الصفحة 24
ومنهم: الأمير السيّد فيض الله ابن السيّد عبد القاهر الحسيني التفرشي (ت 1025 هـ) له "اُصول الفقه"(1).

ومنهم: الشيخ البهائي محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي (ت 1030 هـ) له "زبدة الاُصول"(2)، وعليها عدد من الشروح والحواشي، ذكر الشيخ الطهراني منها سبعة وعشرين شرحاً وثماني حواش(3).

ومنهم: الشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدين الشهيد (ت 1030 هـ) له "حاشية تهذيب طريق الوصول إلى علم الاُصول"(4).

ومنهم: الفاضل التوني الملا عبدالله بن محمّد البشري الخراساني (ت 1071 هـ) له "الوافية في اُصول الفقه"(5)، ولها عدّة شروح، ذكر الشيخ الطهراني منها سبعة شروح(6).

ومنهم: المولى أحمد ابن المولى خليل الغازي (ت 1083 هـ) له "الحاشية على الحاشية الخليلية" لوالده، وقد توفّي المولى أحمد في حياة والده(7).

ومنهم: المولى خليل القزويني (ت 1089 هـ) له "الحاشية الخليلية" على " عدّة الاُصول " لشيخ الطائفة الطوسي(8).

ومنهم: المولى المحدّث محمد طاهر بن محمد حسين القمّي الشيرازي

____________

1- أمل الآمل 2: 218، الذريعة 2: 208/808.

2- الذريعة 12: 19/115.

3- الذريعة 6: 102 ـ 103، و13: 297 ـ 302.

4- الذريعة 6: 55/276.

5- الذريعة 25: 17/83.

6- الذريعة 14: 166 ـ 167.

7- الذريعة 6: 78/403.

8- الذريعة 6: 78.


الصفحة 25
(ت 1098 هـ) له "اُصول الفقه"(1).

ومنهم: الشيخ محمد بن محمد بن الحسين الحرّ العاملي (ت 1098 هـ) له "اُصول الفقه"(2).

القرن الثاني عشر

نتيجةً لتوسّع الفكر الأخباري في هذا القرن، وظهور علماء كبار يعتقدون به ويدافعون عنه، نُشاهد تراجعاً ملحوظاً في حركة التدوين الاُصوليّة، والاهتمام بتدوين الأخبار وما يتعلّق بها. ومع ذلك فقد كتب بعض علمائنا عدّة رسائل في الاُصول:

منهم: المولى محمّد بن عبد الفتّاح التنكابني السراب (ت 1124 هـ) له في الاُصول:

1 ـ "حجيّة الإجماع وخبر الواحد"(3).

2 ـ "عدم جواز خرق الإجماع المركّب وإحداث قول ثالث"(4).

ومنهم: بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسيني السبزواري الأصفهاني المختاري (ت حدود 1140 هـ) له "حاشية على اُصول المعالم"(5).

ومنهم: السيّد محمد ابن السيّد عبد الكريم البروجردي الأصفهاني (ت قبل 1168 هـ) له رسالة في "الأمر ومباحثه"(6).

____________

1- الذريعة 2: 205.

2- الذريعة 2: 209/813.

3- الذريعة 6: 269/1464.

4- الذريعة 15: 236/1537.

5- الذريعة 6: 209/1169.

6- الذريعة 11: 712.


الصفحة 26
ومنهم: السيّد حسين بن أبي القاسم جعفر الكبير بن الحسين الموسوي الخوانساري (ت 1191 هـ) له "حجّيّة الإجماع"(1).

القرن الثالث عشر

شهد علم الاُصول في هذا القرن توسّعاً مشهوداً في حركة التدوين حتى وصل إلى حدّ الكمال العلمي، وذلك نتيجةً لانكسار شوكة الأخباريّين وغلبة الاُصوليّين عليهم بزعامة الوحيد البهبهاني.

فقد ساهم كثير من العلماء في هذه النهضة الاُصوليّة، وشرعوا بتأليف الرسائل والكتب الاُصولية.

وذكر الشيخ الطهراني عدداً كبيراً منهم في مختلف أبواب موسوعته الكبيرة "الذريعة" فأورد سبعة عشر كتاباً بعنوان "اُصول الفقه"(2).

وإيرادهم جميعاً في هذه المقدّمة يحتلّ مساحة واسعة منها، لذا نذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر:

منهم: الوحيد البهبهاني، الآقا محمد باقر (ت 1206 هـ) له "الاجتهاد والتقليد"(3).

ومنهم: السيّد محمد مهدي ابن السيّد مرتضى الطباطبائي بحر العلوم (ت 1212 هـ) له:

1 ـ "اجتماع الأمر والنهي"(4).

____________

1- الذريعة 6: 267/1457.

2- الذريعة 2: 201 وما بعدها.

3- الذريعة 1: 270/1419.

4- الذريعة 1: 269/1411.


الصفحة 27
2 ـ "أصالة البراءة"(1).

ومنهم: الشيخ جعفر بن خضر الجناجي كاشف الغطاء (ت 1228 هـ)، له "غاية المأمول في علم الاُصول"(2).

ومنهم: الميرزا أبو القاسم بن الحسن الشفتي القمّي (ت 1231 هـ) له:

1 ـ "القوانين المحكمة في الاُصول"(3).

2 ـ "حاشية تهذيب طريق الوصول إلى علم الاُصول"(4).

ومنهم: الشيخ محمد تقي بن محمد رحيم الأصفهاني (ت 1248 هـ) له "هداية المسترشدين في شرح معالم الدين"(5).

ومنهم: الشيخ محمد حسين بن محمد رحيم الأصفهاني (ت 1250 هـ) له "الفصول الغرويّة في الاُصول الفقهية"(6).

ومنهم: السيّد محمد مهدي ابن الأمير السيّد علي الطباطبائي الحائري (ت1260 هـ) له رسالة في "المشترك"(7).

ومنهم: الشيخ محمد إبراهيم بن محمد حسن الخراساني الأصفهاني (ت 1261 هـ) له "إشارات الاُصول"(8).

ومنهم: الملاّ محمد تقي بن حسين علي الهروي الأصفهاني الحائري

____________

1- الذريعة 2: 116/65.

2- الذريعة 16: 16/63.

3- الذريعة 17: 202/1081.

4- الذريعة 6: 54/273.

5- الذريعة 25: 195/228.

6- الذريعة 16: 241/959.

7- الذريعة 21: 39/3854.

8- الذريعة 2: 97/383.


الصفحة 28
(ت 1263 هـ) له "نتائج الأفكار"(1).

ومنهم: الشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1281 هـ) له "فرائد الاُصول" المعروف بـ "الرسائل"(2). له حواشي كثيرة، ذكر الطهراني منها ثمانين حاشية(3).

القرن الرابع عشر

في هذا القرن وأوائل القرن الخامس عشر جرت على علم الاُصول عدّة تغييرات حيث تصدّى عدد من علمائنا الكبار لتهذيبه وتخليصه من بعض الشوائب التي لا تترتّب عليها أيّ ثمرة عمليّة:

منهم: الشيخ المولى محمّد كاظم الخراساني (ت 1329 هـ) له "كفاية الاُصول"(4)، عليها عدّة حواش وشروح، ذكر الشيخ الطهراني منها ثلاثين حاشية وخمسة عشر شرحاً(5).

ومنهم: الميرزا محمّد حسين النائيني (ت 1355 هـ) له عدّة تقريرات لأبحاثه الاُصولية ورسالتان في المعاني الحرفية والترتّب، ويأتي الكلام عنها ضمن ترجمة وجيزة عن حياته (قدس سره).

ومنهم: الشيخ عبد الكريم الحائري (ت 1355 هـ) مؤسّس الحوزة العلميّة في مدينة قم المقدّسة، له "درر الفوائد".

ومنهم: الآقا ضياء الدين العراقي (ت 1361 هـ) له "مقالات الاُصول"(6).

____________

1- الذريعة 24: 43/212.

2- الذريعة 16: 132/292.

3- الذريعة 6: 152 ـ 162.

4- الذريعة 18: 88/810.

5- الذريعة 6: 86 ـ 189، و14: 33 ـ 35.

6- الذريعة 21: 389/5599.


الصفحة 29
ومنهم: الشيخ محمد حسين الأصفهاني الكمپاني (ت 1361 هـ) له "نهاية الدراية في شرح الكفاية"(1).

ومنهم: السيّد حسين الطباطبائي البروجردي (ت 1380هـ) له "نهاية الاُصول" وهو عبارة عن تقريراته الاُصوليّة.

ومنهم: السيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1413 هـ) له عدّة تقريرات لأبحاثه الاُصولية، وتعليقة على مباحث الألفاظ من أجود التقريرات ـ الكتاب الماثل أمامك ـ ويأتي الكلام عنها ضمن ترجمته (قدس سره).

ومنهم: الشهيد السيّد محمد باقر الصدر (ت 1400 هـ) له دروس في علم الاُصول، المعبَّر عنه بـ "الحلقات " وتقريرات أبحاثه الاُصولية.

____________

1- الذريعة 24: 400/2131.


الصفحة 30

الصفحة 31

المحقّق النائيني


لسنا بصدد ترجمة كاملة عن حياة المحقّق النائيني قدّس الله نفسه ; فإنّ استيعاب كافّة جوانب حياته المباركة يتطلّب مجالاً واسعاً لا تتحمّله هذه المقدّمة المبنيّة على الاختصار، ولأجله نقتصر على لمحة مختصرة عن حياة هذه الشخصيّة الفذّة.

شخصيّته ومشايخه ومكانته العلميّة

هو الميرزا محمد حسين الغروي النائيني ابن الميرزا عبد الرحيم، ينحدر من اُسرة معروفة في نائين، عريقة في العلم والأدب، وآباؤه وجوه ومشاهير هناك، وكان والده شيخ الإسلام فيها وكذلك أجداده.

ولد (قدس سره) يوم دحو الأرض (25 ذي القعدة الحرام) سنة 1276 هـ، ونشأ وترعرع في نائين، وبدأ دراسته فيها، فقرأ العلوم الأدبية والمنطق وبعض المتون الفقهية عند المهرة من علماء نائين، وفي أوائل بلوغه هاجر إلى أصبهان، وأكمل السطوح الفقهية والاُصولية عند أساتذتها، وبعدما استغنى عنها حضر في الاُصول ـ حسبما صرّح به هو (قدس سره) في بعض كتاباته عن دراسته في هذه الحاضرة العلمية ـ على المحقّق الورع الميرزا أبي المعالي الكلباسي صاحب " بشارات الاُصول " وكان يحضر على سائر الأساطين حضور فحص واختبار، لكن معظم تلمّذه وتعويله ـ كما كتبه (قدس سره) ـ كان على المحقّق الوحيد والحبر الفريد الشيخ محمد حسين الأصبهاني ـ سبط المحقّق التقي صاحب التعليقة الكبرى على المعالم ـ وقد أكثر (قدس سره) في الثناء على اُستاذه هذا، وقال عنه: "إنّه أكمل العلوم العقليّة والنقليّة

الصفحة 32
ولمّا يبلغ الأربعين من عمره، وكان في كلّ فنٍّ اُستاذه الماهر وبحره الزاخر، وله في علم الهيئة مسلكٌ متوسّطٌ بين المسلكين، وبه يحلّ مشكلات الأخبار".

وكان (قدس سره) يحضر أبحاثه الفقهية والاُصولية والكلامية، ويكتب في مجلس البحث كلّ ما يفيده الاُستاذ بكمال السرعة مترجماً له بالعربية من دون أن يفوته شيء، وكان يتعجّب الاُستاذ والحاضرون من ذلك، وكان اُستاذه هذا يحثّه كثيراً على الحضور معه بحث والده المحقّق الفقيه المتبحّر الشيخ محمد باقر، وهو يمتنع عن ذلك ; لعدم بلوغه من العمر مبلغاً يليق بالحضور في ذلك المجلس العظيم، لكنّ الاُستاذ صنع من الجميل ما أذهب خجلته فأخذه معه إلى ذلك المجلس، وهكذا استمرّ على الحضور على اُستاذه هذا ـ الشيخ محمد باقر ـ وقرأ عنده كتاب البيع والخيارات، وقال (قدس سره) ـ فيما كتب ـ عن شيخه هذا: "إنّه كان من تبحّره في الفقه ـ مع استغراق أوقاته بالمرجعية الكبرى ـ ما يقضي بالعجب".

وهكذا أقام (قدس سره) في أصبهان عشر سنين مكبّاً على الأخذ من أعاظم حوزتها العلمية الغنيّة وأساطينها في المعقول والمنقول إلى أن نال الدرجة العليا ورأى نفسه مستغنياً مكتفياً.

ولم يبق له في البلوغ إلى الغاية والاستيعاب والإحاطة التامّة بنظريّات أعاظم عصره سوى الحضور في عالي مجلس المحقّق الأوحد المجدّد الشيرازي والتقاط ما لديه من الدرر الثمينة والأسرار العلمية التي استوعبها في مدرسة الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)، وكان هذا من بواعث هجرته إلى العراق، فورد سامرّاء سنة 1303 هـ حيث يحلّ فيها زعيمها السيّد المجدّد، ويحيط به كبار تلامذته، فانضمّ إليهم في حلقات درسه، وتعرّف به الاُستاذ المعظم، فشاهد من نبوغه وعبقريته ما أعجبه، فقرّبه إلى نفسه واهتمّ برعايته اهتماماً بالغاً حتى أصبح من خواصّ أصحابه وحواريّيه ونخبة تلامذته وحملة أسراره وهو بعدُ شابٌّ لم يبلغ الثلاثين.


الصفحة 33
قال الحجّة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كلمته التأبينية: "عرفت تلك النفس التي هي إلى صقع عالم الملكوت أقرب منها إلى صقع عالم الملك، وباُفق عالم الأرواح المجرّدة ألصق منها بعالم الأرواح المتعلّقة بالمادة... ثمّ قال: عرفت الميرزا النائيني في سامرّاء وهو يومئذ مطمح الأنظار ومسرح الأفكار وموضع إشارة الأنامل... وكانت له المنزلة التي يُغبَط عليها عند المرجع الأعلى ـ السيد الشيرازي ـ إذ كان يَعدُّه من ذوي الرأي والمشورة، ويُحضره في المهمّات التي يحضرها أهل الحلّ والعقد... إلى أن يقول: وكانت كلّ أحواله وأعماله وعلومه تدلّ على نفس كبيرة ذات قدسيّة كريمة قليلة النظير أو معدومة المثيل".

أجل، كان (قدس سره) أثناء ملازمته لأبحاث اُستاذه الكبير يحضر مجالس جمع من أعيان العصر حضورَ بحث ومذاكرة لا حضورَ تلمّذ واستفادة، منهم السيّد محمد الفشاركي، والسيّد إسماعيل الصدر، والميرزا محمد تقي الشيرازي، وكان السيّد المجدّد اُستاذه الوحيد الذي كان يعظّمه ويبجّله طيلة حياته ويعبّر عنه في مؤلّفاته ـ كرسالة الصلاة في المشكوك وغيرها ـ بـ " سيّدنا الاُستاذ الأكبر " ويعبّر عن غيره من مشايخ ذلك العصر بـ " بعض مَنْ عاصرناهم " أو نحوه، كما يظهر بالمراجعة.

وهكذا استمرّ (قدس سره) على الإقامة في سامرّاء إلى أن أجاب الاُستاذ الأكبر داعي ربّه سنة 1312 هـ، فآثَرَ أن يبقى بعده هناك اُسوةً بكثير من أقرانه من العلماء ليقيموا نظام تلك المدرسة العالية، وينهجوا منهج زعيمهم، لكنّ الظروف حالت دون استمرارهم في ذلك وألجأتهم إلى الهجرة، فهاجر المترجم له سنة 1314 هـ إلى كربلاء المقدّسة بصحبة السيّد الصدر (قدس سره) إذ كانت بينهما رابطة وثيقة، وبقي هناك مدّةً ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف عازماً على الإقامة فيها، فاشتغل بالبحث والتدريس والتحقيق والتعميق وتجديد المباني الاُصولية وتأسيسها على اُسس

الصفحة 34
قويمة وتنقيحها بدقّة فائقة وإتقان عديم النظير ولأجله عُدَّ مجدّداً لعلم الاُصول.

قال العلاّمة الطهراني في طبقاته: "كان له (قدس سره) تضلّعٌ وبراعة في الآداب اللغوية فارسية وعربية، ورسوخٌ في الكلام والفلسفة، وتوحّدٌ في الفقه، أمّا هو في الاُصول فأمرٌ عظيم ; لأنّه أحاط بكلّيّاته، ودقّقه تدقيقاً مدهشاً، وأتقنه إتقاناً غريباً، وقد رَنَّ الفضاء بأقواله ونظريّاته العميقة كما انطبعت أفكار أكثر المعاصرين بطابع خاص من آرائه حتى عُدّ مجدّداً في هذا العلم" ثمّ قال: "وكان لبحثه ميزة خاصّة ; لدقّة مسلكه وغموض تحقيقاته، فلا يحضره إلاّ ذووا الكفاءة من أهل النظر، ولا مجال فيه للناشئة والمتوسّطين ; لقصورهم عن الاستفادة منه، لذلك كان تلامذته المختصّون به هم الذين تعلق عليهم الآمال، وهكذا برز فيهم أفذاذ أصبحوا اليوم قادة الحركة العلمية والفكرية والمدرّسين المشاهير"(1).

وكان (قدس سره) ـ إلى جانب تحقيقه وتدريسه ـ ساهراً على نصرة الدين، مُجدّاً في إعلاء كلمة المسلمين وإصلاح شأنهم، فكان لا يدّخر من آرائه السديدة شيئاً إلاّ أبداه، ففي نهضة المشروطة كان أقوى ساعد لزعيمها الخراساني يعينه بفكره الصائب ورأيه الثاقب، وكانت الرسائل المهمّة المرسلة إلى رجال الدين والسياسة في إيران والمرتبطة بهذه الحركة الإصلاحيّة تصدر منه ; لتفوّقِهِ في هذه الشؤون، وقد ألّف في ذلك رسالته الشهيرة " تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة " التي أدهشت عقول السّاسة المتفكّرين.

وعند احتلال القوات الأجنبية للعراق وتعيين الملك فيصل ملكاً عليها قرّرت الحكومة إقامة مجلس نيابي وتعيين وزراء للدولة فعارضها المترجم له ومَنْ عاصره من العلماء، وحرّموا المشاركة في الانتخابات احتجاجاً على التدخّل

____________

1- طبقات أعلام الشيعة (نقباء البشر في القرن الرابع عشر): 594 ـ 595.


الصفحة 35
الأجنبي، فقامت الحكومة بنفي الشيخ الخالصي من البلاد ممّا أدّى إلى حدوث اضطرابات ومظاهرات في العراق، فقرّر الميرزا النائيني المغادرة إلى إيران، فغادر إليها ـ ومعه جمع من أكابر العلماء وعلى رأسهم آية الله السيّد أبو الحسن الأصفهاني ـ واستقرّ في مدينة قم المقدّسة حيث استقبله لدى وروده زعيمها ومؤسّس حوزتها العلمية آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري، واحتفى به احتفاءً بالغاً، وأمر تلامذته بالحضور عليه والاستفادة منه، فكانت له مجالس تدريس حافلة، وبعد برهة من الزمن دامت تسعة أشهر وباقتضاء الظروف الدينية والسياسية يومذاك عاد (قدس سره) إلى النجف الأشرف مداوماً على واجبه الديني التوجيهي والتربوي وزعامته الروحية للشيعة.

سجاياه ومآثره

إنّ من العسير ـ في هذا الموجز ـ استيعاب الجوانب الخلقيّة والسلوكيّة للمحقّق النائيني (قدس سره) وإشباع الكلام عن سجاياه الكريمة ومآثره السامية، إلاّ أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، وليس بوسعنا سوى الإشارة الإجمالية إلى ما ثبت بالتواتر وسمعنا ـ ولا نزال نسمع ـ ممّن شاهد وحضر مجلسه من الشيء الكثير في هذا المضمار، وكذلك ما ذكره غير واحد من أجلّة معاصريه وتلامذته في خطبهم ومقالاتهم التي اُلقيت في مجالس تأبينه (قدس سره)، ونشرت وقتئذ في الصحف والمجلاّت العراقية، فإنّها بأجمعها تفصح عن نفسيّته القدسية الكبيرة وأخلاقه المحمّدية الرفيعة ووقاره المنقطع النظير وهيبته الفائقة وهمّته العالية إلى جانب تواضعه وسماحته ولطف عشرته ولين عريكته، كما وتنبئ عن منازل عرفانه وتوجّهه التامّ إلى الله تعالى وانقطاعه إليه وفنائه في ذاته وخوفه الشديد منه وعدم تمالكه في أداء المسؤولية الشرعية بلا اكتراث للوم لائم، وقد شاهد الكثيرون ما

الصفحة 36
كان يعتريه حال وقوفه للصلاة وعند ذكر الموت والآخرة من الرعدة والوجل والبكاء. يقول العلاّمة الطهراني في طبقاته: "كان إذا وقف للصلاة ارتعدت فرائصه وابتلّت لحيته من دموع عينيه "(1) فكانت عبادته عبادة المخلصين وخُلُقه خُلُق الصدّيقين وصفاته صفات المتّقين، يذكّر الله تعالى برؤيته ويدعو إليه بعمله، كما وسمعنا الكثير عن جوانب أدبه وتأديبه وسلوكه وتهذيبه في مجالس بحثه وعلى منابر درسه واهتمامه الشديد بتربية الأكابر والأماثل والعناية التامّة بتهذيبهم وتزكيتهم وبثّ روح الجدّ والاجتهاد فيهم لبلوغ الكمال المطلوب علماً وعملاً وتقوىً وسلوكاً، ولنقتصر هنا بهذا المختصر وللتفصيل مقامٌ آخر. نسأل الله التوفيق للاستضاءة بنوره والاقتداء بسيرته آمين.

تلامذته

حضر دروس المجدّد النائيني عددٌ كبيرٌ من أفاضل الحوزة النجفية، فربّاهم تربية علمية راقية، وتخرّج على يده ثلّة من أكابر الفقهاء والمحقّقين كان لهم بعد رحيله دورٌ كبير في مسيرة الحركة العلمية والزعامة الدينية إذ أصبحوا مدرّسين كباراً ومراجع في التقليد، من أشهرهم: الميرزا مهدي الأصفهاني، والسيّد جمال الدين الگلپايگاني، والشيخ موسى الخوانساري، والميرزا أبو الفضل الخوانساري الأصفهاني، والشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، والسيّد محمود الشاهرودي والسيّد أبو القاسم الخوئي، والشيخ حسين الحلّي، والميرزا حسن البجنوردي، والميرزا باقر الزنجاني، والشيخ علي محمد البروجردي، والسيّد علي مدد القائني، والسيّد هادي الميلاني، والميرزا حسين السبزواري والميرزا

____________

1- طبقات أعلام الشيعة (نقباء البشر في القرن الرابع عشر): 594.


الصفحة 37
محمد نجل الآخوند الخراساني وأخوه الميرزا أحمد، والميرزا أحمد الآشتياني، والشيخ محمد تقي الآملي، والسيّد محمد تقي الخوانساري، والسيّد محمد حسين الطباطبائي والسيّد مرتضى اللنگرودي، والشيخ آغا بزرك الأشرفي الشاهرودي، وغيرهم من الأساتذة والفحول الذين تزعّموا الحوزات الدينية، ونشروا آراء اُستاذهم السديدة، وأنظاره العالية، وقادواالحركة العلمية وقاموا بواجبهم المقدّس أحسن قيام، جزاهم الله عن الإسلام وأهله خير جزاء.

ومن هؤلاء الأكابر مَنْ تَرَكَ أثراً خالداً عن اُستاذه العظيم وذلك بنشر تقرير عن دروسه غذّى به الجوامع العلمية، وهم:

1 ـ الشيخ موسى الخوانساري، كتب تقرير بحث المكاسب "منية الطالب".

2 ـ الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، كتب تقرير بحث الاُصول " فوائد الاُصول " وتقرير بحث الصلاة المطبوع أخيراً.

3 ـ السيّد أبو القاسم الخوئي، كتب تقرير بحث الاُصول "أجود التقريرات" وهو الكتاب الحاضر أمامك.

4 ـ الشيخ محمد تقي الآملي، كتب تقرير كلٍّ من بحثي الصلاة والمكاسب.

مؤلّفاته:

إنّ المجدّد النائيني ـ على الرغم من استغراق أوقاته الثمينة بشؤون الزعامة الكبرى من التدريس والتحقيق وتربية الفضلاء وحلّ المشكلات العلمية والإجابة على المسائل الدينية الفردية والاجتماعية والسياسية وجهاده في الله بفكره ولسانه وقلمه وقدمه ـ قد صدرت من رشحات قلمه المتين كتبٌ ورسائل هي آيةٌ في الدقّة والإتقان، فذّةٌ في إقامة البرهان، فريدة في اُسلوب البيان، وليس الخبر كالمعاينة، وإليك أسماؤها: