله: (ثم شمول).

واعتبار إدراك قدر الصلاة تماماً; لشدّةِ ظهوره، غنّي عن التعرّض إليه، فلذلك أطلق المصنّف العبارة.

وقوله (موجب) فيه تنبيه على أنّ القصر عزيمة لا رخصة، فلو أتمّ عامداً عالماً بوجوب القصر أعاد مطلقاً، لا إن كان جاهلاً مُطلقاً على الأشهر، وفي الناسي أقوال، أعدلها الإعادة في الوقت.

والضمير في قوله: (رباعية) عائدٌ إلى السفر وإن كان مضافاً إليه، كقوله تعالى: {كمثل الحمار يحمل أسفاراً}(1). واحترز به عن الثنائيّة

____________

1- الجمعة: 5.


الصفحة 116
والثلاثيّة فلا يدخلها القصر إجماعاً، وعن رباعيّة غير السفر فلا يسوغ القصر في فوائت الحضر وإن صلّيت سفراً.

واللام في قوله: (في غير الأربعة) للعهد الذهني، والمعهود ما تقرّر من مذهب الأصحاب ـ وتفرّدوا به ـ وهو تخيير المسافر بين اتمام الصلاة وقصرها في مسجدي مكة والمدينة وبلديهما على الأظهر ـ والأحوط الاقتصار على المسجدين ـ وعلى مسجد الكوفة، والحائر المقدّس، وهو ما دار عليه سور الحضرة الحسينية على مشرّفها أفضل الصلاة والسّلام.

قوله: (أداءً وقضاءً)(1).

منصوبان على الحال من رباعيّة السفر، والعامل هو المصدر، والمعنى أنّ قصور رباعيّة السفر حتم، سواء صلّيت أداءً في السفر أو قضاء في السفر والحضر; لعموم " فليقضها كما فاتته "(2).

ويعلم من قوله: (في غير الأربعة) أنّ الفائت في أحدها سفراً يجب قصره إن قُضي في غيرها.

والباء في قوله: (بقصد) للسببيّة، ومتعلّقها (موجب)، فهو ظرف لغو، وأشار به إلى الشرط الثاني للقصر، وبه يخرج مَن لا قصد له كالهائم، أوله قصد غير معلوم كطالب الآبق والضالة، ومَن له قصد معلوم لا يبلغ ثمانية فراسخ، فلا يسوغ القصر لواحد من هؤلاء; لفقد الشرط.

ويُستثنى من الثالث مَنْ قصد أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه أو ليلته دون ما زاد على ذلك، وهذه واردة على العبارة، إذ لو تكلّف متكلّف

____________

1- ص 509 س1.

2- الكافي 3: 435 حديث 7، التهذيب 3: 162 حديث 350، عوالي اللآلي 3: 107 حديث 150.


الصفحة 117
إدخالها في العبارة لدخل المتردّد في ثلاثة كذلك، وهو باطل قطعاً.

والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون اصبعاً، والاصبع سبع شعيرات عرضاً، والشعيرة سبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

ويثبت بشهادة عدلين، وفي العدل الواحد تردّد، ويكفي مسير يوم في الأرض المعتدلة، والسفر المعتدل سير الانتقال. ويستفاد من عموم العبارة ترخّص مَن سلك أبعد الطريقين مع قصر الآخر عن المسافة وإن كان للترخّص لا غير.

قوله: (وخفاء الجدران)(1).

بالجر عطفاً على (قصد)، وأشار به إلى الشرط الثالث للقصر، وهو الضرب في الأرض مع الخفاء المذكور.

ونبّه بعطف الأذان على الجدران بالواو الدال على الجمع المطلق دون (أو) على اعتبار خفائهما معاً، فلا يكفي أحدهما في الخروج على الأظهر بين المتأخّرين.

والمراد أذان بلده وجدرانه، حذف المضاف إليه; لظهوره وعوّض منه اللام.

والمراد بخفاء الجدران: خفاء صورتها وإن وقع حسّ البصر على شبحها على الظاهر; لاتفاق ذلك مع البعد المفرط. ويكفي إدراك آخر جدران البلد ما لم يخرج في السعة عن العادة، فتعتبر المحلّة.

ولا عبرة بأعلام البلد كالمنابر والقباب، ولا بالصوت المفرط العلو،

____________

1- ص 510 س1.


الصفحة 118
نعم لابُدَّ من خفائه بالكليّة على الراجح; لصدق سماعه مع إدراك أصل الصوت وإن لم تتميّز فصوله.

وقوله: (ولو تقديراً) معطوف على محذوف تقديره: وخفائهما على كلّ حال لو كان تحقيقياً ولو كان تقديراً، ويندرج فيه مسائل:

الاُولى: ساكن الحلّة كالبدوي، واقتصر في (الذكرى) على اعتبار الأذان بالنسبة إليه، واحتمل التقدير في الجد(1).

الثانية: ذو العمى والصم أو أحدهما.

الثالثة: المسافر ليلاً ولا صوت هناك.

الرابعة: المرتفعة جدّاً.

الخامسة: المنخفضة جدّاً.

السادسة: السور الجامع قوي.

السابعة: أن يكون هناك حائل.

وقوله: (وعدم) بالجر عطفاً على (خفاء)، وأشار به إلى الشرط الرابع للقصر، وهو اعتبار كونه سائغاً. فلو كان السفر نفسه معصية كسفر الآبق، والناشز، وتابع الجائر، وقاطع الطريق، والباغي، والتاجر في(2)المحرّمات، والسفر المنافي لفعل الجمعة ونحوها بعد الوجوب.

ولو عدل عن المعصية اعتبرت المسافة من حينه.

ويتحقّق كون السفر معصية ولو بكون غايته المطلوبة منه معصية، أمّا لو انتفى كونه معصية وكون غايته أيضاً كذلك فالترخيص ثابت وإن عصى في أثناء السفر، وإلى ذلك كلّه أشار بقوله: (وعدمِ المعصية بهِ) أي

____________

1- الذكرى: 256.

2- والتاجر في: لم ترد في " ش ".


الصفحة 119
بالسفر، فيندرج فيه الأمران السابقان ويخرج عنه الثالث.

وقوله: (وانتفاءِ) بالجر أيضاً عطف على (عدم) لاعلى (المعصية); لفساد المعنى، فإنّ عدم الانتفاء ثبوت، وأشار به إلى الشرط الخامس له، وهو انتفاء وصول المسافر إلى أحد الأماكن الثلاثة:

أمّا إلى بلده، ومرجع الضمير وإن لم يكن مصرّحاً به لكنّه مدلول عليه بما سبق ذِكّرهُ من السفر والقصد; لاستلزامها مسافراً قاصداً.

والمراد بالوصول ما يومئ إليه اشتراط خفاء الجدران والأذان معاً، أعني بلوغه موضع إدراك أحدهما، فاللام للعهد الذكري.

وإمّا إلى بلد ينوي فيه إقامة عشرة أيام، أو يُقيم فيه ثلاثين يوماً على التردّد بغير نيّة، وهو المراد بقوله: (مطلقاً)، فإنّ وصوله إلى أحدِ هذه الأماكن الثلاثة قاطع للسفر بشرط الإقامة المذكورة في الثالث، فيجب الاتمام حينئذ وإن أراد الخروج قريباً.

والمراد بـ (بلده) هو البلد الذي له فيه مُلك ولو نخلة لا يخرج عن حدود البلد الشرعيّة، أعني محلّ الترخّص، استوطن ذلك البلد ستة أشهر فصاعداً زمان الملك متوالية أو متفرّقة، بشرط كونه مصلّياً على التمام فيها. وفي حكمه البلد الذي اتخذه دار إقامة على الدوام ولا ملك له فيه بشرط الإقامة المذكورة.

واعلم أنّ عبارة المصنّف هذه متنافية من وجهين:

الاوّل: أنّه بصدد بيان شروط القصر المسوّغة له، وانتفاء الوصول إلى بلده أو إلى موضع(1) ينوي فيه العشرة ليس من الشروط، فإن اُريد

____________

1- في " م ": بلد.